كتابات للتقييم أم جعجعة دون طحين

  المحامي محمود عمر
 
كثرت في الآونة الأخيرة وعلى صفحات المواقع الإلكترونية الكردية الكتابات التي يأبى أصحابها إلا إن يقيموا فيها سلبا واقع الحركة الكردية في سوريا , ومن يتأنى قليلا في قراءة هذه النصوص سيتضح له وبيسر بأن صاحب كل مادة من هذه المواد لم يستطع رؤية واقع الحال هذا إلا بعين واحدة , وعبر زاوية واحدة صب فيها جام غضبه و ما يجول في خاطره  من هواجس حول هذا الواقع السوداوي للحركة ورأى أن مصيبتها لا تكمن إلا في شرذمتها, وشر هذه الأخيرة يكمن في قيادات متحصنة في بروجها العاجية , وأسيرة لأنانيتها ومصالحها الشخصية, ولو قورنت مجمل أفكار هذه الكتابات مع بعضها البعض لوجدناها صورة مكررة الشكل والمضمون, ومعظمها لا تأتي بجديد حتى عما تورده صحافة أحزاب الحركة نفسها حول واقعها, ومع افتقار كل هذه الكتابات إلى أية إشارة أو نظرة ايجابية في تاريخ هذه الحركة كجزء لا بد أن يتضمنه أي مقال حتى يوصف بأنه تقييمي أو ناقد, فإنها وعلى الأعم الأغلب تفتقد إلى طرح أية رؤية أو نظرية أو حتى مجرد رأي يطرح للنقاش لإخراج الحركة الكردية من عنق الزجاجة
وفي كل هذا وذاك لا يشفع لنا القول بأننا لا نملك مؤهلات أكاديمية أو إجازات تؤهلنا للتقييم أو التنظير المطلوب, وان وجودنا في ميدان الكتابة لا يختلف عن حال وجود حركتنا في أننا إفراز أو نتاج لهذا الواقع المر, فالإخلاص لقضايانا لا يعني وجودنا في المكان الخطأ, والإنسان الذي لم ينله اليأس لن يعدم الوسيلة التي تمكنه من خدمة ما يربو إليه ,ومن الخطأ أن يدفعنا الشعور بالظلم وعدم الرضا عن الواقع الكائن إلى العبث بما نحن لسنا بالأصل أهل للعبث به, ومن الخطأ الجسيم أيضا وفي ظل افتقادنا الى البدائل الصحيحة والرؤية الواضحة تحريك الأشياء دون أن نحدد لها وجهة معينة, من المهم جدا أن يعرف المرء أهدافه وان يحددها بدقة ولكن ما هو أهم من ذلك معرفته كيفية تحقيق هذه الأهداف والوصول إليها, ولايعني قول أحدهم أن المطلوب هو أن تتوحد الحركة وأن يتخلص قادتها من أنانياتهم  ويكونوا بحجم المسؤولية, وان هدف هذه الوحدة أو التحالف يجب أن يقوم على أساس الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في سوريا لا يعني انه قد أتى بجديد أو انه قدم مشروعا سحريا للحل, فهذه من البديهيات التي أصبح يعرفها القاصي والداني, المبتدأ بالسياسة والهرم فيها ,ولكن المعضلة والسؤال الذي يحتاج إلى إجابة يكمن وفي ظل كل هذه التراكمات كيف الوصول إلى ذلك , هذه هي النظرية التي لم يجتهد فيها أحد من أصحابنا فيما تناولوه,.ولعل حال هؤلاء ـ ومع احترامنا لغيرتهم ووفائهم ـ  كحال ذاك الذي كان يسكن في بستانه مطمئنا وغادر أو اضطر إلى إن يهجره بعد أن تغيرت أحواله, وأصبح بعد ذلك لا يراه من بعيد إلا صحراء قاحلة, وما فيه من نبات ليس سوى هشيما تزروه الرياح, وان سوء حال البستان  ليس إلا نتيجة ان القائم على حراسته شخص كسول أناني أهمل واجباته  وارتكن إلى مصالحه و ملذاته الشخصية , ويأبى صاحبنا هذا أن ير عوامل أخرى قد تفوق  قوة وقدرة الحارس الذي مكث وارتضى أن يعمل في البستان دون أجرة بالتزامن مع هروب بعضنا منه بحجة شح مائه وتلوث هوائه وضآلة إنتاجه , أقول يأبى صاحبنا هذا ان ير عوامل أخرى  قد تتعلق بتغير مناخ المنطقة والبيئة المحيطة  أو تدخل الجوار سلبا أو شحة الماء تكون السبب فيما آل إليه مصير البستان.
الذي أريد قوله إن من الإجحاف  حين التقييم الإشارة إلى ما هو سلبي برأينا فقط, فحتى يكتسب أي موضوع مصداقيته يجب الإشارة  فيه إلى  بعض الجوانب الإيجابية ـ كما سبق الإشارة إليه ـ مهما كانت بنظرنا بسيطة أو صغيرة, فالحركة الكردية في بدأ نشأئها وفي ظل الغلو القومي وفي تشخيصها للظروف الذاتية والموضوعية اختارت طريق النضال السياسي الديمقراطي السلمي كأسلوب لتحقيق ما تربوا إليه في الوقت الذي كانت البندقية هي شعار حركات التحرر في العالم , وكان كل ما دون ذلك من أسلوب للنضال ينظر إليه بدونية, واليوم ها هي كل حركات التحرر في العالم تلقي  بنادقها وتجنح نحو النهج الذي ارتضه الحركة قبل عقود من الزمن, ألا يعتبر ذلك  وفي حينه نضوجا في مستوى الوعي السياسي واستشفافا سليما للمستقبل ,وعلى سبيل المثال لا الحصر لعبت هذه الحركة دورا لا يستهان به على صعيد نشر الوعي القومي في المجتمع الكردي ونشر اللغة والثقافة والفلكلور الكردي  والعمل على تطويرها, وكذلك دورها في الحفاظ على ديموغرافية المناطق الكردية حين وقوفها إلى جانب الفلاحين وتوعيتهم وضرورة تمسكهم بأرضهم التي ورثوها عن أبائهم وأجدادهم و دورها في وأد وإخماد العديد من الفتن السياسية الاجتماعية التي كانت تهدد السلم ووحدة المجتمع الكردي, ودورها في استيعاب أبناء الشعب الكردي رغم الظروف الصعبة , وحضهم على التحصيل العلمي وإبعادهم عن الحركات الإنعزاية والمتطرفة قدر الإمكان, وعدم انجرارها رغم المحاولات الحثيثة في مفاصل عديد ة من تاريخها النضالي إلى صراعات كردية كردية وبقي المجتمع الكردي والى هذه اللحظة, رديفا وفيا لحركته السياسية ولم تنجح كل الوسائل في جر كتل سياسية أو عشائرية  أو اجتماعية إلى الطرف الند من الحركة , والجميع عندما كان يستجد الأمر يشير وبصراحة لا لبس فيها بأن من يمثل الكرد انماهي حركته السياسية ,وكل هذا لم يأتي من فراغ وإنما كان نتيجة لنضال دءوب خلف هذه الذهنية الفكرية والثقافية الأصيلة , وبقيت الحركة الممر والملاذ الأمن للكرد في بقية  الأجزاء حين هروبهم من البطش والتنكيل وطالما وفرت للثورات الكردية المال والغذاء ولن تبخل حتى بدماء أبنائها وهذا غيض من فيض الذي يجب الإشارة إليه حين التقييم وبيان أين أخطأنا وأين أجدنا حتى في كل مفصل من هذه المفاصل.
ومن الإجحاف أيضا وحين التقييم السلبي  تحميل كامل المسؤولية على عاتق قيادات الحركة  فقط  وتجاهل دور الظروف الذاتية والموضوعية و العوامل الإقليمية والكردستانية والعالمية في التأثير على  وضع الحركة,ويجب الإشارة إلى إن الأوضاع العامة في البلاد والتي نتأثر بها سلبا وإيجابا قد خلقت مناخا وهيئت الأجواء ليكون كل شيء قابل للتشتت والسير نحو الأسوأ ,فالكل يعلم بأنه وفي ظل العمل بقانون الطوارئ منذ عدة عقود تعطلت الحياة العامة في البلاد  وتفشت ظاهرة الفساد التي زرعت الشك في كل شيء , وابتعد الناس شيئا فشيئا عن الاهتمام بالشأن العام واتسعت الهوة بين مكونات البلاد, وقد نالت معظم الحركات والأحزاب الموجودة على الساحة نصيبها من التأثير السلبي لهذا الواقع بما فيها الأحزاب المنضوية تحت سقف الجبهة الوطنية, وأصبح المثل الرائج للمواطن السوري أعمل أي شيء ولكن ابتعد عن السياسة, ومع ذلك ظلت الحركة السياسية الكردية محافظة على صواب توجيه بوصلتها قوميا ووطنيا,وظل المجتمع الكردي وبشهادة القوى الوطنية في البلاد مجتمعا حيويا نشط الحراك  وقادرا على التفاعل  مع المستجدات والمتغيرات , وطرق الكرد وبقوة  جميع الأبواب في طول البلاد وعرضها لعرض قضيتهم وإشراك  بقية المكونات ليكونوا شركاء في حلها على اعتبارها قضية وطنية بامتياز  وكان لهم دور بارز في التعاطي مع الشأن العام  ولعل دورهم في رؤية اعلان دمشق النور وكذلك نشاطهم في الجمعيات والمنتديات والمنظمات الحقوقية والثقافية على عموم ساحة الوطن من أبسط الأمثلة على ذلك.

 أخيرا أقول ليس هذا مبررا لأن يبق حالنا على ما هو عليه ولكن من لا يملك طرح البدائل فليتمهل قليلا فتقديم الذات بهذه السلبية المفرطة من شأنه أن يلين العزم لدى البعض من الأصدقاء, ويجعل الحاقدون ـ وكما يقال ـ يضحكون في عبهم بعد أن  يكونوا قد حصلوا وعن طريق براءتنا وبساطتنا في الطرح على ما كان يجند لأجل معرفته أناس كثر وتنفق لأجله أموال طائلة ,وليطمئن هؤلاء الأخوة فالشعوب دائما قادرة على أن تنهض من كبوتها وحقوق الشعوب تشرق مع شمس كل يوم ومن أراد قضمها فليأت بها مع الشمس من المغرب , وحتى لا نفرط  في اليأس وتأنيب الضمير ونحمل أنفسنا فوق طاقتها أذكر الجميع بقول الشاعر: ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك و الغرق.

 القامشلي23/6/2009م

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…