فرمز حسين
كثيرون من الكرد يعولون على توحيد الخطاب الكردي وهو بلاشك مطلب شعبي، و يلاحظه المتابع للأحداث في مناطقنا مع كل مناسبة فيها تقارب بين كلِ من ممثلي محوري أربيل و قنديل، و يعم الأمل الشارع الكردي لأن عامة الناس يترجمون ذلك على أنه دليل على أن قياداتهم يضعون الأولوية في حراكهم السياسي للشأن القومي و الوطني متجاوزين المصالح الحزبية الضيقة.
هذا بالطبع ما يتعلق بالتوجه العام الكردي و لكن الأمور أعمق من ذلك بكثير و في حقيقة الأمر ليست هناك خيارات عديدة مطروحة لقوات كردية مسلحة في سورية بغض النظر عن المحور الذي يتبعون له فقد اتخذت ادارة أردوغان القرار و انتهى الأمر، “ارمو السلاح أو تدفنون معها”! حتى المبادرة في واقع الأمر لم تكن كردية كردية سواء من طرف اقليم كردستان العراق أو من طرف قسد. و هذا ليس تشكيكاً في نوايا قيادة اقليم كردستان في خدمة القضية الكردية أو قسد. فما يتعلق بقيادة الاقليم فهي محكومة من الطرف التركي بالتحرك ضمن مساحة محدودة لها في أي جزء من أجزاء كردستان و هذا ما لاحظناه مؤخراً في النبرة الرزينة و المسالمة في مقابلة أجراها الاعلامي اللبناني إيلي ناكوزي في قناة شمس الكردية الجديدة و الناطقة بالعربية مع السيد مسعود البارزاني. أما قسد فهي رهينة الدعم الأمريكي المشروط بمراعاة مخاوف الجانب التركي من تأجيج الصراع الاثني و تهديد أمنها القومي.
الدلائل كلها تشير إلى أن تركيا هي من طلبت من حكومة اقليم كردستان التدخل لاقناع قسد بالقاء السلاح و العودة الى منازلهم و هذا ما رأيناه في الأسابيع الماضية من خلال دعوة أردوغان رئيس حكومة الاقليم مسرور البارزاني إلى تركيا حيث اجتمع مع كل من وزير الخارجية هاكان فيدان و عدد آخر من المسؤولين الأتراك قبل لقاءه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان ثم العودة حاملاً في جعبته جملة من الايعازات التي عليه ايصالها إلى قوات سورية الديمقراطية. و من ثم ارسال “حميد دربندي” المسؤول في الاقليم عن الملف الكردي في سوريا إلى القامشلي حيث التقى مع قيادات المجلس الوطني الكردي و قيادة قسد و توجت هذه الجهود بلقاء السيد مسعود بارزاني مع قائد قوات قسد الجنرال عبدي في أربيل.
التوافقات الكردية الكردية هي آخر شيئ تهم تركيا ان حصلت أو إن لم تحصل بل على العكس من ذلك فانها تحاول خلق مناخ تنافسي عدائي يجر الأكراد إلى تناحر فيما بينهم، ربما من خلال محاولة استدراج قوات “بشمركة روج” التي قوامها حوالي خمسة آلاف مقاتل من الكورد السوريين و الذين تم تدريبهم و تمويلهم من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني لدخولهم تحت أية زريعة كانت في ساحة الصراع.
ما تخشاه تركيا ليس السلاح فقط بل وجود هذا السلاح للدفاع عن قضية عادلة لشعب عانى الاضطهاد و التهميش لعقود طويلة و لذلك هي لن تغير من سياستها العدوانية تجاه الكرد و لن توقف من هجومها المباشر أو عبر وكلائها على المناطق الكردية لكنها تفكر أكثر من مرة قبل أن تقدم على خطوة من شأنها التأثير سلباً على علاقتها الاستراتيجية مع أمريكا و على مايبدو بأنها حتى تاريخه لم تفلح في الحصول على الضوء الأخضر لا من إدارة بايدن المنتهية ولايته و لا من إدارة ترمب التي بدأت مهامها الرسمية، لكن رد ترامب لن يطول كثيرأً بل سرعان ما يتوضح الموقف السياسي الأمريكي حيال الشرق الأوسط عموماً و شمال شرقي سوريا خصوصاً و هذا أكيد لأن ترمب ليس فقط رجل أعمال بل رجل أفعال أيضاً و لقد اتخذ كماً من القرارت الهامة خلال أربعة أيام من بدء فترة توليه المنصب للمرة الثانية أكثر من مجمل القرارت التي اتخذها بايدن و سلفه الديمقراطي أوباما معاً في أربعة أعوام.
ستوكهولم
2025-01-26