جان كورد في حوار مع غسان المفلح

 س1: ماذا يريد العرب حقا من المفاوضات المباشرة وغير المباشرة مع اسرائيل؟ ارغام الاسرائيليين على ترك فلسطين والعودة إلى بلدانهم الأصلية التي جاؤوا منها؟ أم مجرّد اقامة دولتين بينهما معاهدة سلام وعدم اعتداء؟ ولماذا لايمكن بناء ائتلاف فلسطيني كالائتلاف الحاكم في اسرائيل لايجاد خطاب وطني موحد؟ من الذي يعيق ذلك؟

جواب1- بداية أشكر أستاذنا جان كورد، على إثارة الحوار عبر هذه الأسئلة المهمة.

والسؤال الأول فيه مغالطات واضحة، في أنه وضع العرب ككتلة واحدة وذات موقف موحد مما يدور في متاهات الصراع العربي الإسرائيلي، وهذا غير صحيح مطلقا، هنالك عدة أفرقاء عرب، في هذا الموضوع.

وهذه مغالطة أولى، أما المغالطة الثانية فهي التي قلبت السؤال: في الواقع ماذا تريد إسرائيل ومعها الغرب من العرب عموما والفلسطينيين خصوصا؟
والسبب هو أن الأقوى في المعادلة هو الذي يجب أن نتقصى إرادته، وليس الطرف الأضعف، والمغتصب حقه وهم هنا الفلسطينيون، والسوريون من خلال الجولان المحتل.

وبات الآن الوضع أكثر وضوحا لأن الطرف المحتلة أرضه عاجز عن إنتاج موقف، بفرض فيه السلام.

ولهذا هو عاجز عن رؤية متطلبات الصراع خارج أطر مصالحه الضيقة، بينما في إسرائيل هنالك مؤسسات لها حضورها في القرار بمعزل عن مصالح شخوصها.

ومن الواضح أكثر أن هذه المؤسسات الإسرائيلية، ومعها النظام في دمشق تؤسس دوما لعدم الاستقرار في المنطقة، والسلام الحقيقي آخر همها، ولهذا نرى ما نراه من فوضى في الساحة الفلسطينية، دون أن نرى الدور الإيراني أيضا.

لم يعد هنالك من العرب من يطرح عودة اليهود إلى بلدانهم، بل يطرحون عودة الفلسطينيين إلى أرضهم ومجتمعهم.

وهنا لب المشكلة.

س2: قرأت لبعض اليهود من أصل كوردي، كان قد نزح آباؤهم وأجدادهم وهم صغار من كوردستان العراق إلى اسرائيل بأنهم يسعون للعودة إلى كوردستان والعيش فيها كالسابق، فهل يقبل العرب بتلك الهجرة الطوعية الارتجاعية ومثل هؤلاء اليهود الكورد يهود سوريون ولبنانيون ومغاربة ومصريون أيضا؟

جواب2- ولم لا..وما المانع من ذلك؟

س3:هل ولاية الفقيه أرحم بشعوب المنطقة وأقرب إلى الديموقراطية مما سماه الأستاذ غسان المفلح ب”ولاية الرئيس”، أم أن النظام العربي الذي ينتقل فيه الحكم من الأب إلى الابن كانفولونزا الدجاج أفضل؟

جواب3- أعتقد ان البلدان العربية لاتوضع في نفس الخانة أيضا، وما تبقى أجبت عنه في أكثر من مناسبة، وأكثر من مقال.

فهناك بلد مثل مصر لا تقارن على مستوى الحريات والمؤسساتية مع دولة مثل سورية.

وبنفس الوقت الديكتاتورية لم تكن فقط خاصية عربية، بل هي أعم وأشمل من ذلك وعلينا قراءتها وفق سياقات المشروع الغربي في المنطقة بوصفه المشروع الكوني الوحيد المطروح على العالم، كنموذج يجب الاقتداء به.

إنظر على تجربة كوردستان العراق مثلا!

س4: تركيا تسعى الآن بكل قوة لاحتواء التقدم الاقتصادي والسياسي الذي عليه كوردستان العراق من خلال دعم الانتاج الكوردي للبترول والغاز بعقود مع شركات تركية؟ رغم أن تركيا لاتعترف رسميا بالاقليم الكوردي حتى الآن، في حين لايران قنصليتان في الاقليم الكوردي…ألا توجد هناك شركات عربية قادرة على أن تفعل نفس الشيء من خلال الاعتراف بالاقليم الكوردي الفيدرالي والتنسيق معه لكي لايصبح لقمة سائغة في أفواه الطموح التركي؟

جواب4- هذا صحيح هنالك تقصير عربي في هذا الاتجاه ولكن ليس تجاه الأقليم فقط بل تجاه العراق كله.

والسؤال نفسه يحمل في طياته أيضا سؤالا مغفلا وهو” هل تعترف النخب الكردية الحاكمة، وغير الحاكمة في كوردستان العراق، بالفيدرالية وتعمل وفق مبادئها الحقوقية والسياسية؟ والسؤال الآخر هل القنصلية التركية في حلب مثلا أو الروسية، إذا أرادت شيئا من حلب تتوجه إلى محافظ حلب أم إلى الإدارة المركزية في البلاد؟ وهنا التناقض الذي يجب حله هناك.

لأن سيادة الدول لا تتجزأ مطلقا وعندما تتجزأ نكون أمام دول وليس أمام دولة واحدة، وهذا هو سر فشل النموذج العراقي من زاوية فهمه للديمقراطية التوافقية.

إعلان استقلال الإقليم أفضل من الشراكة التي تعتمد على – الهبش- وفقا لميزان القوى السياسي والعسكري وهذا لايؤسس لأي تعايش حقيقي.

س5: لماذا يستطيع المثقف العربي الاعتراف بدولة كجزر القمر ولايستطيع قبول الشيء ذاته لأمة كوردية تزيد عن الأربعين مليونا من البشر تعيش على مساحة واحدة لاتفصلها سوى حدود استعمارية مصطنعة بموجب معاهدة استعمارية قديمة؟ ولماذا يناضل بعض هؤلاء المثقفين من أجل وحدة الأمة العربية ويعارضون في الوقت ذاته وحدة الأمة الكوردية بشتى الذرائع والحجج؟

جواب5- أولا لايوجد أمة كردية يوجد قومية كردية، ولا يمكن للأمة ان توجد بدون دولتها، والأمة يمكن أن تحوي مكونات غير الكرد، على عكس القومية.

وهذه الدولة لم توجد في السابق عند الكرد، ولهذا لم توجد الأمة بعد، ولكن العرب كان لهم دولة، ولهذا كان من الممكن الحديث عن أمة عربية، أو إسلامية إن شئت والكورد جزء أصيل منها، ولكن الآن العرب هم أمام تشكل أمم عربية وفقا لتعداد الدول العربية.

وهذا ما يجب أن تنتبه له النخب الكردية.

ولنترك الشعارات عند الطرفين فليس لها معنى خارج ما يتم على الأرض.

في تركيا مثلا” الأمة التركية منذ تشكلها والكورد عنصرا رئيسيا فيها.

وتاريخيا لم توجد دولة تسود على كامل ما تطلق عليه الآن النخب الكردية بكوردستان فهذه الكوردستان أيضا هي حديثة العهد مع دخول الغرب إلى المنطقة.

وهذه قضية لا ترتبط بمسألة الحقوق السياسية في الدول الموجودة الآن وفيها كورد.

ومفارقة أخرى لابد من ذكرها، إذا كان الاستعمار هو من وضع هذه الخارطة، فلماذا إذا هذا العداء للعرب؟ وكأن العرب هم من يمنعون تشكل الأمة الكوردية.

كما أن التركيز على إسرائيل، من النخب الكردية، دون ذكر أن النخب الإسرائيلية كلها متفقة على أن يعترف العالم كله بأن إسرائيل هي دولة يهودية رغم أن ربع سكانها عرب! وهذا يقودنا إلى أزدواجية التعاطي السياسي الكردي في سورية مع شعارات قومية حتى ولو كان لها بعدا حقوقيا.

والتركيز على وجه الصراع الذي يحوله إلى صراع على الهوية مع بقية مكونات المجتمع السوري، بينما يجب أن يكون الصراع هو صراعا على الحرية لكل مكونات الشعب السوري.

وحتى الجغرافيا السياسية في سورية والديموغرافيا السياسية تقتضي عدم سحب تجربة العراق على سورية.

وهذا السحب هو الذي خلق مزيدا من الشقاق داخل نخب المعارضة السورية، كما أنه من الجهة المقابلة، يجب على النخب العربية الاعتراف بخصوصية المسألة الكردية تحت سقف السيادة الواحدة لدولة ديمقراطية مأمولة.والموضوع بحاجة على مزيد من الحوار..أرجو ان يستمر ويكون الطريق الوحيد بين كل النخب السياسية.

س6: الخميني خاصم العرب لأسباب طائفية ومذهبية بحتة، وأردوغان اقترب من العرب لأسباب دينية – مذهبية أيضا، وأوباما يقترب يدغدغ العرب حاليا بعواطف دينية، فهل نقطة الضعف لدى العرب هي “الدين” حقا، كماقال ابن خلدون أيضا في مقدمته الشهيرة؟ أم أن هناك نقاط ضعف أخرى، وما هي أهمها؟

جواب6- الدين الراهن هو منتج سياسي، وليس منتج ديني، ولم يكن الدين نقطة ضعف عند العرب، إلا في الزمن المعاصر، لأن طبيعة المستوى السياسي بعد سقوط السوفييت جعل الدين الراهن منتج رائع لنهاية الحرب الباردة، ووراءه مصالح وكتل دولية وإقليمية ومحلية، واسباب اخرى يطول شرحها.

كما أن الخميني لم يخاصم العرب أصلا، ولكن المشروع الإيراني احتاج إلى إداة مذهبية وطائفية وهو في النهاية مشروع سياسي وليس مشروعا دينيا.

سؤال ملحق- وهل رفض الاسلاميين العرب لرئيس أميركي مثل أوباما في هذا الوقت أمر واقعي؟ أليس وصول شخص كهذا إلى حكم الولايات المتحدة فرصة مؤاتية لمنطقتنا؟

جواب ملحق- والإسلاميون العرب لم يرفضوا مطلقا مبادرة أوباما..بل حاولوا ابتزازه من موقع القوة التي شعروا بها، نتيجة لتغير موازين القوى في المنطقة، ومأزق السياسة الأمريكية.

وانا أرى أن أوباما حاول خلط الأوراق فتعامل مع نجاد كما يتعامل مع الأسد، كما يتعامل مع مهدي عاكف في نفس السلة إسلام! وهذا محض نفاق.

وستدفع شعوب المنطقة ثمنا لهذه المبادرة إن استمر العمل وفقا لها.

س7: هل المشاكل الداخلية في ايران من صنع أمريكا واسرائيل حقا كما يزعم المرشد الأعلى آية الله خامئني أم أن نظام الخميني بات يهتز من أساسه؟

جواب7- النظام لم يهتز ولم تكن الاضطرابات من صنع أمريكا ولا إسرائيل، النظام الإيراني يحمل من المرونة والقوة القمعية، ما يجعله قادرا على مواجهة ما يجري.

لأنه حتى اللحظة لم تطرح المظاهرات بديلا للنظام الفقهي هذا.

وقد وضحت بعضا من أوجه القضية في مقالتي الأخيرة” بين ولاية الفقيه وولاية الرئيس”

س8: آن الأوان لأن يعتبر النظام السوري مما يجري في ايران، برأيكم هل النظام السوري قادر على تغيير نفسه في هذه المرحلة الجديدة، أم أن قطاره قد ترك المحطة وعلى الشعب السوري ايجاد قطار جديد له؟

جواب8- النظام السوري لن تعني له هذه المظاهرات والاحتجاجات شيئا ما لم يتغير النظام برمته في إيران وهذا غير قائم حاليا.

حاجة الشعب السوري للديمقراطية لا تخضع لموازين قوى متغيرة بل تخضع لبعد استرتيجي يعيد للمجتمع السوري دوره ويعيد له دولته وثروته وحريته.

س9: بعض السوريين المهمين أوقفوا معارضتهم للنظام لوضعهم موضوع “فلسطين” على رأس أولوياتهم، وبرروا وقف المعارضة تجاه نظام الأسد بأنه يلتقي معهم في تلك النقطة الحساسة، برأيكم من المستفيد الأكبر من ترك المعارضة بهذا الشكل، الشعب السوري أم النظام، وهل النظام حقا مثلما يظنه هؤلاء السوريون؟ وخاصة بعدما جرى حتى الآن بين دمشق ووواشنطن من تقارب؟

جواب9- النظام وحده استفاد من هذا الموقف وضافها إلى رصيده وانتهى الأمر، والتعليق بات أمرا خارج تفكير النظام الآن! ولم يعد يهمه سواء استمر أصحابه في موقفهم أم تراجعوا عنه، لأنهم وضعوا في حالة انعدام الوزن، فلم يعودوا مع الذين أمنوا ولا مع الذين كفروا، لهذا هم يحاولون الآن أن يعودوا إلى المعارضة ولكن عبر بوابة إعلان دمشق، ودون أن يقوموا بمراجعة ما لموقفهم هذا.

وأتمنى أن يعودوا إلى إعلان دمشق ولكن بعد مراجعة لموقفهم.

س10: برأيكم هل يحتاج السوريون إلى مشروع جديد لتوحيد أو تمتين صفوف المعارضة أم أن الوضع الحالي أفضل، ويجب رفض أي مبادرة جديدة مخافة أن يثير ذلك مشاكل جديدة؟

جواب10- نعم وكنت قد طرحت هذا الموضوع في أكثر من مناسبة وأعيد تلخيصه هنا:
” المعارضة بحاجة إلى توافق على أربعة نقاط:
– إلغاء المادة الثالثة من الدستور السوري، التي تنص على أن يكون دين رئيس الدولة مسلم.
– إلغاء المادة الثامنة التي تقضي بقيادة البعث للدولة والمجتمع.

– قيام انتخابات حرة تنافسية بإشراف دولي، وبمشاركة من السلطة الحالية،إن هي امتلكت الإرادة لذلك.

– وحل المسألة الكردية حلا ديمقراطيا، وجهته حرية الشعب السوري برمته.”
21/06/2009

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…