فرمز حسين
من خلال متابعة عامة لمجريات الأحداث على الساحة السورية نلاحظ كثرة الحديث عن ماهية الخيارات أمام قوات سورية الديمقراطية “قسد”، دون التطرق إلى خيارات جانب آخر و الذي يعد أكبر شأناً و أكثر أهمية و شمولية و ربما يكون له التأثير الأكبر في تحديد ملامح الدولة السورية الجديدة ألا و هي خيارات أحمد الشرع و إدارته، فكل الدلائل تشير حتى هذا اليوم إلى أن هذه الادارة المؤقتة في طريقها للتحول إلى إدارة انتقالية عبر مؤتمر وطني شامل يشرعن بقاءها إلى فترة زمنية لا تقل عن ثلاث إلى أربع سنوات لكي تتمكن خلالها من المساهمة في وضع دستور و اجراء انتخابات تنبثق منها سلطة نيابية و تنفيذية تقود البلاد.
الآن بدأت مرحلة نشوة النصر تخف تدريجياً بعد أن ولى نظام الأسد دون رجعة لكي تحل محلها مرحلة تأسيس و بناء مليئة بتحديات جسام على كل الأصعدة، أمنية ، اقتصادية، سياسية،بنيوية، مجتمعية “حدث و لا حرج”.
الأسد حرق ونهب البلد كما وعد لكن مقابل ذلك في حوزة الادارة الجديدة قوة تستمدها بالدرجة الأولى من فرحة السوريين بها و تعبيرهم عن هذا الفرح في شوارع و ساحات مدنها الكبرى لأنها قامت باعتاقهم من نظام مجرم جثم على صدورهم لخمسة عقود و نيف، هذا بالاضافة الى التعاطف العربي و الاقليمي و الدولي الكبير مع السوريين خاصة بعد ما ظهر على الملأ من آثار سقوط الطاغية من مسالخ بشرية و مقابر جماعية و جرائم يندى لها جبين البشرية لدرجة يصعب تصديقها لولا رؤية مخلفاتها و ضحاياها بالعين المجردة. هذا الأمر بدا جلياً من خلال توافد الزيارات من ممثلين رفيعي المستوى من مختلف الدول العربية و الدولية إلى دمشق للتعبير عن رغبتهم في مساندة السوريين لاعادة إعمار بلدهم و المساهمة في تعافي الدولة السورية.
كل ماسبق يضع السلطة المؤقتة و على رأسها أحمد الشرع في دمشق أمام مفترق طريقين اثنين عليه مع ادارته سلوك واحدة منهما. الطريق الأول هو القبول بالهيمنة التركية لكي تحل محل النفوذ الايراني الذي كان يهيمن على مفاصل القرار في عهد نظام الأسد المخلوع و هذا سوف يحتم عليه قبل كل شيئ محاربة السوريين الأكراد و يدخل البلاد في أتون حرب أهلية يثقل كاهل السوريين المنهك أصلاً بعد ثلاثة عشرة سنة من مقارعة آلة حرب النظام البائد، بالاضافة إلى استمرار العقوبات الاقتصادية على البلاد، كل ذلك ربما مقابل تنصيب الشرع والياً على الشام. تركيا حزب العدالة و التنمية مارست نفوذها و تأثيرها على عموم الفصائل الاسلامية المسلحة بمختلف مسمياتها ليس حباً بالسوريين بل خشية من ثورة كردية جديدة في داخلها وهي ليست جادة في الحفاظ على وحدة الأراضي السورية و ليست جادة في دعمها اليوم للادارة الجديدة و مساعدتها لفرض سيطرتها على كامل الأراضي السورية كما تدعي و لو كانت كذلك لبدأت بنفسها و أخلت المدن السورية التي تحتلها، ليعود اليها سكانها الأصليين من جهة، و لأوقفت دعمها و تحريضها لفصائل ما تسمى ب”الجيش الوطني” لمحاربة قوات سورية الديقراطية، دون أدنى اعتبار للادارة الجديدة في دمشق.
الخيار الثاني أمام الشرع و ادارته هو العمق العربي المتمثل بدول الخليج بالاضافة إلى الأردن، العراق و لبنان هذا الخيار يفتح الأبواب على مصراعيه أيضاً للانفتاح الدولي و في مقدمتهم الاتحاد الأوربي و كذلك الولايات المتحدة أيضاً على سوريا. هناك جهوداً و مساع حثيثة من الدول العربية للضغط على الاتحاد الأوربي و أمريكا لانهاء قانون العقوبات الاقتصادية الدولية على سورية و على وجه الخصوص تلك التي تفتقر إلى الأرضية بعد زوال النظام مثل قانون قيصر و ذلك للبدء بمرحلة علاقات جديدة مع سورية و هذا ما رأيناه في مؤتمر العقبة و مؤخراً في اجتماع وزراء الخارجية الذي عقد بمبادرة من المملكة العربية السعودية في الرياض و باشتراك أوروبي و بريطاني رفيع المستوى.
في الخيار الأول الذي يرضي تركيا يبقى خيار اللون الواحد الذي يسيطر عليه توجه الاسلام السياسي، و تبقى سوريا بعراقتها و مكانتها الجيوسياسية الحيوية شبه محمية تركية منهمكة بصراعات داخلية مع مختلف المكونات السورية و مشلولة العلاقات الدولية.
أما في الخيار الثاني تعود سورية إلى محيطها العربي و الدولي كدولة مدنية تعددية لكل مكوناتها، لتتبوأ مكانة تليق بسورية العظيمة، دون أن يكون لذلك بالضرورة أي تأثير على علاقات حسن الجوار مع تركيا.
الكرة في ملعب أحمد الشرع و ادارته في اختيار الهوية المقبلة للدولة السورية إلى حين في كل الأحوال فلا شيء يدوم إلا وجه الله.
ستوكهولم
2025-01-17