إبراهيم اليوسف
منذ عقود، كان الكرد في” روج آفا”، كما في سائر كردستان، على موعد مع معركة مستمرة ضد الأنظمة الاستبدادية التي تحاول سحق هويتهم وثقافتهم. كانت تلك المعركة في البداية محلية، لكنها سرعان ما تحولت إلى ساحة لصراع أوسع، حيث جرت محاولات لاستغلال الكرد وتحويلهم إلى أدوات في صراعات سياسية لا تتعلق بمصالحهم الحقيقية. مع ظهور حزب العمال الكردستاني” ب ك ك” في المشهد السوري، دخلت روج آفا في مرحلة جديدة من هذا الصراع المعقد، حيث أصبح الكرد في سوريا عرضة لتصفية حسابات بين أطراف لا تمت لآمالهم وطموحاتهم بشيء.
كان حزب العمال الكردستاني” ب ك ك” قد بدأ كحركة مقاومة ضد السلطات التركية، وحقق لنفسه مكانة مهمة في نضال الكرد عبر المنطقة. على حساب كرد سوريا، لجعلهم ورقة ضغط على تركيا من أجل مشروعهم ومع ذلك- إنه ومع مرور الوقت- أصبح الحزب نفسه أداةً لتحقيق مصالحه الخاصة، غير مبالٍ بما يعانيه الكرد في الأماكن الأخرى التي ينشط فيها. في روج آفا، تحولت المنطقة إلى ساحة لصراعات سياسية كانت أبعادها تتجاوز حقوق الكرد السوريين واحتياجاتهم المباشرة. ففي الوقت الذي كان فيه العديد من الكرد يطمحون إلى نيل حقوقهم الأساسية وتقرير مصيرهم، كان هناك من يعمل على تسخير دمائهم وأرواحهم لمصلحة أجندات حزبية تحت يافطة شعارات لا شأن لهم بها.
لقد كانت” روج آفا” منذ بداية الثورة السورية ساحة معركة ليست فقط بين النظام السوري وحماته من جهة وبين المعارضة بمن فيهم تنظيم داعش الإرهابي والفصائل المرتزقة، وبالرغم من تضحيات الكرد في معركتهم ضد تنظيم داعش والفصائل المسيرة والممولة من تركيا، فإنهم وقعوا ضحايا سياسة تقاسم النفوذ بين القوى الكبرى، فكان حزب الاتحاد الديمقراطي” ب ي د”، مضطراً تحت هيمنة” ب ك ك” أن يتعامل مع الواقع السوري على حساب مصالح الكرد السوريين بشكل خاص.
لا شك أن تركيا كانت دائمًا، ولا تزال، العدو التاريخي للكرد وكردستان بشكل عام، للأسف. فمنذ عقود طويلة، كانت تركيا تسعى بكل قوتها لإخضاع الكرد لمصالحها وأجنداتها، سواء كان ذلك بدعوى محاربة “حزب العمال الكردستاني” أو من خلال قمع أي محاولة لتحقيق حقوق الكرد في أي جزء من كردستان. وما شهدته” روج آفا” في السنوات الأخيرة من تدخلات تركية وانتهاكات لحقوق الإنسان- ومن بينها احتلال- عفرين وسري كانيي وتل أبيض- هو نتيجة مباشرة لهذا التوجه العدائي تجاه الكرد، إذ لا تزال تركيا تعتبر أن أي شكل من أشكال الاستقلال الكردي يشكل تهديدًا لأمنها القومي.
ومعكل هذا وذاك، لا يمكن إغفال أن تركيا قد استغلت حالة التوتر بين” حزب العمال الكردستاني” والأنظمة الإقليمية الأخرى لتحقق مصالحها في المنطقة، حيث تجد في استمرار الوضع في” روج آفا” فرصة للضغط على القوى الدولية والإقليمية وتحقيق أهدافها الخاصة. ومن هذا المنطلق، أصبحت تركيا ترى في بقاء حزب العمال الكردستاني في” روج آفا” ذريعة لفرض المزيد من الضغوطات، حتى وإن كان هذا يعني التضحية بمستقبل الكرد في المنطقة. كما أن المهيمنين على ب ي د يقدمون الذريعة تلو الذريعة لتركيا كي تحتل المدن الكردية، من رفع صور عبدالله أوجلان التي يجب أن ترفع في تركيا التي يزيد عدد أبناء الشعب الكردي فيها عن ثلاثين مليون نسمة!
لكن لا يمكن أن تستمر هذه اللعبة السياسية على حساب دماء الكرد السوريين. فقد حان الوقت لكرد “روج آفا” أن يقرروا مصيرهم بأنفسهم، بعيدًا عن أي أجندات خارجية. لا يمكن لبقية الكرد في المنطقة أن يكونوا مطية لأهداف لم يختاروها ولم يعايشوا تفاصيلها، فقد دفعوا من دمائهم وأرواحهم في معارك كانت خارج حساباتهم، في حين أن أيديولوجيات معينة تحاول استغلالهم لتحقيق مصالح لا تخصهم. لقد قدم الآلاف من الكرد السوريين حياتهم في تلك المعارك، ولكن في النهاية، كانت تلك التضحيات لصالح قوى غير مؤتمنة على مصالحهم الحقيقية.
من هنا، فإنه يجب أن يكون هناك موقف حاسم وواضح، وهو أن كرد” روج آفا” يجب أن يتمكنوا من إدارة شؤونهم بشكل مستقل، بعيدًا عن التدخلات الحزبية والسياسات الخارجية التي تهدد وجودهم. لا يمكن أن يظل الكرد في سوريا رهائن لسياسات خارجية أو أجندات حزبية، يجب أن يكون لهم الحق الكامل في اتخاذ قراراتهم بأنفسهم، وأن يكونوا قادرين على الدفاع عن حقوقهم دون أن يكونوا ضحية للعبة الأمم والمصالح السياسية.
إننا نقدر التضحيات التي قدمها حزب العمال الكردستاني في سبيل نضالهم، في مكانهم بما لها وماعليها، ضمن ظرف زمني محدد، ولكن ذلك يجب أن يكون في إطار قضيتهم الخاصة، في كردستان تركياً: تحديداً، وليس على حساب كرد سوريا الذين كانوا وما زالوا يحلمون بكردستان حرة ومستقلة. نحن مع حق كل جزء من كردستان في الدفاع عن حقوقه، لكن هذا الحق لا يمكن أن يتحقق على حساب تضحيات كرد سوريا التي كانت في كثير من الأحيان عبثية بل آن الأوان لمغادرة كل كوادره سوريا لاسيما إن وجودهم خارج جغرافيتهم ينذر ويهدد بإبادة كرد سوريا الذين يجب أن يتم التعاطف والتعاون بينهم ليس من منطلق الهيمنة والعمل على تهديد وجودهم!
حان الوقت لأن يختار الكرد في” روج آفا” طريقهم الخاص، بعيدًا عن أي أجندات خارجية. إن ما يحتاجه الكرد في سوريا هو الحرية الحقيقية والقدرة على إدارة شؤونهم دون أن يكونوا تحت تهديد الاحتلال أو الضغوطات الخارجية. إن خيارهم يجب أن يكون بين الحفاظ على هويتهم وحقوقهم أو العودة إلى مكان نضالهم في كردستان، حيث يمكنهم أن يعبروا عن أنفسهم بحرية، بعيدًا عن أي هيمنة أو استغلال.
نأمل أن تكون المرحلة القادمة مرحلة استقرار حقيقي لكرد سوريا، وأن يتمكنوا من بناء وطن حر يليق بتضحياتهم، دون أن يكونوا مجبرين على دفع ثمن صراعات وأجندات ليس لهم فيها سوى الخسارة.