إبراهيم اليوسف
إن سقوط نظام بشار الأسد هو بداية مرحلة جديدة في تاريخ سوريا، مرحلة تتطلب من السوريين التكاتف والعمل الجماعي، ليس فقط من أجل إعادة بناء البلاد، بل أيضًا من أجل إعادة بناء الإنسان السوري الذي دمرته آلة القمع والحرب لعقود. إنه ليس مجرد سقوط لحاكم، بل هو سقوط لمنظومة كاملة من الظلم والجور، التي كانت تسعى إلى تفتيت البلاد وزرع الكراهية بين مكونات شعبها.
إن النظام الذي مارس القتل والتدمير وركب موجة الكراهية بين السوريين، ليس مجرد نظام سياسي، بل هو حالة اجتماعية وثقافية متكاملة شكلت معالم الساحة السورية لعقود. في لحظة سقوطه، يجب على السوريين أن يتجهوا إلى تحقيق مصالحة حقيقية وطي صفحة الماضي الأليم، لأن هذا هو السبيل الوحيد لبناء دولة ديمقراطية مستقرة.
المصالحة الوطنية ودور لجان السلم الأهلي
المصالحة الوطنية ليست مجرد كلمات تُقال، بل هي عمل شاق يحتاج إلى خطوات ملموسة لتضميد الجراح التي خلّفها النظام. يجب أن تكون لجان السلم الأهلي هي البداية الفعلية لهذا المشروع، لتقريب وجهات النظر بين كل مكونات الشعب السوري، ولإعادة الثقة بين السوريين الذين مزقتهم الحرب والظلم. من خلال هذه اللجان، يمكن تحديد طرق محاسبة المسؤولين عن الجرائم ضد الإنسانية، ورسم خارطة طريق للمستقبل تضمن العدالة لجميع السوريين، وتمنع أي محاولة للتدخل الخارجي.
يجب أن تتضمن هذه المصالحة وثيقة عهد مشترك بين جميع السوريين، يتفقون من خلالها على المبادئ الأساسية التي يجب أن تقوم عليها الدولة السورية القادمة. من بين هذه المبادئ احترام حقوق الإنسان، وحرية التعبير، والعدالة الاجتماعية. كما يجب التأكيد على أن أي تدخل خارجي في شؤون سوريا هو عمل غير مقبول، وأن السوريين هم من يجب أن يقودوا أمورهم بأنفسهم، بعيدًا عن أية تأثيرات أو تدخلات من القوى الإقليمية والدولية.
سوريا بلد مشترك لجميع السوريين
إن سوريا هي بلد مشترك لجميع السوريين، بكل تنوعهم الثقافي والعرقي والديني. سوريا ليست ملكًا لأحد، بل هي وطن لجميع مكوناتها. من هنا، يجب أن يُؤكد أن حقوق جميع القوميات في سوريا، الكردية والعربية والآشورية والأرمنية وغيرهم، يجب أن تُحترم بالكامل. الكرد، باعتبارهم ثاني أكبر قومية في سوريا، لهم الحق في أن يعيشوا بكرامة، وأن يُحترموا كمواطنين كاملي الحقوق.
كما أن العلويين، الذين كان النظام قد زج بهم في محارق الحرب وأثار بينهم وبين باقي السوريين الكثير من التوترات، هم جزء أساسي من النسيج السوري، ويجب أن يُمنحوا فرصة لإعادة بناء علاقاتهم مع باقي فئات المجتمع. العنف الذي مارسه النظام يجب ألا يُحاسب عليه إلا أولئك الذين ارتكبوه، أما باقي العلويين فيجب أن يكونوا جزءًا من الحل، وليس جزءًا من المشكلة.
المسيحيون، الذين عاشوا في سوريا منذ مئات السنين، هم أيضًا جزء لا يتجزأ من هذا الوطن. في سوريا المستقبل، يجب أن تكون هناك ضمانات لحقوقهم، كما يجب أن يتم التعامل معهم على قدم المساواة مع الآخرين. لا فرق بين سوري وآخر بسبب الدين أو القومية.
إعادة بناء سوريا: لا مكان للتشدد ولا للتطرف
إعادة بناء سوريا بعد سنوات من الدمار تتطلب أفقًا مفتوحًا للسلام والتعاون بين الجميع. لا مكان في سوريا المستقبل للتشدد أو التطرف من أي نوع، سواء كان دينيًا أو سياسيًا. يجب أن تكون سوريا دولة تنبذ كل أشكال العنف، وتؤمن بحرية الرأي وحقوق الإنسان.
الأيديولوجيات المتطرفة، سواء كانت دينية أو قومية، لا مكان لها في سوريا القادمة. كل سوري يجب أن يكون حرًا في التعبير عن رأيه، دون خوف من الملاحقة أو القمع. حرية الرأي يجب أن تكون من أول أولويات الدولة القادمة. ولا يمكن أن يكون هناك تطور حقيقي في سوريا إذا كانت هناك أية قيود على حرية التعبير.
سوريا فيدرالية: ضمان التوازن بين المكونات
سوريا فيدرالية هي الحل الأنسب لمستقبل سوريا، حيث يتم ضمان حقوق مكونات المجتمع السوري كافة، مع الحفاظ على وحدة الدولة. هذا النظام الفيدرالي يجب أن يُراعي التنوع الثقافي والعرقي في البلاد، ويعطي كل مكون حقه في الحكم الذاتي ضمن إطار الدولة السورية الواحدة.
الفيدرالية لا تعني التقسيم، بل هي آلية لضمان حقوق جميع السوريين في إطار وحدة وطنية حقيقية. هي ضمانة لعدم تهميش أي مكون، سواء كان كرديًا، عربيًا، آشوريًا أو غيره. في هذا النظام، يمكن لكل منطقة أن تدير شؤونها الخاصة، بينما تتشارك مع باقي المناطق في إدارة الشؤون العامة للدولة.
التغيير في الرمزية: الجمهورية السورية
إحدى الخطوات الأساسية في بناء سوريا المستقبل هي تغيير الرمزية التي ارتبطت باسم “الجمهورية السورية” طوال فترة حكم الأسد. يجب أن يتم تحديد يوم 8 كانون الأول يومًا وطنيًا يحتفل فيه السوريون بحريتهم، وبالتحول الذي تحقق بعد سنوات من الظلم. هذا اليوم يجب أن يكون يومًا للوحدة، يومًا يُذكر فيه كل السوريين أنهم عاشوا معًا في وطن واحد رغم اختلافاتهم.
إن “جمهورية سوريا” الجديدة يجب أن تكون بعيدة عن أي إرث سلطوي أو دكتاتوري. يجب أن تكون دولة تحتضن الجميع على قدم المساواة، وتضمن حقوق الإنسان للجميع. أي اسم آخر لا يعكس تطلعات الشعب السوري يجب أن يُلغى، ويجب أن يكون اسم سوريا الجديد هو “الجمهورية السورية”، لتعكس الإرادة الحرة للشعب السوري في بناء وطن ديمقراطي ومستقل.
إعادة الإعمار: المسؤولية الوطنية
إعادة إعمار سوريا ليست مجرد عملية بناء للبنية التحتية، بل هي عملية معقدة تشمل إعادة بناء الثقة بين السوريين، وفتح قنوات للحوار والتعاون بين جميع الأطراف. هذه العملية يجب أن تكون مدعومة من قبل السوريين أنفسهم، بعيدًا عن أية تدخلات من أطراف خارجية. يجب أن تكون إعادة الإعمار عملية شاملة، تتضمن جميع الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
إعادة الإعمار يجب أن تكون أولاً وقبل كل شيء عملية تستهدف إصلاح ما دمرته الحرب، ولكنها أيضًا يجب أن تكون عملية تصحيح اجتماعي وثقافي، تعيد للإنسان السوري كرامته وتساعده على التعايش بسلام. النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب والانتهاك يجب أن يكنّ في مقدمة من يتلقون الدعم، ويجب أن تكون هناك جهود حقيقية لإعادة تأهيلهن، وإعادة بناء حياتهن.
سوريا للجميع
إن لحظة التحول التي تعيشها سوريا بعد سقوط نظام الأسد، هي لحظة تاريخية فارقة تتطلب من الجميع التضامن والعمل الجاد لإعادة بناء الوطن. سوريا المستقبل يجب أن تكون مكانًا للحرية، والديمقراطية، والمساواة بين جميع السوريين، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية أو العرقية. لا مكان للتشدد أو التطرف في سوريا الجديدة. سوريا التي تحترم حقوق الإنسان وتضمن لكل مكون فيها حقه في تقرير مصيره ضمن إطار الوحدة الوطنية.
سوريا التي تبنى على أسس من العدالة، والمساواة، والاحترام المتبادل، هي سوريا التي سيكون لها مستقبل مشرق، ولا بد من العمل على تحقيق هذا المستقبل بكل جدية، بعيدًا عن أي تدخلات خارجية أو محاولات للتفريق بين أبناء الشعب السوري.
One Response
طرح بعدهم سوريا فيدرالية ،والامثلة كثيرة في العالم ،..