تأخُّر الارتداد من الضلال والتوهان: إلى جاندوست.. مع المحبّة

استوكهلم – هوشنك أوسي

ez im yê ku li her holê    gora kedxwara dikolê 
diçim cengê bidaholê     disojim her qereqolê
***
هذا المقطع الشعري، مأخوذ من قصيدة شاعرٍ كرديّ سوريّ، انتهى روائيَّاً، مروراً بالبحث.

ولذا، مما لا شكّ فيه، أن كاتبنا هذا، يستوفي استحقاق الشاعر والباحث والروائي عن جدارة، نتيجة جهده في هذه الحقول.

وإذا كانت هنالك مخاطبة له بالاسم المجرّد، فهذا الأمر، هو مع حفظ الألقاب.

ومسألة الاختلاف في الرأي والموقف والتحليل والتوكيل والإحالة والإمالة…، في بعض القضايا والإشكالات الثقافيّة والسياسيّة، مع الكاتب الكرديّ هذا، لا يُفسد للودّ قضيّة.

أقلَّه، من جهة كاتب هذه السطور.
وللقارئ العربي، ما يقارب معنى المقطع الشعري أعلاه: “أنا الحاضر في الميادين، حافراً قبر المضطهِدين.

اتَّجه للحرب قارعاً الطبول، وحارقاً كلَّ مخافر”.

ويقصد مخافرَ الأعداء.

والنصّ الشعري ذاك، إنْ لم تخنِّي الذاكرة، قرأته في مجلّة “صوت كردستان” سنة 1991، الصادرة عن جبهة التحرير الوطني الكردستاني ERNK، الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني.

النصّ، هو مدح وإشادة ووصف للمقاتل والثائر الكردي، على رؤوس جبال كردستان.

وقت قراءتي لذلك النصّ، كنتُ في الخامسة عشرة من عمري.

لم يكن يسترعيني اسم الكاتب، بقدر ما هزَّتني تلك الكلمات، من الأعماق.

وفيما بعد، سمعت هذه الكلمات مغنَّاة من قبل فرقة آغري الكرديّة في عامودا، بلحن لا يقلُّ جمالاً عن النصّ.

وأثناء قيامي بالنشاط السياسي في مدينتي الدرباسيّة، كثيراً ما كنت أردد تلك الكلمات وذلك اللّحن، وتلك الأغنيّة، دون أن أعرف صاحبها.

ولا أعلم من أين وكيف وصلتني معلومة أن تلك القصيدة هي لشاعر كرديّ اسمه جاندوست.

تفاجأت في البداية.

وسرعان ما قلت: إنَّ هذه الكلمات الحماسيّة والإنسانيّة والقوميّة الجميلة، لن يكتبها إلاّ شاعر حسّاس ومرهف، من طينة جاندوست.
من حقِّ جاندوست أن يكتب مقالاً ويُسمه بـ”أكراد سوريا….

صغير القوم خادمهم”، ومن حقِّنا أن نختلف معه، ونعتب عليه أحياناً.

و”العتب على قدر المحبّة”، كما يُقال.

في مقاله السالف، يحاول جاندوست، العزف على الوتر إيّاه، الذي لطالما عزف عليه، بعض الناقمين والحاقدين على حزب العمال الكردستاني، بداعي الكيد، وليس بداعي النقد.

كما، وللأسف، يغرف جاندوست، من كيس مفردات ذلك المعشر، الذين أغشت الأحقاد بصرهم وبصائرهم، وأعمت قلوبهم وعقولهم!.

نعم، لقد كان أكراد سورية سنداُ وظهيراً، وحتى شريكاً في نضال وكفاح وثورات أخوته الأكراد في كردستان العراق وكردستان تركيا.

وقد تفانوا في معاضدة ومساندة أشَّقائهم في محنهم.

لكنّهم، كانوا ولا زالوا يلمسون تجهالاً من قبل قادة كردستان العراق.

ولمسوا تجاهلاً من قبل العمال الكردستاني لقضيّتهم سابقاً، من باب التأجيل والإرجاء، ريثما يشهد المشهد الكردي في كردستان الشماليّة منفرجاً، يتيح الالتفاتة لقضيّة أكراد سورية.

ولا شكّ أن العمال الكردستاني، قد أخطأ في هذا السياق.

لكن، حين يصحح الخطأ، ويحظى أكراد سورية بدعم وتأييد سياسي وإعلامي استراتيجي من قبل العمال الكردستاني، ينبغي أن يكون ذلك مثار ترحيب وتقدير.

دون أن ننسى، أن وجود العمال الكردستاني بين أكراد سورية، كان له نتائج جد إيجابيّة على الصعيد النفسي والاجتماعي والثقافي والسياسي.

وسآتي إلى ذكر بعض الأمثلة في سياق هذا المقال.

يعني، ينبغي رؤية النصف الممتلئ من الكأس، وليس النصف الفارغ فقط.

بخاصة، من قبل مَن شرب مِن هذه الكأس ماءاً سلسبيلاً.

وكانت هذه التجربة النضاليّة، محطّة هامّة، ساهمت في بلورة وعيه وتكوينه المعرفي وإبراز شخصيّته الثقافيّة، وقدَّمته للناس شاعراً ومثقفاً وطنيّاً ملتزماً.
يقول جاندوست، في مستهلّ مقاله، تعليقاً على الشعارات الفضفاضة للحزب الكردي الأول في سورية: “… باعتقادي كان السبب في غياب الرؤية الموضوعية و ضبابية المشروع القومي الذي تأسس آنذاك يعود بالدرجة الأولى إلى أكراد فروا من الاضطهاد التركي الكمالي و منهم نور الدين ظاظا (1919- 1988) و عثمان صبري (1905 – 1993) .
 فهؤلاء المناضلون حملوا معهم أفكاراً ثورية طوباوية و نفوساً منكسرة تتوق للانتقام من الذل التاريخي الذي لحق بالأكراد في كردستان الشمالية (كردستان تركيا) و المظالم الشنيعة و المجازر العديدة.

فهم و بالرغم من وجودهم على أرض غير تركية (وفق الأطلس الجيوسياسي) كانوا يتصرفون و كأنهم ما زالوا في جبال كردستان يخططون و يعدون العدة للعودة إلى انتفاضة جديدة.

لم يقرأ أحد منهم و لا من أقطاب السياسيين الكرد السوريين آنذاك الواقع الجديد الذي برز بعد الحرب العالمية الجديدة و لم يستطيعوا الاستفادة من تجاربهم السابقة التي أجهضت مراراً و بنفس الطريقة  بل عاشوا في أحلام إنشاء كردستان كبرى تمتد من كرمانشاه في جنوب إيران وحتى جبل الكرد في عفرين”.
ولكون جاندوست ذو جهد واتجاه بحثي، فإنِّي أحيله إلى معلومة، كنت قد أثرتها سابقاً في مقالاتي النقديّة للأحزاب الكرديّة في سورية، وما يتعلّق بمعرفة وأرشفة حقائق نشأة الحزب الكردي الأول في سورية.

والمعلومة هي التالي: إن عثمان صبري، لم يكن ذو توجّه طوباوي وحدوي، يدعو لتوحيد وتحرير كردستان، بل أن عبدالحميد درويش ونورالدين ظاظا، هما الذان فرضا هذا الشعار على التكوين الكردي، بضغط من جلال طالباني، لكون الأخير، كان على علاقة وتواصل مع عبدالحميد السرّاح وميشيل عفلق وأكرم الحوراني، وطلب منهم المساعدة ضدّ النظام العراقي وقتئذ.

فوافق هؤلاء على ذلك، شريطة أن يؤسس طالباني أو يساهم في تأسيس حزب كردي سوري، يكون وجهته الشمال، بغية إثارة القلاقل في تركيا.

فوافق عثمان صبري على شعار تحرير وتوحيد كردستان على مضض، وليس لكونه ثورجي وطوباوي…الخ.

والدليل على ذلك، تكليف الحزب الكردي للشيخ محمد باقي ملا محمود (شيخ باقي)، سنة 1958 للذهاب إلى كردستان تركيا للتواصل مع الفعّاليّات الكرديّة هناك، بداعي تشكيل خلايا كرديّة في كردستان تركيا، كتوطئة للقلاقل المطلوبة من الحزب الكردي السوري!.

يعني، ليس حزب العمال الكردستاني، صاحب السبق والريادة في توجه أكراد سورية نحو الشمال أولاً.

وليس عثمان صبري بالطوباوي والثورجي الذي لا يجيد قراءة الواقع والوقائع وقتئذ، حسب اعتقادي.

وإصرار عثمان صبري، أثناء الاعتقال، على أن التكوين الكردي هو حزب سياسي، هدفه تحرير وتوحيد كردستان، كان من النكاية والمكايدة والمعاندة في عبدالحميد درويش ونورالدين ظاظا، الذين تراجعا عن مواقفهما، وقالا: أن التكوين هو جمعيّة ثقافيّة اجتماعيّة، وليس حزب سياسي.

وهما من فرضا شعار تحرير وتوحيد كردستان على المؤتمر التأسيسي للحزب الكردي الأول في سورية.

وقد أكون مخطئاً، فيرجى البحث والتحرّي والتدقيق.
يقول جاندوست: “… كما تكون لدى شريحة واسعة من الكرد السوريين انطباع راسخ بأن القضية المركزية هي قضية آمد( دياربكر) و ليست كوباني، و أن ديرسم (تونجلي) أهم من عفرين و أن كركوك هي قدس الأقداس أما عامودا فليست سوى غبار و أن مهاباد هي الحلم المجهض أما القامشلي فليست سوى مدينة لإقامة أعراس القبيلة و عزف الطنبور”.

ومن باب الدقّة في استخدام وتوظيف المفردة، اعتقد أن كلمة “الانطباع” لا تنسجم مع الرسوخ.

والأكثر انسجاماً هو استخدام القناعة.

على اعتبار أن الانطباع هي المرحلة الأولى لتشكّل القناعة.

وحتّى الأخيرة، متحوِّلة ونسبيّة، لكن في السياقات اللغويّة، الرسوخ وصف ينسجم مع القناعة أكثر من انسجامه والانطباع.

أيَّاً يكن،
لا زالت لدي، ولدى قطاع واسع من الأكراد السوريين قناعة، لم تتعرّض لأيّة اهتزازات، ناجمة عن ردود أفعال شخصيّة، بأنَّ آمد، هي القضيّة المركزيّة للأكراد عموماً، وليس لبعض أكراد سورية.

وهذه القناعة، تتأتّى من بديهيات القراءات السياسيّة للماضي والراهن الكردي.

فمتى كانت آمد بخير، كانت بقيّة المدن الكرديّة بخير.

فأيّ انفراج كردي حقيقي وجاد في آمد، سيكون له انعكاس إيجابي على هولير ومهاباد وقامشلو وعفرين وكوباني.

وقسم كبير من الظلم والقمع والإنكار سياسات والصهر والتهميش الذي يتعرّض له أكراد سورية من قبل النظام السوري، يستمدّ عزمه وسنده لما يتعرّض له أكراد تركيا من قبل النظام التركي.

حتّى يمكنني القول: إنّ مشروع محمد طلب هلال الفاشي، هو عبارة عن استيراد ونسخة فوتوكوبيَّة لسلسلة الإجراءات والتوصيات والممارسات الفاشيّة التي كان يمارسها انقلابيو 1960 في تركيا على الشعب الكردي هناك!.

وقد أشرت إلى ذلك في مقال سابق لي.

وزيارة بشار الأسد الأخيرة لتركيا، جزء هام منها، وحديثه مع مدراء تحرير الصحف التركيّة في قصر “الشعب”، قبل تلك الزيارة، وتصريحاته لهم، تشير إلى مدى خوف ورعب وخشية الأسد، مما يُقال عنه أنه “انفتاح” حكومة أردوغان على الأكراد.

بالحرف الواحد، طالب الأسد الأتراك أن يكون الانفتاح، “وسيلة وليست هدف وغاية”!.

وأشار إلى أن “الانفتاح” إذا ارتقى لمرتبة الهدف، سيكون في ذلك خطورة على أمن واستقرار ووحدة المنطقة وتركيا وسورية.

وقال لهم: نحن أيضاً لدينا أثنيّة، تماثل الإثنيّة الموجودة لديكم، التي تريدون الانفتاح عليها.

ينبغي أن يكون الانفتاح ضمن إطار متفق عليه بين الدول الثلاث.

هذه حرفيّاً تصريحات الأسد، نقلاً عن جريدة “الزمان” التركيّة.

يريد الأسد تصدير أو تلقين “انغلاقه” على الأكراد إلى الأتراك، المنغلقين أصلاً على الأكراد.

إذن والحال هذه، إذا كان بشار الأسد، يعي الأهميّة الاستراتيجيّة والحيويّة والنضاليّة والنفسيّة التي تشكّلها آمد في الوعي والوجدان والفعل الكردي، فلماذا تخلّى جاندوست عن انطباعه السالف، ومعتبراً أيَّاه، ضرباً من الضلال، والسوحان في ملكوت التيه أو الغفلة القوميّة، الذي ينبغي أن يستيقظ أكراد سورية منها!؟.

آمد، لا زالت حصن الأكراد، وبمثابة قضيّتهم المركزيّة.

وهذه الصفة، تدعمها حقائق التاريخ والجغرافيا الطبيعيّة والبشريّة الكرديّة.

والغد القريب، كفيل بتفنيد هذه القناعة، وليس خلافات شخصيّة، منشأها عدم نشر مقالة هنا أو هناك، أو الدخول في تشاجر أو خصومة مع كاتب محسوب على العمال الكردستاني، هنا أو هناك!.
ثم من قال لجاندوست، أن أكراد سورية، الموالين لحزب العمال، أو المنخرطين في صفوفه، يعتبرون ديرسم أهمّ من عفرين أو قامشلو!؟.

ومن قال له: أن هؤلاء الناس، يريدون أن تبقى عامودا غباراً…الخ.

اعتقد أن في هذا الموقف، ليس انزياح وشطط نفسي وحسب، وبل إهانة لمئات الألوف من البشر.

ألم يكن بينهم شخص عاقل، فطن، نبيه، واعي…، من طينة جاندوست، يخلص لهذه النتيجة المأساوية، وهذا الارتداد للذات الوطنيّة السوريّة، التي وصل لها جاندوست!؟.

أليس في ذلك إهانة لمئات الألوف من الأكراد السوريين الذين بقوا على خيارهم الأيديولوجي والسياسي الأوجلاني، رغم أنف النظام السوري، وبعض الدكاكين الكرديّة السوريّة، التي لا زالت على أحقادها المزمنة من أوجلان ومن مال ميله!؟.


ويستطرد جاندوست قائلاً: “… و هكذا فقد درج الأكراد السوريون على تسمية أبنائهم و محلاتهم و بقالياتهم و صيدلياتهم  و عربات نقلهم  و حتى قططهم ب (آمد و ديرسم و مهاباد و حلبجة و بوتان) في دلالة واضحة التعبير على أن كردستان هي الآخر و ليست الأنا, و أن الظلم هو وراء السكة الحديد الفاصلة بين شمال كردستان و جنوبه (الصغير)  و ليس ما يقع على رأس الملاينن الثلاثة من ظلم و قهر بشيء”.
أولاً: هل سمع أحدّ من القرّاء الأكراد الأعزّاء، بأن كرديّاً سمّى قطّته أو عربته باسم حلبجه أو بوتان أو آمد أو مهاباد…!!؟.

أمّا أنا، فيا سيّدي، عذراً، لم أسمع بذلك.

والأكراد، ليسوا بهذا الدرجة من الجاهلة والحماقة والإهانة الذاتيّة…، لأن يطلقوا اسم حلبجه على قطّة!.
ثانيّاً: هولير ومهاباد، ليستا موجودتان خلف سكّة الحديد، حسب “الأطلس الجغرافي”، وهما موجودتان خلف سكّة الحديد، حسب “أطلس” المكايدة، وفورة الأعصاب التي غيّرت في الجغرافيا، على وقع اللغة الغاضبة!.

أنا أعلم أن ورود اسم مهاباد وهولير، كان من باب الإقحام، للدلالة على أنّك لا تصبُّ جامَّ غضبك على العمال الكردستاني، ولا تركّز على كردستان الشماليّة، ولا تستثني أحد.

لكن، الصياغة لم تكن موفّقة.
ثالثاً: نحيل هذه المقتبس إلى الباحثين في علم النفس التحليلي والسلوكي، كي يدلوا بدلوهم في هذه الأمر، وأن إطلاق أكراد سورية أسماء المدن الكرديّة في كردستان الجنوبيّة والشماليّة والشرقيّة على أبنائهم ومحالهم… و(قططتهم)، كان من باب “أن كردستان هي الآخر و ليست الأنا, و أن الظلم هو وراء السكة الحديد الفاصلة بين شمال كردستان و جنوبه (الصغير)  و ليس ما يقع على رأس الملاينن الثلاثة من ظلم و قهر بشيء”، حسب رأي جاندوست.

وليس من باب، أنني جزء من كردستان.

وأنني كردستان، وكردستان أنا.

وللتأكيد على التواصل والانسجام والتلاحم الكردي.

وان الظلم الذي يقع على أشقائي خلف الحدود، هو في نفس الوقت، يقع عليّ.

وأن “مأساتي التي أحيا، نصيبي من مآسيكم”، على حدّ تعبير سميح القاسم.

والحال هذه، يودّ جاندوست أن يعبّر عن غضبه وحنقه على بعض الكوادر الإعلاميّة، المحسوبة على العمال الكردستاني.

لكنّه، لا يعرف كيف!.
ويضيف جاندوست: “و يبدو جلياً أن السلطة الحاكمة قد شجعت هذا الاتجاه (الكردستاني) و ساهمت في تشويه الانتماء الوطني لدى الكرد السوريين و بالتالي استعملت تهمة (محاولة فصل جزء من تراب الوطن و إلحاقه بدولة أجنبية) في قمع النشاطات السياسية و زجت و ما زالت تزج بالكثير من الناشطين في السجون على خلفية التهمة آنفة الذكر”.

يا عزيزي، إحالة هذه التهمة إلى التوجه الكردستاني لدى أكراد سورية من قبل النظام، فيه شيء من المبالغة.

والتلميح أن الكردستاني، مسؤول عنها، أيضاً فيه شيء من التجنّي.

هذه التهمة كانت وستبقى موجودة، قبل وبعد العمال الكردستاني.

النظام السوري، شجّع في البداية، اتجاه أكراد سورية نحو الشمال والجنوب.

لكنها الآن تحاربه، أيّما حرب.

وتخشى، منه أيّما خشية.

فمثلما يشكلّ لنا تفسير أوجلان، قمع أتاتورك للأكراد على خلفيّة انتفاضة الشيخ سعيد، عسر هضم فكري وسياسي ونفسي، ينبغي أن يشكلّ لدينا تبرير ممارسات النظام السوري على أكراد سورية، وإحالة ذلك، إلى التوجيه الكردستاني، نفس الشيء.

وأن “لا ننهى عن خلقٍ ونأتي بمثله…” على حدّ قول شاعرٍ عربيّ!.
وإذا كان النظام السوري يشجّع على انتماء الأكراد السوريين إلى حزب العمال، حسب زعم جاندوست، والحال هذه، من شجّع أكراد العراق، وأكراد إيران، وبعض الأخوة العرب السوريين، والفرس والأرمن والسريان والأتراك والأوروبيين للانضمام للعمال الكردستاني، واللحاق بشعاراته الضخمة، والاستشهاد في سبيلها!.

ألا يساءل جاندوست، ومن سبقه في النفخ في القِربة المقطوعة، التساؤل: ما الذي دفع المناضل العربي الشهيد عزيز من حلب، والشهيد مظلوم من حمص، وهو أيضاً عربي، والعشرات من عرب تركيا وأتراكها وسريانها وأرمنها…، والعشرات من فرس إيران والأذريين والتركمان والروس والألمان…، لماذا انضموا الى العمال الكردستاني؟!.

هذه التجربة “المشهوّة” عن الفيتناميّة، جذبت إليها كل هذه الملل والنحل، تحت شعار كردستان حرّة مستقلّة سابقاً، وتجذبهم الآن تحت شعار الجمهوريّة الديمقراطيّة الوطنيّة، والعيش المشترك مع العرب والأتراك والفرس في دولة القانون والمؤسسات والحرّيَّات.
ويسهب جاندوست في كشوفه الفكريّة والنفسيّة قائلاً: “و في أدبيات بعض الأحزاب الكردستانية الفاعلة التي جاءت من وراء حدود سايكس بيكو ولد اسم (الجنوب الصغير) أو الجزء (الصغير) من كردستان في دلالة واضحة على استحقار و تهميش الواقع المزري الذي يعيشه الكرد السوريون و تصويره على أنه لا شيء بالمقارنة مع القضية الكبرى أي قضية ملايين الشمال الكردي الكبير.

و لعبت هذه التسميات دوراً نفسياً في تحقير الذات الكردية السورية لدى الكثيرين و فهموا من ذلك ان هذا الجزء (الصغير) ما خلق إلا ليصبح تابعا و خادماَ للجزء الأكبر سواء في الشرق أو في الشمال”.
أولاً: هنا أيضاً، ليسمح لنا باحثنا العزيز، لإحالة هذه الفقرة للمشتغلين في علم النفس الجغرافي.

أو نطالب بشكيل فرع لتدريس هذا العلم، الذي نلمس في مقالة جاندوست، البشائر الأولى لولادته!.

فغنيٌّ عن البيان، ومعروف للقاصي والداني، ان الجغرافيّة الطبيعيّة الكرديّة في سورية، هي عبارة عن ثلاثة نتوءات، منفصلة، هي قامشلو، كوباني، عفرين، وملاحقها من المدن والقرى.

وتصل مساحة هذه النتوءات، حسب بعض التقديرات إلى 39 ألف كيلومتر مربّع.

وهي بمثابة امتداد كردستان الشماليّة، وحدود سيكس _ بيكو، هي التي جعلتها جنوب تركيا.

طيّب، والحال هذه، ما هو الوصف الجغرافي لهذا المكان، ولا ينمّ عن “استحقار” أكراد سورية، والاستهانة بهم، واعتبارهم لاحقة نضاليّة، أو هامش…الخ!؟.

ثم هل استخدام حزب العمال الكردستاني، الذي أتى من وراء الحدود، وكان عليه أن يأتي من الفضاء، استخدامه لتعبير “الجنوب الكبير”، يتأتّى من تعظيم وتفخيم أكراد العراق، إذا أخذنا بالحسبان الخلافات والتناحرات التي كانت موجودة بينه والأحزاب الرئيسة في ذلك الجزء من كردستان!؟.

لا أعرف ما هي النظريّة أو المنهج العلميّ الذي يستند عليه جاندوست في فرضيته أو قناعته تلك، حتى استكشف “الاستحقار” و”التصغير”…الخ، اللاحق بأكراد سورية من قبل العمال الكردستاني!؟.

ثمّ أن إعلام حزب العمال الكردستاني، ومنذ سنوات، لم يعد يستخدم هذه التسميّة، التي لم تخلق لديّ أيّ نوع من الشعور بالدونيّة والاستحقار أو الاستصغار…الخ، كما حصل مع جاندوست، واستعاض عن هذه التسمية، بجنوب غربي كردستان، فلماذا لم يسترعيه انتباه ذلك، على اعتبار حساسيّته المفرطة في استنباط الدلالات والخلفيّات النفسيّة والسياسيّة والأيديولوجيّة من انتقاء التسميات الجغرافيّة للعمال الكردستاني على كردستان سورية؟!.
ثانياً: لا ضير من مناقشة الفكرة من الزاوية الأخرى.

طيّب، لو لم يحتضن الشعب الكردي السوري العمال الكردستاني، وكان له السند والظهير والنصير، بالجهد والمال والنفس، فمن كان يمكن أن يقدِّم له الدعم في ثورته!؟.

برأيي، لقد أدّى الشعب الكردي السوري، دوره النضالي التاريخي، مع كردستان الجنوبيّة والشماليّة، وآن لأن تلتفت إليه كردستان الشمالية والجنوبيّة، بكل ما أوتوا من قول وفعل، سياسي ودبلوماسي وإعلامي.

وهنا، لا مناص من توجيه النقد الشديد والصريح لمثقفي أكراد تركيا والعراق وإيران، حيال محنة ومعاناة أكراد سورية.

إذ لم نقرأ لهم، لا بالكردي ولا بالعربي، لا بالصوراني، والا بالكرمانجي والزازاكي، لا بالإنكليزي ولا بالعبري والسنسكريتي، أيّة مقالة، حول وصول عدد القتلى من الشباب الكردي في الجيش السوري لـ28 شخص!؟.

ناهيكم عن حملات الاعتقال التي تطال النساء والأطفال الأكراد السوريين من قبل أجهزة المخابرات السوريّة!.

لا نجد مقالات نقديّة من مثقفينا الأكراد في الأجزاء الأخرى، تنتقد تراخي وبل تجاهل الجهات السياسيّة الكرديّة في تلك الأجزاء، للقيام بمهامهم وواجباتهم اتجاه محنة ومظالم ومعاناة الشعب الكردي في سورية!.

هذه فضيحة.

وينبغي أن نواجههم بالمرايا، لا بالندب والندم على ما قام به الشعب الكردي في سورية من مهمام اتجاه أشقّائه في الأجزاء الأخرى.

لا يوجد لدينا أصدقاء وسند استراتيجي إلاّ هم.

وبدونهم لا يمكن أن تتزحزح القضيّة الكرديّة في سورية قيد أنملة.

يجب أن نحسس أكراد الأجزاء الأخرى بتقصيرهم تجاهنا.

لا أن نعتبر جهدنا النضالي معهم، ضرباً من الضلال والتيه، والغلواء في نفي الذات، وتجاهل قضايانا!.

جهدنا النضالي العظيم، هو مثار فخر.

وسيأتي أُكله في القريب.

جهدنا التضالي، لم يذهب هباءاً منثوراً، أدراج الشعارات، كما يوحي جاندوست.

وخدم ويخدم وسيخدم قضايانا، كأكراد سوريين.

جهدنا النضالي مع اكراد الشمال والجنوب هو رصيد تاريخي وعظيم، يخشاه مستبدّونا في دمشق، ويسعون جهادين إلى تبديده ونسفه والتشكيك فيه، وينبغي ألا نسمح لهم بذلك.

جهدنا النضالي مع أشقّائنا في الجنوب والشمال، لا يناقض ولا ينفي انتماءنا الوطني السوري، إذا كنّا جديرين في ضبط معادلة نضالنا، بما ينسجم والواقع السوري، ولا يُحدث قطيعة مع العمق الكردستاني لنا.

ينبغي أن يكون لأكراد سورية عمقهم الاستراتيجي الكردستاني، كما هو الآن، لدرجة تجعل تركيا حين تفكّر بحلّ القضيّة الكرديّة، وتأخذ الأكراد السوريين في حزب العمال الكردستاني في حساباتها.

نعم، الأكراد السوريون، حاضرون، وبقوّة، في أيّة عمليّة حلّ للقضيّة الكرديّة في تركيا.

وهذا مع يرعب الأسد، ويجعله يطير إلى أردوغان، ويطالبه بالتمّهل والتنسيق، وإن أيّ حل جدّي، سيجبره على الدخول في تماس مباشر مع الأكراد السوريين، وقواه السياسيّة الحيّة والنشطة على الساحة، التي يتمّ استهدافها يوميّاً.
ويصل جاندوست، إلى لبّ مقاله لتكرار المونولوج والدباجات إيَّاها، التي سبقها إليه الكثيرون، وفقدت واستنفدت صلاحيتها، بفعل التكرار والاجترار السمج المملّ، ويقول: “في زمن البروباغاندا الضخمة التي مارسها حزب العمال الكردستاني بدءا من منتصف الثمانينيات و حتى نهاية تسعينيات القرن الماضي، كان الكوادر المنتمون للحزب و أنصاره يهاجمون الأحزاب الكردية السورية (لضيق أفقها و إقليميتها) و تتهمها بأنها أحزاب إصلاحية تناضل في سبيل أهداف (صغيرة) مثل (الحقوق السياسية و الثقافية و الاجتماعية) و اقتنع جيل كامل من الشباب آنذاك بفكر حزب العمال الذي كان يدعو علنا و في ما يشبه الاستراتيجية الثابتة إلى تأسيس دولة كردية شاملة من خلال حرب الأنصار (طويلة الأمد) في استلهام مشوه و منقوص من التجربة الفيتنامية.

لم تستطع الأحزاب الكردية السورية (الصغيرة) الوقوف في وجه التسونامي العمالي القادم من الشمال فالأهداف الكبرى تتطلب تضحيات كبيرة تخطط لها أحزاب كبيرة و يقوم بأعبائها و التضحية في سبيلها (صغار القوم).


في زمن البروباغندا الضخمة ذاك، ماذا كان محلّ جاندوست من الإعراب السياسي والثقافي، ولغاية أمد قريب!؟.

ألم يكن متواصلاً مع هذه التجربة الكرديّة، والمنقوصة والمشوّهة، المستلهمة من التجربة الفيتناميّة!؟.

ألم يكن جاندوست ينشر كتاباته في أدبيّات هذه التجربة المنقوصة المشوّهة؟!.

ألم يكن يعمل في مؤسّساتها الإعلاميّة، والأمثلة عديدة في هذا المقام!؟.

ثم لماذا اتّجه للعمل في فضائيّة عبدالحليم خدّام، رغم معرفته لدور وبصمات الأخير في قمع وهرس الشعب الكردي في سورية!؟.

الآن، صار جاندوست يرأف بحال وبؤس الأحزاب الكرديّة السوريّة الـ99، نتيجة تسونامي حزب العمال!!.

والحال هذه، كان ينبغي على جاندوست أن يستهلّ مقاله السالف الذكر، باعتذار شديد اللهجة من الأحزاب الكرديّة السوريّة الـ99، حزباً حزباً، وقبيلةً قبيلة، وعائلةً عائلة، وزاروباً زاروباً، ودكَّاناً دكَّاناً…الخ.

أمَّا أنا، فلن اعتذر.
هذه الأحزاب، بقيت صغيرة، ليس لأنها كانت تطالب بأهداف صغيرة.

جماعة صلاح بدرالدين، كانت تطالب بحق تقرير المصير.

وكان حزباً مشتبهاً بارتباطاته مع نظام صدّام حسين!.

أين ذهب الحزب؟!.

كان على وشك الانقراض.

وكانت تجربة حزب آزادي بالنسبة له، بمثابة طوق نجاة!.

المهمّ، هذا الحزب، صار من الماضي وانقرض، ليس بفعل تسونامي حزب العمال!.

الانشقاقات والاشتقاقات والتمييع والتسويف الحاصل في المشهد السياسي الكرديّ، ليس حزب العمال مسؤول عنه!.

هذه الأحزاب، كانت صغيرة وستبقى، بفعل تأثير القبيلة والخلافات الشحصيّة والشلليّة…، ناهيكم عن أن النظام السوري، لن يترك لها فرصة أن تصبح كبيرة، ويعمل ليل نهار، على تفتيت المفتت منها.

وعبدالحميد دوريش قالها بالفم الملآن: “إنّ النظام يقف وراء الانشقاقات”، في إحدى تصريحاته!.

والرجل، يقول الحقيقة، التي هو أدرى منّي ومنك بها.

وتعليقاً على إيميل وصلني من أحد الأصدقاء الأعزّاء في هولير، وهو من قيادات هذه الأحزاب، يكفي القول له: نعم، كان بالإمكان أفضل مما كان.

ولا زال بالإمكان أفضل مما هو موجود حاليّاً.

ولا ينبغي القبول بالركود.

والحقّ أنني مللت الكتابة حول أداء هذه الأحزاب، لأنّه لا ينفع فيها النقد، ليّناً كان أم قاسيّاً.

ولقد أوليتها أهميّة أكثر مما تستحقّ في مقالاتي.

واكتفيت.
يقول جاندوست: “و هكذا فقد زجت الحركة بالآلاف من الشباب الكرد السوريين في أتون حرب الأنصار و سقطت الضحايا في سبيل الغاية الكبرى: الاستقلال و إقامة دولة كردستان.

و استنزفت الطاقة الهائلة التي كان يتمتع بها الشعب الكردي في سوريا في حروب لم تخدم قضيتهم الأساسية و هي قضية الحزام العربي و الإحصاء الجائر و منع اللغة الكردية و كافة المظالم الأخرى التي تعرض و يتعرض لها الكرد السوريون و ليس آخرها المرسوم العاهر 49”.
الشباب الثوري، الكردي السوري، جاء طوعاً من خنادق الأحزاب الكرديّة السوريّة إلى صفوف حزب العمال الكردستاني.

وقبِل طوعاً الانخراط صفوف النضال المسلّح، كشرط من شروط الانتساب لهذا الحزب.

يعني، لم يجبر الحزب أحداً على الانتساب له بالإكراه.

لا يمكن أن ترسل أحداً كرهاً للسوق، فما بالك بإرساله كرهاً للتضحيّة بنفسه، دون قناعة تامّة، بقداسة وتاريخيّة هذا الفعل.

وعليه، لم يزجّ بآلاف الشباب الكرديّ السوري في ساحات الوغى، عنوةً وكرهاً، بل قبل هؤلاء الآلاف خوض هذه الساحات، دون مقابل، حين كان شعار العمال الكردستاني: كل شيء من أجل تحرير جزء من تراب الوطن، وحين أصبح شعار الحزب المذكور: الجمهوريّة الديمقراطيّة الوطنيّة التي تضمن الشراكة الكاملة للأكراد والأتراك في الحقوق والواجبات.

ولم يعرفوا أنه سيأتي اليوم الذي سينتقص جاندوست جهد هؤلاء، والتلميح إلى أنّهم “غُرِّرَ” بهم، من قبل العمال الكردستاني!.

بدليل، لا زال هنالك المئات من أبناء ذلك الجيل، جيل منتصف الثمانينات ومطالع التسعينات، ممن انتسبوا للعمال الكردستاني، يناضلون ويضحّون بأنفسهم، أيضاً من أجل اهداف نبيلة وقيم إنسانيّة، ومن أجل الحقوق الكرديّة في كافة أجزاء كردستان.

هؤلاء الشباب الثوار، دافعوا عن شعارات حزب العمال القوميّة واليساريّة آنئذ، ولا زالوا يدافعون عن مبادئ وشعارات حزب العمال القوميّة الليبراليَّة.

هؤلاء الشباب، يستحقّون منّا كلّ الاحترام والتقدير لخيارهم، ولا أحد منّا يمكن له أن يزايد عليهم في التضحية والنضال والتفاني في خدمة القضيّة الكرديّة، أين كانت، وأيَّاً كانت الأكلاف.

شخصيّات مناضلة من طينة باهوز اردال، رستم جودي، شاهين جيلو، زاخو اليوسف، وآلدار خليل، والتوأمان هيفيدار محمد صالح وشيار محمد صالح، والشاعرة نرجس اسماعيل، والصحفي ريدور، والصحفي عدنان مصطفى، ودوزدار حمو…، وأقرانهم من الآلاف، هم من ذلك الجيل، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما يبدّلوا تبدلاً.

وكما يجب ألاّ ننسى أن البعض من المنتسبين للعمال الكردستاني، فرّ وهرب وطعن وخان.

ومنهم مَن تعِب وملّ وتراخى وتقاعس وتراجع وقعد…، وترك النضال.

وهذا هو منطق الثورات يا عزيزي.
لقد منحني التاريخ فرصة أن اكون في جبال قنديل في صيف 2007.

وأجريت حواراً صحفيّاً لصالح صحيفة “الحياة” مع السيّد مراد قرايلان، وأجريت تحقيق صحفي حول أوضاع القرى الحدوديّة تحت القصف التركي _ الإيراني، أيضاً لصالح “الحياة”.

ورأيت المئات من المقاتلين من الشباب والصبايا الأكراد العراقيين والإيرانيين، ممن انتسبوا للعمال الكردستاني، ليس تحت تأثير الشعارات التي “تلطّى” خلفها الحزب المذكور.

وللعلم، قسم كبير منهم كان قد أتى من المعاهد والجامعات.

بل رأيت كردي إيراني، كان قاضياً، خلع جلبابه، وارتدى زيّ الكيريلا!.

رأيت مقاتلين من كل مدن كردستان…، ومن كل الأجيال.

ودخلت في حوارات ومناقشات معهم.

لمست فيهم الحماس وروح التضحية والتفانِ في العمل.

لمست فيهم الإخلاص لقناعاتهم.

وقلت وقتها: لا الجيش التركي ولا الأميركي بإمكانه أن يجد لنفسه موطئ راحة واستقرار في هذه الجبال، بفعل مقاومة بسالة هؤلاء الأبطال.

وبالفعل، عاد الجيش التركي الغازي لجبال الزاب، مخزيّاً، مهزوماً، منكوباً مردوداً على أعقابه.

وشهد كل العالم هذه الملحمة البطوليّة الرائعة.

ليستُ من دعاة الحرب، ولا هم من دعاتها.

لا أحرّض الناس على الالتحاق بالجبال، ولا أمنع أحد من ذلك.

وأعتقد أن من لا يحترم دماء وتضحيات شعبه، لن يحترمه شعبه.

لا شكّ ان تجربة حزب العمال الكردستاني فيها الكثير من الأخطاء، وارتكتبت جرائم شنيعة باسم هذا الحزب، وباسم الثورة…الخ.

لكن، الحزب، قد اعتذاره منها.

ولقد اعتذر مراد قرايلان في حواره مع بولات جان (كتاب آفاق الكونفدراليّة) عن الاخطاء والنواقص والتعاطي السلبي مع أكراد سورية، التي تمّت في السابق، باسم الحزب والثورة.

فهل يجرؤ حزب من أحزابك الـ99، التي اكشتفتَ وجودها توّاً، هل تجرؤ على تقديم الاعتذار من الشعب الكردي السوري، عن مسلسل الانشقاقات والانفلاقات والشرذمات والمهاترات التي تغوص فيها، وتعطّل القضيّة الكرديّة منذ عقود!؟.
يشير جاندوست إلى تلك الشعارات التي كان يرفعها حزب العمال، وأن أنصاره صاروا يخجلون منها، ويتنكّرون لها.

وأقول له، كصديق وككاتب كردي سوري، أنا منسجم مع أفكار وطروحات حزب العمال لحلّ القضيّة الكرديّة حاليّاً، بنفس الحماس الذي كنت أناصر وأؤيد طروحات وشعارات حزب العمال السابقة.

تأييدي للأفكار والطروحات الحاليّة، لا يعني أنني أتنكّر وأتجاهل أو اخجل من تأييدي للطروحات والشعارات السابقة، لا قطعاً.

بل أنظر إلى هذا التحوّل والتغيير من باب مستلزمات الانسجام مع ضرورات العصر، وتحوّلاته، بدلاً من الانغلاق والتقوقع، بداعي الثبات على المبادئ وعبادتها.

لكن، لا يمكن ان انفي ان منسوب الشحنة العاطفيّة في تأييدي ومناصرتي لحزب العمال، كانت عاليّة في السابق.

أمّا الآن، أزعم أن هنالك توازن بين الجانب العاطفي والعقلاني في تأييدي لهذه التجربة، مع انتقاد الكثير من الجوانب السلبيّة والأخطاء والنواقص، التي يعترف بها اوجلان وحزبه، وينتقدها، بشاجعة وعمق، أكثر من الذين ينتقدونه، بدواعي سياسيّة أو كيديّة، أو نفسيّة أو شخصيّة.

كنّ الكراهية لحزب العمال الكردستاني، صار عقدة مزمنة لدى البعض، بحيث يستحيل الشفاء منها.

لكونهم غير مستعدّين للشفاء من هذه العقدة!.

فمن قضى عقدين من عمره في النقمة والحقد على أوجلان وحزبه، كيف يمكن لك أن تلفت انتباهه على محاولة مراجعة قراءاته السوداء لهذه التجرية!.

لقد أصبح الكره والحقد على اوجلان وحزبه، كجزء رئيس من التكوين النفسي والروحي والعقلي لهؤلاء البشر.

فكيف يمكن ان تأخذ بيدهم، أو أقلّه، تفتح معهم دوائر للنقاش، بروح وعقل منفتح!؟.
عزيزي جان… أنت ادرى بأن أهم منجز اجتماعي، سياسي، ثقافي حققه حزب العمال الكردستاني، هو تنشيط وتفعيل دور المرأة في النضال السياسي والعسكري في المجتمع الكردستاني على وجه العموم، والكردي السوري على وجه الخصوص.

فلا العائلات المحافظة، والليبراليّة، كانت توافق على إرسال بناتها للنضال السياسي فما بالك بالنضال العسكري.

النساء والصبايا الكرديّات السوريّات، وبمعيّة حزب العمال، هنّ من أجبرن عائلاتهن على القبول بحضور المرأة في ساحات النضال.

الفتاة الكرديّة السوريّة، شأنها شأن شقيقتها في شمال وجنوب وشرق الوطن، هي التي كانت صاحبة الجهد في جعل المجتمع الكردي ينفتح على دور المرأة في الحياة السياسيّة.

والآن، في تركيا هنالك 8 نساء في البرلمان التركي، و14 إمرأة في رئاسة بلديّات المحافظات والنواحي الكرديّة التركيّة.

وما تحقق في كردستان الشماليّة، سيتجد له معادلاً سياسيّاً في سورية.

بفضل تجربة حزب العمال، وليس بفضل أحزابك الـ99، التي لا تجد فيها أمرأة في قيادات الأحزاب، منذ تأسيس الحزب الأول، ولغاية الساعة.

وإذا كان هنالك نماذج، فعددها أقلّ من أصابع اليد الواحدة!.

هذه الناحية، ينبغي ألاّ تفوت كاتب وباحث مهم، من طينة جاندوست.

كنت آمل ان أجد جديداً في مقالة جاندوست، بعيداً من إعادة تكرار تلك الأسطوانة المشروخة إيّاها، التي سئمنا سماعها، والتي لا تليق به!.
أوجلان، لا ولم بجعل من أتاتورك قدوة للأكراد.

ومسألى إصراره على الوعود التي قطعها أتاتورك للأكراد، والطلب ممن يتاجر بالأتاتوركيّة من القوميين الفاشست في تركيا، لا تعني مدح أتاتورك.

ذكر الحقائق التاريخيّة، والتركيز عليها، لا يعني التعظيم والتفخيم من شأن أتاتورك.

لا شكّ أن اتاتورك، رجل المنعطف الحاسم في تاريخ الاتراك، وقائد تاريخي، بشهادة الكثير من المراجع المحايدة التي أعدّته من بين مائة شخصيّة عظيمة.

لكن، هذا لا يعني أنه كان دكتاتور ودموي.

أوجلان يحاول إعادة قراءة أتاتورك، بعيداً من وجهة نظره السابقة له.

وجهة النظر تلك، كانت تقليديّة، منشأها قومي كرديّ، واقعة تحت تأثير ردّة الفعل من دمويّة أتاتورك.

أوجلان يحاول أن يكون موضوعيّاً ومحايداً في التقييم الجديد لأتاتورك.

ومسألة نجاحه أو فشله في هذا التقييم، أمر آخر.

لكن، البتّة، لم أقرأ لأوجلان، ما يشير أو يوحي أن أوجلان جعل من أتاتورك قدو لنا.

علمناً، يا ليته يتوفّر بيننا قائد عظيم من طينة أتاتورك، دون أن يكون دكتاتوراً ودمويّاً، وينقذ الأكراد من هذا التردّي والانحطاط والشرذمة…، كما أنقذ مصطفى كمال الاتراك، وأعادهم لواجهة الفعل التاريخي، بعد أن كانوا على وشك البدد والزوال، فاستحقّ أن يكون أتاتورك.
وكان على جاندوست، ولو من باب الإقحام، كي يفهمنا أنه غير انتقائي، كان عليه أن يورد مديح طالباني للنظام السوري ورأسه الحالي والسابق، وللنظام الإيراني وللنظام التركي، قياماً وقعوداً، ويشيد بهذه الأنظمة الملخطَّة أيديها بدماء الكرد.

تصريحات طالباني ومديحه لقامعي الاكراد، ينبغي أن يستفزّ في جاندوست، ومن سبقه، ومن لحقه، بنفس القدر الذي تثيره تصرحات أوجلان حول اتاتورك من استفزاز!.

أم أن ما هو ممنوع على أوجلان، مسموح لطالباني وبارزاني؟!.

أوجلان يطرح أفكار وأسئلة وطروحات، بينما قادة كردستان العراق متحالفون مع الاتراك، ولا زالت جزمة الجندرمة على رأس المواطن الكردي في تركيا، وبندقيّته مصوَّبة إلى صدره!.

لا بأس أن يكون جاندوست انتقائاً، في بعض الأحيان، لكن ليس بهذا القدر الفجّ، الذي لا نحبّ ونشتهيه له!.
وينهي جاندوست مقاله الكريم ذاك بالقول: “لا شك أن للكردي حق مشروع في إقامة دولته و للحزب أي حزب شرعية  تغيير استراتيجيته بما يتناسب مع الظروف المحيطة به و لكن ما لا يمكن فهمه هو أن يستمر حزب ما في سعيه إلى صرف أنظار شعب مهان و مسحوق عن قضيته و إيهامه بأن القضية الكبرى ما تزال (هناك) وراء الحدود في النضال من أجل الحصول على مكاسب كان يعتبرها في الماضي عاراً على أحزاب (صغيرة) و يصر على أن يستقطب مزيدا من الوقود الحيوي لإشعاله في الجبال  بغية ترسيخ الديمقراطية في تركيا”.
اعتقد أن ما أوردته أعلاه، يكفي للردّ على هذه الخاتمة المطروقة والمكررة.

وإلى القارئ العزيز القصّة التالية: أرسل أحدهم مقالة إلى يوميّة “آزاديا ولات” الصادرة في آمد/دياربكر.

وكان فحوى المقالة، انتقاد إهمال الأكراد للمبدعين والفنان الاكراد، وعدم وتذكُّرهم إلا بعد وفاتهم.

وتأكيداً على ذلك، وفاة الفنان الكردستاني، الأرمني الأصل، آرام تيغران.

فوجدت “آزاديا ولات” المحسوبة على جهة سياسيّة، نوع من التجنّي والمبالغة في الطرح والمعالجة.

فقد حظي تيغران، في حياته ومماته، بما يليق به من تكريم، من قبل حزب العمال الكردستاني.

وبالتالي، تلك الانتقادات، لا تستند على معطى واقعي موضوعي.

ولم تجد جدوى للنشر.

فثار ثائرة الكاتب.

وللتعبير عن ثورته، اتّجه نحو شخص منبوذ وحاقد على العمال الكردستاني، ليشاطره آلامه وأحزانه، وصحته الوطنيّة الكرديّة السوريّة، وأجرى حوار معه، يهاجم فيه “آزاديا ولات”، ويتهمها بأنها “تفرض رقابة على كتاباته!”.

ولم يشفِ الكاتب غليله، ويفشّ خلقه، فكتب مقالة “أكراد سورية… صغير القوم خادمهم”.

دون أن ننسى أن أحد الكتّاب في “آزاديا ولات” والإعلامي في فضائيّة “روج تي في”، الزميل عزيز أوور، شنّ هجوماً عنيفاً على هذا الكاتب.

هجوم، فائض وزائد عن الحدّ، للأسف الشديد.

وعليه، من الآن فصاعداً، صار معروفاً الكليشة التي سيكتب بها أي من الأصدقاء والزملاء الأعزَّاء، ممن تتعكّر علاقته مع حزب العمال الكردستاني.

ولي في هذا السياق أمثلة عديدة، لا يتسع هذا المقام لسردها.

يستفيدون من حزب العمال، ويشربون مياهه.

ثم ينقلب بهم الحال، إلى مناوئين وناقمين وحاقدين، مستيقظين من الضلال والإغرار والتيه الذي لحق بهم، نتيجة علاقتهم بالعمال الكردستاني.

أنه بؤس بعض المثقفين الاكراد، في تعاطيهم مع ماضيهم، وابتغائهم إثارة الضجيج، عبر الانقلاب على الذات.

عدى عن بعض الجبناء المتوارين خلق اسماء مستعارة، ممن كانوا في سلك الحقوق والمحاماة في سورية، ويقسمون “باسم الحقّ والعروبة” في سورية، وينتسبون إلى نقابة تابعة لحزب البعث، وينتسبون لحزب كردي سوري عريق في الوقت عينه.

والآن، تراهم شجعان، لا يُشقُّ لهم غُبار، خلف اسم مستعار، في بلاد الجرمان!.

أحزاب تضمّ هكذا نماذج قبيحة، كيف لها أن تنال رضا الناس، يا عزيزي جان!؟.
 
وآخر القول: أمّا أنا، فلا استبدل غزلاني وأيائلي بالقردة.

وصداقاتي الحميمة مع العاملين في “روج تي في”، و”آزاديا ولات” و”المعهد الكردي في اسطنبول”، ومجلّة “سورغول”، والمناضلين على قمم الجبال وفي السجون وفي ميادين النضال السلمي الديمقراطي…، في سورية وتركيا والعراق وإيران وأوروبا، وهم بالملايين، أكثر أهميَّة بالنسبة لي، من أن يجري معي شخص منبوذ وحاقد وفار من العمال الكردستاني، حوار صحفي.

وهذا الشخص، منحه العمال الكردستاني شرفاً عظيماً وتاريخيّاً، أدخله التاريخ الإعلامي والثقافي الكردي من أوسع أبوابه، إذ سمح أن يقول: “إيفار باش تماشه فانيه هيجا / مساء الخير أعزَّائي المشاهدين”، على شاشة أوّل فضائيّة كرديّة في التاريخ.

هذا البني آدم، ومن وافقه الشنّ وطابقه، لا يألو جهداً، طعناً في العمال الكردستاني، ورفاقه القدامى، وهم لمّا يزلوا في ساحة المعركة.

فلولا العمال الكردستاني، هل كان يتصوّر هذا الشخص، أن يصبح يوماً ما “إعلاميّاً”!.

أنت أدرى منّي، كيف أن الكثير من مدّعي الإعلام، وأصحاب المواقع الالكترونيّة، باعوا أنفسهم ومواقعهم الالكترونيّة لقادة كردستان العراق.

وفي مسعى إرضائهم، وإرضاء الألمان، جعلوا مواقعهم الالكترونيّة، مكبّ للنفايات السخافيّة التي تسهتدف النيل من العمال الكردستاني وأوجلان!.

هذه الطينة من البشر، لا عتب عليها.

فمن ألَّف كتاباً عن أوجلان، صار شاتمه!.

ومن كان يتزلّف للعمال الكردستاني في بداياته، صار نجم التهجّم على هذا الحزب!.

ولا بأس  بقليل من العتب عليك.

فجاندوست الذي نحبّ ونعرف، لا يحتاج لحوار صحفي، على موقع كرتوني _ الكتروني، هو محطّ اشتباه في الحياديّة والموضوعيّة، بخاصّة في تعاطيه مع العمال الكردستاني وزعيمه.

عدم نشر مقالة في “آزاديا ولات” لا تعني نهاية العلاقة، وبدء حالة الصحو والاستيقاظ من “الغفلة”، والدعوة للارتداد من “الضلال” القومي، و”التيه” النضالي للأكراد السوريين، واتهام حزب العمال الكردستاني، بأنه وراء ذلك!.

وإذا كانت هذه الكشوف الفكريّة والنفسيّة والاجتماعيّة والسياسيّة حيال علاقة أكراد سورية بالعمال الكردستاني، ولدت الآن، نتيجة ما تمّ ذكره، أفلا تعني الدعوة لليقظة وتصويب الأنظار، هي في الوقت عينه، دعوة للتنويم وصرف الانظار، وإبقاء الشعب الكردي السوري يناضل ضدّ نظام البعث، بظهر مكشوف!؟.

بخاصّة، أنّ أيّ مهتمّ بالشأن الكرديّ العام، لا يغفل عن حجم التنسيق والتعاون والتضامن الأمني والسياسي السوري _ التركي ضدّ الأكراد، على طرفي الحدود!.
قلتها سابقاً.

من حقّ أكراد سورية، أن يكون لهم خيارهم الأيديولوجي والسياسي الأوجلاني.

لماذا نحجر عليهم هذا الحقّ، تحت مسمّيات عديدة، وبداعي تصويب الاتجاه النضالي نحو الداخل.

لكن، على أصحاب الخيار السياسي والأيديولوجي الأوجلاني الكردي السوري، أن يسعوا لبلورة أداءهم، بما ينسجم وخصوصيّتهم الكرديّة السوريّة.

وهذا ما ينادي به أوجلان.

لكن منسوب الدوغمائيّة الموجودة، أحياناً تعرقل هذا الاتجاه.

وهذه مسألة مؤقّتة باعتقادي.

لكن، مما لا شكّ فيه، أن اتخاذ بعض من أكراد سورية خياراً سياسيّاً وأيديولوجيّاً أوجلانيّاً، يرعب النظام السوري، بدليل الهجمة الشرسة على أصحاب هذا الخيار، وفي الوقت عينه، يرعب بعض الدكاكين السياسيّة الكرديّة في سورية.
ينبغي ألاّ يبقى الأكراد السوريون دون خيارات ومساند استراتيجيّة كردستانيّة، تخفف عنهم جزء من جور وظلم النظام السوري.

ينبغي أن يدرك قادة كردستان العراق، وقادة كردستان تركيا، إن أيّ أنجاز يحققونه، للأكراد السوريين أسهم وحصّة كبيرة فيه.

وحان الوقت، وبل تأخّر، لكي يثبت قادة كردستان الشماليّة والجنوبيّة للنظام السوري، أن الشعب الكردي في سورية، ليس خرفاناً ونعاجاً للذبح بمدية النظام الطائفي السوري!.

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…