تّيار المُسَتقبل بين الدينامّية والعجز.. رؤية مقتضبة في راهنية الدور وإشكالية الممارسة

بنابر عمري

كان تأسيس تيار المستقبل الكردي في سوريا حاجة أساسية، و إفرازا إيجابيا تمخّض عن الوضع الذي ساد بعد انتفاضة آذار 2004و بالرغم مما شاب تأسيسه من حرق للمراحل ، وهزّات تنظيمية إلا إن التيّار حافظ على بقائه حتى بعد اختطاف و اعتقال مؤسسه والناطق الرسمي باسمه الأستاذ مشعل التمو الذي حوكم بتهمة إثارة النعرات الطائفية و العرقية أمام محكمة الجنايات بدمشق إذ كان موقفه صلباً يعبّر عن جوهر المعارضة الحقيقية.
كحالة جديدة في الوسط الكردي السوري برهن تيار المستقبل الكردي على حضوره وامتلك سمات اختلف فيها عن غيره من الأشكال التنظيمية و التعبيرات السياسية الموجودة على الساحة الكردية السورية جعلته محور اهتمام الناشطين وأصحاب الآراء المطالبة بإيجاد صيغ جديدة تقوم على أساسها مزاولة الفعل السياسي ومن أبرز هذه السمات هذه السمات :
–  تيار المستقبل ليس سليل انشقاق حزبي قائم على ردات الأفعال ، بل هو حالة سياسية تشكلت بفعل الحاجة إلى تنظيم أفقي الملمح يفتح الباب أمام نبذ التراتبية الهرمية القائمة في وكالات الهدر ، وقوى العطالة الكردية المسماة – تجاوزا- بالحركة الكردية ، وبهذا التنظيم الأفقي يمكن خلق حالة استيعاب نوعية لكل الشرائح و الفئات ضمن المجتمع الكردي فيما لو انسجم القائمون على إدارة القرار في التيار مع مبررات وجود تنظيمهم ، واستوعبوا راهنية دورهم.
– اتخذ التيار جانب القطع مع أشكال الاستبداد كافة  ، وابتعد – بذلك – عن الحلقة المفرغة التي تدور فيها الأحزاب الكردية و المعارضة السورية إجمالا ، والتي لم تصل بعد إلى المستوى الذي يؤهلها لفك التمحور حول النظام ، والانعتاق من الارتباط المصيري به ، ونبذ كل صور التماهي معه.
–  تيار المستقبل هو الطرف السياسي الوحيد الذي لديه ديناميات تؤهله ليشكل حركة ضمير قادرة على بث الروح في الوجدان الجمعي الكردي من خلال تعريف الإنسان الكردي بذاته (تعريته أمام نفسه) ، وزجه في معترك المسائلة الأخلاقية التي تقتضي أن يستبسل في رد الظلم عن نفسه، ومجتمعه ورفض كل أشكال التهميش و الاستلاب والقهر.
–  امتلاك التيار لخطاب سياسي صريح ومباشر من جهة تعبيره عن معارضته ، وتعريته للوضع القائم وللتمظهرات الكارثية للحكم الكلياني كممارسته القمع العاري و المقنع وضربه الركائز المجتمعية و المدنية ، وتنميته المكونات العنفية وإشاعته النزعات ما قبل الوطنية كالعشائرية ، والمناطقية ، والطائفية الدينية وغيرها.
– اعتماد التيار على القوى الشبابية والطلابية يجعله أكثر التنظيمات السياسية حيوية بالرغم من سيره بخطوات بطيئة نحو التمدد التنظيمي ، وقلة أعداد من ينخرطون في صفوفه.
–  يتمتع التيار بدعم مجموعات و شخصيات من المستقيلين عن أحزاب كردية أخرى تركت أحزابها بسبب انحراف قيادات هذه الأحزاب عن النهج النضالي ، حيث رأت هذه المجموعات في التيار تربة خصبة لاستمرارية طرحهم الجاد الذي لم ينجز في أحزابها التي استقالت منها.

 
هذه كلها ديناميات وعوامل قوة يمتلكها تيار المستقبل لكنها في المجمل معطّلة، لعجز التيار حاليا عن ترجمتها إلى حراك فعلي منتج بسبب تمسكه ب(براغماتية) مفترضة قوامها مسايرة قوى العطالة (لكيلا تتكاثر الجبهات المفتوحة ضده !!!!!!!) مما يعكس خللا بنيويا، ويدلّل عل أحد أمرين :
1- إما إن التيّار لم يصل إلى حد الاقتناع بوجود طاقات و قوى خلاقة في المجتمع الكردي تستطيع أن تكون رديفا له ، ورافعة لنهجه في حال لو غرّد خارج سرب الأحزاب الكردية.
2- أو إن التيّار جزء من هذه القوى لكنه يغلف العطالة بحلّة جديدة قد تخلب ألباب البعض لفترة زمنية ثم تبهت وتخبو، وهذا مالا نتمناه.
لا بد للقائمين على صياغة القرار السياسي داخل التيار أن يستدركوا ما قد غفلوا عنه ، أو ضحّوا به مرحلياً فلسنا في زمن يُمهِل المتردّدين.


Penaber Omerî

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…