قصور الرؤيا في خطاب المثقف الآشوري حيال الموضوع الكردي


عمر كوجري

مَنْ يقرأ مقالة الأستاذ سليمان يوسف يوسف المنشورة في موقع ” إيلاف” مؤخراً والموسومة بـ ” وجهة نظر للعلاقة الآشورية الكردية في سوريا” دون أن يتعمق فيما وراء السطور، سيخال أن الرجلَ يشعر أن ثمة تداعياً في حائط العلاقة بين الشعبين الجارين ” بحكم الجغرافيا والتاريخ” وآن الأوان ليتداعى صفوة الشعبين من مثقفيهما ومفكريهما لإصلاح البَيْن، وإعادة المياه إلى مجاريها، وبناء ما تهدَّم، لكن حنايا الكلمات تفصح عن شيء آخر.
 فالمدخل كتب بطريقة محكمة رغم ما فيه من مغالطات، لكنه يدغدغ مشاعر الكرد حينما يُصَرّح الكاتب من باب “المنِّية” بأن الآشوريين كانوا منخرطين في “صفوف الحركة الكردية في العراق وتركيا” لاحظوا لا يقول ” كردستان العراق” رغم أن معظم وسائل الإعلام العربية والفضائيات تجاوزت أزمة التحسس من لفظة كردستان.

ومتن المقال يقول إن الكاتب دس السم بالدسم، لكن حيلته لم تنطلِ على القارئ الحاذق، وجرياً على عادة بعض المثقفين الآشوريين ينبش الأستاذ يوسف أوراق الماضي، ويجعل من الكرد شعباً أفاقاً ظالماً سافكاً لدماء الشعوب المستضعفة عندما يتحدث عن حقبة الاستعمار العثماني” الاحتلال ” وليس الاستعمار، ” حينما انتهج سياسة فرق تسد، واستغلَّ الدين في تأليب الأكراد المسلمين على المسيحيين” بالطبع ينسى يوسف أن الكرد مثلهم مثل باقي الشعوب كانوا تحت مظلة الامبراطورية العثمانية، ولم يكونوا أصحاب قرار، حتى يقوموا بأعمال إبادة بحق الأرمن وغيرهم، وعلم قارئ التاريخ أنهم  تعرضوا للإبادة والقتل أيضاً.
  بكل الأحوال الركون للماضي لا يفيد، ويبدو أن كاتبنا لايودُّ مبارحة هذا الماضي، فله مقالة منشورة في موقع الحوار المتمدن بتاريخ 24- 4- 2005  لايتورع في إلصاق تهمة ذبح الأرمن على يد الكرد، يقول فيها: “في الرابع والعشرين من نيسان من كل عام يستعيد مسيحيي (الأصح مسيحيو) أرمينيا وسوريا وبلاد ما بين النهرين، ذاكرتهم التاريخية، ففي مثل هذا اليوم جهزت تركيا حملاتها العسكرية وجندت لهذا الغرض آلاف الأتراك والأكراد تحت اسم الفرق الحميدية، وبدأت حملات القتل الجماعي وعمليات التطهير العرقي بحق الأقليات المسيحية، مثل الأرمن والآشوريين (سريان/كلدان) واليونان
 وهاهي تركيا وريثة العثمانيين التي استدعت سفراءها، وحاولت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع بعض الدول الأوربية لمجرَّد أنها كانت تتحدث في وسائل إعلامها عن مجازر الأرمن..

هاهي أرمينيا الجريحة التي دفعت قرابين تزيد على مليون ونصف ضحية، تضمّد جراحها، وتنسى الماضي بكل أخطائه، وتجتمع مع الحكام الأتراك، ويزور الرئيس التركي غول عاصمة أرمينيا يريفان في 6 أيلول من العام 2008 ويحضر مباراة ودِّية بكرة القدم بين فريقي البلدين دون أن يهجم عليه جماهير ايريفان، ويبقروا بطنه بخناجر جراح الماضي، ويعي الأرمن أنهم يسبحون في بحر من الدماء عندما يتوجهون إلى أنقرة، لكن باب الماضي لا يفيد بيت المستقبل، لم يعد ينفع.
وفي حديثه عن الأكراد المسيحيين جافى كاتبنا الحقيقة حينما أوضح أن هذه المقولة أو النظرية لا أساس لها من الصحة، وفنَّدها دون أن يقنعنا بوثائق تاريخية، وهو يعلم أن الشعب الكردي ليس طارئاً في هذه المنطقة، فمن الضروري والطبيعي أن يكون هناك أكراد يهود، وأكراد مسيحيون، وإيزيديون، وو طبعاً الدين الغالب حالياً لدى الكرد هو الإسلام الذي لم يخدم الكرد كما يدّعي السيد يوسف، الكرد تماهوا في الدين الإسلامي، ودافعوا عنه، وحملوا رايته في الملمات والنوائب حتى نسي القادة والعلماء الكرد المسلمون أنهم أكرادٌ، بل أن بعضهم أبدى استعداده ليمرّغَ كرديته تحت حذائه إن كانت تبعده عن دينه “السَّمِح” قيد أنملة.


يقع الأستاذ في مغالطات عديدة حينما يتطرق – واضعاً يده على الجرح- في حال العلاقة بين الكرد والآشوريين في سوريا، ويتحدث عن فتور وجفاء يشوبان العلاقة بين الكرد والآشوريين على ” المستوى الشعبي والمجتمعي” وهو يعلم أن لا دورَ للكرد في ذلك الجفاء، أتذكر عندما كنا في المرحلة الدراسة الإعدادية والثانوية في ديريك والقامشلي كان الشباب الآشوريون يبالغون في إلحاق الأذى من وشاية عند مدربي الفتوة أو المدير وغير ذلك، وحتى الشكاية للجهات الأمنية بدعوى أن الطلبة الكرد منخرطون في التنظيمات الكردية، حيث كانوا شبيبيين ومظليين وحزبيين، وهذا ماترك في نفوسنا جروحاً بليغة، وهي أن الطلبة الآشوريين ناصبوا العداء لنا دون أن نعرف كنْهَ ذلك العداء، كما نسمع من بعض أصدقائنا في المغتربات أن الآشوريين كثيراً ما حصلوا في أوربا على إقامات سريعة، وشبه أوتوماتيكية من البلاد التي نزحوا إليها، حيث يقولون للمحكمة إنهم هربوا من سوريا لأنهم تعرضوا لظلم واضطهاد الكرد ” الذين سبوا أموالهم وممتلكاتهم” !!!!  
وفيما يخص الحركة الكردية لا ينسى السيد يوسف أن يغمز من قناة الحركة عبر” الحركة الكردية بتنظيماتها ” الأربعة عشرة” الأصح” الأربعة عشر” ويرى أن الحركة ” تمجّد سفاحاً مثل ” سمكو شكاك” الذي غدر بالبطريريك مار شمعون وقتله بعد أن دعاه سمكو إلى منزله 1918 ” ولا أعرف من أين استقى هذه المعلومة؟؟ فلا إعلام الحركة، ولا مهرجانات باسم سمكو، ولا ندوات تعقد لأجل هذه الغاية، أما كيف يحتفلون به؟ لا أعرف.
 وفي هذا الصدد يبرر سمكو شكاك أسباب قتله لمار شمعون في حديث صحفي أن الروس سحبوا قواتهم من سابلاغ وأورومية، وتركوا كميات كبيرة من البنادق والمدافع والعتاد ومخازن للسلاح للآشوريين، فخشي سمكو من مطامع الآشوريين في احتلال وغزو كردستان إيران، وهو كان على علم بمآرب الآشوريين، وذلك أن سمكو قد ” خبَّأ في صدره ثأراً للذين قتلوا من الكورد على يد الأرمن والآشوريين وبمساعدة الروس، وفي نفس الوقت خوفه على مستقبل المناطق الكوردية من مطامح الآشوريين في الجزء الشمالي من كوردستان، بعد حصولهم على كميات كبيرة من السلاح والعتاد، ويبدو واضحاً من خلال استقراء تلك الحقبة، بأن المشاعر الدينية كانت تلعب دوراً كبيراً في تهييج العواطف والتحالفات والمساومات” 
ويبدو أن السيد يوسف قد وضع نصب عينه تسفيه الوقائع فهو يرى أن الحركة الكردية قد ” وجدت نفسها في أحداث آذار المؤلمة كردياً ووطنياً منقادة خلف شارع كردي محتقن هائج” ويتهم يوسف الحركة الكردية بأنها تنتج خطاباً مفرطاً بالتطرف والتعصب، رغم أنه قال في مكان آخر في مقالته إن مظاهر التقارب الكردي الآشوري واضحة على المستوى النخبوي والسياسي، وبطبيعة الحال تعدُّ الحركة الكردية الحامل الطبيعي للسياسة، فكيف يتهم الحركة بالتعصب هنا، ويمدحُ دورَها في التقارب السياسي والنخبوي بين الكرد والآشوريين؟؟  
وفيما يخص تداعيات أحداث آذار 2004 يختلق الكاتب قصة لم يسمع بها أحد، ويتهم الكرد بأنهم أعلنوا عداءهم للآشوريين دون أن يستند إلى أية وقائع، ونحن لم نسمع أن الكرد قد اعتدوا على كنيسة آشورية، أو حتى اعتدوا على شخص آشوري أثناء الأحداث، ويعلم الجميع أن لا دخل للآشوريين في تلك الأحداث، فلماذا يحرف الكرد مسار آلامهم، وهم  كانوا المنهمكين بدفن الضحايا؟!
وللعلم، أن التاريخ يشهد أنه كانت هناك قوات آشورية تدعى ” قوات الليفي الآشورية”، أنشأها البريطانيون لمساعدة قواتهم المحتلة للعراق في حفظ الأمن والنظام ، والقيام بدور الحراسة للمعسكرات والقواعد البريطانية.

ذلك أن الآشوريين كانوا يطمحون إلى إقامة  دولة لهم في دهوك وبعض المناطق الأخرى في كردستان العراق، لكن آمالهم خابت بعد صدور القرار بضم العراق إلى عصبة الأمم، وتجاهل بريطانيا تلك المطالب، ما أثار استياء قوات الليفي العاملة في خدمة القوات البريطانية، واستقال ما يزيد على 1300 فرد منهم، ما دفع السلطات البريطانية إلى أن تأتي بقوة عسكرية من الإنكليز المتواجدين في مصر لتحل محلهم، حيث تم نقلهم على عجل بواسطة الطائرات.
  ولتذكير كاتب المقال بتفاصيل أكثر دقة، لن تروق له بالتأكيد، أنه في 2 تشرين الثاني من عام 1914 شاركت الدولة العثمانية بالحرب العالمية الأولى إلى جانب القوات الألمانية وأثناء الحرب قامت الدبلوماسية الروسية بالإضافة إلى استجرارها للآشوريين في الفعاليات الحربية في إيران بمحاولات لاستهداف الأشوريين في تركيا للانتفاضة.

وبالفعل أرسل القنصل الروسي بيدنيسكي بتاريخ 10 تشرين الثاني من عام 1914 ثلاثة رجال استطلاع آشوريين إلى بنيامين مار شمعون ” زعيمهم الديني” وقد عاد الثلاثة محملين برسالة من البطريرك يؤكد فيها جاهزيته لإعلان الانتفاضة.

قام الأتراك على إثرها ، بمجازر وحشية ضد الآشوريين كي لا يقفوا مع روسيا بالحرب، وقد تم استدعاء مار شمعون من قبل محافظ وان في 22 / 8 / 1914 حيث طلب منه ان لا يقف بالحرب مع روسيا إلا أن المار شمعون رفض ذلك، ما دفع الأتراك إلى تهديم الكثير من القرى الآشورية في مناطق بالا وشمسدين وكالا وخنانيس وكاور حيث تم طرد أهلها.
ولعل هذه شواهد وحقائق لاتزال ذاكرة التاريخ تحتفظ بها، وبالتأكيد ليست في ذاكرة التاريخ، إنما في أرشيف الروس والأتراك معاً لإثبات زيف ما يدَّعيه كاتب المقال من تجنيات بحق الكورد.
وبعد هذه الأحداث تم عقد مجلس ضم ممثلي جميع العشائر الآشورية (الرهنة) وانقسم الآشوريون إلى فريقين الأول بقيادة نمرود عم البطريرك الذي أراد أن يبقى الآشوريون في الحياد في الحرب كي لا يعطوا المبرر للعثمانين بطرد الآشوريين والجانب الثاني هو الجانب العسكري وقد كان أكثر عدداً ووقف معه البطريرك وعندها أعلن البطريرك انتفاضة الشعب الآشوري إلى جانب روسيا وانكلترا وفرنسا وبعد المجلس وبسبب عناد نمرود تم قتله في فراشه وأعدموا أقاربه ومناصريه خارج القرية
 وبعد:
 لا أعتقد أن خطاباً كهذا يمكن أن يرمم الفجوة بين الشعبين الجارين تاريخياً، وخصوصاً من مثقف محترم، له علاقات واتصالات وصداقات واسعة مع الطيف السياسي والثقافي الكردي.

وبمجمل الأحوال: الحركة الكردية بكامل أطيافها و”أحزابها الكثيرة”، والمثقفون الكرد ينشدون الوحدة الوطنية والتسامح، ويشيعون ثقافة العمل معاً لأجل مستقبل زاهر لكل أبناء سوريا.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…