نحو الإصلاح و التغيير مشروع » الحركة الوطنية الكردية في سوريا «نموذجاً

عمر كالو
imerkalo@hotmail.com

   منذ تأسيس أول تنظيم سياسي كردي في سوريا قدّم أبناء شعبنا الكردي في سوريا تضحيات جسام لا أحد يستطيع إنكارها وتجاهلها, منهم من تفرّغ للعمل السياسي طوعاً و دون مقابل وتحمّل أعباء العمل و النضال السياسي على حساب حياتهم الشخصية, و منهم من قضى سنين شبابهم في المعتقلات والسجون وتحملوا قسوة و مرارة التعذيب, و منهم من نفي قسراً و منهم من هاجر الوطن هرباً من الملاحقة الأمنية, و منهم من استشهد و قدّم روحه و دمائه الطاهرة.

و ستبقى كل تلك الجهود والطاقات و الإمكانيات و التضحيات التي بذلت في سبيل القضية موضع تقديرنا و احترامنا إلى الأبد!!! و ربّما نطالب الحركة و قادتها أكثر من طاقاتها الممكنة أحياناً, و لكن عندما نعّبر عن رفضنا و استيائنا من الحالة الراهنة للحركة الكردية, لا يعني أنّنا ناكرين للمعروف والجميل الذي قدّم من قبل الحركة و قادتها خلال أكثر من خمسة عقود لخدمة شعبهم و قضيتهم العادلة, و إنّما هم جميعاً قيادةً و قواعد موضع تقديرنا و احترامنا كأشخاص و خاصة الشخصيات التاريخية المناضلة أمثال الخالد عثمان صبري و الدكتور نورالدين ظاظا و الأساتذة رشيد حمو و عبدالحميد درويش و صلاح بدرالدين وكمال أحمد و الشهداء سليمان آدي و الشيخ معشوق الخزنوي و عثمان سليمان و…الخ.

   نرى و بكل الأسف في هذه المرحلة الجديدة و المهمة من تاريخ العالم و المنطقة بأنّ قسماً كبيراً من قيادات الحركة السياسية الكردية في سوريا مشغولة بالصراعات و المصالح الشخصية, ويقيسون الشعب الكردي و القضية الكردية على طول شخصهم و عرضه!!! و لا يوجد لديهم أدنى استعداد لتقبل أيّ إصلاح أو تغيير يمس شخصهم المقدس من قبلهم, و ذلك من خلال استغلال نفوس بعض المخلصين الأبرياء, و لا عمل و لا نضال و لا شيء يفيد الآن سوى مزيداً من الضياع للإرادة و الوقت.

و استمرار هذه الذهنية و الثقافة لقيادة و تمثيل الشعب الكردي حتماً ستؤثر سلبا على مستقبل القضية الكردية وستلحق الأضرار بمستقبل الأجيال, و يوماً بعد يوم يتحول الأنا الأعمى و النفاق و الفساد و المؤامرة و الاتهام و التخوين إلى ثقافة في المجتمع الكردي, بعدها و كلّما طال الزمن سيصعب التغلب و السيطرة عليها و معالجتها.

   من هذا المنطلق أرى بأنّ جميع القيادات السياسية الكردية في سوريا مدعوة إلى التنحي و الاستقالة و حل جميع أحزابهم و البدء فوراً في إعادة البناء و العمل لمشروع وحدوي جديد, يوّحد من خلاله كافة الطاقات و الإمكانيات الموجودة في المجتمع الكردي سياسياً و ثقافياً و اجتماعياً و اقتصادياً, لكي ينسجم مع تطورات المرحلة و سمات العصر نهجاً و تنظيماً و أسلوبا, كما فعلها الأستاذ صلاح بدرالدين مشكوراً عندما استقال من الأمانة العامة لحزب الاتحاد الشعبي و تعهد في مشروعه الجديد: (( أتعهد أمام الجميع بامتناعي عن المشاركة في أية لجنة أو هيئة قبل وبعد المؤتمر واقتصار دوري بالناحية الاستشارية الداعمة )), هذه هي الخطوة الأولى و الصحيحة في الاتجاه و الطريق الصحيح, لأنّ هذه التنظيمات باتت غير نافعة للقضية الكردية ولا تمثل الشارع الكردي إلاّ بنسبة ضئيلة, هذا ما أثبت في آذار 2004 .
    إنّ مشروع « الحركة الوطنية الكردية في سوريا « المطروح للمناقشة من قبل الأستاذ صلاح بدرالدين وكل المشاريع و المحاولات التي تدعو إلى الإصلاح و التغيير و وحدة الصف و الموقف و الإرادة الكردية هو الحل و الخلاص الوحيد من حيث الفكرة والمبدأ, أي فكرة الخلاص من حالة الركود و الفرقة و الشرذمة و التنافر و الضعف التي تعيشها أطراف الحركة السياسية الكردية في سوريا, و تستحق تلك المشاريع بذل كافة الجهود و الطاقات المتوفرة و الجادة في  المجتمع الكردي للتوصل إلى الحل و الهدف المنشود, ألا وهو إعادة بناء الهيكلية التنظيمية و الفكرية و الأخلاقية و حتى النفسية للحركة الكردية, أو لأيّ اسم آخر الذي سيكون الممثل الجديد و القوي و الشرعي للشعب الكردي في سوريا.

وتقع المسؤولية على عاتق الجميع للمضي قدماً نحو التغيير الفعلي والعملي, و بالتالي لمواكبة التغييرات و التطورات الإقليمية والعالمية و سرعة المرحلة والعصر, و لا يكفي فقط أن نبدي آرائنا و أسمائنا و صورنا الجميلة على صفحات الإنترنيت الملونة, بل علينا أن نبدأ بالتواصل و العمل الفعلي لخلق أو تطوير أو استكمال لأيّ مشروع وحدوي جديد يوحد من خلاله الإرادة و الجهود و الطاقات المجتمع الكردي المشتتة و المبعثرة و المفككة.
   إن لم نقل الكل, إنّ الغالبيّة العظمى من الشارع الكردي في سوريا يائس و متشائم من الحالة الراهنة للحركة السياسية الكردية, لأنّها – الحركة – عاجزة و غير قادرة للارتقاء إلى مستوى – أو حتى الاقتراب من طموحات الشارع الكردي الذي من دونه تتحول الحركة السياسية إلى حركة غير شرعية ولا تمثل سوى الأشخاص الذين يلهثون خلف طموحاتهم الاستبدادية في الحكم و السيطرة على الغير و بعض المخلصين و الأبرياء الذين تملي عليهم ضمائرهم الحيّة للقيام بواجبهم القومي تجاه هويتهم الأم.

ويطفو هذا اليأس و التشاؤم على السطح كلّما طرح دعوة أو مشروع دعا إلى وحدة الإرادة و الموقف و خاصة في الأوساط الثقافية الكردية المستقلة, و آخرها ما صدر من آراء و مواقف و ردود حول مشروع الحركة الوطنية الكردية في سوريا الذي قدّمه الأستاذ صلاح بدرالدين.

  
   و الحل في رأيي و بكل البساطة و بعيداً عن الحركة السياسية الكردية في سوريا هو التغيير الداخلي, و التغيير يبدأ من الذات أولاً, على الجميع أن يراجع نفسه و يضع يديه على مكامن الخلل و الاعتراف بالأخطاء الذاتية في الماضي والحاضر والاستفادة منها, وأن يهيئ الإنسان الكردي نفسه – كإنسان حضاري فاعل و مواكب للمرحلة ذهنياً و نفسياً – للمستقبل و خوض صراع الإنسان مع الحياة, و يبقى الصواب نسبياً عند البشر, الكل بحاجة إلى مراجعة الذات و إصلاحه و البدء بالتغيير الذاتي أولاً و بعدها السعي نحو مواكبة المرحلة.
       إنّي واثق كل الثقة بأنّ المشروع المطروح أو أيّة فكرة التي تدعو إلى الإصلاح و التغيير في الحركة السياسية الكردية في سوريا قابلة للتطبيق على أرض الواقع و بكل السرعة و السهولة, فقط إذا تخلينا قليلاً عن ذلك الأنا الأسطوري الزائف و المتربع على عقولنا وصدورنا, و بزج و تسخير قدرات و طاقات الجيل الجديد و خاصة المثقف المستقل منه و بخبرة و استشارة و دعم الجيل القديم ستتحول وتتغير مفهوم الحركة السياسية الكردية إلى حركة ليست فقط سياسية, و إنّما إلى حركة تؤمن بالعمل و النضال التخصصي و المؤسساتي في النواحي السياسية و الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية معاً, و بالتالي ستكون جديدة و قوية و متينة و ستمثل الغالبية العظمى من الشعب الكردي في سوريا, و ستقودها أو ستنخرط في قيادتها الجيل السياسي الجديد و المثقفون المستقلون و الذين من بينهم يستطيعون قيادة الدول من جانب توفر القدرات و الطاقات الفكرية  و الإدارية لديهم.

 
   بعض ملاحظات سريعة حول مشروع  « الحركة الوطنية الكردية في سوريا «  :
 تأريخ المشروع بتاريخ 5 آب 2009: أرى بأنّ تدوين تاريخ “5 آب” تحت المشروع سيعيد إلى أذهان المستقلين سياسياً في الشارع الكردي الانقسام الأول في الحركة الكردية في سوريا عام 1965, و سيثير تساؤلات و تحفظات و ربّما يصل إلى درجة الاحتجاج عند بعض أطراف الحركة الكردية و خاصة الطرف أو التيار الذي قاده الأستاذ عبد الحميد درويش آنذاك و المتمثلة الآن في عدد من الأحزاب نتيجة الانقسامات, و أيضاً ربّما يفهم من هذا التاريخ بأنّه إشارة إلى وحدة – فقط الطرف أو التيار الذي قاده الأستاذ صلاح بدرالدين آنذاك و المتمثلة أيضا الآن في عدد من الأحزاب نتيجة الانقسامات, و كان من الأفضل أن يدون بغير أو بدون تاريخ, أو لو دوّن بتاريخ 14 حزيران, و أتمنّى أن يكون ذلك عن دون قصد و غاية من قبل الأستاذ صلاح بدرالدين؟!.
لم يكن التحالف الديمقراطي آخر ائتلاف سياسي كردي في سوريا: جاء ضمن المشروع و في الفقرة التالية ما يلي: )) إن وضع اللبنات الأولى في مدماك وحدة ”  الحركة الوطنية الكردية”من جانب الوطنيين الأكراد في مختلف العهود والحقب ومحاولاتهم المتواصلة على هذا الطريق وآخرها بناء التحالف الديمقراطي )).

إنّ في الحقيقة لم يكن التحالف الديمقراطي آخر حلف أو ائتلاف سياسي كردي في سوريا, وإنّما أتى بعده الجبهة الديمقراطية و لجنة التنسيق الكرديين في سوريا و ما زالوا قائمين و معلنين, إنّ عدم ذكر هذين الائتلافين في سياق المشروع, سيخلق عدة إشارات الاستفهام عند الشارع و بعض الأطراف السياسية الكردية؟!.
عدم الإشارة إلى وضع حزبي الاتحاد الديمقراطي و الوفاق الديمقراطي: إنّ هذين الحزبين يحظون بتأييد جماهيري كردي عالي في الواقع الجماهيري الكردي في سوريا, و لا يمكن تجاهله وعدم التوقف عند وضعهم المختلف عن باقي الأطراف السياسية الكردية المنحدرة من إعلان البارتي في منتصف الخمسينات من القرن المنصرم.


دون أية إشارة إلى المصدر, تم الأخذ بصورة انتقائية مشوهة, التحالف الديموقراطي سابقا: جاء في الملاحظة الأولى ما يلي: (( تم نشره – المشروع – في وسائل الإعلام بعد المصادقة عليه من جانب اللجنة المركزية لحزب الاتحاد الشعبي ومن دون أية إشارة إلى المصدر تم الأخذ بصورة انتقائية مشوهة ببعض بنود المشروع من جانب – التحالف الديموقراطي – سابقا وإغفال المضمون الجوهري للمشروع ككل لا يتجزأ )).

أولاً و حسب معلوماتي كان هناك اتفاق بين الأستاذ صلاح بدرالدين و حزبه آنذاك على أن ينشر و يوزّع المشروع باسم حزب الاتحاد الشعبي, و المصدر كان مذكوراً حينها ألا و هو اللجنة المركزية لحزب الاتحاد الشعبي.

أمّا ثانياً لم يؤخذ بالمشروع بصورة انتقائية مشوّهة ببعض بنود المشروع, بل اتفق عليه أطراف التحالف الديموقراطي بما فيه حزب الاتحاد الشعبي على تلك الصيغة والمضمون, وكيف أغفل المضمون الجوهري للمشروع (( ككل لا يتجزأ )) و هو مطروح للمناقشة و التعديل؟ و بعدها اعتمد للنشر و التوزيع من قبل التحالف بعد المناقشة و التعديل.

و التحالف الكردي لم يكن في السابق فقط, بل هو موجود الآن و في الحاضر بقسمين بعد انسحاب بعض الأطراف منه و لا يجوز أن ندّعي بأنّ التحالف كان في السابق.
   و أخيراً أرى عند طرح ومناقشة أيّ مشروع وحدوي جديد للحركة السياسية الكردية في سوريا, يجب على جميع أطراف الحزبية و الشخصيات المستقلة الابتعاد كل البعد عن المواقف و الآراء المسبقة التي من خلالها تلغي و تقصي وتنفي وجود الآخر, الكل موجود و للكل معنى في الواقع – شئنا أم أبينا, و لكن مختلفون عن البعض, والاختلاف في الرؤى و المواقف ظاهرة صحية و حضارية بامتياز, و كذلك الابتعاد من اللهجة أوالخطاب الذي يؤدي إلى النفور و الاستفزاز فيما بين الأطراف السياسية الكردية في سوريا, و خلق أو تبني الخطاب أو اللهجة الجديدة التي تمثل وجود الجميع في أيّة فكرة وحدوية إصلاحية جديدة.
كوباني: 25-8-2009

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…