أولا : على صعيد تعريف العراق الجديد وبعد دخول العام السادس لسقوط الدكتاتورية تبرز خلافات عميقة بين ممثلي المكونات والقوى السياسية العراقية بين من يسعى الى بناء الدولة الفدرالية الديموقراطية العلمانية الحديثة المستندة الى الارادة الشعبية والتعايش السلمي بين القوميات والأديان والمذاهب والدستور الضامن لحقوق الجميع والقضاء المستقل والاقتصاد الحر والعلاقات الدولية المتكافئة والدور الايجابي في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة بعيدا عن المحاور المتصارعة ويجد الطرف الكردي موقعه في هذا الخندق وبين من يعمل على اعادة عقارب الساعة الى الوراء والعودة الى حكم النظم الشمولية باسم القومية أو الدين أو المذهب وتسخير قدرات العراق لمحاور اقليمية وانتهاج أعمال العنف والارهاب سبيلا لحل الخلافات السياسية الداخلية ووقف العملية السياسية والارتهان الى المرجعيات ذات الطابع الديني بديلا عن مصادر ومرتكزات ومنظمات المجتمع المدني والقوانين .
ثانيا : شعب كردستان بسائر قومياته وأطيافه وبغالبيته الساحقة يتمسك ببنود الدستور الجديد المتوج عبر الانتخابات وأصوات ملايين العراقيين ويقبل العيش المشترك مع عرب العراق في ظل ما اتفق عليه مع ممثليهم منذ مرحلة نضال المعارضة الوطنية العراقية مرورا بالتحضير لعملية التحرير وائتلاف مجلس الحكم وحتى الآن كما ارتضى شعب كردستان حسب ارادته الحرة كجزء من حقه في تقرير مصيره بالعيش تحت سقف النظام الفدرالي التعددي الكفيل بحل القضايا القومية والكردية منها على وجه الخصوص على قاعدة مبادىء الديموقراطية التوافقية في بلد مركب العناصر مقابل ذلك هناك من يرغب من قوى وتيارات في ازالة عوامل العيش العربي الكردي وهدم قواعد الالتقاء والتفاعل والتلاحم والتراجع عن العهود والمواثيق والعمل على نقض التعاقد بين الشعبين من جانب واحد .
ثالثا : بدأ السيد رئيس الحكومة العراقية يثير المخاوف الكردية منذ نزوعه نحو التفرد واعتبار نفسه وحزبه بحل عن التزامات الدستور وتفسير بنوده المتعلقة بالفدرالية وصلاحيات اقليم كردستان حسب رغباته وتوجهاته الخاصة حتى خارج أطر كل من الائتلاف الشيعي الذي رشحه للمنصب والتحالف الرباعي الذي يضم الحزبين الكرديين وقد تضاعف حجم تلك المخاوف منذ أن حاول بكل قواه وقف الاعمار والبناء في اقليم كردستان المهدم أصلا جراء حروب واعتداءات الحكومات العراقية المتعقابة منذ عقود وذلك بعرقلة استخراج وتسويق نفط كردستان من خارج الآبار القديمة حسب الدستور رغم أن ذلك يلحق الضرر ليس بخطط التنمية في الاقليم فحسب بل بالاقتصاد العراقي ككل .
رابعا : قصة التسلح ومحاولات عسكرة الدولة وتدخلات الجيش في الشؤون الداخلية تشكل احدى قضايا النزاع بين القوى السياسية العراقية ففي حين يعلن اقليم كردستان الى جانب قوى أخرى عدم توريط البلاد مرة أخرى في حروب ومواجهات مع الداخل والخارج وعدم زج القوات المسلحة لحسم الخلافات السياسية بين المكونات الوطنية ورفض برامج التسلح الواسعة والأسلحة الثقيلة المدمرة على حساب خزينة الدولة والتعويض عنها بخطط الاعمار والتطوير وتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطن مثل الماء والكهرباء والطاقة تتسرب معلومات عن اقدام السيد رئيس الحكومة على رصد خمسة مليارات دولار كدفعة اولى لشراء الأسلحة الثقيلة وكذلك العمل ودون علم المجلس الرئاسي والبرلمان على اعادة الضباط السابقين الذين كانوا جزء أساسيا من النظام الدكتاتوري المقبور ويتحمل قسم منهم مسؤوليات جرمية بحق العراقيين .
خامسا : تعتبر ادارة اقليم كردستان وقوى سياسية عراقية أخرى السيد رئيس حكومة المركز مسؤولا بحكم صلاحياته الواسعة عن عرقلة عمل اللجنة المكلفة بتنفيذ المادة 140 الدستورية بخصوص تطبيع الأوضاع في كركوك والبت في مصير المناطق المقتطعة من كردستان في زمن النظام السابق لأسباب عنصرية ومما يثبت ذلك لجوء السيد رئيس الحكومة الى العشائر العربية وخاصة في مناطق التماس لتنظيمها في مجالس الاسناد وتقديم الدعم العسكري والمادي لها وكذلك محاولة تنصيب مايقارب 300 شرطي من أعضاء حزبه حزب الدعوة في مدينة كركوك حسب تصريح رئيس مجلس المحافظة قبل أيام .
سادسا : في مدينة الموصل وتوابعها التي تعاني الأمرين ليس من تنظيم القاعدة الارهابي فحسب بل من الممارسات العنصرية من جانب تيارات بعثية ومجموعات كانت جزء من أجهزة النظام السابق وتعمل باسم الاسلام والتي كانت مسؤولة عن محنة المسيحيين تحاول تطبيق التطهير العرقي ضد الكرد بصورة منهجية مخططة بتدخل واضح من أجهزة النظام السوري (للمزيد من الاطلاع على التدخل السوري راجع “وثائق سنجار” المنشورة في صحيفة الشرق الأوسط “) ويحوذ بعضا منها على دعم واسناد السيد رئيس الحكومة فقط من أجل اضعاف الكرد ” والحفاظ على الوجه العربي للموصل ” من خطر أساطيل الكرد الجوية وجحافله البرية وأسلحته النووية والكيمياوية !!؟؟ رغم كونها مدينة مختلطة يؤكد البعض انتماءها التاريخي الكردستاني وفي محافظة متعددة الأقوام والأديان والمذاهب وقد أظهرت تجربة سنوات مابعد الدكتاتورية استثمار سياسيين عراقيين معروفين من ضمنهم السادة رؤساء الحكومة السابقين واللاحق العصبيات الشوفينية المعادية للكرد خاصة في المناطق المتاخمة لكردستان والضرب على الوتر العنصري الى درجة مغازلة البعثيين وأركان النظام المخلوع لمنافع انتخابية ولالحاق الأذية بشعب كردستان فليس غريبا رصد أتباع التيارين القوموي والاسلامي السياسي وهم في حلف وصف واحد بمواجهة الكرد وحقوقهم .
على ضوء ماسبق من حق بل من واجب السيد رئيس حكومة اقليم كردستان وبحكم مسؤولياته الدستورية والقانونية أن يدق ناقوس الخطر وأن يعلن بصوت عال الهواجس والمخاوف والاحتمالات ومنها وقوع الكارثة الحقيقية بطابعها العنصري البغيض اذا ماظلت التعبئة الشوفينية على حالها وتواصلت التحضيرات لساعة الصفر وعندما يطلق هذا القائد الشاب المعروف بطبعه المسالم الكاره للعنف والمشجع للاقتصاد الحر والتنمية والبناء والمرتبط اسمه بالنهوض الثقافي والبعيد عن النوازع الشوفينية والتحزب والمؤمن بالتعايش الكردي العربي والمنفتح على كل الأطياف والتيارات والقوميات الكردستانية شأنه في ذلك شأن القيادة الكردستانية نداءه الى المعنيين لوقف التدهور وقطع الطريق على أية مواجهة عربية كردية يعبر بذلك عن حرصه على علاقات الصداقة والعيش المشترك بين الشعبين ويرفع راية السلام والوئام وقد كان محقا في تشخيص الطابع القومي للأزمة فالخلاف القائم ليس دينيا ومذهبيا مع حكومة المركز كما هو حاصل بين مكونات وقوى العراق العربي من سنة وشيعة بل أنه محصور في حدود ومضمون ومستقبل الحقوق القومية لشعب كردستان المتنوع المتعايش ومسألة الشراكة في السلطة والثروة التي ضمنها دستور العراق الجديد ويهدف الجانب الكردي الى تحقيقها على أرض الواقع سلميا وعبر الحوار بعكس أساليب العنف والمواجهة التي يلوح بها البعض ويحضر لها في بغداد .