عبدالرحمن کورکی (مهابادي)*
المقدمة
لقد ظل النظام الإيراني يستهدف معارضيه لسنوات عديدة داخل إيران وخارجها تحت أسماء مختلفة. ففي الداخل الإيراني، يتم تحميل المسؤولية عن هذه الأفعال على “أشخاص مجهولين”، لم ولن يخضعوا لأي مساءلة إنسانية أو قانونية. أما خارج إيران فيُشار إليهم بـ”القوات الوكيلة” للنظام الإيراني. والأمر المثير للاهتمام هو أن النظام الإيراني يدين أحيانًا مثل هذه الأعمال لتضليل الرأي العام، بل والأكثر إثارة للاهتمام هو أن بعض الناس يؤمنون بهذه الخدعة أو يحاولون عمدًا جعل الآخرين يصدقونها. وهذه تكتيكات تندرج ضمن استراتيجية بقاء النظام الإسلامي المتشدد القائم على ولاية الفقيه”.
ما يحدث داخل إيران!
يقوم النظام الإيراني باحتجاز رعايا دول أخرى داخل الأراضي الإيرانية. ويقتلونهم، بل ويعدمونهم، ويسعون جاهدين لوصف منفذي هذه الجرائم بـ”أشخاص مجهولين”. بدءًا بالقتل المتسلسل وصولاً إلى صبّ الحمض على وجوه النساء الإيرانيات، مروراً باختطاف الرعايا الأجانب، وتبادلهم بـ”الإرهابيين” المعتقلين في دول مختلفة تحت ستار “تبادل الأسرى”. وبدءًا من منح قوات حرس نظام الملالي صلاحيات واسعة بإطلاق النار لقمع الاحتجاجات الشعبية، وصولاً إلى تقديم العديد من “السموم البطيئة المفعول” في الطعام للمعتقلين الذين يتم إطلاق سراحهم ظاهرياً من السجون، وغير ذلك الكثير من الجرائم.
تمّ في الدستور في هذا النظام تقنين كافة أشكال القمع والقضاء على المعارضين، تحت مسمى “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”. وما أكثر جرائم القتل والنهب التي ارتُكبت في إيران دون أن يُتّبع فيها المسار القانوني على الإطلاق! وما أكثر العملاء الذين يعيشون حياتهم في الدول الغربية في ظل القوانين الديمقراطية لهذه الدول وسياسة الاسترضاء مع دكتاتورية ولاية الفقيه. ومن بينهم فلول الدكتاتورية السابقة (دكتاتورية الشاه) والاصلاحيون المنافقون.”
ما يحدث خارج إيران!
إن النظام الديكتاتوري لولاية الفقيه الحاكم في إيران يمارس منذ زمن بعيد سياسة الاغتيال والقتل والنهب والسلب خارج حدود إيران، متخفياً وراء عناوين مختلفة لإخفاء هويته الحقيقية، وعدم ترك أي بصمات، ويسعى في الوقت نفسه إلى أن يظهر بمظهر “المحب للسلام” و”الديمقراطي” و “المؤمن بالحوار” و”المدني” و”المدافع عن حقوق الإنسان!
عندما كانت الثورة الإيرانية تسير نحو تحقيق أهدافها، وتوشك على إسقاط نظام الشاه، تدخل الخميني في عام 1979 ليختطف هذه الثورة ويحرف مسارها. أشعلت ديكتاتورية ولاية الفقيه فتيل الحرب مع العراق لتضفي الشرعية على قمع الحريات في المجتمع الإيراني. وكانت هذه أول حرب مباشرة يخوضها نظام ولاية الفقيه ضد دولة أجنبية!
إن الوقوف في وجه حماسة خميني للحرب لم يكن بالأمر الهين أو المستطاع لأي فرد أو تيار! صمدت المقاومة الإيرانية في وجه هذه الحرب، وتوجهت بعد سنوات قليلة، وبعد إعلان “بديل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية” في طهران؛ في البداية إلى أوروبا ثم إلى العراق، وأجبرت خميني على تجرع كأس سم وقف إطلاق النار في عام 1988. كان مذاق مرارة هذه الهدنة كالسُّم في حلق خميني ولم يسلم منه، فلم يلبث أن فارق الحياة بعد أقل من عام؛ لأن “استراتيجية الحرب المباشرة” كانت قد فشلت!
لماذا اللجوء إلى الحرب بالوكالة!
كانت الجرعة السامة التي اضطر خميني لتجرعها بمثابة اعتراف صريح بـ”فشل الحرب المباشرة مع دولة أجنبية”. ولو لم تهزم المقاومة الإيرانية “استراتيجية النزعة الحربية لنظام ولاية الفقيه”، لكان الوضع في الشرق الأوسط (والعالم) مختلفاً الآن. إن ما نشهده الآن على المستوى الإقليمي والعالمي هو نتاج مباشر لهذا النصر الكبير الذي حققته المقاومة الإيرانية عام 1988. ويمكن تفسير معنى تجرع كأس السم المر بشكل آخر في إثبات أن “الحرب الحقيقية في إيران” هي حرب الشعب والمقاومة الإيرانية ضد الدكتاتورية الحاكمة!
لجأ نظام الملالي إلى “الحرب بالوكالة”من أجل احتواء الحرب الحقيقية، أي احتواء انتفاضة وثورة الشعب والمقاومة. ولهذا السبب، شرع هذا النظام الفاشي في تشكيل الميليشيات وتعزيزها في البلدان البعيدة والقريبة، والتدخل في شؤون الدول الأخرى. مثلما نشهده في العراق واليمن ولبنان وسوريا، وغيرها من الدول، أو العمليات والمؤامرات الإرهابية التي تُرتكب في الدول الأوروبية والأمريكية ضد المعارضين، وخاصة المقاومة الإيرانية.
ومن خصائص القوات الوكيلة يمكن الإشارة إلى أن هذه القوات، رغم أنها ليست إيرانية، إلا أنها تتلقى التوجيهات الإرهابية من طهران (رأس أفعى ولاية الفقيه) وتُدعَم ماليًا ولوجستيًا من قِبَل نظام ولاية الفقيه، وقوة القدس الإرهابية التابعة لقوات حرس نظام الملالي، وسفارات هذا النظام الفاشي في مختلف البلدان. بيد أن النظام الإيراني يدعي أنهم مستقلون لكي لا يترك أي بصمات تورطه في جرائمه!
وبغض النظر عن جانب الخداع الشعبي للقضية، الذي يستهدف كسب تأييد الجماهير، نرى أن الولي الفقيه الحاكم يسعى عبر اعتماد استراتيجية القوى الوكيلة، إلى إيجاد “قوة دافعة” و”قوة مانعة” تعملان تحت إمرته. أي أن يكون “مهاجماً” و”مدافعاً” في آن واحد، ليكبِّد الشعب الإيراني والبشرية جمعاء “خسائر فادحة” فيما بعد. بمعنى آخر، إيقاف انتفاضات الشعب الإيراني وثورته ووضع المجتمع الإنساني في مرمى نيرانه. ولهذا السبب نرى أنه يتم في كل عام تخصيص الجزء الأكبر من ميزانية البلاد لقوات حرس نظام الملالي، والمشاريع العسكرية والنووية. بينما يعيش الشعب الإيراني وضعاً معيشياً مؤلماً للغاية.
وبفضل وجود مقاومة عريقة ومتجذرة ضد هذا النظام، نرى اليوم أن استراتيجيته في الحرب المباشرة قد فشلت فشلاً ذريعاً، وأن المجتمع الإيراني متفجر بأكمله، كما أن القوات الوكيلة لهذا النظام أصبحت مستهدفة وتتعرض للضربات. وهذا الوضع هو في المقام الأول نتاج عمل الشعب والمقاومة الإيرانية ضد دكتاتورية ولاية الفقيه. والآن بعد أن لجأ النظام الإيراني إلى إطلاق الصواريخ، يتضح جلياً أن مسار المقاومة الإيرانية هو المسار الصحيح والعادل.
رأس أفعى ولاية الفقيه يقطن في طهران!
وختاماً، فإن ما نشهده اليوم في إيران هو ثمرة وجود المقاومة ضد نظام ولاية الفقيه. لذلك، يجب علينا الترحيب بهذه المقاومة ودعم استمرارها. ولا ننسى أن إسقاط نظام ولاية الفقيه هو مهمة الشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية، والضياع في طرق ملتوية يعود بالنفع على النظام الديكتاتوري في إيران. إن تحديد قوات نظام الملالي العميلة واستهدافها يرتكز على هذا المحور وهو ما يضمن “الشرعية” ويحقق النصر لا غير.
وكما قال زعيم المقاومة الإيرانية، السيد مسعود رجوي: “منذ سنوات عديدة ونحن نقول إن إشعال الحروب تحت شعار “تصدير الثورة” مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمصير نظام الملالي. يزعم هذا النظام على لسانه أنه إذا لم يرسم خطوطًا في البحر الأبيض المتوسط ولبنان وسوريا والعراق، فسيفقد سلطته في طهران. لذلك، يجب أن تكون هناك انتفاضة على الأرض، ويجب كسر أغلال النظام القمعي. هكذا تنتصر الثورة الديمقراطية بقوة الشعب في جيش الحرية.
***
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني