جريدة الوحدة (YEKÎTÎ) *
كلما أقبل شهر آذار تتلاطم الآلام والآمال وتتدافع الذكريات المريرة مع نسمات الربيع، لتعطي هذا الشهر المنتزع من العام معنى آخر، على غير ما عرف به من طبيعة موعودة بالجمال وهواء عليل تحسده عليه بقية الشهور، فالسياسة الشوفينية أدرجت هذا الشهر في قائمة الحرمان من الربيع، لأنه فتح أبوابه للكرد، وحفلت أيامه بالعديد من المناسبات الكردية، وفي مقدمتها العيد القومي نوروز الذي يعبّر كل عام عن نضال متجدّد، وإرادة لا تتراجع، وموعد دائم مع الأمل، والذي كان على الدوام مستهدفاً بالمنع لعقود طويلة وبالمضايقات لسنوات أخيرة، وعندما فشلت السياسة الشوفينية في كسر إرادة التمسك بالحقوق والوجود الكردي، وجاءت رياح التغيير لتهبّ على المنطقة، وتنتعش الآمال الكردية التي تصاعدت بخط بياني صاعد، حاولت تلك السياسة إيقافه بافتعال فتنة آذار 2004 التي أريد منها تعطيل الدور الوطني الكردي في الحراك الديمقراطي العام،
وتحويل الكرد إلى ضحايا من أجل إرهاب المجتمع السوري، وإيهامه بالخطر الكردي المزعوم، لتبرّر به استمرار حالة الطوارئ، وتشديد القبضة الأمنية، وإحداث الشروخ في جدار الوحدة الوطنية، وعزل الجانب الكردي عن شركائه في الوطن، لتسهيل تطبيق المزيد من المشاريع العنصرية والقوانين الاستثنائية في المناطق الكردية، ومنها المرسوم 49 لعام 2008 الذي تمتد آثاره الخطيرة الى مختلف المكّونات السورية، رغم خلفياته السياسية القائمة على إرغام المواطن الكردي على بيع ما يملك، دون أن يتسنى له امتلاك ما يريد، في إطار التخطيط السياسي، لإجباره على الهجرة الاضطرارية هرباً من قسوة الحياة، لأن الحرمان من أراض انتزعت من آلاف الأسر الفلاحية، ضمن منطقة الحزام العربي، ومن الوظائف التي أصبحت حلماً للغالبية العظمى من الشباب الكردي، وحتى من العمل الخاص الذي حرم منه المجردون من الجنسية، الذين تلاحقهم القوانين والتعاميم الاستثنائية الى المهاجر في ضواحي دمشق، كل ذلك لا يعني سوى شيء واحد هو أن الشوفينية تصرّ على محاربة شعبنا بكل الوسائل، مما يتسبّب في تعميق حالة الاغتراب وزيادة الاحتقان وتوسيع دائرة الفقر، بكل ما يمكن أن ينتج، عن هذا وذاك، من أمراض وانحرافات ومفاسد، لن تخدم مصلحة الوطن، لأنها تخلق بيئة صالحة لردود أفعال سلبية تنتعش في ظلها العقلية الانعزالية، التي لا تفرق بين النظام، كجهة مسؤولة عن هذه السياسة، وبين العرب، كشعب وثقافة، يعانون كغيرهم من القمع والملاحقة، ومن الأزمة الاقتصادية، ومن تردي الوضع المعاشي، الذي يأتي كنتيجة طبيعية لعجز السلطة عن القيام بالإصلاح المطلوب على مختلف الصعد، والتي تعمل على تحويل الأنظار عن هذا العجز عبر إلهاء الرأي العام عن قضاياه الأساسية، وربط أي تحرك مطلبي كردي بإيعاز خارجي وبنوايا انفصالية، لقطع الطريق أمام أي تحرك وطني عام نحو بناء وطن خال من الظلم، تستعاد فيه قيم الحق والعدالة والمساواة، ويسود القانون جميع مواطنيه وكل أرجائه، ويعود الربيع من جديد حاملاً معه معاني البهجة والتجدّد، ويتحرّر شهر آذار من كوابيس الشوفينية، ويواصل الكرد دورهم التاريخي في بناء الوطن وصيانة استقلاله، والدفاع عن كرامته.
* الجريدة المركزية لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)– العدد (187) شباط/ 9 200م- 2620 ك