أجزم بأن الوصول إلى البيت الأبيض ولقاء الرئيس الأميركي رغم مشاغله الهائلة أسهل بكثير من الوصول إلى جبال قنديل ولقاء مراد قره أيلان أو «الرفيق جمال» كما يناديه رفاقه، رئيس المجلس القيادي لاتحاد المنظومات الكردستانية، وهو الاسم الذي اختارته لنفسها قيادة حزب العمال الكردستاني التركي المحظور غداة القبض على زعيم الحزب عبد الله أوجلان من قِبل المخابرات التركية نهاية تسعينات القرن الماضي.
فبعد رحلة شاقّة وعسيرة عبر الشعاب الجبلية الوعرة لتفادي نقاط التفتيش التابعة لحكومة إقليم كردستان العراق التي تفرض حظرا مُحكَما على جبال ورواسي قنديل الشامخة وتحديدا بالنسبة إلى رجال الصحافة والإعلام، وصلنا أنا والمصور كامران نجم ومعنا دليلنا القروي دياري، من أهالي المنطقة، إلى إحدى قرى مناطق قنديل المترامية ذات الوديان السحيقة، وبعد ترحيب حارّ من قِبل المسؤولين عن ترتيب اللقاء مع قره أيلان، خليفة أوجلان والقائد الفعلي لحزب العمال الكردستاني، اتجهنا غربا مسافة 30 كم نحو قرية أخرى حيث حللنا ضيوفا على بيت أحد القرويين، وبعد ست ساعات من الانتظار الممل تلقى أحمد دنيز مسؤول العلاقات الخارجية في الحزب، مكالمة أكد فيها المتصل أن الزعيم قادم إلى المكان المحدد.
ودعا الزعيم الكردي التركي، في حواره الذي خص به «الشرق الأوسط»، إلى معالجة القضية الكردية في كل من تركيا وإيران وسورية في إطار حدود تلك الدول عبر إقرار حقوق الشعب الكردي وتكريس الديمقراطية.
كما أعرب عن استعداد حزبه للمشاركة في المؤتمر المزمع عقده في أربيل بدعوة من رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني وبحضور الأطراف الكردية كافة لحل أزمة حزب العمال الكردستاني.
وقال قرة أيلان إن واشنطن تمهد لدور تركي في العراق من خلال إقامة علاقات مع كل مكوناته بمن فيهم التيار الصدري، ليكون بديلا عن الدور الإيراني.
وفي ما يلي نص الحوار:
* أعلنتم قبل فترة وقفا لإطلاق النار من جانب واحد، كالعادة، هل ما زال ساري المفعول؟
– نعم، وقف إطلاق النار ما برح مستمرا ولكنه ليس وقفا رسميا لإطلاق النار بقدر ما هو وقف لأنشطتنا المسلحة، حتى الأول من يونيو «حزيران» القادم، أما الجانب التركي فإنه لم يعلن حتى الآن رفضه أو قبوله بمبادرتنا بينما القوات التركية تواصل عملياتها العسكرية ضدنا والسلطات اعتقلت عددا كبيرا من أنصار حزب المجتمع الديمقراطي الكردي المعروف بـ«دي تي بي»، أي أن حملات الاعتقال بحق أتباع الحزب المذكور مستمرة بموازاة استمرار العمليات العسكرية ضدنا.
وقبل أكثر من عشرة أيام زارني هنا في جبال قنديل صحافي تركي شهير مندوبا عن صحيفة «ميلييت» التركية ويدعى «حسن جمال »، وأجرى مقابلة معي بعثتُ من خلالها برسالة إلى الشعب التركي أثارت بعد نشرها موجة واسعة من السجالات والمناقشات في الأوساط التركية مقرونة بتساؤلات عن مبادرة الصحافي المذكور لزيارة قنديل، وقد التقاه كبار المسؤولين الأتراك وسألوه عما قلته أنا وعن كيفية التعاطي مع قضيتنا لاحقا، سيما وأنني كنت أكدت مجددا على ضرورة حل القضية الكردية في تركيا عبر الحوار السلمي الديمقراطي، وهذا الأمر، رغم تأثيره المحدود في الأوساط المعنية بتركيا، ما زال محطّ نقاش من جانبها، ولكن دون أي خطوات عملية، بدليل استمرار العمليات العسكرية ضدنا بموازاة حملات الاعتقال في حق أنصار حزب المجتمع الديمقراطي، وعلى أي حال لم يبق من مدة وقف العمليات المسلحة سوى أسبوعين كي نتأكد إن كانت تركيا ستمد إلينا يد السلام أو لا، ومن جانبنا نأمل أن تجنح أنقرة نحو السلام، وإلا صارت بادرتنا لوقف العمليات المسلحة بلا جدوى، سيما وأن العمليات العسكرية التركية مستمرة ضدنا.
* وماذا تتوقعون من تركيا؟ هل ستمد إليكم يد السلم؟
– مع الأسف لم تفعل ذلك حتى الآن، ولكننا نؤكد مجددا أن القضية الكردية في كل من تركيا وإيران وسورية ينبغي أن تعالج في إطار حدود تلك الدول عبر إقرار حقوق الشعب الكردي وتكريس الديمقراطية، وفي تركيا تحديدا فإن الحكم الذاتي الديمقراطي الحقيقي يعتبر الحل الأفضل، بموازاة تعميق الممارسات الديمقراطية في البلاد، وعلى هذا الأساس ينال الكرد حقوقهم المشروعة بعد إلغاء الفوارق والتمييز الممارس ضدهم، وحل القضية الكردية على أساس الحرية والعدالة والديمقراطية وهذا ما اقترحناه مؤخرا على الرأي العام التركي في رسالتنا، وهو ما يجري بحثه ومناقشته في تركيا حاليا.
* مَن في تركيا يرفض مبادراتكم السلمية؟ القيادة السياسية أم العسكر؟
– كلاهما معا، ولكن الأمر يختلف هذه المرة عما سبق، فنحن بعد اعتقال زعيمنا عبد الله أوجلان من قِبل الولايات المتحدة وبتواطؤ من بعض الجهات في العالم وتسلميه إلى تركيا في خطوة كانت الغاية منها إخماد حركتنا ثم تصفيتها كليا، بادرنا إلى تجميد أنشطتنا العسكرية المسلحة، انطلاقا من رغبتنا في حل القضية الكردية بالوسائل السلمية، وأخرجنا قواتنا قبل خمس سنوات مضت إلى خارج حدود الجزء الشمالي من كردستان «كردستان تركيا»، لكن تركيا واصلت مساعيها لتضييق الخناق علينا واستمرت في ممارسة التعذيب في حق الزعيم أوجلان بموازاة عملياتها العسكرية ضدنا بغية تصفيتنا ومصادرة إرادة شعبنا ومواصلة جهودها الرامية إلى تتريك الشعب الكردي، وعلى أثر ذلك قررنا في الأول من يونيو (حزيران) 2004، التصدي مجددا للحملات التركية دفاعا عن النفس، وقد حققنا خلال السنوات الخمس الماضية قدرا كبيرا من التقدم ومزيدا من القوة، وتحديدا خلال العامين الماضيين حيث حققنا انتصارات باهرة في الحملات العسكرية والسياسية الموجهة ضدنا، بمعنى أننا أصبحنا الآن في أوضاع قوية ومتينة، بعبارة أدق نحن الآن أقوياء لا ضعفاء حتى ترفض أنقرة مبادرتنا، وتلك حقيقة دامغة يدركها الجميع.
والدليل على ما نقول هو الانتصار العسكري والسياسي الكبير الذي حققناه في تصدينا للحملات العسكرية العنيفة التي شنتها القوات التركية ضدنا عام 2007 بدعم لوجستي وتكنولوجي أميركي وبدعم استخباراتي إسرائيلي تمثل في مسح استخباراتي لكل جبال كردستان، التي استهدفت القضاء المبرم علينا، لكننا خرجنا من المعركة أشد قوة وبأسا، وفي الانتخابات المحلية الأخيرة التي جرت في تركيا في 29 مارس (آذار) الماضي سعت السلطات التركية سعيا حثيثا لضمان فوز حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة (رجب طيب) أردوغان (رئيس الوزراء التركي) على حساب حزب المجتمع الديمقراطي الكردي بزعامة أحمد ترك، وفي هذا السبيل صرفت أنقرة أموالا طائلة في المناطق الكردية وشرعت في توزيع السلع والأجهزة المنزلية مجانا على المواطنين الكرد، والطريف أنها وزعت ثلاجات على القرويين في القرى الكردية المحرومة من الكهرباء في مسعى لاستغلال مشاعر الكرد وفقرهم المدقع، إلى جانب ممارسة الضغوط العسكرية عليهم من خلال أفراد الجيش والمرتزقة الموالين للنظام، ورغم ذلك خاض الشعب الكردي في الجزء الشمالي من كردستان معركة إرادة وحقق فيها انتصارا باهرا وقال للعالم إنه سيمضي قدما مع الزعيم أوجلان وإنه متمسك بإرادته ولن يتخلى عن قضيته مهما حصل، وجسد ذلك عبر صناديق الاقتراع، وبدورنا أطلقنا نداءنا السلمي إلى تركيا بعد ذلك الانتصار الكبير مؤكدين فيه مجددا أننا لسنا طلاب حرب بل دعاة سلام وحل ديمقراطي وأعربنا عن استعدادنا لحل القضية سلميا، ومن هنا بدأ النقاش والسجال في تركيا حول قضيتنا، ففي السابق كانت أنقرة تصم آذانها إزاء مناشداتنا ومبادرتنا السلمية، ولكن هذه المرة صارت كل وسائل الإعلام التركية تناقش وتطرح بصراحة قضيتنا على طاولة السجال، خصوصا بعد النداء الذي وجهته شخصيا عبر الصحافي التركي المذكور، ولست أجزم بأن تركيا ستستجيب لندائنا أو لمبادرتنا السلمية بل أقول إن صدى صوتنا صار يهز تركيا، وأعتقد أن أنقرة إذا رفضت مبادرتنا فإن دعاة السلام والديمقراطية في البلاد سيمارسون على السلطات ضغوطا قوية، ولو استأنفت تركيا عملياتها لعسكرية ضدنا بعد تلك المبادرة فإنها بلا شك ستكشف عن وجهها الأسود الكالح، وعندها سيتضح للعالم مَن المسالم ومَن الذي يدعو إلى الحرب، وهذا ما سيعرفه العالم مطلع الشهر القادم، أي بعد انتهاء مدة مبادرتنا، ويسرني أن أنقل عبر جريدتكم صورة إلى القراء في العالم العربي عن أوضاع الشعب الكردي في الجزء الشمالي من كردستان على غرار ما فعلت في لقاءاتي الأخيرة مع التلفزيون الإيطالي وصحيفة «لوموند» الفرنسية وغيرها من القنوات.
* ما طبيعة علاقاتكم مع حزب المجتمع الديمقراطي الكردي بزعامة أحمد ترك؟
– بيننا نوع من العلاقة، ولكن ذلك الحزب يواجه الآن دعوى قضائية من قِبل المحاكم التركية، ونحن نأمل في أن يجسد ذلك الحزب إرادة الشعب الكردي سيما وأنه حزب سياسي مرخص قانونا وغير مسلح، يختلف عن حزبنا السياسي الآيدولوجي المسلح الذي يخوض ثورة مسلحة بكل أشكالها، وهذا لا يعني أننا حركة سلاح، بل على العكس، فإن 95 في المائة من نضالنا سياسي، وقيادتنا وقواتنا العسكرية منفصلة عن قيادتنا السياسية، بخلاف حزب المجتمع الديمقراطي الذي يروم تحقيق أهدافه عبر صناديق الاقتراع في الانتخابات المحلية والنيابية العامة، وهو حزب يخوض النضال منذ عام 1991 وقد ضحى بالكثير من أعضائه وأنصاره رغم أنه لا يحمل السلاح، لأن تركيا تقتل وتغتال أعضاءه وتغيّب الكثيرين منهم دون أي رقيب، كما حصل مع محمد سنجال الذي كان نائبا في البرلمان عن الحزب لكنه اغتيل.
* ألا تخشون أن يحل ذلك الحزب محلكم على الساحة السياسية الكردية في تركيا؟
– نعم، إطلاقا، الكثيرون يقولون هذا الكلام ولكننا لا نخشى من ذلك أبدا لأن شعبنا الكردي في الجزء الشمالي من كردستان يعتبر الزعيم أوجلان قائده ورمزه، فإذا أمر الزعيم أن يكون حزب المجتمع الديمقراطي بديلا لنا فسيكون كذلك، والعكس بالعكس، أيضا بمعنى أن الشعب هو الأساس في الموضوع، خصوصا وأن فلسفة الزعيم أوجلان تهدف إلى توحيد صفوف الشعب الكردي، لذا لا يمكن الفصل بين ذاك الحزب وحزب العمال، وحتى لو حصل ذلك فإن شعبنا لن يرضى بالأمر، لأنه وحّد صفوفه على درب أوجلان، والدليل هو أن الآلاف من أنصار حزب المجتمع الذين اعتصموا مؤخرا في مدن كردستان تركيا كانوا يهتفون بحياة أوجلان، وتلك حقيقة قائمة.
* ما طبيعة الحل السلمي الذي تنشدونه لقضيتكم؟
– الحقائق كلها تبرهن على أننا منتصرون وفي وضع قوي ونمثل قوة منظمة، ولسنا تنظيما إرهابيا كما تدّعي تركيا وبعض الدول، بل نحظى بدعم ومؤازرة شعبنا ونؤكد مجددا أننا لم ولا نتلقى أي مساعدة مالية أو عسكرية من أي دولة في العالم باستثناء مساعدة ودعم أبناء شعبنا ونحن موجودون على أرض كردستان، وليست لدينا ارتباطات مشبوهة مع هذه الدولة أو تلك، ومستقلون في إرادتنا وقراراتنا، فإذا كانت تركيا راغبة في حل قضيتنا، فعليها أن تطلق أولا وقبل كل شيء سراح زعيمنا أوجلان المعتقل في سجن إيمرالي، وعندها سنقبل بالسلام معها، وبخلاف ذلك لن نقبل بالأمر، وهذا هو شرطنا الأساسي ولن نمانع في أن يكون الحوار بين تركيا ووجهاء وأعيان الكرد من أجل حل القضية رغم كل ما تعرضنا له من هجمات وحملات عسكرية وسياسية، أما إذا أصرت تركيا على إبادتنا بقوة السلاح فإننا بلا شك سندافع عن وجودنا.
* كنتم تطالبون مرارا بكردستان كبرى مستقلة، هل ما زلتم تطالبون بذلك؟
– نحن نرفض منطق إخضاع الشعوب قسرا، فالشعب الكردي من أقدم الشعوب في الشرق الأوسط، إلى جانب الشعوب العربية والفارسية والأشورية والأرمنية ثم التركية التي لا يزيد عمر تاريخها عن ألف عام، وقد جرى تقسيم أرض كردستان إلى أربعة أجزاء وهضمت حقوق الشعب الكردي، وينبغي رفع ذلك الحيف عنه، فالشرق الأوسط صار بحاجة إلى اتحاد على غرار الاتحاد الأوروبي يتمتع في ظله الكرد والعرب والأمم الأخرى بحقوق متوازنة، بمعنى أن الشعب الكردي ينبغي أن يتحرر من الاحتلال وأن لا يكون شعبا من الدرجة الثانية، ما دامت إقامة دولته المستقلة غير ممكنة في الوقت الراهن، أي أن يكون هناك نظام ديمقراطي يتمتع فيه الكرد بحقوقهم على أساس الإخاء مع الشعوب المجاورة.
ودعني أسال: لماذا يمكن أن يقوم الاتحاد الأوروبي ويتعذر إقامته في الشرق الأوسط الغني بتاريخه وثرواته وهو موطن الأديان السماوية الثلاثة ومهد الحضارة البشرية؟
باختصار أقول إن الشعوب الكردية والعربية والفارسية والأشورية والتركية في المنطقة ينبغي أن تقيم علاقاتها معا على أساس الأخوّة دون حواجز أو حدود في ما بينها، وهذا هو هدفنا.
* كيف تقرأون الإصلاحات الجارية في تركيا من قبيل إعادة الأسماء الكردية الأصلية إلى القرى والقصبات وفتح القنوات التلفزيونية الكردية؟
– في السابق كانت تركيا تجزم بشدة أن لا وجود للكرد في البلاد، وأننا أتراك الجبال والكهوف، وأن اسم الكرد مستمَدّ من الصوت المنبعث من تكسر الثلوج المتجمدة في الجبال تحت وطأة الأقدام، وقد تطور بمرور الزمن من صوت تكسر الثلوج «قرت» إلى الاسم الحالي «كرد»، بمعنى أن الكرد لا وجود لهم بل هم أتراك الجبال وأن الدولة التركية تروم تثقيفهم عبر تلقينهم اللغة التركية النقية وأساليب التمدن والتحضر، ولكن بعد انطلاق مسيرة حزب العمال النضالية من نقطة الصفر تغير الوضع تدريجيا.
فعندما كنت طالبا جامعيا مطلع السبعينات من القرن الماضي ولجت عالم السياسة مع بعض الشباب الكرد المتأثرين بالأفكار اليسارية واكتشفت وقتها أننا قومية مختلفة عن الأتراك تماما، سيما بعد أن قرأت تاريخ الكرد وكردستان، إذ كانت تركيا تخصص الجامعات للأتراك وحسب وترغم الجميع على رؤية الحياة بمنظار تركي، وكان الزعيم أوجلان هو أول من حطم تلك النظرية عندما كان طالبا في كلية العلوم السياسية بجامعة أنقرة عام 1971 برده على أستاذه الجامعي الذي كان يلقي على الطلبة محاضرة عن الدولة التركية وحدودها وجذورها وأصالة الشعب التركي ووجوب أن يفتخر الطلبة بأصلهم التركي الذي هو المكون الوحيد في تركيا، قائلا: «كلا، ليس الأتراك وحدهم في تركيا، بل هناك الكرد وكردستان»، وكان رده ذاك بمثابة قنبلة، وقد أدهش الحضور الذين تساءلوا كيف يجرؤ على التفوه بجملة ستقوده إلى الموت! لكن أوجلان أصر على وجود الكرد وكردستان، ومنذ ذلك الوقت انطلقت حركتنا التي سُميت في البداية بالحركة الطلابية التي تصدى لها للوهلة الأولى المرتزقة الموالون للدولة التركية، فقتلوا عددا من رفاقنا العزل وهاجمونا بأسلحة ثقيلة رغم أننا لم نكن نملك إلا أسلحة بسيطة، وعندما لمس شعبنا هذه الإرادة الصلبة لدى الطلبة صار يتفاعل مع حركتنا تدريجيا حتى بلغ الأمر حدا أرغم الدولة التركية على الاعتراف بوجود الكرد في تركيا مطلع التسعينات من القرن الماضي، ولكنها أصرت على إبادتهم، وبعد فترة راحت تركيا تعترف بوجود القضية الكردية بخلاف مزاعمها السابقة من أن القضية هي قضية إرهاب فقط، وراحت تكيل التهم لحزبنا بالعمالة لروسيا تارة ولسورية تارة أخرى ثم لأكراد العراق، أما الآن فإن أنقرة تعترف بالقضية الكردية، حيث أقر قبل أسبوع تقريبا الرئيس التركي عبد الله غل بأن تركيا تعاني من مشكلة معينة يمكن وصفها بمشكلة الإرهاب أو بقضية الإرهاب، وهي مشكلة تركيا الأساسية، إلا أنه لم يجرؤ على الاعتراف صراحة بأنها القضية الكردية، عليه وبغية قطع السبيل أمامنا بادرت تركيا إلى استحداث قنوات فضائية ناطقة بالكردية وأعادت قبل أربعة أيام فقط الأسماء الكردية الأصلية إلى القرى والقصبات الكردية، وهي إجراءات صورية لا تهدف إطلاقا إلى حل القضية الكردية، بل إلى تضليل الكرد هناك وكسب تأييدهم للدولة التركية ليكونوا مرتزقة لدى النظام، وبالتالي الادعاء أمام المجتمع الدولي أنها أجرت إصلاحات سياسية لصالح الكرد، بمعنى أنها مجرد دعاية إعلامية وحسب.
* كنتم تتلقون المساعدات من اليونان وسورية وإيران وأرمينيا، هل ما زالت المساعدات مستمرة؟
– لم نكن نتلقى المساعدات المالية أو العسكرية لا من إيران أو من اليونان ولا من سورية وغيرها، باستثناء بعض المساعدات البسيطة مثل السماح لنا بالمكوث على الأراضي السورية أو إيران مثلا، وأحيانا كانت المساعدات المقدمة لنا أخوية كما في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد الذي كان يتعامل مع الكرد تعاملا أخويا سواء مع أكراد سورية أو تركيا أو العراق، وما زلنا نقدّر عاليا مواقف الرئيس السوري الراحل الأسد الذي كان جسرا وطيدا وسلميا بين الشعبين الكردي والعربي، ولكن بعد رحيل الأسد للأسف الشديد سعت بعض القوى الإقليمية وبعض الشخصيات إلى تخريب علاقتنا مع سورية التي عمدت بالفعل إلى تغيير سياساتها وصارت تميل نحو تركيا، ما أدى إلى تدهور علاقاتنا معها، أما إيران فإن بروز قضية «بيجاك» (حزب الحياة الحرة الذي يمثل أكراد إيران) بمعزل عنا طبعا أدى إلى تأزيم علاقاتنا معها، فنحن حركة إقليمية في الشرق الأوسط تسعى إلى التعريف بهوية الشعب الكردي وقضيته في العالم وتمكينه من حل قضيته بنفسه بالاستفادة من دعم الشعوب الأخرى في المنطقة على أساس مبادئ الأخوة، ولكن إذا أصرت دول المنطقة على مصادرة إرادة الكرد وإخضاعهم قسرا فإن ذلك سيغدو أمرا غير مقبول، وينبغي لتلك الدول أن تفهم أن الكرد لهم هويتهم القومية مثل سائر الشعوب الأخرى، وعليها أن تكنّ له التقدير والاحترام، سيما وأن الكرد لا يسعون إلى إقامة دولة كردية مستقلة، لا في العراق ولا في تركيا ولا في إيران أو سورية، بل يطمح إلى العيش حرا كريما كسائر شعوب المنطقة.
وهنا أود أن أوضح لشعوب المنطقة أن حركتنا السائرة على درب الزعيم أوجلان تهدف إلى تحقيق الأخوّة الحقيقية مع شعوب الشرق الأوسط.
* ألا تعتقدون أنه حان وقت إلقاء السلاح والشروع في العمل السياسي؟
– إننا لا خوض القتال بمفهومه الكلاسيكي في هذه المرحلة، فلقد خضنا الكفاح المسلح حتى عام 1991، ومنذ ذلك الحين عمدنا إلى انتهاج سبيل الكفاح السياسي كوسيلة لحل قضيتنا، أما قواتنا التي يتراوح تعدادها بين 7 و8 آلاف مقاتل فهي متحصنة على قمم جبال كردستان وفي حالة دفاعية بحتة وستبقى كذلك إلى حين حل قضيتنا، أي أنها قوة احتياطية لضمان مستقبل الشعب الكردي وحريته، وهي قوات دفاع عن كل أجزاء كردستان ومكتسبات هذا الشعب، لا سيما وأن القوانين والمواثيق الدولية تبيح للشعوب حق الدفاع عن وجودها في حال تعرضت لهجمات خارجية، بمعنى أننا نمارس حق الدفاع المشروع عن شعبنا ووطننا، أما تركيا الساعية إلى إبادتنا أينما وُجدنا فمن الطبيعي أنها ستصطدم بمقاتلينا المدافعين عن وجودهم، فنحن في الجزء الشمالي من كردستان ندافع عن لغتنا وتراثنا ووجودنا، وقبل اندلاع حركتنا لم تكن المرأة الكردية قادرة على الخروج من باب منزلها، لكننا فجرنا ثورة النساء وصارت المرأة الكردية الآن تحمل السلاح وتربض على قمم الجبال.
فإذا أقرت حقوق الشعب الكردي دستوريا فإن الشكوك حول وجود قواتنا ستزول، لكننا سنبقى بحاجة إليها للمحافظة على مكاسبنا وحقوقنا تماما كما هو الحال الآن في إقليم كردستان حيث تتولى قوات البيشمركة حماية المكاسب وتمارس حق الدفاع الذاتي، بمعنى أن الوقت قد حان تماما لحل القضية الكردية حلا سلميا وديمقراطيا خصوصا وأن الشعب الكردي قد جسد إرادته في انتخابات 29 مارس (آذار)، وعلى تركيا أن تحترم تلك الإرادة.
* هل تتوقعون هجوما عسكريا تركيًّا ضدكم في الصيف المقبل؟
– للهجوم التركي احتمالات، ولكنها ليست مؤكدة، وستتضح الرؤية خلال الشهر القادم بعد استكمال النقاش والسجال الدائر في الأوساط التركية بخصوص كيفية التعاطي معنا والرد علينا.
* يقال إن العسكر في تركيا هم الذين يرفضون حل قضيتكم سلميا لأغراض ومصالح خاصة.
ما مدى صحة ذلك؟
– هذا جزء من الحقيقة، فالسياسيون أيضا يرفضون الحل السلمي لقضيتنا، سيما وأن العسكر سبق أن اعترفوا باستحالة حل قضية حزب العمال عسكريا، بل في إطار إقرار لحقوق الشخصية للفرد، ولكن حتى الآن لم تظهر في تركيا الإرادة السياسية القادرة على تحمل المسؤولية لحل القضايا الداخلية في البلاد، فرئيس الوزراء التركي أردوغان مثلا يتوسط في حل النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، أو يتوسط بين سورية وإسرائيل، لكنه يأبى حل القضية الكردية في بلاده ويرفض التصافح مع رئيس الكتلة الكردية في البرلمان التركي عن حزب المجتمع الديمقراطي، ويزعم أنه يلعب دور الوساطة في الصراع العربي ـ الإسرائيلي ويدافع عن أطفال فلسطين، وهي كلها مزاعم غير صحيحة، أي أن الساسة الأتراك هم الذين يرفضون حل قضيتنا ويحيلونها إلى العسكر ليحلوها بطريقتهم.
* كيف هي صحة أوجلان الآن؟ هل لديكم معلومات في هذا الصدد؟
– على حد علمنا فإن السلطات التركية تسمح لأشقائه وشقيقاته فقط بزيارته، إضافة إلى محاميه الخاص، ومشكلاته الصحية مستمرة ولم يخضع حتى الآن لعلاج طبي شاف، وتدهورت صحة جهازه التنفسي مؤخرا، علاوة على استمرار سجنه الانفرادي منذ أحد عشر عاما، وحرمانه من حقوق السجناء المنصوص عليها في القوانين التركية مثل الالتقاء بأفراد أسرته كل أسبوع ومشاهدة التلفاز أو الاستماع إلى المذياع أو قراءة الصحف.
* هل ما زلتم تتلقون التعليمات والتوصيات من أوجلان؟
– السلطات التركية تدّعي باستمرار أنه يبعث بتعليماته وتوصياته إلى الحزب، وفي كل مرة يدلي فيها أوجلان بتصريحات يتعرض بعدها إلى ما يسمى بعقوبات الحجرة في سجنه، وتتمثل تلك العقوبات في إرغامه على الجلوس على كرسي دون حركة لمدة عشرين يوما، وتتخذ السلطات من بعض تصريحاته ذريعة لتنفيذ تلك العقوبات في حقه زاعمة أنه عندما يقول أوجلان إن عدم تحقيق السلام في تركيا يعني تزايد حدة العنف إنما يبعث برسالة مشفرة إلى أتباعه في الحزب تنص على مواصلة القتال وتهديد أمن الدولة التركية، أما نحن فسائرون على نهج الزعيم الذي جسده في أكثر من مائة كتاب من تأليفه.
* هل صحيح أن الطائرات التركية استخدمت أسلحة غير تقليدية في غاراتها على قنديل؟
– كنا نشتبه مجرد اشتباه في نوعية الأسلحة المستخدمة في تلك الغارات، وشخصيا لم أصرح أو أجزم أنها كانت قذائف أو صواريخ غير تقليدية، بل إن بعض الصحف وبعض المحللين أبدوا شكوكهم حيالها بعد ظهور حالات نفوق غير اعتيادية في المواشي التي كانت تنفق بمجرد تناولها الأعشاب في المناطق التي طالتها الغارات التركية، أما نحن فلم نجزم أو نعلن استخدام تركيا لأسلحة كيماوية في ضرب جبال قنديل.
* يقال إن هناك خلافات حادة بينكم وبين القيادي جميل بايك.
ما تعليقك على ذلك؟
– إنها مزاعم الاستخبارات التركية التي تسعى عبثا إلى إقناع الرأي العام بوجود خلافات من ذلك القبيل في قيادة حزب العمال، والصحافة التركية روّجت لخلافات مماثلة بيني وبين الرفيق باهوز أردال (قائد ميداني بارز في الحزب)، ثم تلاشت تلك المزاعم لتحل محلها ادعاءات الخلافات بيني وبين الرفيق بايك، وبدوري أؤكد بطلان تلك المزاعم، وأجزم أن خلافات من ذلك النوع لم ولن تظهر بيننا أبدا.
* لو عرضت عليكم أنقرة إطلاق سراح أوجلان مقابل إلقاء السلاح، فهل ستقبلون العرض؟
– لا تركيا مستعدة لإطلاق سراح أوجلان، ولا نحن مستعدون لإلقاء السلاح.
هناك قضية اسمها «القضية الكردية»، وينبغي حلها أولا قبل أن نلقي السلاح، بمعنى أن إطلاق سراح الزعيم أوجلان فقط أمر غير كاف، بل يجب أن يقترن بحل القضية حلا جذريا.
* ما شكل علاقاتكم مع حزب الحياة الحرة الكردستاني «بيجاك» المناهض لإيران؟ وهل هو الجناح الإيراني لحزبكم كما يقال؟
– إطلاقا، هو ليس جناحا لحزبنا، فهناك ـ على سبيل المثال ـ حزب شيوعي عراقي وآخر تركي، وكلاهما يتبنيان أفكارا ماركسية ـ لينينية، ولكنّ كلا منهما مسؤول عن نشاطاته، أي أنهما حزبان شقيقان، ولكنّ كلا منهما يناضل في ساحته، وهذه الحالة تنطبق على حزب العمال و«بيجاك» أيضا، فحزب العمال يتزعمه أوجلان، و«بيجاك» يقول إنه يناضل في الجزء الشرقي من كردستان في ظل زعامة أوجلان، وهذه أفكاره، فهل نمنعه من ذلك؟
فهذا الحزب طلب منا المساعدة فلبينا طلبه، وقدم له الدعم المطلوب، وعلاقاتنا متينة معه ونؤازره بشدة ونؤكد على ذلك مجددا، ولكننا حزبان مختلفان ومنفصلان تماما، لكن إيران تزعم أن ذاك الحزب هو جناح لحزب العمال وتتجاهل أن الظروف الآنيّة والموضوعية في الشطر الشرقي من كردستان هي التي أوجدت هذا الحزب.
وفي الآونة الأخيرة وعندما اشتد القتال بين مقاتلي «بيجاك» والقوات الإيرانية، أعلنّا من جانبنا أننا لا نؤيد تفاقم الوضع واشتداد القتال بين الطرفين، وطالبناهما بحل القضية عبر الحوار، ووقف القتال فورا، وقد استجاب «بيجاك»، لطلبنا لكن إيران لم تعلن استجابتها رسميا، ولكني أعتقد أنها وقفت القتال أيضا.
أما رؤيتنا للمسألة فتتمثل في أن الشعب الكردي الموجود في إيران ينبغي له أن يتمتع بحرياته وحقوقه المشروعة، ويمارس نضاله السياسي بحرية، وليس من حق الدولة الإيرانية أن تقتل الأكراد باستخدام السلاح ضدهم، ونأمل أن ينبذ «بيجاك» وإيران القتال ويجنحا إلى الحوار والسلم.
* رمزي كارتال يخضع للإقامة الجبرية في إسبانيا، وتركيا تطالب بتسليمه بحجة كونه عضوا في حزبكم.
ما ردّكم؟
– كارتال ليس عضوا في حزب العمال، بل نائب في البرلمان التركي ممثل عن الشعب الكردي، وقد غادر تركيا، وهو يحمل جواز سفر بصفة نائبا في البرلمان، وهو طبيب متخصص وشخصية معروفة على المستويين المحلي والعالمي، أما الاتهامات التركية للشخصيات الكردية بممارسة الإرهاب فجاهزة باستمرار بهدف تشويه صورة الكرد والدبلوماسية الكردية في العالم وتقويضها، وقد أدرجت أنقرة أسماء كل الشخصيات الكردية الدبلوماسية في أوروبا على لائحة المطلوبين من قِبل الشرطة الدولية، ومن بينهم رمزي كارتال الذي يخضع للإقامة الإجبارية إلى حين محاكمته، أي أن قرار احتجازه سياسي وليس قضائيا، وتكمن وراءه دوافع سياسية، سيما وأن هناك دولا أوروبية لا تريد حلا سلميا ونهائيا للقضية الكردية في تركيا كي لا تضطر إلى قبول تركيا في عضوية الاتحاد الأوروبي، لذلك تعمل لتأجيج الصراع بين الكرد وتركيا كي تتلاشى الديمقراطية في البلاد وبالتالي تفقد تركيا أهلية الانتماء إلى الاتحاد الأوروبي، وتلك الدول التي هي على قدر كبير من الذكاء تدرك جيدا أن تركيا لن تستطيع القضاء على الكرد عسكريا إطلاقا، سيما وأن الدول التي قسمت أرض كردستان إلى أربعة أجزاء في إطار اتفاقية لوزان عام 1921 إنما أرادات أن تجعل القضية الكردية مرضا مزمنا في المنطقة، ناهيك عن أن إسرائيل لا ترغب هي الأخرى في حل القضية الكردية كي يستمر الصراع بين الكرد والأتراك والعرب، وكي تبقى تركيا بحاجة إلى إسرائيل والتكنولوجيا المتقدمة التي تمتلكها وتبقى الدول العربية ضعيفة أمامها، أي أن الموقف الإسباني في هذه القضية يخدم الحرب فقط، وهو موقف منبوذ.
* يقال إن الرئيس التركي أبرم ضدكم اتفاقا سريا مع العراق خلال زيارته الأخيرة لبغداد.
ما معلوماتكم في هذا الصدد؟
– ليست لدينا معلومات مؤكدة، وكل ما نعرفه هو ما نشرته الصحافة في هذا الشأن، ولكن لو كان الطرفان يرغبان في حل قضيتنا فليقدما مشروعا سياسيا من أجلها، أما إذا كانت سياسية الدولة التركية القائمة على أساس الإبادة والتقتيل ضد الكرد منطلقا للتعامل مع القضية الكردية فلن تكون النتائج طيبة أبدا ونحن موجودون على أرض كردستان ولسنا من قبيل القوى التي يمكن محاصرتها أو تشديد الخناق عليها من خلال اتفاق بين دولتين أو أكثر، كما أن مقاتلينا هم الآن في حال أفضل بكثير مما سبق، وبوسعهم المقاومة لعشر سنوات أخرى بالاعتماد على ما لديهم من إمكانات، لذا فإن السعي للقضاء علينا عسكريا أمر عقيم ولن يجدي نفعا.
* الرئيس العراقي جلال طالباني خيّركم بين الرحيل وإلقاء السلاح.
هل هو جاد في تصريحاته أم هي مجرد تصريحات إعلامية؟
– الرئيس طالباني عاد وصرح في أربيل مؤخرا بأن تصريحاته بهذا الصدد نُقلت مشوهة وأنه لم يقل كذلك، وهذا هو الأساس بالنسبة إلينا.
* الرئيس طالباني قال في زيارته الأخيرة لأنقرة إن تشكيل الدولة الكردية المستقلة سيبقى حلما بعيد المنال بالنسبة إلى الكرد.
ما تعليقكم؟
– أيديولوجيًّا لا يطالب حزب العمال بإقامة دولة كردية مستقلة، فالدولة ينبغي أن تقترن بضمان الحرية للجميع، وينبغي أن تقام على أساس حديث هو النظام الكونفيدرالي الديمقراطي، ولكن ليس من الصواب الجزم بأن الكرد لن ينعموا أبدا بدولتهم وسيأخذون هذا الحلم إلى القبور، فلربما تحقق الحلم، أما في ظل المعطيات والظروف الراهنة فإن أيا من الأقطاب الكردية لا يطالب بدولة كردية مستقلة.
* تركيا تتهم حزبَي طالباني وبارزاني بتقديم العون اللوجستي لكم.
ما مدى صحة تلك الاتهامات؟
– إنها مجرد اتهامات تركية لا أساس لها من الصحة، فتركيا تعتقد أن تحسن أوضاع الكرد في إقليم كردستان العراق سيحول دون استسلام الكرد في تركيا، وعندما تعرضت قواتها لضربة قاصمة في هجومها ضدنا خلال شهر فبراير (شباط) 2008 في منطقة الزاب أدركت أنقرة حقيقة أنها لم تعد قادرة على ممارسة المزيد من الضغوط على جنوب كردستان، لذلك قررت تغيير سياساتها لكنها لا تزال في قرارتها ترغب في إضعاف الكرد جميعا، أي أنها تريد القضاء علينا أولا ثم تشرع في القضاء على إقليم كردستان.
* هل كان للزعماء الكرد الحاليين دور في عملية اعتقال أوجلان؟
– نحن لا نزعم أن أوجلان اعتُقل بتواطؤ من بعض الساسة الكرد، بل نقول إن اتفاقا ما كان قائما وقتذاك للقبض على أوجلان، وقد لعب فيه بعض الكرد دورا، ولكن لم يثبت لدينا حتى الآن طبيعة دور أولئك الأشخاص.
* ما طبيعة الدور التركي في عدم حل قضية كركوك؟
– دور أساسي وفاعل، ولولا تركيا لكانت قضية كركوك قد وجدت طريقها إلى الحل منذ عام 2004 أو 2005، لكن أنقرة وضعت كل ثقلها في القضية، والولايات المتحدة رأت أن حل القضية سيدفع تركيا إلى اتخاذ موقف سلبي، أي أن السياسة التركية أسهمت في عدم حلها بنسبة 100 في المائة.
* لو كان صدّام وجيشه الجرار إبان الثمانينات قائمين الآن، هل كان سيؤيدكم ضد تركيا أم العكس؟
– صدّام كان موجودا في السابق ولم يقدم الدعم لنا إطلاقا، بل وقّع اتفاقا أمنيا مع تركيا سمح بموجبه للقوات التركية بالتوغل داخل الأراضي العراقية بعمق 20 كم لشن العمليات العسكرية ضدنا متى ما شاءت، وهذا الاتفاق ما برح ساري المفعول.
* كيف ترون مستقبل العلاقات التركية ـ العراقية؟
– في الوقت الراهن تنوي الولايات المتحدة سحب قواتها من العراق وتفكر في إيجاد بديل لها على الساحة العراقية، في حين إيران موجودة على الساحة بشكل عملي، لذا تريد واشنطن أن يكون لتركيا دور سياسي فاعل في العراق، لذا تجد أن تركيا تقيم بمباركة أميركية علاقات مع كل الأقطاب السنية، بل وحتى مع التيار الصدري ألد أعداء الوجود الأميركي في العراق، كي تمهد السبيل أمامها لتحل محل إيران في عراق المستقبل، أي أن الولايات المتحدة تسعى لتعزيز العلاقات التركية ـ العراقية ولكن المشكلة في الأمر هي القضية الكردية، لا سيما وأن حكومة إقليم كردستان تشكل الآن العامل الأقوى في العراق، بل العامل الأساسي في صون وحدة العراق واستقراره، لذا تسعى واشنطن أيضا إلى تحسين العلاقات بين إقليم كردستان وتركيا، التي ما برحت ترفض الاعتراف بحكومة الإقليم، وباختصار إذا لم تبادر تركيا إلى حل القضية الكردية لديها فإن دورها في عراق المستقبل سيواجه مصاعب حقيقية.
* لو عرض العراق عليكم الإقامة في مخيمات وسط البلاد مثل أتباع منظمة «مجاهدي خلق»، هل ستقبلون العرض؟
– لسنا بحاجة إلى مخيمات أو معسكرات، وقواتنا لم تُخلق لتقيم في مخيمات، بل هي قوات فاعلة، والمخيمات تقام لأصحاب العوائل، ثم إننا لسنا على أرض أجنبية كي نقيم في مخيمات.
* هل ما زال الحظر المفروض عليكم من قِبل حكومة الإقليم مستمرا؟
– مستمر كما لاحظتم، ولكن الأهم في الأمر أن الكرد ينبغي أن يتقنوا سياساتهم، فلا يجب أن نقيم حدودا داخلية في وطن الكرد، فإذا حصل أي تقدم خلال السنوات القليلة القادمة على صعيد القضية الكردية في تركيا فإن المخاطر ستزول عن جنوب كردستان وحكومة الإقليم، أما إذا عمدت تركيا والدول التي تتقاسم كردستان إلى توجيه ضربة قاصمة لنا، فإن الشكوك ستتعزز بخصوص احتمالات أن تشدد تلك الدول الخناق على حكومة الإقليم وبالتالي إخضاع الشعب الكردي جميعا، عليه أعتقد أن المرحلة القادمة ستكون تاريخية وحساسة جدا، ويتوجب على الكرد في كل أجزاء كردستان أن يفهموا جيدا حقيقة أن كردستان كلها موطن واحد.
* يقال إن حكومة الإقليم تستخدمكم كورقة ضغط ضد تركيا لحملها على الاعتراف بحكومة الإقليم.
ما ردكم؟
– سياستنا واضحة في المنطقة، وتركيا لم تعترف حتى الآن رسميا بحكومة الإقليم على الرغم من العلاقات المحدودة بين الجانبين، فأنقرة ترفض الاعتراف بحكومة الإقليم لكنها تسمح بإقامة ممثليات لديها لكلا الحزبين الرئيسيين في الإقليم.
* لو هاجمتكم قوى البيشمركة لإخراجكم من قنديل، كيف ستردون؟
– قبل كل شيء أقول إن جميع القوى الكردية أكدت مرارا أنها طوت صفحات الاقتتال الكردي ـ الكردي إلى الأبد، ولن تعمل على إراقة الدماء الكردية إطلاقا.
* ألا تعتقدون أن أنشطتكم المسلحة ضد تركيا انطلاقا من أراضي الإقليم تنعكس سلبا على حكومة وشعب الإقليم؟
– لولا وجودنا هنا في قنديل لما كانت تركيا قد سمحت بإقامة حكومة الإقليم، ثم إن أنشطتنا العسكرية كلها دفاعية بحتة للذود عن كرامة الشعب الكردي وليست هجومية إطلاقا، وقد أسهمت إلى حد كبير في تعزيز مواقف الساسة الكرد جميعا.
فعلى سبيل المثال لا الحصر خلال الفترة من 1999 إلى 2004 لم تطلق رصاصة واحدة في الجزء الشمالي من كردستان، لكن تركيا صارت تتدخل وتُقحِم نفسها في شؤون حكومة الإقليم، وسعت دوما إلى تحجيمها والتقليل من شأنها ورفض استقبال أي من مسؤوليها، وبعد استئناف عملياتنا اضطُرت تركيا إلى تحسين وتطبيع علاقاتها مع الإقليم، وهذا أكبر دليل على أن الكفاح المسلح في شمال كردستان عزز من مواقف حكومة الإقليم، بل ومن مواقف الكرد في كل أجزاء كردستان مثلما عزز فوز حزب المجتمع الديمقراطي في الانتخابات الأخيرة من مواقفنا ومواقف حكومة الإقليم أيضا.
* هل تتوقعون حدوث تغيير جذري في سياسات الإقليم ومواقفه وأوضاعه بعد الانتخابات النيابية القادمة؟
– نحن نتمنى أن يكون التغيير في اتجاه تعزيز الديمقراطية في الإقليم ونجاح التجربة الديمقراطية في المنطقة، وأن يتحقق للكرد في هذا الجزء من كردستان مزيد من الاستقرار وأن تتكرس سيادة القانون وحقوق الإنسان بحيث يكون للتجربة الكردية الديمقراطية صدى أوسع في عموم الشرق الأوسط.
* هل ستشاركون في المؤتمر القومي الكردي الموسع المزمع عقده في أربيل قريبا؟
– المؤتمر لم يحدد له موعد حتى الآن، وهو مؤتمر يهدف إلى تحقيق الوحدة بين الكرد وتكريس السلام في المنطقة، ويتركز في المقام الأول على القضية الكردية في شمال كردستان (تركيا)، ومتى أبلغنا رسميا فسنشارك فيه، فالقضية الكردية الآن تمر بمرحلة تاريخية، ونأمل أن يسهم المؤتمر في خلق مناخ جديد وأرضية أفضل للعمل، وأن يقوم بواجبين أساسيين: الأول تعزيز الأخوّة والوحدة بين الأقطاب الكردية جميعا، والثاني تعزيز العلاقات بين الكرد والشعوب المجاورة وتعميق الأخوّة والوئام بين شعوب الشرق الأوسط، أي أن لا يكرس المؤتمر لمعاداة دول الجوار بل لمناقشة كيفية التوصل إلى حل لمعضلة الكرد مع دول الجوار بطريقة سلمية، ومن الضروري مشاركة ممثلي تلك الدول كي يكون مؤتمرا لتحقيق السلام في الشرق الأوسط.
——