صلاح بدرالدين
ومن انجازات – الهيئة العليا التفاوضية – بتشكيلتها وخطابها السياسي أنها أوصلت الأمورالى درجة أن هناك من يطلق على مايجري في جنيف ب ” حوار بين رفاق السلاح ” اشارة الى تكوين وفدها من أكثرية وافدة من صلب النظام أو موالية بطريقة وأخرى حتى أن البعض نشر على صفحات التواصل الاجتماعي مائة اسم مشارك في جنيف من كل الأطراف لاتجد بينهم سوى بضعة أسماء محسوبة حقاعلى المعارضة كما انتفت تعبيرات كالصراع بين الشعب وثورته من جهة والنظام من الجهة الأخرى الى ” الحوار بين الأسد وخصومه ” وذلك لتركيز الوفد على شخص الأسد من دون النظام السياسي الأمني العسكري الحزبي الاقتصادي وتقدم تعبيرا ” المناصفة والمثالثة ” على مبدأ اسقاط نظام الاستبداد وأصبحت العقدة الرئيسية الخيار بين طاولة مستطيلة وأخرى مستديرة ؟ .
من حق السوريين أن يشككوا في مدى صدقية ” الهيئة التفاوضية العليا ” ونيات المشاركين في مؤتمر الرياض فمنذ البداية لم يكن المدخل سليما عندما تم غض الطرف عن التحضير قبل انعقاد مؤتمر الرياض بالدعوة لعقد المؤتمر الوطني السوري من خلال لجنة تحضيرية سورية للاتفاق على البرنامج السياسي وانتخاب المجلس السياسي – العسكري للتصدي لتحديات الحرب والسلام وتفويض لجنة للقيام بالواجب وليس عبر التعيينات غير الشرعية وتبديل الأسماء وجلب أناس لايؤمنون بأهداف الثورة وكانوا حتى الأمس القريب في صفوف النظام ومؤسساته الحزبية والأمنية والدبلوماسية والادارية والاقتصادية فهل أن هؤلاء على قدر المسؤلية التاريخية لتقرير مصير شعبنا وثورتنا ؟ وهل يستطيع هؤلاء مواجهة رموز سلطة الاستبداد وحتى النظر في عيونهم ؟
بالرغم من أنني مثل غالبية الوطنيين السوريين لاأجد في ( الهيئة التفاوضية ) تعبيرا سياسيا حقيقيا شرعيا عن أهداف الثورة الا أنني كنت أتمنى أن يكون محصنا صامدا أمام وفد نظام الاستبداد وصادقا في خطاباته لاأن يمارس الازدواجية والانزلاق المتدرج نحو مستنقع المساومات لقد قلنا منذ البداية أن وفد مؤتمر – الرياض – تخلى عن هدف الثورة وقبل صاغرا ببنود اتفاقية فيينا 2 في الحفاظ على مؤسسات النظام والانخراط فيها تحت يافطة اعادة البناء واليوم نسمع أنه يقصد بالحكم الانتقالي ادارة مناصفة مع النظام وهذا يعني حكما وعلى ضوء وجود مؤسساته الأمنية والعسكرية والحزبية أن ( النصف المعارض ! ) اذا اندمج سيذوب في الحال في بحر نظام جائر قام وترسخ خلال أكثر من نصف قرن ونعيد تساؤلنا السابق المكرر : هل نحن أمام تنفيذ آخر بنود مخطط أسدي – روسي – ايراني – ميليشيتي مذهبي ؟
من المؤكد أن ” الهيئة العليا ” والمشاركون في مؤتمر الرياض ليسوا بغافلين عن مايحاك من مؤامرات وما يخطط من جانب محور ( دمشق – موسكو – طهران ) من أجل تحقيق هدف الحفاظ على النظام عبر اجراء تعديل في موازين القوى العسكرية كما يجري الآن بحلب واختراق الجبهات الساخنة من خلال المفاوضات المباشرة بصورة انفرادية هنا وهناك واذا كان الأمر كذلك فانه يعني أن هناك نوع من التفاهم المتبادل بشأن القبول بشروط النظام وحلفائه المرضية عنها من جانب الادارة الأمريكية .
للأسف وحتى اللحظة تتكابر قيادات المعارضة وتتهرب بشأن تعريف وظيفتها الحقيقية هل هي تمثل الثورة ومخولة بالنطق باسمها أم أنها مؤيدة لها وعلى مسافة منها قد تتخذ مواقف وسياسات متعارضة مع أهدافها الاستراتيجية المعروفة : ” اسقاط النظام وتفكيك سلطته ومؤسساته واعادة بناء سوريا جديدة ” كما حصل بشأن التعاطي مع قرارات فيينا2 التي كانت بمثابة التجاهل الأممي لقيم الثورة السورية ان لم يكن الحكم بالاعدام عليها وكذلك الالتزام مع مخرجات مؤتمر الرياض وتوجهها العام نحو عقد صفقة التصالح مع النظام القائم وليس تغييره ومايثير الريبة أكثر اخفاء الحقيقة عن السوريين من جانب كل الذين – استقتلوا – من أجل الحضور في مؤتمر الرياض وهذا بحد ذاته مؤشر في غاية الخطورة .
فاالدول الكبرى والصغرى العضوة في هيئة الأمم المتحدة التي اتخذت جانب الحيطة والحذر من موجات ثورات الربيع منذ أيامها الأولى كما أنها وبالرغم من اعلان (الصداقة ) مع الشعب السوري في العديد من المحافل الا أنها لم تتبن يوما من الأيام أهداف الثورة باسقاط النظام وتفكيك سلطته ومؤسساته واجراء التغيير الديموقراطي وصولا الى سوريا التعددية الجديدة كلنا لاحظنا أن بعض الأطراف الدولية المؤثرة شجع جماعات الاسلام السياسي لتتصدر الثورة قيادة وشعارات تحت ذريعة ( الاسلام المعتدل ) ليس حبا بها أو حرصا على انتصارها بل من اجل وضع العراقيل الارتدادية أمامها وكان ذلك ايذانا أن تلك الأطراف لم تكن موافقة على الأهداف الحقيقية لثورات الربيع ولم تجد فيها مايحفزها لدعمها من منظور تناقضها مع مصالحها الآنية والاستراتيجية لذلك أقول لم تتغير مسلماتها بل استمرت كماكانت .
هذا ” العالم ” وخصوصا روسيا الاتحادية التي يحاول الناطقون باسم الهيئة العليا اعادة الاعتبار لها لم يعتبر يوما أن هناك ارهاب دولة من جانب النظام السوري ولم تنقطع صلاته – الاستخباراتية – مع أجهزة نظام الأسد الذي استطاع تنفيذ خطة واسعة للظهور بمظهر العلماني أمام الاسلاميين التكفيريين ! ساعده في النجاح أكثر المعارضة السورية البائسة وفي الوقت الحاضر تميل أكثرية الدول الغربية الى جانب روسيا في انتهاج موقف المهادنة مع نظام الأسد بل تأهيله لمحاربة الارهاب تحت حجة خطورة – داعش – خاصة وأن قوى الثورة لم تنجح في اعادة بناء نفسها وهيكلة تشكيلات الجيش الحر واعادة مركزة القرار المستقل مما شكل ذلك فراغا عميقا مكن أصحاب النفوس الضعيفة من التسلل الى صدارة المشهد المعارض .