صلاح بدرالدين
من غير الجائز تناول الدور القومي للرئيس مسعود بارزاني بمعزل عن مسار – الكوردايتي – الذي انتهجه الخالد مصطفى بارزاني سيرا على خطى الرواد البارزانيين الأوائل بدءا من الشيخ عبد السلام بكل انجازاته التي لم تتحقق في خط مستقيم بل عبر تعرجات ومحطات واجتياز مراحل في ظروف محلية واقليمية ودولية متغيرة وشديدة التعقيد .
من ميزات هذا النهج التاريخي الذي ارتسمت معالمه الأولى قبل أكثر من مائة عام غناه في مجال اختبار مراحل التطور العالمي وخصوصا مايتعلق بتحولات الشرق الأوسط والمنطقة الكردية فقد عاصر الحقبة العثمانية وتمزق امبراطوريتها والتوقيع على اتفاقية سايكس – بيكو الذي حول كردستان الى أربعة أجزاء والحربين العالميتين الأولى والثانية بكل أهوالها وقيام ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى التي غيرت وجه التاريخ وكل المعاهدات الدولية المعنية بمصير المنطقة والكرد من بينها خاصة بعد انتصار الحلفاء مثل معاهدات واتفاقيات ( بوتسدام ومالطا وطهران ويالطا ) والتفاعل مع حركة – خويبون – .
المعالم الفكرية لهذا النهج كانت اكثر ارتباطا بالوقائع والحقائق على الارض وليس بالنظريات التي يقول عنها – هيغل – ” النظريات صفراء لكن شجرة الحياة خضراء دائما ” وانطلق هذا النهج من بيئة جغرافية ( بارزان ) تتميز بالتنوع الديني والثقافي والقومي وبثقافة قبول الآخر المختلف وارادة رد المظالم ومناصرة المظلوم واحترام المرأة بل قبول ادارتها للعائلة ومشاركة الرجل بأعباء الحياة ومواجهة المعتدين .
كان للبارزاني الكبير تجربته القومية الخاصة والى جانب كونه زعيما شرقيا ومبدئيا ياخذ مجتمعه بعين الاعتبار وينفر من التعصب الحزبي الضيق ومع تنظيم صفوف الشعب رافضا الاسلام السياسي رغم تدينه يفصل الدين عن السياسة ويحترم كافة الاديان فقد رأيت بأم عيني وعند زيارتي الأولى ( 1967 ) ولقائي به في منطقة – بالك – الذين يقومون بحمايته ( آشورييون وكلدان وأزيدييون الى جانب بارزانيين ) .
بعد أن دشن الشيخ عبد السلام اللبنات الأولى لهذا النهج القومي عندما ربط الواجبات الدينية بالدنوية حين توجيهه مذكرة الى السلطان العثماني يطالبه فيها بالاعتراف بالكرد كشعب وبحقوقه الادارية والثقافية كان من تجليات نضوج البنية الثقافية – الفكرية لهذا النهج من بعده من خلال عدة محطات تاريخية أولها : في كونفرانس – باكو – ( 19 – 1 – 1948 ) بحضور ممثلين كرد من سوريا وايران وتحدث مصطفى بارزاني للمرة الاولى بعد مغادرة كردستان العراق الى ايران والمشاركة في ترتيبات جمهورية مهاباد والمسيرة الطويلة التي اخذت به الى الاتحاد السوفييتي عن المسائل السياسية والفكرية والفلسفية التي تشكل استراتيجية – الكوردايتي – .
وثانيها : من خلال الكونفرانس السياسي – العسكري في – كاني سماق – ( 15 – 4 – 1967 ) وكنت حينها متواجدا على راس وفد حزبي فبكلمته الهامة توجه البارزاني الى البيشمركة بالقول : انتم ابطال هذا الشعب وتفدونه بارواحكم اتمنى عليكم رعاية الفقراء وقبول النقد فمن يعمل لاجل مصالحه الخاصة والشخصية ليس له مكان بيننا وفي هذا الكونفرانس عرف البارزاني الكرد واوضح مطالبهم وركز على اهمية العمل الجماعي وهاجم بشدة الاغنياء الكرد الذين لايساعدون شعبهم وردد : لست زعيما لاحد لكنني خادم لشعبي كما تحدث عن معنى التقدمية بعيدا عن الشعارات البراقة والتقدمي هو من لايظلم شعبه ولاينهبه ويحافظ على كرامته وقال : لم أخن أحدا طوال عمري ولاأقبل أن يخونني أحد وتنظيم صفوفنا ركيزة قوتنا ونحن نخوض صراع البقاء او العدم ويجب عدم اهانة راعي قروي او امراة لقد قلتهافي 1945 وفي عام 1948 وفي 1960 واكرر الان ان لاخلاف ولاصراع بيننا وبين الشعب العربي فالكرد والعرب اصدقاء واخوة لكن صراعنا مع الانظمة والحكومات .
ان بعض المنطلقات الفكرية والثقافية التي أشرنا اليها يشكل جزءا من تراث نهج – الكردايتي الذي يسير عليه الرئيس مسعود بارزاني – والنهج هذا غير جامد بل يتفاعل مع تطورات الأحداث المحلية والخارجية ويتأثر بمحيطه الأقرب والأبعد فمن مطالبة الشيخ عبد السلام بالحقوق الادارية الى شعار ثورة ايلول بقيادة البارزاني الكبير ( الديموقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان ) الى تحقيق الفدرالية في عهد قيادة الرئيس مسعود ومحاولته منذ أعوام على اجراء استفتاء لشعب كردستان ليقرر مصيره كل ذلك دليل ملموس على مدى حيوية هذا النهج وتعبيره عن ارادة الشعب في كل مرحلة من مراحل التاريخ .
لاشك أن الظروف الراهنة للحركة التحررية الكردستانية بشكل عام ونحن بنهاية العقدين الأولين للقرن الحادي والعشرين تختلف عن بدايات انبثاق الحركة في القرن التاسع عشر فقد ظهرت الدعوات الكردية الأولى على شكل قومي جامع ثم بتقسيم كردستان تحولت الى أجزاء من الحركة القومية موزعة بين أربعة بلدان وانكب كل جزء على وضعه الخاص عبر أدوات محلية ( قطرية ) وليست قومية جامعة أي لم يعد هناك احتمال حل قومي كردستاني موحد للقضية الكردية بل حلول جزئية وطنية وارتبطت مصائر الحركات الكردية بالحركات الوطنية العربية في سوريا والعراق والتركية والايرانية وحتى اللحظة لم تظهر حركة قومية كردية موحدة بعد تجربة – خويبون – تنظيميا وسياسيا لذلك المجال المناسب هو التنسيق والتعاون والاحترام المتبادل بين كرد الأجزاء الأربعة وحركاتها القومية التي تتميز عن بعضها في الكثير من المجالات الاجتماعية والثقافية .
لم يطرأ أي تغيير يذكر حتى اللحظة على تعريفنا السابق وقبل نحو خمسة عقود لتقسيمات الحركة الكردية وقضايا صراعها فالتشخيص السابق مازال صحيحا وهو وجود نهجين واحد معتدل وطني وقومي وديموقراطي مؤمن بالحوار والحل السلمي ومع الثورة والتغيير الديموقراطي والاعتراف بالأخر المختلف ويشكل – كوردايتي – البارزاني العمود الفقري له وآخر حزبوي متعصب مغامر فئوي مناطقي غير محصن تابع للأنظمة الغاصبة للشعب الكردي متورط بمحور ( الممانعة ) حاليا ويشكل مخلب قط للأنظمة المستبدة لاثارة الصراعات الكردية الكردية ويشكل ( ب ك ك وبعض التنظيمات الحزبية في أجزاء كردستان العراق وايران وسوريا ) بمثابة المكون الأساسي له .
مازال نهج – الكوردايتي – الذي يسير عليه الرئيس مسعود بارزاني يشكل المرجعية القومية الأهم ولاشك أنه بأمس الحاجة الى التطوير والتعميق والمراجعة عبر الانكباب العلمي والتحليل الموضوعي للخروج باستخلاصات مفيدة لانارة درب الجيل الجديد وهناك حاجة ماسة الى التجديد الفكري والمراجعة الثقافية بروحية النقد الايجابي وعلى رأس جدول أعمال تلك المراجعة مسألة العلاقات القومية الكردستانية التي لم ترسو حتى الآن على قاعدة واضحة مؤسساتية فاعلة سليمة .
هناك بين أيدينا تجربة مهمة في هذا المجال وأقصد مجال ( العلاقات القومية ) وهي مضمون وشكل ونتائج تعامل اقليم كردستان العراق وباشراف مباشر من رئيس الاقليم منذ خمسة أعوام مع الملف الكردي السوري فلاشك بأن دافع ذلك التعامل السياسي كان الحرص على شعبنا ووحدة صفوفه وعدم اراقة الدم الكردي ولكن كماأرى فان النتائج لم تخدم الهدف المرجو والعبرة بخواتم الأمور كمايقال وقد أشار الأخ الرئيس في مقابلتين مع فضائيتي ( عربية سكاي نيوز والجزيرة ) الى فشل الأحزاب الكردية السورية في قيادة الكرد بل أساءت اليه وأن – ب ي د – هو المسؤول عن دوام الأزمة والمطلوب الآن بعد وصول الأخ الرئيس الى هذا الاستخلاص السليم والدقيق الانتقال الى الخطوة التالية الأهم وهي : البديل الذي أرى أن يكون على شكل مؤتمر قومي وطني كردي سوري عداده الوطنييون المستقلون الذين لم يشاركوا في خلق الأزمة وتعميقها وتجمعات الشباب ومنظمات المجتمع المدني وبعض أنصار الأحزاب من القاعدة من أجل مراجعة ماحدث وصياغة البرنامج السياسي وتعميق توجه المشاركة بالثورة السورية وانتخاب القيادة الكفوءة .