افتتاحية مواطنة
بعد تفجيرات الثلاثاء الدامي في استنبول “مطار أتاتورك الدولي”, سارعت السلطات التركية باتهام “داعش” أولاً بمعرض متابعة المنفذين الذين قضوا في تنفيذ عمليتهم النكراء والتي أودت بحياة 43 شخصاً وتسببت بجرح 239 مدنياً بريئاً, فكان الارهابيون الثلاثة, روسيّ وأوزبكي وقرغيزي “يدورون على الأرجح في فلك تنظيم الدولة الإسلامية” وفق التصريحات التركية.
وكانت الخارجية الأمريكية قد اصدرت تحذيراً من سفر مواطنيها إلى تركيّا قبل يوم واحد من العملية وهو ما اعتبرته مجرد مصادفة, وصرحت حينها أنها لا تستطيع التأكيد أن “تنظيم الدولة” هو المسؤول عن ذلك الهجوم.
ورغم أن كل سمات ارهاب القاعدة التي وسمت ما جرى من تفجيرات بتركيا والتي تنطبق بالتأكيد على سلوك أتباع “تنظيم الدولة”, وهي العمليات التي حصلت خلال الاشهر الاخيرة (كتفجيرات ساحة تقسيم وعمليتي جامع السلطان أحمد ومؤخراً وليس أخيراً مطار أتتاتورك الدولي), الا أن “تنظيم الدولة” كعادته لم يعلن مسؤوليته عن أياً منها وبالطبع “لغاية في نفس يعقوب”, ليس أقلها حفاظ التنظيم على ما يعتقد من شعبيته السنّية وعلى “شعرة معاوية” مع تركيا التي وصلتها شدة الرسائل الدموية, فالتنظيم المهدد والمحاصر في أكثر من قطاع يرغب أن يمرر بهذا الغموض قساوة ما جرى ويجري من انسحابات كالتي جرت في الانبار والفلوجة أو تدمر وتجري بمنبج وما قد يليها من خسائر كبرى متوقعة الحصول في الرقة والموصل قبيل نهاية العام الحالي..
باختصار كانت التفجيرات بمثابة رد سريع على النقلة السياسة لتركيّا من الشعبوية الايديولوجية التي راهنت مطولا على المنظمات الاسلاموية والمتشددة ايضا خلال “الربيع العربي” فجّنبت تلك السياسات تركيا من العمليّات الإرهابية لفترة طويلة, لكنّها بالوقت نفسه أوقعتها تحت ضغوط بالغة من حليفها الأمريكي وحتى من الاوربيين والروس، فضلاً عمّا أصابها من فشل سياسي واسع الطيف على ساحة الداخل ليس أقلها تدهور العلاقة مع PKK وكذلك في سورية ساحة الجار المتعب حيث يبرز دور ال PYD مع “قوات سورية الديمقراطية”, الحليف الأوثق للولايات المتحدة الأمريكية في مواجة “داعش” على الأرض السورية, ولم تستطع بالطبع تلك الرهانات الفاشلة على الاسلامويين ان تمنع تناقضاتها أصلاً و مآلاً مع ثورة الحرية والكرامة التي فجرها الشعب السوري, فشهدنا تعثر قوى الثورة والمعارضة الجلي بارتهانها في فضاء استنبول, وكيف اضطرت لنقل نشاطها الى الرياض حيث استطاعت هناك استيعاب أوسع للتمثيل السياسي والعسكري, رغم استمرار حاجة “هيئة التفاوض العليا” المنبثقة عن مؤتمر الرياض لتمثيل كردي اوسع.
والآن بعد أن وقعنت تركيا سياستها في مقاربة برغماتية جلية, ومع اندراجها في “التحالف الدوليّ” ضد داعش والدعوة لإعادة تطبيع علاقاتها مع روسيا وإيران وإسرائيل, راحت تزداد وتيرة الهجمات الدمويّة فيها, وهي الضريبة المتوقعة من “معاشرة القط” فلا شهر عسل استمر ولا صداقة ترتجى مع التكفيريين التفجيريين, وكان يجب ألا يعقد عليهم أي رهان أساسا وفي أي ساحة حلّوا بها.
ان تفجيرات استنبول تشكل استمراراً لمسلسل الاعتداءات الإرهابية الأخيرة من باريس وبروكسل وأورلاندو وبلدة القاع اللبنانية الى بنغلادش وليبيا وبغداد وطرطوس تنفذه “داعش” مستهدفة مدنيين و أرواح بريئة سواءاً كان في أهداف رخوة أو غير رخوة, لتؤكد للعالم أجمع مجدداً, أنه لايوجد ما هو أهم من مكافحتها ومثيلاتها وأن الارهاب سيبقى الخطر الأسوء على الاطلاق, ولتعطي ترياق الحياة وتمد بعمر نظام الاجرام الاسدي وأمثاله من أنظمة الاستبداد… ولهذا داعش أولا..!
لقد أتضحت ضرورة إعلان المعارضة البراءة من كل الفصائل الارهابية والتكفيرية, والدراسة النقدية والنظر لما يخدم مستقبل سورية في التحالف الدولي والاستراتيجية الامريكية بالحرب على الارهاب الداعشي, والتخلي التام عن كل التكفيريين والجهاديين, بالتواكب مع الدفع لمسيرة الحل السياسي في سورية وقيام هيئة الحكم الانتقالية وانهاء سلطة الاسد وحقبة الاستبداد التي اورثتنا كل هذا القبح والدمار, وبالتالي بناء استراتيجية القوى العسكرية على هذا الاساس بالانفتاح على الفصائل الوطنية وغير التكفيرية ودعم “جيش سورية الجديد” وكل شرفاء “الجيش الحر” في مواجهات عسكرية امست متعددة الأعداء والأهداف ولا تقتصر على مواجهة حلف الاسد المعلن, ذلك الدرس الذي كان على المعارضة السورية أن تدركه منذ وقت طويل, جاءت تغييرات السياسة التركية الجديدة لتعيدنا اليه، وفعلت خيراً بذلك ولو تأخرت, علّها تدق ناقوس دحر الارهاب الأسدي والقاعدي معاً.
تيار مواطنة – 4/7/2016