أحمــــــــد قاســــــــــم
تغيرت الآراء وكثرت الإحتمالات مع إنطلاقة الثورة السورية وتطوراتها طوال خمسة سنوات من حرب مجهولة العنوان, وكثيرة المآرب, لكن السوري هو من يتحمل كل النتائج, ويعاني من شيء لا مفر منه, وهو المستهدف وعامل من دون أن يدري, وتحت يافتة ( الحرية والكرامة ) في خدمة أجندات مختلفة يحوم في عواصم مختلفة بحثاً عن ذاته وسط المجهول.
على الإحتمالات إنطلقت الثورة, فكثرت الخيارات أمام الشارع الملتهب.. لكن النظام كان يدرك بأن الثورة منقادة وراء عنفوان عفوي غير منضبط, ومن دون قيادة ذات خبرة ودراية. والأسوأ هو إنعزالها عن النخبة السياسية التي كانت متمثلة بإعلان دمشق, أو تأخير تلك النخبة عن الدور الذي كان من الواجب عليها تبني مسؤولية تلك الحراك الثوري منذ لحظتها الأولى لإحتمالات ظهرت فيما بعد أنها كانت مخطئة عندما أُجْبِرتْ الثورة على التسلح, وبالتالي إندفعت نشطائها نحو من كان مستعداً لدعمها بالمال والسلاح من الدول الإقليمية مقابل تحقيق مصالح تلك الدول.
مع إفتقاد الثورة للقيادة السياسية, وبداية التسلح مع تشكيل أول كتيبة للجيش الحر من الضباط والجنود الذين إنشقوا من النظام, تحركت كل شرائح الفساد في المجتمع للعب دورها السلبي وتحت مسميات عدة لممارسة السلب والنهب والسطو والقتل والخطف, إلى جانب نشر الفوضى المنظمة, والتي تمت بمساعدة النظام لتغيير وجهة الثورة ومسيرتها, وخاصة مع بدء تحرك منظمات إرهابية ودينية وطائفية متطرفة, حيث إستطاعت أن تغير المشهد من” الثورة من أجل الحرية والكرامة ” إلى حرب شبه أهلية وطائفية, وفيما بعد, ومع إنتشار قوات ” داعش ” بدءً من العراق وإمتداداً إلى سوريا, إلى حرب من نوع خاص تهدد أمن وسلامة الإقليم برمته, وبالتالي أمن وسلامة الدوليين, لتفقد الإحتمالات التي كانت في مخيلة المراقبين و القائمين على الثورة, وكذلك الدول الإقليمية التي إندفعت إلى دعم المقاتلين بالمال والسلاح من دون رقيب أو حسيب, ظناً منهم جميعاً على أن النظام سيسقط خلال أشهر. لكن في حقيقة الأمر كان دور النظام في إدارة اللعبة على الأرض من خلال دفع شبيحته ورجاله من الأمن والجواسيس, وكذلك تلك الخلايا الإرهابية التي لعبت دوراً نشطاً في تغيير المشهد, أقوى فاعلية, مما وقعت كل الإحتمالات في مستنقع يصعب على المشاهد قراءة تفاصيله, وبالتالي أدت إلى أن يأخذ المجتمع الدولي العديد من الخيارات, أنجعها ” وقف الحرب, ورعاية اللاجئين, وتقديم الإغاثة لأولئك الذين يعانون من الحصار, ومن ثم البحث عن سبيل للحل السياسي من خلال الحوار أو المفاوضات بين المعارضة والنظام ” ولكن أية معارضة و أي نظام!
القتل بمئات الآلاف, التهجير والتطهير العرقي والمذهبي لم يتوقف يوماً منذ خمس سنوات, وتفريغ سوريا من سكانها سياسة هادفة, حيث أن نصف سكان سوريا يُعَدُ في تعداد اللاجئين, وهناك العديد من المدن وأحياء من المدن أصبحت أنقاض على رؤوس أصحابها بفعل ضربات جوية من قبل النظام. أما خيار الحل السلمي ” كلما تنتعش الآمال من خلال تحرك دولي وإنعقاد لقاءات في جنيف1+2+3 ” يزداد المشهد تعقيداً على الأرض بفعل تدخل دولي نشط, والتي تؤكد على أن مصالحها تتعارض مع ما يطرح الممثل الأممي ( ديميستورا ) فتتغير الأولويات لتتغير معها الخيارات الدولية والإقليمية من دون أن يكون في الأفق محددات الحل السلمي. يبدو جلياً أن ما يحصل في سوريا مقدمة لفعل دولي أكثر عمقاً مما نتوقعه على المستوى الإقليمي, يتجاوز حدود سوريا والعراق. كما تؤكد الوقائع بأن الحل في سوريا بمعزل عن التراكمات في النزاعات الإقليمية وعدم الإستقرار غير ممكن, وبالتالي فإن هذه المرحلة من الأزمة السورية تتسم بفعلٍ لإدارة الأزمة من قبل الدول الفاعلة وليس التقدم نحو الحل. وبالتالي فإن الخيارات متحولة مع تحولات في الموقف الدولي والإقليمي مع تعثر الحالة السورية بفعل الإرهاب على الأرض. لذلك كان من الأولى للمجتمع الدولي محاربة الإرهاب أولاً, ولتحقيق ذلك تغيرت المسارات والتحالفات بشكل تكتيكي ” والأخذ بحكمة عدو عدوي صديقي إلى حين “.
أعتقد أن المشهد المتعثر في سوريا, ينبئنا بأن القادم متغير, ولا يوجد معادلة ثابتة نستند إليها في الإستقراء والتحليل. مع أن كل شيء وارد مع تحقيق مصالح الدول الفاعلة لطالما أن السوريين فقدوا إرادتهم مع غياب قيادة سياسية لفعل ثوري منذ بداية الثورة. وأن قيادات المعارضات اليوم مكبلة أياديها لدى العديد من العواصم, وبالتالي فهي متناقضة في مواقفها وأهدافها في الجوهر وفقاً لمسلمات المواقف والمصالح الدولية. لذلك, فهي تابعة ومشتتة غير فاعلة, والذين على الأرض من القوى أسرى لقوى الإرهاب والنظام تتخبط من دون أن تحسم المعركة لصالح الثورة. إلا أن الفعل الدولي لايقبل أن يحسم النظام أو الإرهاب الحرب لصالحه إلى حين.. وبالتالي فالشعب السوري هو من يتحمل آلام ومآسي الناتجة عن هذه الحرب المجنونة من دون أن يرى آفاقاً تبشره بالحرية والكرامة.
وقد يسألني أحدهم عن الفعل والموقف الكوردي من كل مجريات الأحداث والمواقف, أُئكد, بأن الكورد مثله مثل أية فئة أخرى من مكونات الشعب السوري, فهو في أحسن الأحوال يشكل أداة لإدارة اللعبة, لطالما لم يملك هو الآخر قيادة حكيمة تقود الحراك السياسي الكوردي وسط هذه العاصفة الهوجاء. كان من الممكن أن يحقق الكورد الكثير, إلا أنه مع فقدانه لتلك القيادة أو المرجعية السياسية فقد دوره التاريخي. لكن, إن أسعفه ما يتوجب عليه من فعل ثوري إستجابة لمصلحته القومية والوطنية, فلا يزال الفرصة مؤاتية لفعل ما هو واجب. ولكن في ظل هذه الظروف المعقدة من الصعب جداً أن يتحقق ذلك.. وجدير للذكر بأن الأستاذ عبد الحميد درويش ( سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي الكوردي في سوريا ) يسعى جاهداً لتحقيق تلك المرجعية وتوحيد الموقف الكوردي تجاه كل التطورات والمتغيرات.. لكن الأمر ليست بهذه السهولة, فإن الفعل الدولي هو المانع الأول والأخير.
1072016