رأب الصدع الكوردي ضرورة تاريخية

جان كورد 
 من خلال قراءةٍ شاملة للوضع الكوردي عامةً، وفي غرب كوردستان خاصةً، لا يمكن لأحدنا القول بأنه يبشّر بخير إن استمر هكذا، والأعداء يتقاطرون على هذا “الغرب” مثلما يتقاطرون على ذاك “الجنوب”، بمختلف أنواع السلاح الإرهابي والمكيدة السياسية الإرهابية والإعلام الإرهابي، ومستخدمين حرفياً سياسة “فرّق تسد” للسيطرة التامة على أرضنا وشعبنا وخيراتنا ومحو وجودنا القومي وتحطيم “حلمنا” في أن نصبح أمةً واحدة تعيش على أرض وطنها في حرية وأمن واستقرار، مرفوعة الرأس بين جيرانها وينظر إليها العالم باحترام. 
الذين يتمترسون خلف شعارات ومناهج وشخصيات وقوى أحزابهم وتنظيماتهم يعتقدون أنهم مسيطرون على كل هذا الشعب، يقودونه كيفما يشاؤون وإلى أين يريدون، في حين أن العالم الخارجي يسخر من جهلهم وقلة حيلتهم وعدم وجود استراتيجية حقيقية لما يظهرونه من أسباب القوة الآنية والشقاء السياسي عامةً. 
أما الذين ينظرون من فوق تلك الشعارات والبرامج الحزبية ويرون أبعد من فوهات البنادق ولا تخدعهم إطارات العربات المجنزرة، يعلمون جيداً أن القوة صفة نسبية، سرعان ما تزول في ظروفٍ معينة، فقد كان صدام حسين يملك أقوى الجيوش العربية، وكان جمال عبد الناصر يملك أفئدة كل الشعوب العربية، فمات عبد الناصر وقد خلّف وراءه أكبر هزيمة للعرب في تاريخهم، وأعدم صدام بعد أن أخرج من جحر ضب، هارباً لم يسعفه جيشه العرمرم في إيجاد غرفةٍ محترمة يبدّل فيها ثيابه القذرة ويحلق ذقنه التي امتلأت قملاً ونملا… ومثلهما أوربيون وآسيويون وأفريقيون أيضاً، نجدهم في التاريخ  طغاةَ لا يرحمون، ثم داستهم عجلات الزمن فسقطوا في أوحاله ليختفوا عن الوجود وكأنهم لم يكونوا.
لذا، لا بد وأن يستعيد وعيهم الخافقون لأجنحتهم فوق السحب ويفيقوا من حلم البقاء بقوتهم إلى الأبد والجلوس على صدر هذا الشعب الذي يستحق حياةً أفضل مما هي الآن تحت وطأة السوط الحزبي القاسي ونقول لبعض من يظنون أنهم ناجون من عقاب الشعب في المستقبل أن التاريخ لا يرحم. 
من أجل مساعدة هؤلاء للقيام بدورهم الصحيح لرأب الصدع الكوردي الذي هو “ضرورة تاريخية”، وبسبب الأوضاع التي تزداد يوماً بعد يوم خطورة في بلادنا وعلى شعبنا، من حيث تكالب الأعداء وتضامنهم ضد إرادة هذا الشعب، نطرح على جميع قوانا الوطنية – القومية أن تساهم في تقريب وجهات النظر السياسية والاقتراب من بعضها بشكل أفضل لتقنع العالم الخارجي بأن الكورد شعب جدير بإدارة نفسه بنفسه دون وصايةٍ من جيرانه أو حتى أقرب حلفائه. وعليه نرى بأن من الضروري وكواجب قومي يقع على كاهل الجميع:
– قطع العلاقة مع نظام الأسد الذي أدخل الشعب السوري برمته في نفقٍ مظلم، بحيث صار جنرالات إيران والروس هم الذين يتحكمون في مصيره ويحددون مساره ويرسمون مستقبله، غير عابئين بما يراق من دماء سورية وبما يصيب هذه البلاد التي كانت مهد الحضارات البشرية من دمار وتشقق وتفتت وضعف على مختلف الصعد. وقطع العلاقة مع هذا النظام تماماً، أي مع مشاريعه التي يطرحها ومبادرات أعوانه وعملائه بين الحين والحين شرط أساسي للإعلان عن استقلالية الحراك السياسي – الثقافي الكوردي برمته.
– تحديد من هو الصديق ومن هو الذي لا يمكن اعتباره صديقاً، سواءً في المعارضة السورية أو بين الدول الإقليمية أو العالم الخارجي، وذلك يشمل تحديد المصالح المشتركة ومعرفة النقاط الأساسية في التعامل مع القوى غير الكوردية على أساس الاحترام المتبادل وبناء الثقة ووضع لبنات العمل المشترك، اليوم ومستقبلاً. فمن هم أصدقاء الشعب الكوردي؟ بل ومن هم أعداؤه؟ 
– وضع أولويات الحراك السياسي – الثقافي الكوردي، فما العمل الذي يجب القيام به الآن أو الاستمرار فيه، قبل الإعداد والاستعداد للعمل التالي، ما برنامجنا الوطني المشترك للمرحلة الحالية والمرحلة التالية؟ وليس البرنامج الحزبي الضيق الآفاق.
– احترام الجميع لتضحيات شبابنا في ساحات الوغى، في أي مكانٍ كانوا وتحت أي لواء عملوا، طالما هم يضحون بحياتهم من أجل قضية شعبهم، ويجب ألا تكون هنا استثناءات، بل دعم وتأييد وحب لهؤلاء الذين يواجهون الموت كل يوم، ومعظمهم غير متحزبين كزعاماتنا وعندما يلتقون ببعضهم فإن عناقهم الحميم يظهر حقيقة مشاعرهم الصادقة وإيمانهم القوي بأخوة السلاح، رجالاً كانوا أم نساءً. إن على الذين يستهترون بالبيشمركه والكريلا، وخاصة بعض الزعامات المتأنقة أن يخجلوا ويعتذروا عما صدرت عنهم من تصاريح مخزية بحق هذا الفصيل المقاتل أو ذاك، فمواقفهم وتصريحاتهم لا تخدم قضية شعبنا وإنما تضر بنا جميعاً.
– التعددية التنظيمية والسياسية والفكرية يجب أن تمارس بحرية من قبل الجميع، ولكن يجب أن تبقى ضمن حدود السياسة الديموقراطية التي لا تسمح لفصيل بالاعتداء على أخر أو لشخصٍ بإهانة آخر بسبب أفكاره ومعتقداته وسياسته، ولا يمكن لتنظيمٍ يزعم أنه “ديموقراطي” أن يلعب دور “قبضايا الحارة” كما في المسلسلات الدمشقية المعروفة. ويجب فتح مجال النضال التنظيمي وفق سياسةٍ معين ومن أجل أهداف محددة لكل المواطنين، ضمن حدود الوفاق القومي الذي له أسس وثوابت لا يجوز المس بها، وفي مقدمتها أن شعبنا الكوردي ذي مميزات قومية خاصةٍ به وأهدافه في نيل حريته والتمتع بالأمن والاستقرار أهداف مشروعة حسب الشرائع السماوية والمواثيق الدولية، وله وحده أن يقرر مصيره بنفسه وليس له وكلاء أو شركاء أو مندوبون عنه، سواء في سوريا أو من خارجها.
– محاربة الإرهاب أصبحت كقميص عثمان، يختفي فيه حتى مؤسسو الإرهاب وداعموه ومساندوه، ولذا من الضروري تحديد الدور الكوردي في هذا المجال، وعدم الخلط بين قيام الكوردي بواجبه الكوني في سبيل القضاء على هذه الآفة التي ترتدي قفطاناً دينياً يرفضه النقل والعقل وبين نضاله المستمر من أجل نيل حقه القومي العادل الذي يتم الاتفاق عليه ضمن الحركة الوطنية الكوردية وليس عن طريق فرض آيديولوجيات “سامية!” عليه وعن طريق تحوير هذا النضال وإفراغه من محتواه الوطني السوري والقومي الكوردستاني. 
– دولياً، وهنا بيت القصيد، لم تعد قضايا الحرية في العالم مجرّد حمل السلاح والقتال في الجبال والغابات حتى يتم انتزاع التأييد على الصعيد الدولي للقضية التي تستحق حمل البندقية، وإنما نحتاج إلى تعرّف العالم الخارجي على جذور مشكلتنا وإقناعه بالاقتراب منها لمساعدتنا في حلها من الأساس وفي العمق، وهذا يتطلب وجود مركز دراسات استراتيجية معترف به من كل التنظيمات يفهم أعضاؤه المختصون والخبراء كل ما يتعلق بالمنظمات الدولية وشؤون المال في عالم الاقتصاد ومصالح الأمم والدول والحكومات ويستطيع التعامل مع المستجدات على الساحة الدولية بحذرٍ وتكيّف دبلوماسي سريعٍ وصحيح، وليس عن طريق سرد الأساطير عن كميات السلاح وكثرة بطاقات الحزبية ودوام الزعامة في التنظيم لعقودٍ من الزمن والارتماء في أحضان الدول التي لا تريد لشعبنا إحراز أي انتصار أو إنجاز أي مصلحة ما. نحن بحاجةٍ إلى سياسيين ودبلوماسيين وخبراء في مختلف المعارف وقادرين على تحقيق ما نصبو إليه من “تجمّع خبراء كورد” في مختلف بلدان العالم المتمدن، حتى لا يراق دماء فتياننا وفتياتنا في سوح الحروب هباءً منثورا وحتى لا يضيع مستقبل أجيالنا القادمة بأيدينا وبسبب ضعف وجهالة قياداتنا الحزبية. 
بالتأكيد هناك ضرورات أخرى، ومنها ما يتعلق ببناء المؤسسات المدنية وتطوير العمل في مجالات حقوق الإنسان والتعليم باللغة الأم والتدريب المهني لمئات الألوف من شبابنا، ومساعدة المهجرين والجرحى والمعاقين جسدياً ونفسياً، ودعم عوائل الشهداء، وتمكين المرأة من لعب دورها الهام جداً في صون العائلة من العوز والفشل وفي مشاركة الرجل في بناء الوطن وتحسين الحياة…. وهذا كله يكاد يكون حتى الآن بسيطاً للغاية لم تقم الحركة السياسية بواجبها من أجله بالشكل المطلوب، في الوقت الذي نشكر كل العاملين في هذه المجالات ويدعمون العمل فيها. 
حتى ينظر إلينا العالم باحترام، لا تكتفي تضحيات المقاتلين ومساهمتهم الجبارة في القتال من أجل الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، وإنما بناء صرح سياسي، دبلوماسي، خبير ومتفاعل مع التطورات الجليلة في عالمنا المتحرّك بسرعة، وهذا لا يمكن أن يقوم به تنظيم واحد أو تديره قيادة واحدة أو تصرف عليه جهة واحدة، فلا بد من عمل مشترك، وخلقٍ عالٍ في التعامل مع مختلف الأطراف، وشعورٍ بأن الأخطاء التي نقع فيها الآن ستجلب الكوارث لشعبنا مستقبلاً… فلنخرج من القواقع التنظيمية الضعيفة إلى رحاب العمل الوطني – القومي المشترك، والذي يبدأ بمد يده للآخرين هو الذي سينال محبة شعبنا قبل غيره بالتأكيد. 
‏29‏ تشرين الأول‏، 2016

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…