المحامي مصطفى أوسو
رغم الملاحظات العديدة على إعلان حركة المجتمع الديمقراطي ( Tev – Dem )، وبعض الأحزاب والحركات والشخصيات الكردية والعربية والسريانية… القريبة من خطها السياسي، في 17 أذار 2016 تطبيق النظام الفيدرالي في المناطق الكردية في سوريا، باسم ( الاتحاد الفيدرالي الديمقراطي في روج أفا – شمال سوريا )، سواء المتعلقة بمضمونها المستوحاة من ما يسمى ” الأمة الديمقراطية “، الفلسفة الغريبة والبعيدة عن الواقع، أو بتوقيتها المتزامن مع بدء جولة جديدة من المفاوضات في جنيف بين المعارضة والنظام، أو التفرد بهذا القرار المصيري بمعزل عن الأطر السياسية والفعاليات المجتمعية الأخرى الكردية والسورية، أو المرتبطة بضرورة ترتيب البيت الداخلي الكردي لمواجهة مختلف أنواع التحديات والأخطار الناجمة عنه،
والتي تعتبر المنظومة المذكورة من أبرز عناصر عدم استقراره وفعاليته، أو لجهة عدم الإعداد والتحضير اللازم له وخلق أرضية إيجابية لتفهمه أو على الأقل التخفيف من المخاوف حوله..، يبقى النظام الاتحادي الفيدرالي، هو الشكل الأنسب لسويا المستقبل، فقد أثبت تطبيقه نجاحاً في الحفاظ على وحدة الدول التي تتميز بالتعددية العرقية والأثنية والدينية…، وتعاني من المشاكل المرتبطة بها، وفي تطورها وتقدمها واستقرارها، باعتباره يقوم على أسس الشراكة الوطنية الحقيقية والفاعلة في الحياة السياسية بصورة ديمقراطية وأنه يكفل الحريات العامة ويصون مبادىء العدل والمساواة بين جميع المواطنين بعيداً عن التفرد في الحكم وحكر السلطات بيد شخص أو مجموعة تنتهك القانون والدستور وتهدر الموارد وتحد من طموح المواطن، وخاصة بعد فشل النظام المركزي الذي ساد منذ تشكل الدولة السورية الحديثة وحتى الآن، في بناء الدولة الوطنية وتعزيز وحدتها الداخلية وحل مشاكلها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية…، لا بل أنه أسس لنموذج شمولي تسلطي، أورث البلاد انهياراً ودماراً في مختلف مجالات الحياة.
نقطة التحول في مناقشة هذا الشكل لسوريا المستقبل من قبل الأحزاب والنخب السياسية السورية، كانت الثورة السورية في منتصف أذار 2011 بشعاراتها الجميلة: ( الحرية، الديمقراطية، الكرامة، العدالة، المساواة،… )، التي لم يستطع النظام تحملها، ليواجهها بالقوة والعنف، ودعم التطرف والإرهاب، وتغذية عوامل الخلاف بين مكونات المجتمع السوري، لمنعها من تحقيق أهدافها، لتضيف مجازر القتل وكوارث الدمار والخراب والتهجير… التي خلفها، جروحاً عميقة في المجتمع السوري المثخن أصلاً بعفن سياسات الأنظمة الحاكمة القائمة على العنصرية القومية والفكر الاستبدادي، وأفرازاتهما من ظلم واضطهاد وتمييز وحرمان من الحقوق والحريات الديمقراطية، وتطبيق القوانين والإجراءات الاستثنائية بحق عموم أبناء الشعب السوري والكرد منهم خاصة، فكان نتاجها المزيد من الاحتقان والتوتر والاستقطاب بين مكونات المجتمع السوري، وبالتالي الخوف والتوجس من الأخر المختلف والانكفاء في مناطق جغرافية منفصلة.
وقد تبنى المجلس الوطني الكردي في سوريا، في مؤتمره الأول 26 تشرين الأول 2011 هذا الشكل لسوريا المستقبل، وفق ما يلي: ( أن إنهاء الأزمة في البلاد يمر من خلال تغيير النظام الاستبدادي الشمولي ببنيته التنظيمية والسياسية والفكرية وتفكيك الدولة الأمنية وبناء دولة علمانية ديمقراطية تعددية برلمانية وعلى أساس اللامركزية السياسية.. ).
وفي 22 – 23 تشرين الثاني 2012 اتفق المجلس الوطني الكردي ومجلس الشعب لغربي كردستان، على الرؤية المشتركة، التي تؤكد على ما سبق، كما يلي: ( سوريا دولة اتحادية تعددية ديمقراطية برلمانية متعددة القوميات، مما يستوجب إعادة بناء الدولة وفق النظام الاتحادي الفيدرالي بما يضمن حقوق جميع المكونات، واعتبار الكورد قومية ذات وحدة جغرافية سياسية متكاملة في مجال حل قضيتهم القومية والإقرار الدستوري بالحقوق القومية المشروعة للشعب الكوردي في سوريا وفق العهود والمواثيق الدولية ).
وبالعودة إلى موضوع الإعلان المذكور وردود الفعل الداخلية السورية المختلفة عليه، معارضةً ونظاماً، والتي أجمعت على رفض فكرة الفيدرالية بالأساس واعتبارها مساساً بوحدة سوريا وسيادتها وسلامة أراضيها، وصلت في بعضها إلى حد التهديد بمحاربة كل من يدعو لها. وإذا كنا لم نتفاجأ من موقف النظام في تعاطيه مع هذا الموضوع، بالاستناد لسياساته وممارساته خلال طوال فترة حكمه، وفي كون فلسفته وايديولوجيته تقومان على أساس نفي الأخر المختلف وعدم الاعتراف به، إلا أن الغريب هو هذا الموقف المشابه من قبل قوى المعارضة السورية المختلفة، ما يؤكد وحدة المنطلقات والايديولوجيات لدى الطرفين، فالمخاوف من التعددية والديمقراطية تصدر عن تلك القوى التي لا تؤمن بالرأي الأخر والحوار ومبدأ التعايش السلمي ونبذ جميع أشكال التمييز…، والمعارضة السورية، هي أصلاً نتاج سنوات طويلة من الاستبداد ومصادرة الرأي الأخر. وقد فشلت حتى الآن في صياغة وبلورة مشروع وطني لمستقبل سوريا، يلبي طموحات وتطلعات مكونات الشعب السوري ويخلق لديهم الشعور بالطمأنينة بغد أفضل، كما يجب أن لا ننسى أيضا أنها نتاج تأثير وتدخل قوى إقليمية قائمة على الاضطهاد القومي والسياسي، ولا ترغب في ظهور أية حالة من التوازن السليم بين مكونات الدولة الواحدة.
والسؤال الكبير الذي يطرحه الشارع الكردي، مالذي سيفعله المجلس الوطني الكردي في سوريا، بعد البيانات الرافظة للفيدرالية من قبل جميع الأطراف السورية، وهي الفكرة التي ولدت من رحمه وتشكل حجر الأساس في سياساته وبرامجه، وهل سيكتفي بالقول: أنها علاقة دستورية، يتم تنظيمها وإدارتها دستورياً، وأنه سينتظر حتى يتم تثبيتها في الدستور الجديد لسوريا؟ علماً أن أقرب النماذج الفيدرالية في هذا المجال، هي التجربة العراقية، فقد أعلن البرلمان الكردستاني في إقليم كردستان عن الفيدرالية في 4 تشرين الأول 1992 ولم يتم تثبيتها دستورياً إلا عام 2005 أم ترى أنه سيقول: أن هذه المسألة تتعلق بالسيادة الوطنية، التي يجب أن يتم استفتاء الشعب السوري حولها؟ التصريحات والبيانات الصادرة حتى الآن بهذا الخصوص عن المجلس الوطني الكردي، غير مقنعة، ولا تقدم الأجوبة الكافية على المواقف الرافضة للفيدرالية، وأن استمرار ذلك سوف لن يؤدي إلا إلى المزيد من ضعفه وفقدانه قاعدته الجماهيرية.
لابد في الختام من التأكيد، على أن الفيدرالية، هي الاتحاد الاختياري / الطوعي، في إطار الدولة الواحدة، وغالباً ما يتم ذلك بين مكونات متمايزة عن بعضها، قومياً، دينياً، ثقافياً…، وهي تطبيق قانوني لميثاق الأمم المتحدة فيما يتعلق بحق الشعوب في تقرير مصيرها. ومن هنا لابد في هذه المرحلة المصيرية التي تمر بها سوريا خصوصاً ومنطقة الشرق الأوسط عموماً، من ترتيب البيت الداخلي الكردي وتجاوز خلافاته الثانوية وتوحيد رؤيته السياسية لمستقبل سوريا وحل القضية الكردية فيها، استعداداً لمواجهة كافة الاحتمالات التي تواجه الكرد وقضيتهم القومية.