هكذا اعتصمنا أمام السفارة التركية في دمشق

فائق يوسف
fayq87@gmail.com
كانت العلاقات بين نظام الأسد و تركيا، في ذروتها،  حينما كنا نجلس أنا و أصدقائي هوزان محمد وهو يقيم في فرنسا حاليا و فهد داؤود في منزلي في منطقة المزة جبل في دمشق، نتناقش مستجدات اعتداءات الجندرمة التركية على المواطنين الكرد العزّل في كردستان تركيا، لنتفق على أن ننظم اعتصاماً أمام السفارة التركية وهو ما أتممناه أنا و فهد، بينما هوزان ونظراً لظروف عمله في حلب لم يتمكن من المزيد من التنسيق معنا.
ناقشنا الأمر مع بعض الزملاء الطلبة في جامعة دمشق و قد لقيت الفكرة ترحيباً، لذلك قمت بإصدار نص بيان و دعوة للمشاركة في الاعتصام أمام القنصلية التركية يوم 10 نيسان 2006 تحت توقيع “مجموعة من الطلبة الكرد في جامعة دمشق” ، إلا أن بعض المواقع نشرته باسم “الطلبة الكرد في جامعة دمشق” وهو ما أثار حفيظة بعض الطلبة المنتسبين لبعض الأحزاب الكردية، رغم توجيهنا دعوات مسبقة إليهم لمناقشة الفكرة وسبل المشاركة، إلا أننا لم نتلق منهم جواباً، وهو ما سأتطرق إليه لاحقاً في مقالي.
ما زاد من حماسنا على الإقدام على هذه الخطوة، هو دخول المدرعات والدبابات التركية إلى داخل المدن و اعتداء الجندرمة على طفل كردي كان يراقب المشهد من فوق سطح منزله، ليكون ضحية لأحقاد دفينة للعسكرتارية التركية.
 
أول نشاط من هذا القبيل منذ تأسيس الحركة الكردية في 1957
بينما كنا نجري التحضيرات المبدئية للاعتصام، كانت قيادة تيار المستقبل الكردي تعقد اجتماعاً تحضيرياً آخر للاعتصام أمام القنصلية التركية في حلب، وإذ بـ عميد الشهداء مشعل التمو يتواصل معي هاتفياً ويؤكد لي دعم التيار لنشاطنا، ومن ثم طلب مني التواصل مع زميلته في التيار “هرفين أوسي” التي كانت حاضرة معهم في الاجتماع.
ما أن بدأنا بالكلام حتى قالت لي أوسي: ذكرنا في اجتماعانا الآن بأن نشاطكم هذا هو أول نشاط من نوعه في تاريخ الحركة الكردية السورية منذ تأسيسها في العام 1957، حيث لم يسبق لأي حزب كردي في سوريا ان اعتصم أمام أية سفارة في دمشق.
 
اعتراض حزبي يكيتي و آزادي على نشاطنا
ما أن دخلنا مرحلة الحسم أي قبيل الاعتصام بيومين، حتى تلقينا اتصالاً من ممثلي المنظمات الطلابية لحزبي يكيتي و آزادي الكردي في دمشق، وطلبوا منا إلغاء الاعتصام، أو أنهم سينشرون بياناً يتبرؤون فيه منا، على اعتبار أنهم الأحزاب الوحيدة التي تنشط ضد النظام السوري، و على اعتبار الصلات القوية التي تربط نظام الأسد بنظيره أردوغان ستشكل خطراً علينا..!؟.
عاملونا بقسوة، وبأنهم سيدفعون الطلبة إلى عدم المشاركة معنا، وهو ما تم فعلاً، لكنهم وبموجب اتصال تلقاه ممثل حزب يكيتي من حزبه أكد لنا بأنهم لن ينشروا بيانهم ذاك الذي أشرت إليه مسبقاً.
لم نهتم بالأمر، ورحنا نتابع ما خططنا له، حيث أننا وضعنا نصب أعيننا بأننا سنكون في صدام مباشر مع النظام الأسدي الإجرامي.
خوندكار كلش و آخرون كانوا من أعضاء حزب يكيتي من المتضامنين معنا، ومن الأوائل ممن حضروا مكان الاعتصام، و هويحمل بطاقته  التي تبين أنه من عداد”مكتومي القيد”، على اعتبار أن أسرته من الأسر الكردية الكثيرة في سوريا التي جردت من جنسيتها السورية.
كما كان من المقرر حضور أعضاء من حزب يكيتي من قامشلو الى دمشق بوساطة سيارات خاصة، إلا أنه لم يأت من قامشلوإلا سيبان زبير عضويكيتي الذي شارك بقرار شخصي منه، ومعه شقيقي كرم يوسف ال “مستقل”.
 
كتاب ينقدون سلبية الأحزاب:
الكاتب الكردي مصطفى إسماعيل نشر مقالاً بتاريخ 17/04/2016 تحت عنوان ” لماذا ينسحب الكرد من الاهتمام بالشأن العام ؟.” في موقع الحوار المتمدن تحدث فيه عن دور الأحزاب الكردية وتطرق للحديث عن نشاطنا:
” وفاقاً لذلك لاحظنا في الفترة القليلة الماضية أنّ الهوة بين الأحزاب والمجتمع الكردي بدأت تتسع, فحيث يحضر الحزب الكردي يغيب الشعب الكردي.. والعكس بالعكس, والشاهدان الأبلغ دلالة على ذلك ما حدث في ليلة نوروز, واعتصام الطلبة الكرد أمام السفارة التركية في دمشق احتجاجاً على دموية العسكريتاريا التركية في شمالي كردستان. حيث تواجد الشعب الكردي فيما سجل الحزب الكردي غياباً ملفتاً يبدو أنه يدخر طاقاته الجبارة لأيام أخرى, ولكي تبرر غيابها في دفتر تفقد الاعتصام قام بقمع الطلبة قبل قوات حفظ النظام والأمن عبر حجج عابرة ومضحكة مثل : الظروف لا تسمح ووضع سورية خطير ولا يحتمل.. إلخ هذه الأسطوانة المهترئة والبالية والسقيمة, ولكنها سرعان ما تكثف وجودها الأبوي الراعي عبر بيانات تلي كل حدث فوت أن ينتهي وتندد وتشجب وتستنكر وليس من أمرها غير ذلك.”
 
ليلة 9 نيسان 2006
نظراً للمضايقات الأولية من الحزبين الكرديين، وعدم توافر الإنترنت لدى معظم الطلبة الجامعيين،  قمت بطبع نسخ من الدعوة للاعتصام وخبأتها تحت قميصي وتوجهت بداية الى سكن الشباب الجامعي المعروف بـ “الطبالة”، ووزعت نسخاً منه على كل غرف الطلبة الكرد بعد إرشادي من قبل بعض المقيمين إلى غرفهم.
ومن ثم توجهت الى المدينة الجامعية في المزّة، لأجد أعداداً كثيفة من رجال الأمن على أبوب السكن الجامعي. إلا أنني قد دخلت السكن من خلال القفز من فوق أحد جدرانه،  لأقوم بتوزيع ما تبقى من أوراق الدعوة.
الاثنين  10 نيسان 2006 – الساعة 10 صباحاً
لم يتوافر لدينا ما يكفينا من المال –خاصة ونحن طلبة جامعيوين- لشراء الكراتين و إعداد اللافتات، فقمنا في صبيحة ذلك اليوم- الاثنين- بحسب ما كان توافر لدينا من مال، بشراء بعض الكراتين وأقلام التخطيط وقام زميلنا “إياد حسين” بتدوين بعض العبارات التي اتفقنا عليها، وتوجهنا صوب مقر السفارة التركية.
كان الآلاف من رجال الأمن قد أحاطوا السفارة التركية في منطقة أبي رمانة بدءًا مما كان يسمى ب جسر الرئيس وحتى الجسر الأبيض.
قوات الأمن والمخابرات السورية،  منهم من كان يرتدي زي الجيش، وكان  غالبيتهم بالزي المدني، أعاقوا وصول شبابنا وقاموا باعتقال بعض الشباب لساعات ومن ثم مصادرة هويات و وثائق البعض الآخرين.
 
فضائية Roj  والوسائل الاعلامية ودورها في متابعة النشاط:
كان التنسيق قد تم مع بعض القنوات التركية المعارضة،  و مع قناة العالم الإخبارية وكذلك مع أحد كوادر قناة العربية،  إذ حضر منهم مراسلو القنوات التركية الذين كانوا ينتظرون منا الإيعاز للتصوير دون أن نعرفهم، وكان التنسيق معهم من خلال أحد الأصدقاء”……” هوصحفي في داخل سوريا الآن، بينما العربية والعالم كان مراسلوها ينتظرون اتصالنا لإعلامهم ببدء النشاط لتغطية الحدث.
كذلك أعلنت فضائية ” روج ” وبعد تلقيها نسخهتا من بيان الدعوة عن تضامنها وتضامن حزب الاتحاد الديمقراطي PYD (والذي كان قد مضى حوالي 3 أعوام على تأسيسه ) مع النشاط وظلت على تواصل، غيرأن ممثلي الحزب في الداخل كان لهم رأي آخر، مواجه للنشاط، إذ حضر اثنان أو ثلاثة من مناصري الحزب النشاط وأبلغونا بأن حزبهم لم يسمح لهم بحضور النشاط، وثمة زميل صحفي في الإمارات كان عضواً وقيادياً للطلبة في حزب الاتحاد الديمقراطي وهوعلى اطلاع بما دار وراء الكواليس لدى أنصارالحزب، وقد حدثني عن بعض الخفايا التي جرت في حزبه الذي تركه الآن..
وهذا ما نقلناه لكادر فضائية ” روج ” وتحديداً للإعلامي نواف خليل، والذي اقترح و على الفور بالمشاركة في نشرة الأخبار في ذلك اليوم،  ونقل الواقع، فقام شقيقي كرم يوسف باسم “ريكار قرطميني” بنقل الحدث كما وجه النقد لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD  من خلال الفضائية، وهو ما حدث لأول مرة على هذه الفضائية، وكان الإعلامي نواف وبقية الطاقم مرتاحين من مداخلة كرم، ورأوها صائبة وضرورية.
وقمت بدوري بصياغة بيان حول ما تم، وكنا آنذاك في شركة “خوندكار كلش” لخياطة الألبسة في منطقة ركن الدين.
من المواقع التي اهتمت بالنشاط، موقع إيلاف ووكالة آكي الإيطالية وكذلك موقع كسكه سور الذي كنت أديره مع أخي كرم و بعض أفراد أسرتي “حيث سأخصص مادة في القريب عن هذا الموقع والذي يعد أول موقع كردي شامل صُمم وأطلق  داخل سوريا.”، كذلك موقع روج آفا و كردستانا بن ختي.
كما تضامنت معنا منظمة طلبة كردستان سوريا و كذلك منظمة ماف لحقوق الانسان في سوريا والتي كانت تسمى آنذاك “لجنة حقوق الإنسان الكردي في سوريا- ماف” مع النشاط وأصدرت بياناً تضامنيا بذلك.
 
معارضون آزرونا:
لمجرد تواصلنا مع المحامي أنور البني وإبلاغنا إياه عن عزمنا على الإقدام على مثل هذا النشاط، حتى أعلن تضامنه الكامل معنا، وأعلمنا بأنه مستعد لمتابعة قضية أي شخص قد يتعرض للاعتقال أو المضايقات.
روابط في ذاكرة محرك البحث جوجل:
بيـان ودعوة الى اعتصام سلمي أمام السفارة التركية بدمشق 
منع اعتصام أمام السفارة التركية بدمشق
– منع اعتصام أمام السفارة التركية بدمشق :
فك اعتصام طلابي سلمي أمام السفارة التركية بدمشق
بيان: منظمة طلبة كردستان سوريا
ماف تتضامن مع اعتصام مجموعة من الطلبة الكردالمستقلين أمام السفارة التركية
مقال ل مصطفى اسماعيل

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…