فرمان بونجق
بقدر ما تسعدني الكتابة عن صديق ، بقدر ماأشعر بالضيق لذات السبب ، ومردُّ ذلك إلى خشيتي ألاّ أَفيَ هذا الصديق بعضاً من استحقاقاته ، وخاصة عندما يكون هذا الصديق المعني بالكتابة عنه ، يتمتع بقامة مرتفعة في مجال العمل على إحاطةِ القضايا الثقافية والفكرية ذي المنحى الفلسفي ، أو ذي الطبيعة الجدلية ، التي لايمكن للناقد إلا أن يتناولها بحذر ، ومن زوايا مختلفة ومتعددة ، فهي بطبيعتها ــ أي هذه النتاجات ــ تقبل القراءة من أوجه مختلفة ، دون أن يمْسَسْها سوء ، أوتشويه ، فهي مُنتَجةٌ على هذا الأساس ، حيث تتمتع بالتماسك والمرونة والقوة في آن معاً
وهنا لا يعتريني أدنى شك ـ بعد أن اطّلعت على العديد من مؤلفاته ـ بأن القدرات الابداعية ، وعلى وجه الخصوص ، أو على وجه الدقّة ، فيما يتعلق بالدراسات والأبحاث التي تتناول أو تتمحور حول بنية المجتمع الكوردي ــ الكوردستاني ــ أولاً ، ومن ثم الشرق الأوسطي ، والعمل على مدارات أوسع في أحيان أخرى ، بأن الكاتب والمفكر الكوردي الذاهب ــ وبقوّة ــ نحو العالمية ، إبراهيم محمود ، وبثقة عالية بالذات استناداً على منجزهِ ، قد قطع شوطاً كبيراً في مسألة توطين الثقافة ، وتوظيفها ، عبر السيطرة على مقاليدها ، وبأجناسها المختلفة ، وأعني هنا ما أقول .
ولكن .. ولكي أكون منصفاً ، أو دقيقاً ، إن شئت ، فقد استفزني الصديق ابراهيم محمود في مناسبات عديدة ، كانت بداياتها عبر جلساتنا الثقافية في منتدى الصديق لوند داليني ، وبعدئذٍ عبر بعضٍ من محاضراته ، ولكنه استفزّني بقوة إلى درجة المداهمة ، إبّان المعرض الدولي للكتاب في العاصمة هولير مؤخراً ، حين صدرت له تسعة كتب دفعة واحدة ، منها ماهو إعادة طبع ، ومنها ما طُبِعَ للمرة الأولى ، حيث زخرت دور النشر بها ، وكاد أن يكون ابراهيم محمود ــ ومن خلال كتبه ــ الأكثر حضوراً وتألقاً في الوسط الثقافي ، على الرغم من الجحود الإعلامي الحاضر بقوة في أرجاء المكان ، إزاء هذا المثقف الكوردي الكبير. وهذه أيضاً تُحسبُ له لا عليه ، إنْ أظهرنا بعض الموضوعية .
وباعتقادي ــ وأكاد أن أكون جازماً في هذا الاعتقاد ــ أن مجرّد الحديث عن هذه الإصدارات التسعة ، يفتح الباب واسعاً حول غزارة المُنتج الثقافي والفكري للكاتب المعني بالحديث في هذه اللحظة ، فقد أنجز مائة كتاب أو يزيد ، ناهيك عن آلاف المقالات والدراسات والمحاضرات والأمسيات ، وهذا يصنّفه ضمن خانة الكتّاب الأكثر غزارة ، محلياً وإقليمياً ودولياً ، دون الانحياز لمسألة الكم على حساب الكيف ، وهذه المعادلة تؤكد ذاتها عبر تصفح مؤلفاته المائة ، أو حتى بالاستماع إلى شهادات أساتذة النقد الذين استمعتُ إلى بعضهم مؤخراً.
المشروع القادم للكاتب إبراهيم محمود ، والذي يَسِمُهُ هو نفسه بمشروع العمر ، سيكون مفاجأة سارّة للمهتمين بالشأن الثقافي على امتداد الشرق الأوسط ، وربما أبعد ، إذ يعكف الكاتب هذه الأيام على إنجاز كتاب قيّم قدْ يتجاوز ثلاثة آلاف صفحة ، وهو ــ أي الكتاب ــ يبحث في قضايا إجتماعية وثقافية وسياسية بنيوية ، يتمحور حول البيئة الكوردستانية ماضياً وراهنا .