صلاح بدرالدين
ليس هناك من الاحياء في كل سوريا من العرب، والكرد، والمكونات الأخرى القومية، والدينية، والمذهبية، من هو مسؤول عن رسم حدود الدولة السورية الراهنة، او حارب من اجل فصل سوريا عن الإمبراطورية العثمانية، أو وقع على اتفاقية سايكس – بيكو، او وافق على ضم لواء الاسكندرون لتركيا، او شارك في تقسيم كردستان التاريخية،وتوزيعها على دول اربع بينها الدولة السورية ، او شارك في صياغة اول دستور يستبعد ذكر، وحقوق جميع المكونات الأخرى ماعدا المكون العربي الرئيسي أو أو .
وليس هناك من الاحياء الكرد من جيلنا، ومن الجيل الذي من بعدنا، اندمج طوعا في المجتمع الجديد مابعد الانسلاخ عن الجسم الكردستاني الاوسع، فقد ولدنا ككرد سوريين على خطى الإباء، وجيل الرواد الأوائل، الذين ارتضوا بالواقع الجديد الذي فرض على الجميع، ثم انبثقت الحركة السياسية الكردية مابعد – خويبون – كتعبير عن خصوصية الكرد السوريين، وتجسيد الهوية الجديدة، وتعريفها، ومحاولة نيل استحقاقاتها، منطلقة من مبدأ العيش المشترك مع العرب السوريين، والمكونات الأخرى، تحت سقف الموطن الجديد .
ماسبق ذكره، والتاكيد عليه بمثابة توضيح لاصحاب توجهات خاطئة، يخلطون بين تيارات شوفينية بالقومية السائدة، وبين العرب السوريين كشعب، ويحاولون مساءلة الحركة الكردية في بدايات ظهورها، وتجريمها لانها نادت في أدبياتها السياسية بالاخوة، والصداقة والعيش المشترك بسلام بين الكرد والعرب، ويزعمون ان المواقف تلك لم تجلب سوى الالام، والظلم، والمعاناة للكرد، ولكن ماذا لو رفض الكرد السورييون حينذاك قرارات الإرادة الدولية، والحلفاء المنتصرين، وحملوا العصي والسكاكين لمحاربة أقوى جيوش العالم، فماذا كان سيحل بهم ؟ اغلب الظن لم نكن لنجد اليوم وجودا قوميا كرديا، ومثل هذه النتائج الكارثية حصلت لقوميات عديدة في منطقتنا، وفي العالم .
يتناسى هؤلاء حقائق، ووقائع التاريخ، الذي أسسه ووضع نتائجه الأقوياء، فقد وجد الكرد في الأجزاء الأربعة انفسهم بقدرة الإرادة الدولية التي لم يعلى عليها شيئا ضمن اطر دول قومية ( تركية – فارسية – عربية ) وهم كانوا الضلع الأضعف لاسباب ذاتية وموضوعية معروفة ، باشد الحاجة لقبولهم مواطنين مع الاحتفاظ بخصوصيتهم القومية ان امكن، ومن الطبيعي جدا ان يبدي الكرد في كل مكان عن حسن نواياهم، بعد الإخفاقات التي منيت بها انتفاضاتهم، وثوراتهم، ورغبتهم بالعيش بسلام، وامان، متآخين، ولذلك ناضلت حركاتهم السياسية بغالبيتها من نفس تلك المنطلقات، وبالوسائل السياسية السلمية، وبعضها بالمقاومة المسلحة والدفاع عن النفس، حتى يثبت وجوده التاريخي عبر الحوار، والاقناع، ومن ثم يطالب بالحقوق، في مجرى النضال الوطني الديموقراطي العام .
لقد حيكت العشرات من المؤامرات، ووضعت مثلها من المخططات، من جانب الأوساط الشوفينية الحاكمة، وأجهزتها القمعية العنصرية من اجل توريط الحركة الكردية، ومناضليها في قضايا يمكن ان تصبح ذريعة لاستخدام العنف الى درجات الإبادة، وقد علمنا في الستينات انه في احدى اجتماعات القيادة البعثية بدمشق اقترح احد العسكريين المغامرين خيار إبادة الكرد في منطقة الجزيرة، ونفذ البعث السوري بعضا من توجهاته العنصرية عندما هبوا لنجدة رفاقهم – بعث العراق – وارسلوا جيشهم لمحاربة الثورة في كردستان العراق، كما ان جميع الاحكام الصادرة بحق المناضلين الكرد في المحاكم العسكرية، ومحكمة امن الدولة العليا، كانت تتضمن اتهامات ” باقتطاع جزء من سوريا “، ” تشكيل خطر على الامن القومي “، وهي كلها تدور في خانة العداء المبيت للانقضاض .
من الممكن والجائز ان يخطئ رواد الحركة السياسية الكردية الأوائل في العديد من المسائل، ولكنهم اصابوا في مسألة التقارب مع العرب السوريين، والتحاور من منطلق المصير المشترك في الوطن الواحد، ولم يقبلوا يوما ان يندمج شعبهم على حساب تاريخهم، وثقافتهم، وخصوصيتهم القومية، والى جانب ذلك تمسك القسم الأكبر بخيار حل القضية الكردية في اطار حق تقرير المصير ضممن سوريا ديموقراطية موحدة ( الاتحاد الشعبي الكردي ) مثالا .
من حسن الحظ لايشكل هؤلاء الناقمون، العدمييون، الانعزالييون، قطاعا، او تيارا سياسيا حتى، بل مجرد أفراد خارج الوطن، تنقصهم الحجة، والفكر التنويري السليم، وبالرغم من ذلك من الواجب تفنيد مزاعمهم، فاذا كان هؤلاء واثقون من اطروحاتهم المشككة بحقيقة التعايش السلمي الكردي العربي، والرافضة لدعوات التاخي، والصداقة، والمتجاهلة للانتماء الوطني للكرد السوريين، فماذا ينتظرون ؟ فليعلنوا عن ماهو في مخيلتهم، وليصارحونا علنا انهم بصدد اعلان دولة مستقلة، وليحددوا جغرافيتها، ويحافظوا على حدودها ويعلمونا عن نوعية الأسلحة التي بحوذتهم تضاهي أسلحة الدول، وليحددوا شروط المواطنة في ظل دولتهم، نحن نعلم، وهم يعلمون ان مايدعونه مجرد كلام، ولكن الخشية ان تحسب مغالطاتهم على الكرد، وسببا في تجييش جماعات شوفينية بالسلطة وخارجها، وذريعة لتنفيذ مخططات عدوانية تجاه شعبنا .
نحن الكرد السورييون كشعب له خصوصيته القومية، والثقافية، شركاء كل السوريين في وطننا من العرب، والتركمان، والمسلمين، والمسيحيين، وسائر الطوائف، والمذاهب، سنناضل كما في العقود الماضية جنبا الى جنب من اجل تحقيق اهدافنا المشتركة، في إزالة الاستبداد، وتحقيق التغيير الديموقراطي، وإرساء النظام السياسي العادل، وحل القضية الكردية حسب إرادة الكرد، وبالتوافق الوطني، والعيش معا بسلام وامان في سوريا جديدة تعددية، تشاركية .
اما الذين لهم مواقف أخرى، او اجندة خاصة، من الكرد، فليطرحوا مافي جعبتهم للرأي العام، ولا يكتفوا فقط بالاعتراض من اجل الاعتراض فقط، او المزايدة الرخيصة على الوطنيين الشرفاء، وممارسة الغوغاء، ونشر اقوال ومصطلحات – شعبوية – جوفاء من دون أي مضمون فكري ثقافي، ثم عليهم ان لايخلطوا الأوراق، وان يتحلوا بالشجاعة ولو لمرة واحدة، ويميزوا بين نهج الحركة الكردية الاصيلة، والوطنيين الشرفاء في مسألة الانتماء الوطني، والتوازن بينه وبين الانتماء القومي، وبين أدعياء ( الامة الديموقراطية )، و ( اخوة الشعوب ) على حساب الانتماء القومي، واستخدام الشعارات لالهاء، وتضليل الرأي العام .
والقضية تحتاج الى النقاش