بيوار ابراهيم
كلما اهتديت الى كتاب في الفكر أو التاريخ أو الأدب أعتبره صديق جديد ينير لي الدروب المظلمة ليروي عطشي للمعرفة التي لا تعرف الارتواء. لكن، دائماً هناك شيء ما ينخر في بواطن البعض من الكتب التي لها صلة بكل شيء إلا أن يكون كتاباً، مثلاً أن يكون بوقاً ينفخ في ساحات الزيف و الأكاذيب و الاشاعات المصنعة تاريخياً وفكرياً و أدبياً و إعلامياً.
الكتاب الذي لن يكون صديقاً إلا لأعداء الشعب الكوردي عامة و الشعب الكوردي في سوريا خاصة هو كتاب (منطقة آشيتا دراسة اجتماعية، ثقافية، سياسية) بقلم السيد علي شمدين عضو المكتب السياسي للحزب التقدمي الديمقراطي الكوردي في سوريا و الذي يزيد من نيران الحقد الكوردي للكوردي الذي يساهم في حرق أكبر مساحة ممكنة من حقول التسامح و الألفة بين أبناء الشعب الواحد.
هذا الكتاب الذي يحمل الكثير من التناقضات و المغالطات و الزيف التاريخي من الغلاف الى الغلاف و يجهر كنور الشمس في وضح النهار تواطئه مع الأقلام الشوفينية أمثال محمد جمال باروت و مهند الكاطع و محمد السموري و الخ…، و ما أكثر من هؤلاء المندسين من قبل الأنظمة الشوفينية التي تتكالب على مرأى الجميع و تطرح مشاريع مستبدة للتغيير الجغرافي و الديمغرافي لكل بقعة من كوردستان عامة و كورستان سورية خاصة.
التناقض المهم و الأهم من كل المغالطات التاريخية المزيفة التي وردت في كتاب ” منطقة أشيتا” هو بضعة كلمات ورد في صفحة الإهداء تكريماً لأبناء منطقته قائلاً : (تكريماً لأبناء هذه المنطقة الذين مازالوا متشبثين بترابها بأظافرهم رغم أساليب القهر و الجوع و الحرمان، و يجاهدون دون يأس من أجل إيقاف ألة التعريب و إجهاض مشاريع التغيير الديمغرافي، التي تستهدف كل الملامح القومية لهذه المنطقة و المناطق الكوردية الأخرى في سوريا.” 1″ )
لكنه ينسى نفسه و ما كتب في الإهداء و يعود ليكتب في مدخل كتابه مايلي: (مما زاد الطين بلة هو انتقال حاجو آغا الى منطقة الجراح و استقراره في تربسبية ليصبح فيما بعد جزءاً من المشاكل القائمة بين فرنسا و تركيا، و بالتالي لتكون المنطقة ميداناً للصراع بين هذه الأطراف، فإنقسم الكورد بين طرفي الصراع، حتى أنه أشيع بأن حاجو طلب من العشائر الكوردية في المنطقة التعاون معه لمواجهة المكون العربي، و العمل على إجتثاثه – أي العرب_منها، إلا إن العشائر الكوردية الأصيلة في المنطقة رفضت ذلك بحجة إن إحدى قدمي حاجو هنا تحت الخط و الأخرى فوق الخط..”2″)
ثم يقول في موضع آخر من الكتاب: (بدأت المشكلة تتفاقم اكثر عندما اعتبر الشوفينيون العرب- و بشكل متعمد- تاريخ قدوم حاجو الى تحت الخط و استقراره في الجزيرة، بداية للهجرة الكوردية إليها و صاروا يأخذون هذا التاريخ دليلاً للتأكيد بأن الكورد حديثوا الوجود في الجزيرة و طارئون عليها..”3″)
و في مدخل الكتاب ينتقد الكاتب أحد زملائه الأكاديميين الكورد و هو د.ازاد علي لأنه ساعد الباحث الشوفيني محمد جمال باروت في إعداد و إخراج كتاب “التكون التاريخي الحديث للجزيرة السورية” لكنه ينسى إنتقاده لزميله في مدخل كتابه و في الوقت ذاته يتبنى كتاب “التكون التاريخي الحديث للجزيرة السورية” مرجعاً رئيسياً و أساسياً له في الكثير من الأحداث التاريخية و تحديداً المتعلقة بعشيرة هفيركان و الزعيم حاجو آغا.
هنا لا بد من القول إن التلال الكوردية و الوثائق و الشواهد و الأدلة التاريخية تثبت الوجود الكوردي في منطقة مزوبوتاميا او بلاد ما بين النهرين منذ أقدم الحضارات و لا داعي للسيد علي شمدين و أمثاله أن يسنوا و يشحذوا أقلامهم لتشويه صورة و مسيرة نضال زعيم كوردي بقامة حاجو آغا بحجة وصوله الى الجزيرة و الاستقرار فيها.
هناك بعض الكتبة يشبهون أي شيء إلا أن يكونوا من أصحاب القلم و منهم السيد علي شمدين يتهمون حاجو آغا بالتواطئ مع الحكومة التركية و بأن هذه الحكومة طلبت من حاجو آغا إزالة الكرسي من تحت قدمي الشيخ سعيد بيران أثناء إعدامه إثر فشل الثورة عام 1925. ما دمتم تتهمون هذا المناضل بمثل هذه التهمة المجرمة بحقه أولاً و بحق مسيرته النضالية للدفاع عن حقوق الشعب الكوردي ومطالبته بحكم ذاتي لهذا الشعب ثانياً. لو كان متحداً مع الحكومة التركية لماذا لجأ الى الجزيرة السورية و استقر مع عائلته هناك؟ لماذا لا تسألون ضمائركم الحاقدة، لماذا لم يرجع حاجو أغا الى تركيا كما فعل الدكتور شكري سكبان و خدم كمال أتاتورك الى آخر عمره؟
بالتأكيد لايوجد اي رابط بين الوجود الكوردي في سوريا و بين لجوء حاجو آغا و رجاله الى كوردستان سوريا لأن الحضارات القديمة وحدها شاهدة على هذا الوجود، لكن الشيء الذي يحاول الكاتب التهرب منه هو إن لجوء حاجو آغا كان الأساس الأول و المتين لنشر الوعي القومي في كوردستان سوريا و من بعد استقراره في سوريا لجأ إليه النخبة المثقفة التي أسست جمعية خويبون و على رأسهم أمراء جزيرة بوتان و آل جميل باشا و د.نافذ بك و زازا و د.نورالدين زازا و أبدع الأمير جلادت بدرخان في وضع حجر الأساس للغة الكوردية الأبجدية اللاتينية بين أزقة تربسبية و بيادرها و ما زالت الصخرة التي كان يستند إليها( صخرة جلادت بك) شاهداً على ولادة هذه الحروف التي أغنت لغتنا و ميزتنا عن أعدائنا من كافة الجهات.
يسخط السيد علي شمدين و يصرخ في وسط كتابه لأن حاجو آغا استطاع احتواء ابناء المنطقة عبر سياسته النضالية في مطالبة حقوق الكورد على كافة المستويات. و لا يتوقف سخطه بل يلوم الزعيم حاجو آغا على ذلك النضال قائلاً: ( رغم أن حاجو آغا عرف كزعيم عشائري استطاع أن يدخل صفحات تاريخ الشعب الكوردي في سوريا كقائد قومي يدعو الى تشكيل كيان كوردي في الجزيرة إلا إنه في النتيجة ليس فقط لم يتحقق هذا الحلم و حسب، إنما رتبت على الكورد فيما بعد ضريبة قاسية دفعوها غالياً على يد الشوفينين الذين استخدموا أفعاله و دوره سيفاً على رقاب الكورد السوريين و اختصروا الوجود الكوردي في سوريا بتاريخ وصول حاجو الى الجزيرة أي عام 1926 “4” ).
ثم يذكر آنفاً مقتبساً جملاً من إحدى مقالاتي عن الزعيم حاجو : ( نقل عن حاجو قوله الداعي الى تطهير المنطقة من العرب، لو تعاونت معي العشائر الكوردية و مدت إلي يد المساعدة لطردت من المنطقة كل من يقول خبز ” 5″)
و هنا كأن السيد علي شمدين يقدم جميع التبريرات على طبق من ذهب إن كان عن قصد أو بدون قصد التي يحتاجها أدهى الشوفينين العرب لتبرير عدائهم للشعب الكوردي و
يحاول أن يحرض عامة العرب ضدي و ضد كل من يعارض السياسة الشوفينية للحكومات العربية التي يعامل بها الشعب الكوردي و خاصة في كل من سوريا و العراق و لا يريد أن يذكر ما فعلته و تفعله هاتين الحكومتين حتى اللحظة من ظلم و استبداد بحق شعبنا.
قبل مجيء حاجو آغا الى كوردستان سوريا كانت العشائر العربية تغزو القرى الكوردية في وضح النهار و تأخذ منهم الأتاوات بالقوة ولا شك أن أجداد السيد علي شمدين قصوا عليه تلك الأحداث. لكن، بعد أن جاء حاجو آغا و شاهد سيطرة العشائر العربية و بطشهم و إذلالهم للكورد ثار ضدهم و طلب من العشائر الكوردية مساندته لوقف الهجوم على كل قرية كوردية و لولا محاربته لتلك العشائر العربية التي كانت تهاجمهم لكانت كل القرى الواقعة غرب و جنوب غرب القامشلي تحت سيطرة العشائر العربية ،في تلك المحنة قال حاجو آغا كلمته الشهيرة و بشهادة الكثيرين من الشوفينين العرب: (لو تعاونت معي العشائر الكوردية و مدت إلي يد المساعدة لطردت من المنطقة كلها كل من يقول خبز).
مثل هذا التناقض و هذا التعبير الشوفيني حزبياً و تحزبياً إنما ينصب في خانة تزوير التاريخ و قلب الحقائق حسب الأمزجة المتقلبة نفسياً و ضميرياً هذا ان كان هناك ما تبقى من ضمير كما حصل مع كتاب منطقة أشيتا، الذي يعتبرمجرد منفس يتنفس عبره الكاتب عن الحقد و الكراهية و البغض و زيف الحقائق التي يصبها على مسيرة حاجو آغا و نضاله المسلح و كذلك نضاله السياسي و يحاول جعل هذه المسيرة النضالية عشائرية و عائلية ويبرأ نفسه من الخوض في مسائل عائلية و عشائرية و شخصية لكنه يعمل العكس إذ يقول:( تجنبنا بمسؤلية الخوض في الخلافات و القضايا الاشكالية، العشائرية منها العائلية و حتى الشخصية.. “6”).
و لا يكتفي بذلك فقط بل يزور المصادر و المراجع ومثال لذلك استناده على مقطع من كتاب ديفيد مكدول” تاريخ الأكراد الحديث” و كأنه يقول لا تقربوا الصلاة و يتناسى أن يكتب و أنتم سكارى. و هذا هو النص الحرفي لما ورد في كتاب ديفيد مكدول:
(ساعد حاجو آغا الفرنسيين في استتباب الأمن قي شمال –شرق سورية و أصبح من المقربين سياسياً لهم و كان المتحدث الرئيسي لخويبون في المنطقة و يساعد في إيقاظ الشعور القومي بين القبائل الكوردية.. ” 7 “)
لقد تبنى حاجو آغا القومية الكوردية و حارب مع أولاده و أحفاده حتى آخر رمق من قواهم من أجل هذه القومية و طالب بإقامة دولة كوردية في عام 1927 و هذا ليس نفخا او نسخا او تلصيقاً لتمجيده و إلوهيته أو نبويته، هذه حقائق موثقة من دار الوثائق البريطانية و الفرنسية و العثمانية و السورية و العراقية.
لا اعتقد أن البحث عن الوجود التاريخي لأي شعب أو زعمائهم يحتاج الى نبش الأمور الشخصية و العائلية الخاصة و التي لا تمت بصلة لهذه الأبحاث التاريخية و لا يخدم أحداً سوى من يعادي هذا الشعب و كينونته.
من المخجل حقاُ أن نقرأ كتاب بقلم كاتب كوردي يمجد قريته و يجعلها بمثابة قلعة للصمود و التصدي الكوردي و يتناسى مدينته تربسبية و التي كانت المعقل الأساسي للنضال الثوري و السياسي و يقول بين الحين و الحين تخونني الذاكرة و لا أتذكر الأسماء. حتماً لا تخونه الذاكرة بل يخونه الضمير و عدمية الأخلاق لأنه لا ينسى بل يتناسى الكثيرين من الشخصيات المناضلة في منطقة آشيتا لأنه يركز على حوالي أكثرمن مائة شخصية من منتسبي الحزب الديمقراطي الكوردي في سوريا في منطقة آشيتا و يتناسى المناضلين من أبناء حاجو و أحفاده الذين لو ذكرهم لكان نصف كتابه يتضمن نضالهم و كفاحهم في سبيل الكورد و كوردستان و تحديداً حسن آغا حاجو و من بعده جميل آغا حاجو الذي إعتقلته السلطات السورية في صيف 1966 حيث داهمت القوات المسلحة منزله في تربسبية و أخذته تحت قوة السلاح في الساعة الثالثة فجراً صارخين بوجهه ( أخرج يا رأس الأفعى) و ذلك كان تمهيداً لتنفيذ مشروع محمد طلب هلال و زرع الحزام العربي في المناطق الكوردية “8”.
اذا كانت هناك ذرة ضمير لقلم الكاتب و جعل من دراسة محمد طلب هلال بجدية مصدراً حقيقياً له لذكر في كتابه لماذا نادى العناصر المداهمة لمنزل جميل حاجو أغا برأس الأفعى؟
و تناسى ذكر مناضل بقامة مجيد جاجان حاجو الذي كان من مؤسسي الحزب الديمقراطي الكوردي في سوريا عام 1957 وليس هذا فقط بل كان من بين المعتقلين الذين أعتقلوا بسبب إنتمائهم القومي لحزب كوردي و كان إبن عمه فرهاد جميل حاجو من أوائل المنتسبين الى الحزب ضمن التنظيم الطلابي و كذلك انتسب الكثيرين من أبناء و أحفاد حاجو آغا الى هذا الحزب.
ينبش الكاتب بين بيادر القش فقط ليعثر على دبوس صغير ليوخز به صفحات بيضاء من تاريخ مناضل و يدرك جيداً أنه لن يعثر لا على الدبوس و لا على الإبرة التي تشفي غليله و أمثاله في خياطة ثوب من الأكاذيب بإسلوب سطحي و أغلب مصادره مجرد برامج شعبية لا يتعدى صوتها حدود قريته مثل برنامج ( يا رايح على ضيعتنا) و برنامج (قريتي- Gundê mino) و من بعض الشخصيات المنتسبة الى الحزب البعث العربي الاشتراكي و الحزب الشيوعي الذين يفصلون التاريخ و الأحداث حسب أمزجتهم الشوفينية و التحزبية، هنا أخص بالذكرالكاتب علي جزيري الذي ساهم في مثل هذا الكتاب و ساعد في نشر السم و الزيف على تاريخ زعيم بقامة حاجو أغا الذي لا يعرف التسمم لأنه فطم على ترياق النضال و التضحية من أجل حماية أرضه و الحصول على حقوق شعبه المصيرية.
إن مبادرة السيد علي شمدين أخطأت طريقها نحو الصواب و كتابه منطقة أشيتا أثبت فشله في الوصول الى أهدافه الدنيئة للاصطياد في المياه القذرة لأن مصادره و مراجعه الرثة أسقطت أوراق التوت عن عورات نياته المبيته
توثيق التاريخ لأي شعب أو بلد يحتاج الى وثائق موثقة من جهات ذات ثقة، و الأدلة و الوثائق المتعلقة بالشعب الكوردي عامة و تاريخ الزعيم حاجو أغا خاصة محفوظة في دور الوثائق الدول العظمى مثل بريطانيا و فرنسا و الدولة العثمانية و مثل هذه الوثائق أرفع بكثير من قصص مفبركة تخرج من مكاتب الاشاعات للحكومات الشوفينية و من ذاكرة أناس شارفوا على التسعين من عمرهم .
سيبقى التاريخ سيد نفسه و لا أحد يستطيع الإقتراب من حقائقه و توثيقه مهما حاولت القوى المظلمة و مكاتب الإشاعات المصنعة في الأقبية المظلمة تغيير الأدلة التاريخية و الشواهد الميدانية التي تؤكد الوجود الحقيقي للأبطال الذين ساهموا في تكوين تاريخنا و مسيرتنا النضالية التي نتخطاها اليوم بكل عزم و ثبات بالرغم من انهيار الكثير من القوى الأخلاقية و المبدئية و الإجتماعية.
مجرد ملاحظة أخيرة، كنت مترددة كثيراً في كتابة هذا المقال رداً على السيد علي شمدين لأنني أعرف أن الرد على أمثال هؤلاء لن يستطيع إقناعهم بمدى إساءتهم للتاريخ الكوردي لأن علي شمدين لن يتراجع عن مفهومه بعد قرائته لهذه المقالة و لكنني قررت كتابتها لتكون رادعاً لاولئك الذين يسيرون على خطى علي شمدين و أمثاله بحكم دوافعهم المعروفة للجميع و ليدركوا جيداً أن تزويرهم لتاريخنا لن يمر مرور الكرام و ليعرفوا أن مازال هناك من يدافع عن الحقائق التاريخية و أن الكثير من الضمائر لم تمت بعد وتقف لعلي شمدين و أمثاله بالمرصاد.
المصادر و المراجع:
1 – كتاب منطقة آشيتا( دراسة إجتماعية، ثقافية، سياسية) للكاتب علي شمدين عضو المكتب السياسي لحزب الديمقراطي التقدمي الكوردي في سوريا. الكتاب من مطبوعات الأكاديمية الكوردية في اربيل سنة 2021 ” ص7 “.
2- المصدر نفسه ص 22
3- المصدر نفسه ص 24
4- المصدر نفسه ص 153
5- المصدر نفسه ص 154
6- المصدر نفسه ص 31
7- كتاب تاريخ الأكراد الحديث للكاتب ديفيد مكدول ترجمة راج آل محمد من منشورات دار الفارابي ص 696
8- حوار مع الأستاذ فرهاد جميل حاجو، أجراه الصحفي عزالدين الملا و نشر في صحيفة كوردستان العدد” 659″ بتاريخ 1-7-2021.