حربُ المســيَّرات في الشّـرق الأوسَـــــط

شريف علي

 
الطائرات المسيّرة عن بعد (المسيّرات) او ما يطلق عليها اسم درون  دخلت الخدمة العسكرية من باب الاستطلاع والنشاط الإستخباراتي مع انتهاء الحرب الباردة ومرحلة القطبية الواحدة،وبعد فترة لم تتجاوز العشرين سنة حتى باتت عنصرا فعالا رديفا للطائرات الحربية ضمن الترسانة العسكرية الجوية لعشرات البلدان على مستوى العالم، من خلال تزويدها بالاسلحة الخفيفة والأجهزة المعدة لمتابعة الأهداف الأرضية ، لتصبح فيما بعد في متناول سلطات معظم البلدان التي تشهد توترات داخلية وحروبا أهلية لقلة تكاليفها وسهولة استخدامها، كي تستخدمها في ضرب قواعد المعارضين لأنظمتها أوحتى الساعين الى المشاركة معها.
   إسرائيل  كانت سباقة في توظيف الطائرات المسيرة للخدمات العسكرية في الشرق الأوسط تعتبر تركيا من الدول التي سارعت اللحاق بها على صعيد استخدام  وتصنيع هذا النوع من الطائرات المزودة بأجهزة التعقب والأسلحة المتوسطة  وتحت مسميات مختلفة لعل  أبرزها ذريعة محاربة الأرهاب وحماية وحدة الدولة التركية لضرب قواعد ومقرات حزب العمال في كوردستان الشمالية والجنوبية ،لتصل إلى مرحلة انتاج جيل متطور من تلك الطائرات ، وبالنظر لفعاليتها في هذا الاتجاه عمدت العديد من بلدان المنطقة إلى اقتناء المسيرات بشكل كبير مثل إيران والسعودية وإسرائيل التي تمتلك أسطولا من هذه الطائرات،المخصصة لأغراص التجسس والاستطلاع والمراقبة ولتنفيذ هجمات. بل وعمدت الى تصنيعها محليا وحتى تطويرها بما يتلائم وجغرافية مناطق القتال .ولم يكتفيا بذلك بل دأبت إيران إلى تزويد أذرعها الإرهابية في المنطقة ـ حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمـن وميليشيات الحشد الشيعي في العراق في حين إتجهت تركيا إلى إمداد الميليشيات الموالية لها ومرتزقتها في سوريا وليبيا وآذربيجان وحتى تصديرها لعدة دول بينها أوربية ـ أوكراينا نموذجا 
إذ بات ملحوظا بشكل ملفت للانتباه  تصاعد وتيرة استخدام المسيرات في الشرق الأوسط التي تحوّلت إلى حوافز للأعمال المسلّحة من خلال سلسلة من المزايا بالإضافة إلى أن العمق الاستراتيجي لعملياتها وسهولة الوصول إلى أهداف محددة، خاصة من الجانبين الأمريكي والتركي ضمن تنسيق لا ينتابه شك ، ففي الوقت الذي تستهدف فيه المسيرات التركية وبشكل شبه يومي قيادات لحزب العمال داخل الحدود السورية حيث المناطق الكوردية الواقعة تحت النفوذ الأمريكي وكذلك مناطق شمالية من إقليم كوردستان  نجد بين الحين والآخر ضربات أمريكية بالمسيرات في المناطق السورية التي تحتلها تركيا في اطار حملتها على تنظيم الدولة الاسلامية وتصفية كبار قادتها ما يعكس حقيقة المقايضات الاستخباراتية بين الدولتين وجوهرالموقف الامريكي  من قوات سورية الديمقراطية ونظرته لها، إلى جانب ذلك نجد إيران لم تدخر جهدا في استخدامها للمسيرات ضمن نشاطاتها الإغتيالية على الساحة العراقية واللبنانية واليمنية والسورية وبأيدي خبرات محلية مأجورة من تلك البلدان للإستمرار في تنفيذ أجنداتها في المنطقة .
  هذا المشهد العسكري  المتلبد بالمسيرات في الشرق الأوسط لا يتم بمعزل عن سياسة دولية تكتنف تفاهمات على الصعيدين الدولى والإقليمي تجاه المنطقة كمراحل تمهيدية لهندسة المنطقة وفرض مشروع جيوسياسي جديد قد يطيح بكل ما هو قائم ،ويعيد هيكلة المنطقة بمنظور مناطق نفوذ محدّثة للقوى ذات القرار المؤثر في الشأن العالمي .أمر يؤكده معهد الشرق الأوسط للأبحاث ومقره واشنطن من خلال رؤيته لهذا المشهد “أن الشرق الأوسط يواجه تغييرا كارثيا في الجغرافيا السياسية مع بدء عهد الطائرات المسيرة´”.خاصة إذا علمنا أن القانون  الدولي الإنساني  يخلو من  تجريم  ما يعتبر روبوتا و كل ما يقترفه في ميادين القتال بما يطلق يد جميع الأطراف التي زودت ترساناتها بالطائرات بدون طيار(درون) .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…