نزار بعريني .
لنحاول فهم حقيقة سياسات واشنطن الإقليمية ، المرتبطة بسعيها الدائم للّعب على توازنات القوى ، ومشاعر الخوف ، وتناقض المصالح، بين مرتكزات سيطرتها الإقليمية الرئيسة : أنظمة إيران والسعودية و” إسرائيل ” وتركيا ؟
هل نجحت مساعي إدارة بايدن ” القمميّة ” في إعادة التوازن إلى علاقاتها التشاركية الإقليمية، التي وصلت تناقضات أقطبها إلى درجة تهدّد قواعد لعبة السيطرة الإقليمية للولايات المتّحدة؟
يجمع معظم المراقبين على فشل جهود بايدن النسبي في تحقيق أهداف جولته الراهنة ، مما يبرر التساؤل عن الأسباب الحقيقيّة لعدم نجاح جهوده في الإرتقاء بعلاقات بلاده مع شريكيها الأساسيين في السيطرة الإقليمية؛ ” المملكة السعودية ” و ” دولة الإحتلال الصهيونيّة “؟ (١)
أوّلا ، في خلفية المشهد:
لقد أحدثت حالة” الشراكة الاستراتيجية” الموضوعية بين اهداف المشروعين “الامريكي والإيراني” للسيطرة الإقليمية ، (التي بدأت علاقاتها خلال الحرب العراقية الإيرانية ، ١٩٨٠- ١٩٨٨ ، ووصلت إلى درجات متقدّمة في مواجهة تحدّيات ضرورات التغيير الديمقراطي السوريّ في ربيع ٢٠١١ (في تقاطعها عند أهداف منع حدوث انتقال سياسي وتحوّل ديمقراطي بين ٢٠١١- ٢٠١٤ ، وتفشيل الدولة السورية، منذ ٢٠١٥ ) ، تصدّعات كبيرة في شبكة العلاقات التاريخية التي نجحت سياسات الولايات المتّحدة في نسجها خلال حقبة الحرب الباردة مع اهمّ مرتكزات سيطرتها الإقليمية؛ أنظمة إسرائيل و المملكة السعودية.
مع انتهاء المعارك الكبرى في الصراع على سوريا خلال ٢٠٢٠-٢٠٢٢ ( ولن يُغيّر هذا الواقع العام ما يسعى إليه الأتراك ، او غيرهم ، لزيادة حصصهم !)، وتحقق اوسع سيطرة لأدوات المشروع “الأيرو أمريكي” ، من الطبيعي أن تسعى الولايات المتّحدة لرأب أخطر مظاهر تلك التصدّعات في علاقاتها مع حليفيها الرئيسيين، الإسرائيلي ، والسعودي ؛ بما يعوّض الدولتين عن بعض ما أصابهما من أضرار مادّية ومعنوية نتيجة ما حقّقته أدوات المشروع الإيراني من تمدّد إقليمي في مناطق كانت تاريخيا ملعبا لسياسات سيطرة النظامين ،من جهة ، وبما يحضّر الأجواء لخطوات دمج” النظامين الايراني والإسرائيلي في المنظومة الإقليمية ، عبر الدفع بخطوات التطبيع مع دولة العدو الإسرائيلي إلى مستويات قياسية، واستغلال الظروف المحفّزة التي تتيحها إجراءات توقيع “اتفاق نووي ” ، أصبح إعلاميا على الأقل على رأس أجندات الولايات المتّحدة والنظام الايراني (٢)؛دون أن نتجاهل أهميّة الأسباب التكتيكيّة المباشرة التي فرضتها نتائج الحرب على أوكرانيا وأوروبا، وما فرضته من تغيّرات في أجندات سياسات واشنطن تجاه دول المنطقة، خاصّة تلك المرتبطة بالطاقة(٣) !!
ثانيا ، في أهمّ عوامل السياق التاريخي:
في تقديري ، ومع الأخذ بعين الاعتبار عوامل السياق الراهن ، تصعّب فرص نجاح قمم بايدن في تحقيق أهدافها المرجوّة أمريكيّا (٤) عوامل السياق التاريخي ، التي تقول أوّلا بوصول علاقات النهب والسيطرة التشاركية مع أدوات النظام الايراني وأذرعه الميليشياوية إلى أعلى درجات نجاحها ؛ وتكفي نظرة سريعة لحالة التفشيل التي وصلت إليها الدول التي تقع في قبضة السيطرة “الإيرو أمريكية” لندرك صعوبة التقدّم في علاقات الولايات المتّحدة مع السعودية وإسرائيل ، طالما لن تكون على حساب تلك العلاقات ” الإيرو أمريكية ” التي أثبتت أنها أكثر الأدوات فاعلية في السيطرة الإقليمية الأمريكية!!
أسباب العامل الثاني المُعيقة لنجاح أهداف رحلة بايدن ترتبط من جهة أولى بطبيعة العلاقات الصدامية التي أقامها مع القيادة السعودية، بزعامة محمّد بن سلمان، كما تتأثّر بعمق العلاقات التي بناها سلفه ترامب ،” اليميني” ، مع الطبقة السياسية الإسرائلية، بالمقارنة مع ما يمكن أن يقدمه لها الرئيس بايدن، ” اليساري “! .
العامل الآخر يرتبط بحقيقة سياسات واشنطن وشريكها الإيراني تجاه ” الملف النووي ” الايراني !
قد تُفسّر تلك العوامل مجتمعة طبيعة العقبات الرئيسة التي تواجه سياسات واشنطن لتعزيز علاقات ثقة حقيقية مع “إسرائيل ” والسعودية، و بالتالي صعوبة المهمّة التي واجهت مساعي بايدن في جدّة و” تل أبيب” !!
هي في أحد جوانبها ، أعتقد أنّ بعض مظاهر المأزق الحالي (٥) تعود لطبيعة علاقات الولايات المتّحدة التشاركية الاستراتيجية مع سلطة استبدادية في الرياض ، واستيطانية عنصرية في القدس المحتلّة؛ تلك العلاقات التي قامت على أرضية صفقة غير أخلاقية ،تتناقض مع جميع القيم الديمقراطية وحقوق الانسان والشعوب ، يضمن طرفها الأوّل ، الولايات المتّحدة، استمرار السيطرة السلطوية لسلالة آل سعود ،وحماية ” الأمن القومي ” الإسرائيلي، مقابل أن يعمل طرفيها الآخرين ، السعودي والإسرائيلي، على حماية أدوات ووسائل النهب والسيطرة التشاركية التي تمارسها الولايات المتّحدة لأعظم ثروات المنطقة؛ وهي ، في الجانب الأخر ، نتيجة لتبنّي الولايات المتّحدة نهج التحالف الاستراتيجي مع أدوات مشروع السيطرة الإقليميّة الإيراني، الأكثر تدميرا لمقوّمات الدول الإقليمية ، التي باتت تهيمن على مركز وأضلاع مثلث الطاقة الإستراتيجي العالمي، مباشرة في ايران والعراق ، وبشكل غير مباشر ، في السعودية ، التي وضعها التحالف “الأيروأمريكي ” تحت مرمى صواريخ ومسيّرات الحوثي .
ضمن هذا السياق نفهم طبيعة المأزق في علاقات الولايات المتّحدة مع شريكيها التاريخيين الرئيسيين في السعودية و”إسرائيل ” الذي يتجسّد سياسيّا في ما يعتبره الشريكان ” فشل ” وسائل الولايات المتّحدة في ” ردع ” سياسات إيران” النووية ” ، وما يشكّله من عواقب على أمنهما القومي !
ثالثا ،
في وعود بايدن ، وما يمكن أن يقدمه :
” التنازلات ” التي يمكن أنّ تقدّمها واشنطن هي على حساب مصالح الشعب الفلسطيني بشكل خاص ، وعلى حساب الشركاء !
في قمّة القدس المحتلّة، وفي قمّة جدّة الخليجية إيضا ، حرص الرئيس الامريكي على إطلاق حزمة من الوعود والتعهدات ، رغم إدراكه بما آلت اليه المصداقية الأمريكية من ضعف وهشاشة(٦)
التعهّد” بعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي” ، وتقديم مساعدات تنمويّة للضفّة والإردن ، وعسكرية تقنية وعقد صفقات أسلحة متطوّرة ، خاصة للسعودية والإمارات . كلّ “تلك المنح السخيّة ” لن تغطّي على ما أجمع عليه معظم المراقبين من ” فشل” الرئيس الامريكي في إقناع محاوريه الإسرائيليين بأهمية استمرار التعويل على الوسائل الدبلوماسية لمواجهة الخطر النووي الإيراني ، كما في إقناع محاوريه في قمّة ” جدّة ” بوجود أخطار حقيقية لأقطاب عالمية ، روسيّة صينيّة ” تستدعي وقوف الجميع “صفّا واحدا “في مواجهته ، على غرار تحالفات ” الحرب الباردة ” ضدّ الإتحاد السوفياتي، بما يجعل من الحديث عن نجاح اهداف المشروع الأمريكي الشرق أوسطي الجديد مشكوكا بصدقيته !!
من اسباب الفشل الأمريكي ايضا خطأ تقييم واشنطن للموقع الذي وصل إليه الأمير السعودي ، الذي عملت الولايات المتّحدة على إخراج بلاده مبكّرا من معادلات الصراع الإقليمي – في العراق وسوريا ولبنان وحتّى اليمن، في إطار علاقتها الإقليمية الجديدة ؛ والذي وصفه الرئيس الامريكي بالفرعون ، وحاول تحقيق مكاسب انتخابية ، ترتبط بحقوق الإنسان والقيم الديمقراطية ، على حسابه . بخلاف ذلك ، نجح ولي العهد السعودي في تحشيد هذا اللقاء العربي الأكبر لحقبة ما بعد غزو العراق وتفكك وحدة جامعة الأنظمة تحت ضربات تمردات شعوب المنطقة ، وبما يُظهر درجة الزعامة التي وصل إليها الأمير السعودي على الصعيدين الوطني والإقليمي.
رابعا ،
في موقف ، وتطلّعات السعوديين !
ماذا يتوقّع السعوديون اليوم ، في موقعهم الجديد بين مرتكزات السيطرة الإقليمية للولايات المتّحدة، الذي تحتل فيها إيران المرتبة الاولى ، وإسرائيل ، الثانية، وما هو الثمن القادرون على دفعه ؟
يبدو جليّا خروج الأمير أكثر قوّة من ضيفه الكبير ، الذي شكّل لقائه بولي العهد المُتهم أمريكيا انكشافا فاضحا لطبيعة القيم التي يتاجر بها بايدن ، وجعلته موضوع تهكّم في واشنطن !!
الرسالة المباشرة الأقوى التي استطاع بن سلمان توصيلها ،محاطا بزعماء ” مجلس التعاون الخليجي “، وقادة دول المنطقة ، مصر والعراق والإردن ، (وعلاقات تتعزز بإطراد مع الإسرائليين )، هي واقعية دوره الإقليمي القيادي ، وعجز واشنطن عن تجاهله!!
في ظلّ أجواء التحدّي ، من الأرجح أن تستمرّ
دبلوماسية “عضّ الأصابع” في العلاقات الصعبة بين الحليفين الاستراتيجيين !!
سيستمر السعوديون في تعزيز علاقاتهم الاقتصادية مع الصين وروسيا ، على طريقة ” عبد الناصر ” ، وعينهم الأخرى على ردّات فعل الشريك الأكبر ، الجاحد ، الذين يحاولون إثارة مخاوفه ، دون تلقّي ردّات فعله الغاضبة ، عبر استخدام ما يملكون من نفوذ لدفع ” أوبك ” على زيادة الإنتاج في إجتماع آب القادم ، ودون أن يعلنوا عن موقف صريح . المؤكّد أنّهم بلغوا “سنّ الرشد “، و تجاوزوا تلك الحقبة التي كانوا يلعبون فيها دور ” المنتج البديل ” لتلبية حاجات واشنطن خارج ضوابط ومعايير المنظّمة.
يُدرك السعوديون جيّدا طبيعة مخاطر هدنة واشنطن الهشّة في اليمين ، حيث نجحت الولايات المتّحدة في إغراق السعوديين في صراع كبير ، وجيّرت مسيّرات وصواريخ ” الحوثي ” لتوصيل رسائل قاسية ، تهدد المصالح الحيوية ، الأمنية والنفطية ، في قلب المملكة .
لا يستطيع السعوديون أيضا تجاهل دورهم المركزي في دفع سياسات التطبيع العربي / الإسرائيلي، رغم صعوبة القيام به دون وصول الحل السياسي للمعضلة الفلسطينية إلى انفراجات كبرى ، ما تزال الحكومات الإسرائيلية قادرة على التهرّب من دفع أثمانها في ظل موازين القوى القائمة ، وعدم جدّية الإدارة الإمريكية في استخدام ما لديهم من أوراق ضغط لفرض حل سياسي دائم ، يقوم على مبدأ الدولتين””””، أو” الدولة الديمقراطية”؛ وهنا احد اشكال المأزق الذي يفسّر عجز السياسات السعودية بالوصول الى موقع الزعامة الإقليمية.
خامسا ،
في لعبة ” شدّ الحبل ” النووية !!
في قضيّة ” الملف النووي” ،تصل حالة انعدام الثقة إلى اعلى درجاتها ، وهي ليست دون مبررات واقعية !
لنتساءل :
إذا كان وصول النشاط النووي الإيراني إلى عتبة ” القنبلة ” يتناقض مع المصالح الأمنية لمنافسيها الرئيسيين على السيطرة الإقليمية، السعودية وإسرائيل ، فهل هو كذلك مع مصالح واشنطن ؟
مالذي يهدد مصالح الولايات المتحدة في امتلاك ايران القنبلة الذريّة ؟
هل تشكّل خطرا عمليا على الأمن القومي الأمريكي ؟ هل يمكنها تهديد المدن الأمريكية ؟
ثمّ ، ما حاجة النظام الايراني لامتلاك سلاح نووي ؟
هل تستطيع ايران ، بامتلاكها السلاح النووي ، إبتزاز السعوديين أكثر مما فعلته ” المسيّرات “، التي غضّت واشنطن النظر عن نشاطها المخرّب في شرايين قلب ماكينة الطاقة السعودية، وفي وصولها إلى تخوم إسرائيل الشمالية ؟
وماذا ستفعل ايران أكثر من ذلك ؟ هل تفكّر باحتلال السعودية او ” تحرير فلسطين ” ، رغم امتلاك السلطة التي تحتلّها ” عشرات الرؤوس النووية” ، القادرة على مسح ايران عن الخارطة الجيوسياسيّة الإقليمية ؟
لتهديد أوروبا ؟ هل تحتاج الولايات المتّحدة لسلاح ايران النووي لتشديد قبضتها على أوروبا ؟
ألا يكفيها ما يحققها شريكها بوتين من انتصارات في قلب القارّة ؟
هي، في احد جوانبها ، ” لعبة ” في مهارات الذكاء ، والمراوغة ، يديرها شركاء متمرّسون في تضليل الرأي العام!! هي أقرب إلى لعبة ” شدّ الحبل ” ، ( tug of War)، يمارس فيها الفريقان أدوار اللاعب والحكم :
إذا كانت الولايات المتّحدة هي الدولة الوحيدة التي تعرف حقيقة إمكانيات ايران النووية ، وتعرف جيّدا كيف تُبقى هذا الملّف مفتوحا ،( أو تغلقه ، مؤقّتا ) لتعزيز شروط سيطرتها الإقليمية ، وهيمنتها على موارد الطاقة الإستراتيجية ، و اللعب على تناقضات الجميع ، وتجيّر مخاوفهم ، فقد أظهر النظام الايراني، من جهته ، براعة ، وقدرات استثنائية في تجيير ورقة ” الملف النووي ” داخليّا وإقليميا ، سواء في تحسين شروط السيطرة التشاركية مع واشنطن ، أو لتعزيز شروط علاقاته مع “حلفائه” في ” المعسكر ” المنافس، ولا يغيّر في هذه الحقيقة تركيز وسائل الإعلام على مسؤولية أحد الأطراف ، دون الآخر ، ودون الاشارة إلى المصالح المشتركة في التفشيل، او التفعيل .(٧) . من المؤكّد أنّ السيّد علي خامنئي ليس في عجلة من أمره اليوم ، طالما هي مصلحة أمريكية ، للوصول إلى صفقة ” استسلام ” ، تفقده اهمّ اوراق شرعيته الداخلية ، وديماغوجيا تمدده الإقليمي ؛ مقاومة الشيطان الأكبر !!
صحيح انّ للعقوبات أثار اقتصادية كابحة على الاقتصاد الايراني ، لكنّها ، في نهاية المطاف ، لاتضرّ بمؤسسات السلطة ، ولا الحرس الثوري، وقد تعايش معها الإيرانيون طيلة عقود، ونجحت السلطة في إجهاض جميع محاولات ” الإصلاح ” !!
(١)في ما تمخّضت عنه الزيارة التاريخية لرئيس الولايات المتّحدة إلى إسرائيل نجد نقطتين ، بارزتين ، تكتسبان اهميّة في كشف طبيعة المأزق الذي تعانيه سياسيات واشنطن الإقليمية :
من جهة أولى ،تضمّن ” بيان القدس المشترك حول الشراكة الاستراتيجية الإيسرو أمريكية ” تعهّد أمريكي بأن “لاتسمح الولايات المتّحدة لإيران أبدا بحيازة سلاح نووي ، وأنّها مستعدّة لإستخدام جميع عناصر قوّتها القوّمية لضمان حصول تلك النتيجة ” .
من جهة ثانية، ومقابل هذا التعهّد ، اظهر بايدن حرص على التمسّك بخياره المفضّل بالعودة إلى ” الصفقة ” التي تمّ الأتفاق عليها ٢٠١٥، ومزّقها ترامب ٢٠١٨ ، والمعروفة باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) ، ولم يُظهر رغبة ، ولم يقبل رغم إلحاح رئيس وزراء “إسرائيل ” ورئيسها ، بوضع توقيت نهائي ،محدد لنهاية المفاوضات حول برنامج ايراني النووي ، ولا وضع خط أحمر ، يجعل من تجاوزه الولايات المتّحدة مستعدّة لتحويل التهديد إلى عمل ميداني . لن يغيّر من طبيعة هذه المعادلة حفاظ بايدن على تعهّده بإبقاء “الحرس الثوري”
على قائمة الولايات المتّحدة للمنظّمات الإرهابية الخارجية ، حتّي لو أدّى ذلك إلى إنهاء المفاوضات ، علما بأنّ المفاوضات الأمريكية / الإسرائيلية كانت قد تجاوزت هذه المسألة!!
(٢)-
ينظر صناع القرار في واشنطن وطهران في تسوية لاستعادة الاتفاق النووي الإيراني التاريخي الذي يقول الاتحاد الأوروبي إنه أفضل عرض ممكن لكلا الطرفين.
كتبت” إليزابيث هاجدورن ” يوم ٢٩ تموّز ، على موقع ” Monitor “:
“بعد أكثر من عام من الدبلوماسية الدقيقة، التي عمل فيها الاتحاد الأوروبي ( ومن ثمّ قطر ) كوسيط في المحادثات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، بهدف إحياء اتفاقية ٢٠١٥ الممزقة ، والمعروفة باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) ، تمّ التوصّل إلى مسودة نص قدمها مؤخرًا منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي ، جوزيب بوريل.
وصف ” بوريل” في صحيفة” فايننشال تايمز” ، الاقتراح ، الذي يتضمن التنازلات التي تم الحصول عليها بشق الأنفس في الجولات السابقة من المحادثات ، بأنه ” أفضل صفقة أرى أنها ممكنة ، بصفتي ميسرًا للمفاوضات”. وقال:” إنّ نافذة التنازلات الجديدة المهمة قد أُغلقت”. !
وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية “نيد برايس ” للصحفيين ” بأن واشنطن تراجع مسودة التفاهم وستتبادل ردود أفعالها مباشرة مع الاتحاد الأوروبي” .
وقال برايس: “سوف نتواصل بشكل خاص مع حلفائنا الأوروبيين ، لكن مرة أخرى ، كنا على استعداد لقبول الاتفاق المطروح على الطاولة منذ بعض الوقت ، ولم تفعل إيران ذلك”.
من الجدير بالذكر انّه كانت قد توقفت المفاوضات التي جرت في فيينا في منتصف آذار بوساطة أوروبية لاستعادة الاتفاق الأصلي ، الذي فرض قيودًا صارمة على برنامج إيران النووي مقابل رفع العقوبات الأمريكية والدولية وانتهت المحادثات التي استمرت يومين في الدوحة في أواخر حزيران دون إحراز تقدم أو تحديد موعد لجولة أخرى من المناقشات. وقال مسؤولون أميركيون إن إيران تسببت في الانهيار من خلال المجيء إلى طاولة المفاوضات بمجموعة جديدة من المطالب.
أخبار الأتحاد الأوروبي أكثر تشاؤما !
فقد أكّدت إنّ “مساحة التفاوض قد استنفدت الآن”، و لا يوجد موعد نهائي للجانبين للرد على اقتراح “بوريل” ، كما تبدو الأمور أكثر صعوبة في طهران للحصول على اتفاق داخلي .
من المعلوم أنّه من بين العثرات الرئيسية التي واجهتها الصفقة إصرار إيران على شطب الحرس الثوري الإسلامي من القائمة السوداء للإرهاب في الولايات المتحدة، مقابل رفض إدارة بايدن لهذا الطلب ، كما رفضت عرض بديل ب”تخفيف العقوبات” المتعلقة بالحرس الثوري الإيراني!
علاوة على ذلك ، يريد الإيرانيون أيضًا تأكيدات بأن الإدارة الأمريكية المقبلة لن تنسحب من الاتفاق ، كما فعل الرئيس السابق دونالد ترامب في عام ٢٠١٨؛ بينما تؤكّد ” إدارة بايدن” بأنّ الضمان القانوني لبقاء الصفقة بعد عام ٢٠٢٤ ، عند نهاية ولاية بايدن ، غير ممكن.
يرى ” علي واعظي” ، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية ، ” أنّ اقتراح الاتحاد الأوروبي لا يرقى إلى مستوى توقعات إيران ومن غير المرجح أن يسد الفجوات المتبقية بين الجانبين”.
(٣)-
يقول ” جلبير الأشقر ،( أكاديمي وكاتب لبناني /فرنسي مواليد ” السنغال ” ، ١٩٥١. أستاذ في جامعة لندن، متخصص في مجال العلاقات الدولية،خاصّة في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وفي العلاقات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية)، في كتابه القيّم ، ” الشعب يُريد …” ، في تفسيره لأسباب الحملة العسكرية الأمريكية لإحتلال منابع النفط في الخليج ، ١٩٩١- ٢٠٠٣ :
” ……من المعروف ، من جهة أخرى، أنّ للرهان النفطي قيمة إستراتيجية تفوق التقدير :
فالسيطرة على مصادر النفط ، ولا سيما احتياطاته الرئيسة الموجودة في الخليج العربي/ الإيراني ، تتيح للولايات المتحدة الأمريكية إمتلاك ميّزة إستراتيجية، حاسمة ، في معركة الهيمنة العالمية ، وتمنحها وضعا مسيطرا إزاء منافسها المحتمل الرئيسي، الصين،أو أتباعها التقليديين، في اوروبا الغربية واليابان…”.
(٤)- من الطبيعي أن تركّز وسائل الإعلام على الأسباب الأمريكية المباشرة ، المرتبطة بعواقب الحرب في أوروبا، لجولته الراهنة . كتبت ” ياسمين أحمد ” على موقع ” InterRegional for Strategic Analysis ، في ١٨ تمّوز:
” على الرغم من محاولة إدارة الرئيس جو بايدن الابتعاد عن قضايا منطقة الشرق الأوسط منذ وصوله إلى الحكم، وسعيها إلى التركيز بدرجة أكبر على التنافس مع الصين داخل منطقة الهندو–باسيفيك، (!!)فإن الحرب الروسية–الأوكرانية، وما صاحبها من اضطرابات في أسعار النفط والغاز العالمية، التي كانت لها تأثيرات متعددة على الداخل الأمريكي، دفعت الإدارة إلى إعادة الاهتمام بالمنطقة، وزيارة بايدن إلى الشرق الأوسط بعد ثمانية أشهر من توليه منصبه رسمياً، التي هدفت في الأساس إلى حل مشكلة أسعار النفط التي تؤرّق الناخب الأمريكي، في وقت ترتفع فيه معدلات التضخم لمستويات غير مسبوقة منذ أربعة عقود” .
من هنا ، يعتقد المراقبون أنّ بايدن يريد عودة الولايات المتحدة إلى الصفقة التي انسحب منها سلفه دونالد ترامب، ورفْع العقوبات عن إيران، لأنّها ” الطريق الأقصر والأكثر فعالية لكبح ارتفاع أسعار النفط الذي يُقلق الناخبين الأميركيين، وفي الوقت عينه يُضعف روسيا، التي يعتمد اقتصادها على السائل الأسود والغاز اللذين تصدّرهما. الحساب بسيط: نفط غالٍ يسمح لبوتين بمواصلة حرب الاستنزاف في أوكرانيا التي تجذب اهتمام وموارد الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا. نفط رخيص يقصّر من طول نفَس روسيا ويؤدي إلى تقصير الحرب، أو على الأقل لجمها على مستوى يكون محتملاً في الغرب.”
(٥) – في العقبات التي تواجه مهمّة ” بايدن “، يتجاهل الإعلام الإشارة الى عوامل المأزق التاريخي في سياسات واشنطن الإقليميّة .
” مشكلة بايدن أن صفقة أحلامه مع الإيرانيين لا تثير الحماسة لدى الدولتين الصديقتين القديمتين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، السعودية وإسرائيل. فالدولتان تعتبران التقرّب الأميركي من طهران تهديداً محتملاً لموقعهما الإقليمي، وتقفان موقف المتفرج من الحرب الأوكرانية، ولا تشاركان في عرض العضلات الغربي حيال بوتين. بايدن لم يعاقب إسرائيل والسعودية فيما يتعلق بأوكرانيا، وسيحاول التمهيد للاتفاق النووي مع إيران مع يائير لبيد ومحمد بن سلمان”.
(٦)-
” وعد بتقديم مليار دولار على تحقيق الأمن الغذائي ، وكان هناك حديث عن تعاون ، سبق الزيارة،
مع السعوديين لمواجهة ” شركة فوائد ” الصينيّة ، وهذا فيه شيء من الانجاز ، بالنسبة للرئيس ، ولكنه ليس جديدا تماما. …︎لم يقدّم الرئيس الامريكي اشياء جديدة. طبعا هناك وعود بإرسال سفن حربية إلى المنطقة ، بزيادة مبيعات اسلحة أكثر تطوّر الى السعودية والإمارات!” ” أدمون غريب.
أمّا ” المقابل الذي سيدفعه بايدن لإسرائيل مضاعف: سحب يد الأميركيين من الموضوع الفلسطيني الأكثر أهمية للإسرائيليين من إيران، حتى ولو قالوا العكس مئة مرة؛ وتعميق الترتيبات الأمنية التي وُضعت خلال فترة ترامب، وعلى رأسها انضمام إسرائيل إلى المنظومة العسكرية للقيادة المركزية الأميركية (سانتكوم)، إلى جانب دول الخليج والأردن ومصر.
إنّ الكشف، جزئياً، عن العلاقات الأمنية بين السعودية وإسرائيل، بعد أعوام من السرية والرقابة الشديدة، هدفه إظهار وجود طرف يمكن التحاور معه، ويمكن الاعتماد عليه، وأن الاتفاق مع إيران ليس نهاية العالم، ولا نهاية الصهيونية، أو بداية محرقة ثانية.
سيحصل السعوديون من بايدن على عفو علني عن قتل المنشق جمال الخاشقجي الذي من أجله قاطعت الإدارة الحالية في واشنطن محمد بن سلمان(!!؟؟). ما العمل؟ أسعار النفط أهم بكثير لأميركا من حقوق الإنسان في دول بعيدة. الزيارة الرئاسية ستكون طلباً للصفح، وستُظهر أن صبر السعودية أعطى ثماره، وسيضطر بايدن إلى الركوع أمام ولي العهد. سيكون الثمن مجدياً لصورة بايدن، إذا كان المقابل الذي سيحصل عليه التخفيف من ضائقة الطاقة وإزالة عقبة أُخرى من أمام الاتفاق مع إيران.”
“(.ألوف بن ” رئيس تحرير “هآرتس”، بتاريخ ١٤/٧/٢٠٢٢ ، تحت عنوان ” مَن سيحدد ما إذا كانت زيارة الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط ناجحة هو خامنئي”).
(٧) –
” لكن الشخص الذي سيحدد ما إذا كانت زيارة بايدن ناجحة أو فاشلة، هو المرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي. هو الذي يمسك بيده القلم لتوقيع اتفاق نووي ورفع العقوبات عن بلده. إذا وقّع ولمّح إلى تقارُب مع الغرب، فإن ميزان القوى الإقليمي سيتغير، وستنعم إيران بالازدهار الاقتصادي والشرعية الدولية اللتين تفتقر إليهما اليوم. أما إذا رفض وتمسّك بمواقفه، فسيزداد التوتر وسترتفع أسعار النفط، وستتحصن إيران في موقعها في الكتلة المعادية لأميركا مع الصين وروسيا”.
المرجع السابق .
آب – ٢٠٢٢