صلاح بدرالدين
كل الدلائل تشير الى وصول الكرد السوريين لبداية مرحلة الافتراق النهائي مع أحزابهم الراهنة في طرفي الاستقطاب، بعد جنوح بعضها نحو خندق من يعتبرون من الأعداء، والخصوم، واستعدادات بعضها الآخر لسلوك نفس المسار، بالداخل الوطني، وخارجه، واختيارها طريق البحث عن مصالحها الذاتية، والحزبوية الضيقة الخاصة، على حساب مصالح مجموع الشعب، واتخاذها مواقف وسياسات بعيدة كل البعد عن ما تتطلبها القضايا المصيرية القومية، والوطنية، والحياتية، وصولا الى تهديدها لأواصر التماسك المجتمعي، والعبث بعوامل، وشروط التشكل القومي الطبيعي، والوجود الجيوسياسي بغية فقدان شعبنا استحقاقاته السياسية، والدستورية المستندة الى مبدأ حق تقرير المصير،
ومن ثم التضحية باالامن الفردي والجماعي ليس في المناطق الحدودية فحسب بل في أعماقها، وجوانب تخومها، مما ينذر كل ذلك بوقوع كارثة الافراغ التام، والهجرة الجماعية، وتحول مناطقنا الى ارض بلاشعب، كماارادت النظم الشوفينية، وحكم البعث، وكما خطط لذلك منظروه الفاشييون أمثال – محمد طلب هلال -، وهلل له الى درجة التواطؤ (اكراد النظام) منذ عقود، من تيارات حزبية معروفة، انتهاء بالسيد – اوجلان – وكان التاريخ يعيد نفسه الان بوطني .
أحزابنا الراهنة غير محصنة تغرد خارج اسوار التاريخ
تشكل الأحزاب السياسية لدى أي شعب أدوات وآليات العمل والتعبئة، والتنظيم، وهي وسائل وليست الهدف، في مختلف المراحل التاريخية، خلال الكفاح الوطني ضد الاستعمار، وبناء الدول، وإنجاز الاستقلال، وإرساء قاعدة النضال الاجتماعي، والاقتصادي، ومن اجل تحقيق الديموقراطية، وضد الاستبداد، وتتبدل الأحزاب، وبرامجها السياسية، وقياداتها، وأسماؤها او تزول، وتقام غيرها حسب الظروف والاحوال والمتطلبات، وتبقى الشعوب، والاوطان، والاهداف المتجددة، والآمال، والطموحات .
الحركة السياسية الكردية السورية المنظمة الاصيلة بدأت من عشرينات، ومنتصف خمسينات القرن الماضي، اما الأحزاب الراهنة وبالرغم من صلات القربى الواهية جدا فانها لاتشبهها، فهي حديثة ظهرت في السبعينات، والثمانينات، والتسعينات، وغالبيتها نتيجة ظروف استثنائية، وولادات مشوهة في جنح ظلام اقبية – محمد منصورة – وارهاصات عوامل خارجية، سلوكها غالبا ما يتعارض مع السمات الأساسية لشكل ومضمون الحركة الكردية السورية التي قامت عليها، من حيث طابعها السلمي المدني، وتقاليدها الديموقراطية، ونزاهتها، والحوار السلمي بين تياراتها المتباينة واحترام المقابل المخالف، ومنطلقها المبدئي المستند الى حق تقرير المصير، والتلاحم النضالي مع الحركة الديموقراطية السورية المعارضة للاستبداد، والقابلة لسوريا تعددية والحقوق الكردية المشروعة والشراكة، واستقلالية القرار النابع من الشخصية القومية والوطنية الكردية السورية، ونحن هنا نتحدث عن موضوع عام، ونستثني حالات فردية والعديد من المناضلين، وذوي النوايا الحسنة دائما وفي كل حزب، وفي مختلف المراحل .
أحزاب طرفي الاستقطاب تعيش في فراغ فكري واسع، وتفصلها هوة سحيقة عن التاريخ النضالي لحركتنا، وتعاني من ازمة الهوية والانتماء في المجالين القومي، والوطني، هل هي أحزاب كردية سورية أم غير ذلك ؟ هل تعتبر نفسها تعمل في مرحلة تحرر وطني وتمتلك مزاياها، وتطبق شروطها ، ام أحزاب حاكمة او شريكة في سلطة افتراضية ؟ او أحزاب معارضة ولكن لمن ؟ هل هي أحزاب مدنية تتمسك بالعمل السلمي، ام فصائل مسلحة، او لها أذرع عسكرية، تحضيرا للكفاح المسلح من اجل تحقيق أهدافها بالعنف، والقتال وهي ليست اهداف قومية ووطنية واضحة ؟، هل تدرك هذه الأحزاب حقيقة الواقع السوري، والظروف الخاصة بالحالة الكردية ؟، هل تؤمن حقا بضرورة إعادة بناء الحركة الكردية المفككة، وبأن الغالبية الساحقة من الوطنيين الكرد والمنتجين من الشباب ومتوسطي الاعمار في مجالات الحياة العامة، والعيش بكرامة، وعلى اصعدة الفكر، والثقافة، والعمل الإبداعي قد فقدت الثقة بها، وهي في مرحلة التحضير لتقديم الأفضل ؟ .
صفحات تاريخ الحركة السياسية في منطقتنا مليئة بالدروس، وبتجارب أحزاب كبرى، وعظمى قامت، وغابت، اما بعد انتهاء مهامها، وانتقالها الى مراحل جديدة، او بسبب فسادها، واخفاقاتها، بعض تلك الأحزاب قادت الكفاح التحرري لشعوبها، وبعضها اقام دولا مستقلة، وأخرى أخفقت في تحقيق الهدف النهائي، ثم ظهرت البدائل المناسبة في الكثير من الحالات، وعلى سبيل المثال اين حزب ” جبهة التحرير الجزائرية ” الان ؟ وماذا حل بحزب ” المؤتمر الهندي ” حزب غاندي ونهرو وانديرا ؟؟ وماذا حصل لحركة فتح الفلسطينية ؟؟ وأين الأحزاب الشيوعية بالمنطقة ؟ وكذلك حركة القوميين العرب .
المغزى من هذا الكلام ان تلك الأحزاب غابت عن المشهد، او تراجعت، او فقدت الدور والمكانة ولكن الشعوب، والدول ظلت، والحياة لم تتوقف بل استمرت وفي بعض الأحيان افضل من السابق، وفي وضع شعبنا، وحركتنا المشخص الذي لايحسد عليه، يكاد يكون هناك شبه اجماع على وضع اللائمة على الأقل منذ عشرة أعوام من التراجعات، والاخفاقات، والغياب الكامل لاي بصيص امل على عاتق أحزاب الطرفين المتصدرة للمشهد، ليس ذلك فحسب بل ان كل الدلائل تشير الى ان الحالة الكردية مقبلة على كارثة حقيقية مادامت هذه الأحزاب متشبثة بالمواقع، والمصالح، وان المعادلة الراهنة بلغت حد الاختيار بين الشعب من جهة وبين تلك الأحزاب من الجهة الأخرى، فاحزاب الطرفين تكمل وظيفيا بعضها الاخر، وتتبادل الأدوار، وتتفق على إدارة الازمة والامتناع عن حلها، وعرقلة كل المساعي، والمشاريع، والمبادرات التي تصدر باشكال مختلفة عن الوطنيين المستقلين، والشباب، والناشطين، فهل يعتقد المتنفذون بهذه الأحزاب التي لاتشبه الأحزاب بشيئ ان القضية ملك لهم، والشعب من رعاياهم ؟ .
وسائل اعلام أحزاب طرفي الاستقطاب ( ب ي د و ب د ك – س ) وجدت لها هذه الأيام ماتشغل نفسها بها، فاعلام الطرف الأول اعلام حربي يتابع القصف التركي ويسجل اعداد ضحايا الجنود الاتراك ؟! ويدعو الناس الى المقاومة والصمود، والاستمرار بحفر الخنادق .
اما اعلام الطرف الثاني فكأنه يظهر الوضع في البقية الباقية من الساحة الكردية السورية بالأمان، والاستقرار،والحريات العامة، ويغطي تحضيرات – افتراضية – لمؤتمر الانكسي الذي سيصنع المعجزات ؟! .
ومن دون الخوض في مدى صدقية اعلام الطرفين فهو اعلام جبان لامكان فيه للرأي الآخر، واكثر من ذلك لايظهر فيه – المتنفذون – بل يتم تكليف اشباه صعاليك من كتبة التقارير المعروفين منذ بداية الثورة السورية الذين لامصلحة لهم في تغيير الوضع ، كما اود الإشارة الى مسالة بغاية الأهمية وهي ان هناك قطاع واسع من وطنيينا المستقلين، ونشطائنا لايتفقون مع مواقف، واطروحات، اعلام الطرفين الحزبيين، ومايرميان اليه، ان كان في مجال سلامة المناطق، او بخصوص – المؤتمر – ولكن من دون طرح، وشرح الحلول البديلة لجلب السلام والامان لشعبنا، ومعالجة ازمة الحركة، وهذا موقف ضعيف لايعتد به، وعلى أصحابه السكوت، ففي مثل هذه الحالة الاستثنائية التي يعيشها شعبنا احوج مانكون الى الوضوح والحسم، فلامفر من خطوة استثنائية، انقاذية لحل الازمة، وهي التوافق الفوري بين الوطنيين المستقلين – وهم غالبية شعبنا – والأحزاب لتشكيل لجنة تحضيرية للاعداد لمؤتمر كردي سوري جامع لمواجهة جميع التحديات .
والقضية قد تحتاج الى نقاش