أحمد مرعان
أسئلة عديدة تتوارد إلى الأذهان عما جرى ويجري في محيط سجن الصناعة في مدينة الحسكة، وفق الأحداث الأخيرة ..
لماذا هذا التوقيت ؟ وكيف تمت عملية المداهمة في ظل التشدد الأمني ؟ وكيف وصل السلاح إلى داخل السجن ؟ من وراء هذا وذاك ؟ من المستفيد ومن الخاسر ؟ وما هو المآل والمسببات ؟ وماهي الاحتمالات الواردة في سياق التفاعلات من المهتمين بالشأن العام ، وقراءة الموقف ، وإلى أين ستنتهي الأمور فيما بعد ؟؟؟
ليس من قراءة صائبة في المطلق ضمن مجال التحليل ، كون التداخلات متشعبة الأطراف والمصالح متفاوتة ، ولا ندري كيف ستكون النتائج بالمجمل العام ..
روسيا تشير إلى القوى الدولية المتحالفة بعدم الحاجة لبقائها مادامت داعش اندحرت ، ولم نر لها أي حراك يذكر على مدى ثلاث سنوات مضت .
والمانيا التي اقتنعت بالمشورة تحاول سحب قواتها من التحالف بتلك الحجة ، كون التحالف دخل بغطاء دولي لمحاربة الإرهاب الداعشي الذي يهدد أمن السلام العالمي ، في حين روسيا تبغي من وراء ذلك على إبقاء قواتها والسيطرة على كامل الأراضي السورية، وخاصة في ما يخص اغتنام خيرات الجزيرة المعطاءة ( البقرة الحلوب ) ، وتعلن شرعيتها بذلك كونها حليفة النظام ودخلت بناء على دعوة منه .
أما أمريكا والتي بيدها مفاتيح اللعبة تحاول البحث عن منافذ بقائها ، بإبقائها على الخلايا النائمة من داعش في داخل المدن السورية والصحراء لحين الحاجة ، لأن ذلك هو الرهان على تحريك هذه القوى النائمة بافتعال عمليات تخريب تثير العقول ، لتعلن للعالم عدم انتهاء داعش كما يزعم الآخرون .
وإلا فلماذا سيكون في سجن واحد ما يزيد عن ٣٥٠٠ داعشي بينهم أمراء حرب ضمن حاضنة سكانية بعضهم متعاطف معهم إلى حد ما ، وكذلك مازال بعض المخيمات يعج بهكذا تنظيم يتمتع بتقديم الطعام والرعاية الصحية وخدمة دؤوبة من منظمات دولية للمحافظة عليهم ، علما بأن أغلبهم من جنسيات مختلفة، و عناصرهم، معبؤون فكريا عبر تجسيد روح التحدي والجهاد الذي لا يتجاوز سوى ثقافة القتل وفصل الرأس عن الجسد بحق أبناء تلك المناطق المتواجدين فيها بذريعة الجهاد في إعادة بناء الدولة الإسلامية ، وفي الحقيقة هي مخالفة لقوانين الإسلام الحنيف .
فليس إلا مسميات انطوى تحت ظلالها المغررة ، وكذلك للبحث عن سبل العيش بمغريات مادية مع السلب والنهب بحجج واهية ومضللة ، وتبقى الحاضنة الشعبية معضلة في الحفاظ على هذا التنظيم بالديمومة .
فهي ليست إلا صنيعة الاستعمار الجديد الذي يكيل بموازين الربح على المدى المنظور، لمستقبل يرسمه أصحاب العقول المدبرة بسخاء لتضليل الحقائق وتحقيق أهداف بعيدة ، وإلا فلماذا دولهم الأم لن ترضى باستقبالهم وتدفع مقابل بقائهم الأموال الطائلة .
أما النظام فلا يراعي في تلك المعمعة سوى الحفاظ على بقائه، وعودة السيطرة على كامل الأراضي السورية، برعاية روسية ، ولا يهم عدد الضحايا والتضحيات مهما كانت .
وما يهمنا هو الطرف المدّعي بحماية المنطقة وقاهر داعش ، ماذا جنى وماذا سيجني ؟
الإدارة الذاتية بفصائلها ومسمياتها المختلفة ليست إلا حارسة تحت الطلب مقابل الأموال، ممارسة بذلك تجارة مربحة.
فلماذا لا تبنى لهم سجون محكمة خارج التجمعات السكانية وعلى حساب دولهم التي تدفع الأموال لقاء بقائهم .
تكفينا المساومات وشعارات التضليل والمناورة بنفس اللهجة والاسلوب بذريعة السياسة وتحقيق الأهداف الخلّبيّة ، وكأننا على موعد مع قيام المهدي المنتظر .
وما هم إلا اسم يدغدغ الذاكرة نتيجة هواجس الخوف بحق أبناء جلدتهم، في سياسات التجنيد والتشريد والتجويع والمتاجرة بدم الشهداء ، وتنفيذ برامج قادة الخفاء لاجندات خارجية لا تحمل للكرد سوى الضغينة ومحو الهوية .
أكثر من ٥٠ شهيدا مأسوفا على شبابه، من مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية استشهدوا تاركين خلفهم أطفالا يتامى وزوجات مرملات ، خلال ٢٤ ساعة على أبواب وأسوار السجن وطيران التحالف يحوم من فوقهم ، وكأننا أمام فيلم سينمائي بوليسي متعدد المشاهد المثيرة للجدل والأهداف المبهمة ، أن ذلك يترك غصة والم لن يستكين لسنين بعوائلهم .
كيف وصلت السيارات المفخخة الى الباب الرئيسي ، وكيف وصلت الأسلحة والذخيرة الى داخل السجن ، وكيف بدأ التمرد من داخل السجن من قبل المساجين بالرصاص الحي ، في حين نرى بأن أغلب شوارع المدن مغلقة بالمتاريس لمجرد وجود دائرة خدمية فيها ، فكيف بسجن بهذا الحجم وفيه الآلاف من معتقلي الدواعش لم يكن بمستوى الحيطة والحذر والأمان والحراسة المشددة .
وربما من يبرر التمرير لوجود أكثر من ٧٠ ٠/٠ من المكون العربي بترتيبات القوى العسكرية للإدارة الذاتية، وربما بعضهم من كان يعمل مع داعش سابقا ، وهذا مما قد سهل وصولهم الى الباب الرئيسي وإحداث التفجير وكذلك ممن سهل وصول الذخيرة والسلاح الخفيف الى داخل السجن ، وبالتأكيد هذا قد تم الإعداد له منذ زمن ليس بقليل ، في حين استخباراتهم تلتقط ذبذبات الأفكار قبل البوح بها .
فلماذا قبول هكذا شرائح والاعتماد عليهم في مثل هذه المهام ماداموا ليسوا أهل للثقة ؟
في حين التحالف مع بشمركة روج هي إهانة بحق القوى العسكرية للإدارة ، أم أنه انتقاص من مفهوم الأمة الديمقراطية ؟
ولا ننسى هروب بعض الكوادر من الكادرو بين الحين والآخر إلى تركيا محملا بآلاف الدولارات ، والمعلوم بأن تركيا تدعم التنظيم الداعشي .
ولا ننسى إيران الداعمة الرئيسية والفعالة لهذا التنظيم لتصفية حسابات على ارض الواقع مع القوى الفاعلة على الأرض في تلك الفترة ، وشعورها بالإفلاس من الطموحات التي رسمت لها ، كي لا تخرج من المولد بلا حمص كما يقال ، وتعتبر من الأيدي الخفية والمخيفة في تحريك التنظيم كما يجب وفي التوقيت اللازم ..
وهل هذا الوفاء سيدوّن علامات في سجل التقييم لدى القوى الدولية الفاعلة بمنح الامتيازات لمستقبل الأمة الديمقراطية في المستقبل القريب او البعيد .
وهذا النقد لا نبغي به التجريح بقدر ما نبغي به تصحيح المسار نحو أفق المسؤولية ومحاسبة المقصرين من قبل أصحاب النفوذ والغيورين على المصلحة العامة .
وبالمحصلة يقف المرء حيرانا من هذا التدهور الذي أشبه بكرة نجسة تتفاقم بحجمها ومعضلاتها .
هذا يحارب ذاك ، وذاك يتحالف مع هؤلاء ، والكل يتآمر ولا نسمع إلا بتجار الحروب اللذين فقسوا من بيضة لم تكتمل مدة حضانتها بعد .
أي عالم هذا ، وأية حياة جميلة وهادئة نتواعد بها في حين سلم التنازلات ينحدر نحو الأسفل والأسوأ يوميا ، ويبقى الماضي أجمل من الحاضر ، والمستقبل مجهول المعالم ويفوق سقف التوقعات ، الكل ينهش ببعض ولا ندرك الحقيقة ..
أهذا هو النظام العالمي الجديد الذي يقود إلى الحضيض ، تبا لكم ولعدالتكم ولشعاراتكم التي لا تغني ولا تسمن من جوع ../ ..