صلاح بدرالدين
في أية انتكاسة، أو تراجع، أو حالات الجمود في حركات الشعوب القومية، والديموقراطية، وفي أية هزائم تلحق بادواتها النضالية، يتم البحث عن الأسباب، والمقدمات، وهل حصل الانسداد، والجمود، ووقعت الكارثة بسبب عوامل ذاتية، أو موضوعية أو الاثنتين معا ؟ .
لسنا الان بصدد بحث تاريخ الشعب الكردي، او دراسة أحوال طبقاته الاجتماعية، أو ظروفه الاقتصادية، او توزيع قواه البشرية في عملية الإنتاج، بل نحاول الإحاطة بتطورات الحركة الوطنية الكردية السياسية المعبرة عن مصالح، ومطامح الكرد، والمدافعة عن وجودهم، وحقوقهم، وبمعنى أدق نحن بصدد تحديد أسباب تراجعها، وعوامل نهوضها، كونها الأداة، والوسيلة، والسلاح الفعال في وجود الكرد، وحمايتهم، وضمان مستقبلهم، فتعبيرات الحركة الكردية تتبدل حسب الظروف والاحوال، وفي الحالة المشخصة الراهنة للكرد السوريين فان التعبيرات الحزبية تتحكم، وتسيطر بوسائل قسرية، واقتصادية، ودعائية ملتوية، وتلحق الضرر البالغ بالقضيتين القومية، والوطنية .
فاحزاب طرفي الاستقطاب تتحمل مسؤلية افراغ المناطق من الشباب، والمنتجين، وسوء الأحوال الأمنية، والاقتصادية، وفي تعميق الخلافات الكردية الكردية، وفي سوء العلاقات الوطنية، والإقليمية، والكردستانية، والدولية، وفي نشر الإحباط، وانعدام الثقة، بين الأوساط الاجتماعية، وانتشار الفساد، والمحسوبية، وشراء الذمم، والهبوط حتى في أخلاقية التعامل المجتمعي، الأحزاب وليس الشعب الكردي مسؤولة عن معظم حالات الاحتلال لمناطق كردية سورية، واهراق الدماء الزكية، وتسعير العداوات بين الكرد والمكونات الأخرى، وهي المسؤولة عن انعزال الكرد عن الشأن الوطني، وضعف وانعدام تمثيل الكرد بالمحافل، وهي المسؤولة عن فرض خيار العودة الى نظام الاستبداد الذي يشكل العدو الأول والأخير لشعبنا وقضيتنا .
معظم الكرد السوريين المهتمين بالشأن السياسي، والمتابعين لتطورات حركتهم، لايختلفون على وجود الخلل البنيوي في هيكلية تعبيراتها الحزبية المتصدرة للمشهد ، والمحتكرة للعمل السياسي الكردي لاسباب عديدة معظمها ان لم يكن كلها خارجية، ليس من بينها شرعية التخويل، والتمثيل من جانب الغالبية الساحقة من الشعب الكردي، لذلك وامام حالة الجمود، وانسداد الآفاق، وفشل أحزاب طرفي الاستقطاب ليس في إيجاد حلول للازمة المتفاقمة فحسب بل عجزها عن تشخيص أسبابها، وتحديد جوانبها، نقول امام الطريق المسدود هذا لابد للنخب الفكرية، والثقافية مواكبة الحالة المرضية الراهنة، والتنكب لمهام البحث والتحليل العميقين، للخروج باستخلاصات علمية واقعية مفيدة، تتبعها الممارسة العملية في التطبيق .
الذاتي أولا، والموضوعي تاليا في حالة التأزم
هناك انطباع عام ترسخ في أذهان الكرد في كل مكان، وحتى قبل ان يصبح الكرد السورييون جزء من الكيان الوطني السوري، بأن الظروف الموضوعية المحلية، والدولية لم تكن يوما لمصلحة خلاص الكرد وتحررهم، قد يكون هذا الحكم قريبا من الصحة للوهلة الأولى، ولكن سرعان ما يظهر انه تبريري على الاغلب وذلك لعدم الإشارة بذات الوقت الى ضعف او غياب العامل الذاتي، وعدم الربط بين الجانبين، بالإضافة الى أن احداث التاريخ الكردي، والكردي السوري بالذات تنبؤنا مرارا على إضاعة الفرص، واللحظات الحاسمة، في مراحل كانت العوامل الموضوعية مناسبة .
من حيث المبدأ، وعلى ضوء تجارب حركتنا التاريخية، فان العامل الذاتي هو الأساس الذي تنشأ عليه العوامل الموضوعية، والعامل الذاتي منوط به وظيفة تغيير العامل الموضوعي، واذا كان العامل الذاتي مكتملا، وناضجا، فانه كفيل بتحويل مساوئ، ومخاطر الظروف الموضوعية الى أدوات مساعدة، وإيجابية لصالح الكرد، وقضيتهم، وشعبهم، ووطنهم .
فما هي مكونات العامل الذاتي التي تتوقف عليها مصير الحركة الكردية السورية، وتتطلب التبديل، والتطوير، والترشيد ؟ :
أولا – توفر حركة سياسية، ديموقراطية، منظمة، واسعة، منفتحة، غير مؤدلجة، تستوعب ممثلي مختلف الطبقات الاجتماعية، والفئات المنتجة، والاجيال المتكاملة من النساء والرجال، الذين تتوحد مصالحهم من اجل انتزاع الحريات، وصيانة الهوية القومية، واحترام إرادة الكرد في تقرير مصيرهم السياسي والإداري في سوريا الجديدة التعددية، الديموقراطية .
ثانيا – مشروع سياسي كردي شفاف من اجل التعايش، والسلام، يستند الى مبدأ التعاون، والعمل المشترك مع القوى الديموقراطية السورية، لإزالة الاستبداد، وبناء النظام السياسي التشاركي المقرر من الشعب، من شأنه تعزيز دور سوريا في المجتمع الدولي الىى جانب السلام، وحرية الشعوب .
ثالثا – الانطلاق من مفهوم واقعي حول كون سوريا بلد متعددة الاقوام، والديانات، والمذاهب، واحترام خصوصيات، وحقوق الجميع .
ثالثا – اعتماد الفكر القومي الديموقراطي على قاعدة مبدأ حق تقرير المصير، والعيش المشترك مع الشعوب والمكونات السورية بسلام، ووئام، والعودة الى مفاهيم، وتقاليد حركتنا الكردية الديموقراطية، وتنقية الفكر السياسي الكردي من بدع عبادة الفرد، والعقلية العسكريتارية، والتبعية الولائية .
رابعا – إرساء مبدأ استقلالية القرار الوطني الكردي السوري، وإعادة النظر في العلاقات القومية باتجاه تحويلها الى علاقات التنسيق، والتعاون الاخوي، وعدم التدخل بشؤون البعض الاخر .
خامسا – تصالح السياسي مع الثقافي، بتحفيز شروط التزام المثقف بقضايا الشعب، والوطن، والعمل سوية لتنشيط نهج ثقافي قومي، ووطني متجدد، ينعكس على كافة مناحي الحياة بمافيها النضال السياسي .
سادسا – من اجل تعزيز جوانب العامل الذاتي، وضمان الأهداف المرجوة، وادامتها مستقبلا، واضفاء الشرعية القومية، والوطنية، وتصليب عودها للتمكن مستقبلا من كسب، وتجيير العوامل الموضوعية المؤاتية، لابد من استخدام الطريق المدني الديموقراطي الشرعي، أي المرور بالمؤتمر الكردي السوري الجامع، والعمل على توفير شروط عقده بالسرعة الممكنة .
سادسا – ترسيخ مبدأ الحوار السلمي في الحياة السياسية، وتحويل الصراعات الراهنة التناحرية، الى التنافس، وتقديم الأفضل لصالح الشعب، بعيدا عن وسائل العنف، والترهيب، والتخوين، وإزالة خطاب الكراهية، والمواقف المسبقة العدائية .
ماسبق يشكل القاعدة الأساسية الفكرية، والتنظيمية، والسياسية، والاجرائية، والثقافية للعوامل الذاتية الأكثر نضوجا، والمطلوبة توفرها، وهي الكفيلة بالتأثير المباشر، وعلى مراحل متلاحقة على العوامل الموضوعية السياسية بشكل خاص، وتبديلها نحو الأفضل، وتجييرها لمصلحة البرنامج الوطني الكردي السوري، وإعادة، وتفعيل الدور المرموق والمؤثر للحركة الكردية السورية على الصعد المحلية، والوطنية، والكردسانية، والاممية .
والقضية قد تحتاج الى نقاش