صلاح بدرالدين
هذا مانسمعه في الوسط الكردي بشكل دائم وفي السنوات العشرة الأخيرة بصوت أعلى، ويتردد صداه، انه تساؤل شديد العمق، غني المعاني، نابع من خيبات الامل، وخسارة الرهان، يحتاج الى إجابة موضوعية، من موقع المسؤولية الوطنية، والأخلاقية، حتى لو كانت جارحة للبعض، ومفاجئة لبعض آخر، فالموضوع يتعلق بالشأن العام، وبتاريخ حركة شعب، ويجب ان لايخضع البت فيه للاعتبارات الشخصية، أو المواقف الفكرية، والسياسية، وسيكون ومهما كانت الإجابة قابلا للنقاش، والاخذ والرد .
بداية لابد من التأكيد أن أي شعب في عصرنا الراهن وبينهم الكرد، وفي كل المراحل، بامس الحاجة الى أدوات تنظم الحياة السياسية، والاجتماعية، وتحقق الأهداف الكبرى، والمطالب الحياتية، بالطرق المناسبة المتاحة، هذا من حيث المبدأ، ومن جهة أخرى فان قيام، ونمو، ونضال الأحزاب، في سبيل الحرية، والديموقراطية، والتقدم لن يستقيم الا في ظل النظام الديموقراطي الذي يكفل حرية الرأي، وهذا ما كان يعوزه السورييون عموما، والكرد على وجه الخصوص، منذ انقلاب البعث بداية ستينات القرن الماضي، لم تشهد البلاد أي تطور وطني ديموقراطي، وطبقت الاحكام العرفية، وتم تكميم الافواه، وقمع المعارضة، وزج المناضلين بالسجون، والمعتقلات .
جرت محاولات عديدة في غضون العقود الماضية لتشكيل أحزاب، وتنظيمات سياسية، في السر، وفي العلن، وباستثناء عهود شبه ديموقراطية مابعد الاستقلال، لم تكن بالمستوى المطلوب بعد سيطرة البعث، رغم ظهور قيادات فردية ثورية، ولم تظهر عبر التخويل الشعبي، كما لم تكن تمثل مصالح الطبقات الاجتماعية بصورة علمية، وموضوعية، كما تحصل في المجتمعات الديموقراطية ببعض البلدان الغربية، الراسمالية، كانت في بلادنا غالبا فئوية، مناطقية، عصبوية، بالإضافة الى انكشافها امام السلطات، واختراقها، وإمكانية شقها في أي وقت من جانب الأجهزة الأمنية .
في الحالة الكردية
ظهر الحزب الكردي السوري الأول ( الحزب الديموقراطي الكردستاني – سوريا ) عام ١٩٥٧، كحاجة موضوعية استجابة لامرين متكاملين، الأول : لتنظيم الصف الكردي، وقيادة نضاله السلمي المدنيي، من اجل المساهمة في الحياة الوطنية، وانتزاع الديموقراطية، وتحقيق الحقوق القومية المشروعة، وذلك لملئ الفراغ الحاصل حيث امتنعت الأحزاب السورية القومية، والشيوعية، والإسلامية عن تبني القضية الكردية في برامجها، او طرح المظلومية الكردية، والامر الثاني : انبثق في خضم موجة تشكل وتاثير الأحزاب الديموقراطية على المستوى القومي في المنطقة فقد سبقه اعلان كل من : ( حزبي ديموقراطي كردستان ايران ١٩٤٣ – ١٩٤٤، والحزب الديموقراطي الكردستاني – العراق ١٩٤٦، ولاحقا الحزب الديموقراطي الكردستاني – تركيا )، جميع هذه الأحزاب، بمافيه السوري، كانت استجابة لارادة النخب الكردية في أزمنتها المختلفة، حتى من دون تخويل شعبي، او تنظيم استفتاء، وانتخابات ديموقراطية عامة، لان الظروف المحيطة لم تكن تسمح بذلك، اما الى اية درجة مثلت هذه الأحزاب أهداف، وطموحات، ومصالح الشعب، وهل كانت سياسات قادتها وأداؤها بالمستوى المطلوب وعلى طريق الصواب فقد يحتاج الجواب الصائب الى المزيد من البحث، والتمحيص .
الانقسام الفكري، والتنظيمي، والسياسي، الذي أطاح بوحدة الحزب الأول منذ العام ١٩٦٥، لم يلغي حاجة الكرد السوريين الى حزب منظم يمثل ارادتهم، ويطرح قضاياهم في المحافل الوطنية، والإقليمية، والاممية، ويرعى احياء وتطوير الثقافة الكردية، ويواجه النظام الشوفيني المستبد، ويفضح مخططاته العنصرية امام الراي العام، ويساهم في احياء الثقافة الكردية، اما إشكالية التمثيل الشرعي، وتخويل الأغلبية، فظلت على ماهي عليها دون حل، بسبب كما نوهنا أعلاه، سيادة الاستبداد، وخنق الحريات، والإجراءات الشوفينية الصارمة تجاه الكرد خصوصا .
ومن دون الدخول بتفاصيل الخلافات بين اليسار، واليمين حول مضمون القضية الكردية، والمسألة القومية، ودرجات التمثيل الشعبي، حيث ذكرنا جوانب منها في القضايا المطروحة السابقة، فانني أميل الى اعتبار تدني التمثيل الشعبي أكثر، وهبوط درجات التعبير عن إرادة، وطموحات الكرد الى اسفل الهرم، من جانب الأحزاب التي تكاثرت، وتوالدت، منذ أواسط ثمانينات وبداية تسعينات القرن الماضي ( ليس بهدف ملئ فراغ مثلا، او تمثيل طبقة اجتماعية، او اجتراح نهج قومي متطور أكثر رسوخا ) أي بعد حلول مرحلة ” الانحطاط ” التي تقلصت فيها مسافة التمثيل من نخب، وجماهير، الى شلل، ومجموعات، وعائلات، وازدهر المال السياسي، وترسخت خطة ” تكريد الصراع ” ثم مهدت هذه التراجعات لترسيخ التبعية للمحاور، والعمل لمصلحة اجندات خارجية على حساب مصالح، وطموحات الكرد السوريين، وهو بحد ذاته شكل عاملا مساعدا في تنفيذ مخططات افراغ المناطق، وتغيير تركيبتها الديموغرافية، التي واجهها الحزب عندما كان يحظى بنوع من القبول من جانب قطاع واسع من الجمهور الشعبي الكردي .
كيف السبيل لاستعادة التمثيل الشعبي، والتعبير عن إرادة الغالبية الكردية ؟
التطورات الموضوعية في الملف الكوردي بالمنطقة عموما والكردي السوري خصوصا، وازدياد درجات الوعي السياسي، والنضج الثقافي، وتقديمات العلوم، والتكنولوجيا في مجال التواصل الاجتماعي، وسهولة عقد اللقاءات، والمؤتمرات بمعزل عن المخاطر الأمنية، ومن دون تكاليف مادية باهظة، يسهل الطريق امامنا، ويحفزنا لتحقيق الكثير من الخطوات، وتوفير الشروط اللازمة، لاعادة بناء الحركة الكردية السورية، وتوحيدها، من خلال المؤتمر الكردي السوري الجامع، علىى أسس سليمة، وبما تتلاءم مع ركب التقدم، والظروف المحيطة، بالاستفادة من أخطاء الماضي، والتفاعل مع متطلبات الحاضر والمستقبل، وقبل هذا وذاك التعبير الصحيح عن مصالح ومطامح الغالبية الشعبية على الصعيدين القومي، والاجتماعي .
وكما أرى فان تجارب العمل الحزبي في المنطقة كلها، وفي حالتنا الكردية السورية أيضا، بمرارتها، واخفاقاتها، لن تتكرر، بل ان السبيل الأمثل هو انتهاج بناء حركات واسعة ببرنامج شفاف توافقي، تضم أوسع الطبقات الاجتماعية، والقطاعات الشعبية، تتعدد ضمنها الآراء، وتتنافس الأفكار بحثا عن الأفضل، وتحمل المشروع القومي، والوطني الكردي من اجل التغيير الديموقراطي، وتثبيت الحقوق المشروعة، وهذا ما سينبثق عن المؤتمر المنشود .
والطريق الوحيد للوصول الى المبتغى هو الانتقال من مرحلة سيولة الأحزاب، والاستقطاب الحزبوي، والصراعات بالوكالة، وضخ المال السياسي، والتبعية، والاتكال، واستعارة التاريخ، والامجاد، الى مرحلة متجددة في الفكر، والسياسة، والأخلاق النضالية السامية، واختيار اطر العمل السياسي المنظم، والموسع بطريقة ديموقراطية، شفافة، بحيث يشمل كل طبقات، وفئات المجتمع، بالتفاعل الإيجابي مع شروط المرحلة النضالية الآنية، هذا هو الطريق الوحيد لاستعادة التمثيل الشعبي، وتعزيز العوامل الذاتية، والبدء بتغيير العوامل الموضوعية لمصلحة قضايانا القومية، والوطنية، والديموقراطية .
والقضية تحتاج الى النقاش