مواجهة ديكتاتور إيران في المرحلة الأخيرة

عبدالرحمن کورکی (مهابادي)*

تمكن خميني من خلال سرقة قيادة ثورة الشعب الإيراني المناهضة للملكية وإساءة استخدام المشاعر الدينية للمواطنين من أن يفرض في إيران نظامًا ديكتاتوريًا أسوأ من النظام السابق، وسرعان ما بادر بقمع أي شكل من أشكال التحرر، والتستر على ذلك بالقيام بسلسلة من إشعال الحروب المناهضة للوطنية.  
بادر خميني في البداية بالتمهيد للحرب ضد العراق متبنيًا سياسة العدوانية والاحتلال حتى يتمكن بسهولة من قمع أي صوت معارض بحجة أن البلاد في حالة حرب. وفي نفس السياق وصف أي قوة أو تيار يرفض التحرك تحت قيادته في هذا الاتجاه بـ “بالكافرين” و “أعداء الثورة”، والأسوأ من ذلك أنه وصفهم بـ “المنافقين” وأصدر فتوى بقتالهم. 
وكان الهدف الرئيسي لخميني هو إرساء الملكية المطلقة للولي الفقيه، وكان من الطبيعي أن يعتبر “منظمة مجاهدي خلق الإيرانية” المنافس الوحيد، نظرًا لأن هذه المنظمة هي القوة التي تؤمن بـ “الفكر الإسلامي” ولكن بمضمون معادٍ للإسلام الذي جعله خميني أداة لسلطته ومتاجرته بالدين.
وكان خميني يسعى في هذا الاتجاه وبنفس السلاح إلى خلق عداء بين الشعب والمنظمات الثورية. ولذلك قسَّم خميني المجتمع تحت شعار “الإسلام ومناهضة الإسلام” وأسس نظام حكمه على ذلك ولم يترك مجالًا للمعارضة. وبهذه الطريقة اختفت الحرية تمامًا من المجتمع المنكوب بخميني. وأنشأ السجون ونصب المشانق على نطاق واسع في جميع أنحاء المدن والمناطق في إيران. ووصف خميني، الذي يعتبر نفسه هو “الإسلام”، أي صوت معارض بأنه “معادٍ للإسلام”. لذا، كان يمارس الضغوط على مجاهدي خلق لإدانة التيارات غير الدينية أسوة بالنظام الملكي المخلوع، نظرًا لأنه كان يسعى إلى أن يتحيز مجاهدو خلق له في الشكل والمضمون. بيد أن مجاهدي خلق رفضوا ذلك رفضًا باتًا واتخذوا موقفًا مناهضًا لخميني يشهد به التاريخ، ورفضوا كل ما يصبو خميني إليه ورفضوا التصويت على دستوره. ومن هذا المنطلق، كان تركيز مجاهدي خلق على تمتع المواطنين بالحريات بكل أشكالها الفردية والجماعية، على عكس ما كان يصبو إليه خميني.
وامتدادًا لهذا الاتجاه، سرعان ما اصطفت منذ البداية، قوتان متناحرتان ضد بعضهما البعض في المجتمع، وهذه هي الحقيقة لا غير. وذلك نظرًا لأن قمة عمود التحرر في المجتمع يجب أن تكون قوة تؤمن بأيديولوجية الإسلام الثوري وتبشر بها في المقام الأول، وأن تؤمن بحرية العقيدة حتى النخاع في المقام الثاني. ويجب أن تكون قوة جادة وملتزمة بمبادئها في المقام الثالث. هذه هي العوامل التي جعلت خميني وخلفه يعتبرون مجاهدي خلق منافسهم الوحيد منذ البداية حتى الآن، نظرًا لأن وجود مجاهدي خلق يعتبر رفضًا لخميني والأيديولوجية الدينية القذرة لولاية الفقيه.
لذلك، لن يكون من المبالغة القول إن خميني ونظامه استخدموا كل ما لديهم من مراكز القوى والإمكانيات لمواجهة مثل هذه القوة. وعلى الرغم من مرور 41 عامًا ونيف على انقضاض الملالي على السلطة، بيد أنه بفضل صمود هذه القوة وتمسكها بمبادئها العقائدية وموقعها المتزايد اجتماعيًا وسياسيًا كل يوم، فإن نظام الملالي لم يتمتع بالاستقرار فحسب، بل إنه الآن على وشك الإطاحة به. 
والجدير بالذكر هو أنه رغم أن آلية عمل نظام الملالي في مواجهة هذه القوة تنطوي على إحاكة آلاف المؤامرات والسيناريوهات وكلفت مئات المليارات من الدولارات، ولكن بشكل عام يمكن القول إن خميني بادر في البداية بإشعال حرب غير مشروعة على مجاهدي خلق في طريق قمع الحرية والتحرر في المجتمع، إذ أنه قمع مظاهرة النصف مليون مواطن في 20 يونيو 1981 بسفك الدماء. وأصدر لاحقًا فتوى بإبادتهم، بل جنَّ جنونه وأقال خليفته، حسينعلي منتظري عندما قال : ” لا يمكن القضاء على مجاهدي خلق بالقتل”. وكان خميني يري منذ البداية أن مجاهدي خلق خصمه الذي لا يمكن التصالح معه، وعندما تولى السلطة في عام 1978 قرر التخلص من هذه القوة بشتى الطرق كخطوة أولى. 
وبعد أن صعَّد خميني القمع وتضييق الخناق إلى ذروته، بادر مجاهدو خلق بتأسيس جيش التحرير على الحدود الغربية من الأراضي الإيرانية في عام 1987 لإغلاق أتون نزعة خميني للحرب، وبهذه الطريقة يمكنهم أيضًا الإطاحة الوشيكة بنظام خميني لإعادة ثورة الشعب الإيراني المناهضة للملكية إلى مسارها الصحيح، أي إرساء سيادة وطنية شعبية ديمقراطية في البلاد. 
وهكذا، غيرَّت استراتيجية جيش التحرير الوطني جوهر القضية في المنطقة بما قامت به من عملية عظيمة في منطقة مهران تحت مسمى الثريا “جلجراغ” رافعين شعار “اليوم مهران وغدًا طهران”؛ لدرجة أن خميني اضطر فجأة إلى تجرع سم وقف إطلاق النار مع العراق خوفًا من الإطاحة بنظامه في عملية لاحقة. ولكن هل من حيث المبدأ صنع خميني وخلفه السلام مع العراق؟ ولماذا؟ 
كثيرًا ما رأينا أو سمعنا أو قرأنا في التاريخ أن الديكتاتوريين على مدى التاريخ دائمًا ما يخشون الحرب على الأرض مع المعارضين، نظرًا لأن قوة المقاومة في ارتباط عميق بشعبها وسوف تحقق النصر على الديكتاتور في زمن قصير قياسي. وهذا هو السبب في أننا نرى خميني (وخلفائه من بعده) قد أعلنوا أكثر من مرة أنهم إذا لم يقاتلوا خارج الحدود، فيجب عليهم القتال داخل الحدود. ولكن مع من؟ هل هناك قوة أو حكومة تدعى الإطاحة بهم سوى الشعب والمقاومة الإيرانية؟ 
وبناءً عليه، فإن أي تطور سياسي أو عسكري يتعلق بإيران ينطوي في باطنه على الحرب الرئيسية والنهائية، ومن المؤكد أنها هي حرب الشعب والمقاومة الإيرانية ضد نظام ولاية الفقيه الديكتاتوري، وأن الإطاحة بهذا النظام سوف تتحق بالحرب ليس إلا. 
وكان خميني وأتباعه يسعون بعد مرحلة 20 يونيو 1981 المصيرية إلى إبادة مجاهدي خلق من منطلق أنهم قوة المقاومة العنيدة والتخلص منهم ليس في المجتمع فحسب، بل محوهم من أذهان المواطنين، وذلك بالتمادي في الإبادة الجماعية وارتكاب المذابح في حق الثوار المجاهدين المناضلين داخل إيران. ولكي يمضي قدمًا في هذا الاتجاه الشيطاني منع جميع وسائل الإعلام الحكومية أيضًا من ذكر اسم مجاهدي خلق، وادعوا أكثر من مرة أنه قد تم القضاء نهائيًا على مجاهدي خلق. ولكن هيهات، وعجبًا لهؤلاء المغيبين! 
وسمعنا في السنوات الأخيرة، أكثر من مرة على لسان على خامنئي وغيره من قادة نظام الملالي أن مجاهدي خلق يمثلون الخطر الرئيسي لنظامهم الفاشي. ويجب أن تكون هذه التصريحات قد كشفت بوضوح عن جوهر القضية الإيرانية أمام أعين العالم، خاصة وأنه لم يمر يوم إلا وقام فيه نظام الملالي الحاكم باعتقال أعضاء وأنصار مجاهدي خلق وتعذيبهم وإعدامهم. ولم يمر يوم إلا واشتكى المسؤولون في نظام الملالي للمسؤولين في البلدان الأخرى من مجاهدي خلق أثناء اللقاءات والاجتماعات الخاصة والاتصالات الهاتفية وطلبوا منهم التصدي لهم. 
وهناك إجماع على أن نظام الملالي يعيش الآن في أضعف موقف له في تاريخه، وبفضل مجاهدي خلق لم يذق طعم الاستقرار على الإطلاق ، على الرغم من مرور 40 عامًا ونيف منذ أن انتزع السلطة عنوة من الشعب وتولى مقاليد الحكم. 
 ما هو السبب الرئيسي في هذا الخلل وعدم الاستقرار؟ ولماذا؟
ألم يزعم قادة هذا النظام الفاشي أنهم قضوا على هذه القوة (مجاهدي خلق) المهددة لنظامهم؟ وهل أخطأ قادة هذا النظام التقدير؟ أم أن علي خامنئي وقادة هذا النظام دائمًا ما يتبنون استراتيجية إطلاق الأكاذيب والافتراءات وتضليل الرأي العام والعبثية؟ فما هي حقيقة الأمر؟ 
والجدير بالذكر أن تصريحات المعمم مصطفى بور محمدي، عضو فرقة الموت في مذبحة السجناء السياسيين عام 1988، بالتزامن مع تطور حركة التقاضي على شهداء المذبحة التي تضطلع بها السيدة مريم رجوي؛ جعلتنا في غنى عن إجابة مستفيضة على الأسئلة المشار إليها أعلاه، حيث قال: ” لم يتلقى نظام الملالي أي ضربة وتعرُّض للتدمير على مدى 40 عامًا إلا وكان مجاهدي خلق هم المخططين الرئيسيين لها.  (وسائل إعلام نظام الملالي الحكومية، أغسطس 2019).
واعتمادًا على الأحلام والأوهام، بعد بداية حرب الخليج عام 1990 (التي أسفرت عن غزو نظام الملالي للعراق والعبور العدواني الصارخ للحدود الدولية وتلقي هذا النظام الفاشي هزيمة منكرة على أيدي أبطال جيش التحرير الوطني الأشاوس) منحت الآثارة المدمرة الناجمة عن الخطأ الاستراتيجي التاريخي الذي ارتكبه الغرب في الهجوم على العراق في عام 2003 الفرصة للملالي الحاكمين في إيران في أن يلتقطوا أنفاسهم كوجبة سمينة، وأدت إلى توفير سبل العيش لنظامٍ طالما كان يسعى إلى إبادة المقاومة الإيرانية. وكان على خامنئي يسعى بذكاء هذه المرة إلى إبادة المقاومة الإيرانية في أشرف وليبرتي تحت لواء التحالف والأمم المتحدة. 
بيد أن شعوب العالم كانت شاهدة على أن المقاومة الإيرانية لم تكن وليست بتلك القوة التي يظنها نظام الملالي وحلفاؤه. إذ أنه نتيجة لصمود منظمة مجاهدي خلق الإيرانية وتمسكهما حتى النهاية بالمبادئ والاستراتيجية والتركيز على الهدف الرئيسي، فضلًا عن شرعية الطريق ويقظة قيادتها المؤهلة والمحنَّكة سياسيًا؛ أحبطت كل المؤامرات واستخلصت الخیر العظیم من هذا الشر الكثير، وجعلت نفسها خالدة في التاريخ والمنتصرة في الساحة.  
وكانت نتيجة هذه الفترة من الصمود الرائع لتحقيق النصر هي تبني استراتيجية تشكيل معاقل الانتفاضة التي جعلت من الأراضي المحتلة (إيران) ميدانًا للعمل الرئيسي لمواجهتها لنظام ولاية الفقيه، وجعلت على خامنئي يرى بأم عينه مرحلة نهاية نظام الملالي. مرحلةٌ كانت خطواتها الأولى هي الانتفاضات الشعبية في عام 2018 وانتفاضة نوفمبر 2019 على وجه التحديد. والآن نحن في الجولة الأخيرة لهذه المعركة بقرار علي خامنئي بترسيخ قواعد نظام الملالي والدفع بجلاد من أمثال إبراهيم رئيسي في منصب رئيس جمهورية الملالي. 
ومن هذا المنطلق، رفع القائد العام لجيش التحرير الوطني راية المواجهة النهائية للإطاحة بهذا النظام الديكتاتوري والإرهابي قبل إجراء مسرحية انتخابات نظام الملالي في 18 يونيو 2021 معلنًا عن أسماء المؤسسين الـ 5 لجيش التحرير الوطني. ويعد ترحيب الإيرانيين الحماسي الحار، ولا سيما الشباب والإيرانيات بهذه الخطوة العظيمة دليلًا على أننا في المرحلة النهائية لنظام الملالي وتحقيق انتصار الشعب على الديكتاتور الحاكم في إيران. 
نعم، سوف يتحدد مصير الشعب الإيراني والمنطقة في هذه المرحلة على أيدي الشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية. وكما أعلن زعيم المقاومة الإيرانية، السيد مسعود رجوي مرارًا وتكرارًا، فإن الإطاحة بهذا النظام تقع على عاتق الشعب والمقاومة الإيرانية لا على أي تيار أو حكومة أجنبية. 
والجدير بالذكر أن الإطاحة بنظام الملالي متاحة الآن بشكل غير مسبوق، حيث أن نظام ولاية الفقيه يعاني من مأزق كامل على جميع الأصعدة الداخلية والخارجية، وعلى الجانب الآخر، تطورت المقاومة الإيرانية ونجحت في نشر شبكاتها الاجتماعية في جميع أنحاء إيران، ونقلت ساحة معركتها داخل إيران المحتلة بالملالي معتمدة على استراتيجية جيش التحرير الوطني. وتم الإعلان عن أسماء المؤسسين الـ 5 لجيش التحرير الوطني لتحديد مصير الشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية الباسلة. 
فعندما يتم توفير الظروف العقلية والموضوعية لثورة ما، وعندما تكون الثورة ذات حق وقادرة من كل الوجوه، والظروف مهيأة لإنطلاقها، وعندما تكون الاستراتيجية والهيئة القيادية للانتفاضة وكوادرها على أهبة الاستعداد، فلا محالة من انتصار الشعب على أغلال الديكتاتور، وسوف يشق البديل الحقيقي لنظام الملالي، أي المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية طريقه نحو إرساء سلطة وطنية وشعبية وديمقراطية في إيران بما يتمتع به من خصائص منقطعة النظير.
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صدرت للكاتب والباحث د. محمود عباس مؤخراً ثلاثة كتب جديدة، وبطباعة فاخرة، ضمن سلسلة مخطوطاته التي تتجاوز الأربعين كتابًا، متناولةً القضايا الكوردية من مختلف جوانبها: النضال السياسي، والمواجهة مع الإرهاب، والتمسك بالهوية الثقافية. تُعدّ هذه الإصدارات شهادة حيّة على مسيرة د. عباس، الذي يكتب منذ أكثر من ربع قرن بشكل شبه يومي، بثلاث لغات: العربية، الكردية، والإنجليزية. إصدارات الدكتور محمود…

اكرم حسين تستند الشعبوية في خطابها على المشاعر والعواطف الجماهيرية، بدلًا من العقلانية والتخطيط، حيث أصبحت ظاهرة منتشرة في الحالة الكردية السورية، وتتجلى في الخطاب السياسي الذي يفضل دغدغة المشاعر الجماهيرية واستخدام شعارات براقة، ووعود كاذبة بتحقيق طموحات غير واقعية، بدلاً من تقديم برامج عملية لحل المشكلات المستعصية التي تعاني منها المناطق الكردية. إن تفاقم الاوضاع الاقتصادية وانتشار الفقروالبطالة، يدفع…

خالد حسو عفرين وريفها، تلك البقعة التي كانت دائمًا قلب كوردستان النابض، هي اليوم جرحٌ عميق ينزف، لكنها ستبقى شاهدة على تاريخٍ لا يُنسى. لا نقول “عفرين أولاً” عبثًا اليوم، بل لأن ما حدث لها، وما يزال يحدث، يضعها في مقدمة الذاكرة الكوردية. لماذا عفرين الآن؟ لأن عفرين ليست مجرد مدينة؛ هي الرئة التي تتنفس بها كوردستان، والعروس التي تتوج…

خليل مصطفى ما تُظهرهُ حالياً جماعة المُعارضة السورية (وأعني جماعات ائتلاف المُعارضة المُتحالفين مع النظام التركي) من أقوال وأفعال مُعادية ضد أخوتهم السوريين في شمال شرق سوريا، لهي دليل على غباوتهم وجهالتهم ونتانة بعدهم عن تعاليم وتوجيهات دين الله تعالى (الإسلام).؟! فلو أنهُم كانوا يُؤمنون بالله الذي خالقهُم وخالق شعوب شمال شرق سوريا، لالتزموا بأقواله تعالى: 1 ــ (تعاونوا على…