هل الأمة الديموقراطية روح والإدارة الذاتية جسد؟

جان كورد
سعى حزب العمال الكوردستاني على الدوام لخلق كيانٍ فكري وسياسي خاص به، يتجسّد في شخصية “القائد” عبد الله أوجلان، حتى يبدو ذلك الكيان وكأنه من مبتكرات حديثة وجديدة لم يأتِ بها عقلٌ بشريٌ من قبل، وهذا غير صحيح وغير  واقعي أبداً، إذ أن آيديولوجية الحزب، الماركسية – اللينينية، هي أقدم عمراً في التاريخ من عمر الحزب وقائده بالتأكيد، بل إن السيد أوجلان قد خلط عناصر هذه الآيدولوجية خلطاً عجيباً، بحيث لم يعد أحد يفهمه فهماً جيداً، ففكر حزب العمال مضطربٌ بين شيوعية موسكو المنهارة والماوية الصينية المتطرّفة وشيوعية بعض الحركات الثورية الفاشلة في أمريكا اللاتينية، ولكن إجمالاً  فإن ما نعتبره “فكر القائد أوجلان” ليس إلا ما أخذه من الماركسية- اللينينية، ثم عجنه فيما بعد بمختلف العقائد والأفكار التي انتشرت في تركيا وفي منطقة شرق المتوسط، من عهد إبراهيم وزرادشت وأنبياء اليهود والمسيحيين والمسلمين، إلى الفلسفة الإغريقية وقيم الحركة التنويرية الأوروبية وما اقتبسه من الزعيم التركي مصطفى كمال على وجه التحديد، لأن السيد أوجلان يعترف في سجنه بأن مصطفى كمال هذا هو من أشد المفكرين والديموقراطيين تأثيراً في تكوينه الفكري والسياسي، بل يعتبره معلمه الكبير، منذ تواجده في قبضة الدولة التركية على الأقل.
 أما عن سياسة تحرير الكورد وكوردستان، فيسعى أتباعه إلى شطب التاريخ الطويل العهد لكفاح الشعب الكوردي واعتبار بدء “تحرير الكورد” بساعة ظهور القائد وتأسيسه حزبه “العمالي الكوردستاني!” ولذلك فإن بعض المتطرفين من الأتباع لا زال يدفع بآلاف النساء الكورديات مع أطفالهن في مسيراتٍ ومظاهرات في سائر الدول الأوربية وفي كوردستان، شعارها ”بى سروك ﮊيان نابه” بمعنى ”لا يمكننا الحياة بدون الرئيس“ وهذا افتراء فهم أحياءٌ يعيشون ، فيتم  ربط حرية أمةٍ بأسرها في مجال تربية الطفل وإعداد المرأة بحرية زعيمٍ من زعماء أحزابها. وهذا الربط الوثيق المستمر بين “حرية أوجلان” و “حرية شعوب الأرض قاطبةً” يجري سياسياً على كافة المستويات، بعد تخلّي السيد أوجلان نفسه كلياً عن فكرة “الدولة الكوردية”،  ويحارب  اليوم فكرة “الدولة القومية” للكورد كلياً، ويعتبرها رجعية لا تلاؤم العصر، كما أن بعض أتباعه المرموقين يردد نفس الاسطوانة الرديئة التي يمقتها الشعب الكوردي، بل يعتبرها البعض من الكورد “خيانة للوطن وللشعب.
وها هم أتباعه يسعون الآن بشتى الوسائل لإظهار أن فكرة “الأمة الديموقراطية “الإدارة الذاتية الديموقراطية” من المبتكرات الفلسفية التي تفتّق عنها عقل “القائد” عبد الله أوجلان، فأنظروا ماذا كتبه الأتباع في موقعٍ انترنتي أساسيٍ من مواقع الثوار المشهورة بولائها المطلق للزعيم. يقول السيد عبد الله أوجلان ما يلي: “إذا كانت الأمة الديمقراطية روحاً فإن الإدارة الذاتية هي الجسد. الإدارة الذاتية الديمقراطية هي حال إنشاء الأمة… الديمقراطية بإكساء العظم باللحم، وجعله شيئاً ملموساً بتحويلها إلى جسد.” إن فلسفة القائد آبو المستندة إلى الحضارة الديمقراطية وثقافة الحداثة الديمقراطية لا تهدف إلى هدم مؤسسة الدولة وبناء دولة جديدة في مكانها. بل تهدف إلى بناء مجتمع جديد أخلاقي وسياسي ومنظم على قاعدة  المبادئ الديمقراطية.”
http://hezenparastin.com/ar/index.php?option=com_content&view=article&id=1378:2011-10-03-07-21-11&catid=75:2009-10-17-05-05-29&Itemid=121
ولكن فكرة “الأمة الديموقراطية” و”الإدارة الذاتية الديموقراطية” ليستا جديدتين، وإنما دعا إليها المفكر الروسي اليهودي موراي بوكتشين قبل اهتداء السيد أوجلان إليهما بزمنٍ طويل. فالمعروف عن السيد أوجلان أنه كان ضد “الديموقراطية الواسعة” (أي الكلاسيكية) سواءً في الحزب أو في المجتمع، فقد كان قائد حزب العمال هذا يقول فيما مضى: “لقد اتخذ حزب العمال الكوردستاني شكله في كوردستان، حيث تم تناول الوطنية والديموقراطية في ضوء الماركسية – اللينينية، وحيث تم خوض النضال بالاستناد إلى مثل هذه القاعدة المتينة.“ (أنظر: مسألة الشخصية في كوردستان، ص 211) وقال أيضاً: “إن الديموقراطية الواسعة في منظمة حزبية تعيش في دياجير الحكم المطلق وفي ظل سيطرة نظام الاختيار الذي يمارسه الدرك ليست غير (لغو) فارغ وضار، لأن الديموقراطية الواسعة لم تمارس قط ولا يمكن أن تمارس من قبل أية منظمة ثورية مهما بلغت  رغبة هذه المنظمة في ذلك… “  (أنظر: مسألة الشخصية في كوردستان، ص314). وعندما انكشف أمر الاقتباسات “الثورية” العظيمة التي تشبه سرقات المغنين المبتدئين صار الأتباع يزعمون بأن المفكر موراي بوكتشين كان على تواصل فكري وشخصي عبر خطوط الانترنيت التركية مع السيد أوجالان في سجنه.
وقبل أن يغيّر السيد أوجلان من نظرته إلى الديموقراطية في السجن، بإمكان المرء أن يجد عشرات الدراسات في مواقع الانترنت، وبمختلف اللغات الأوربية، السابقة تاريخياً لما يقوله السيد أوجلان وحزبه عن “الإدارة الذاتية الديموقراطية” بمعنى أن هذا ليس بفكرٍ أوجلاني أو فلسفة أوجلانية، كما يتم تسويق الأمة الديموقراطية التي هي الروح والإدارة الذاتية التي هي الجسد، حسبما ينشره الاوجلانيون.
 برأيي، هذا لم يطرح من قبل هذا الحزب إلا بعد فشله الذريع في مجال نشر الماركسية – اللينينية بين شعبنا الكوردي، وحاجته إلى جهاز أوكسجين بديل للظهور بمظهر “مخلّص الشعب” ولم يتم طرح هذه الأفكار التحريفية لكفاح الكورد من أجل الحرية  والاستقلال إلا في ظل الدولة السرية التركية التي تقوم بكل ما أوتيت به من قوة من أجل “دفن فكرة الاستقلال الكوردي“، التي يرفضها الأوجلانيون الآن علناً وصراحةً، بعد أن كان  رئيسهم يقول ردحاً من الزمن: “تحرر كوردستان يمر عبر الحرب التحررية، عبر استخدام السلاح بعبارةٍ أوضح وأكثر صراحةً ليس هذا مجرّد كلام، بل ضرورة حتمية تفرضها ظروفنا القومية والاجتماعية فرضاً.” (أنظر: مسألة الشخصية في كوردستان، ص 249).
 وبالطبع فإن الأنظمة والقوى التي تتفق مع الدولة السرية التركية في مجال محاربة نضال الأمة الكوردية ستدعم هذه “الروح” الجديدة (الأمة الديموقراطية) وهذا “الجسد” الجديد (الإدارة الذاتية الديموقراطية)، وستقف إلى جانب حزب العمال الكوردستاني ومخلوقاته الرافضة لحرية واستقلال الكورد وكوردستان، وكثيرون لا يعلمون بان هذه الفكرة كالماركسية – اللينينية، ليست من مبتكرات الأوجلانية وإنما جاءت من خارج كوردستان، كشيوعية كارل ماركس وفريديريك انجلز وفلاديمير لينين.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…