فرهاد حاجو
عزيزي رستم!
اطلعت على مقالتك التي تلمح فيها بشكل مبطن الى فيديوهات هوشنك أوسي كما انني شاهدت الفيديو المخصص للرد عليك من قبله. ولأقطع الطريق أمام أي شك قد يراودك، أقول لك سلفا بأنني لست بصدد الدفاع عن هوشنك أوسي، فالرجل لا يحتاج الى مثل هكذا دفاع مني، لأنه، وحسب تجربتي معه، ينتمي الى تلك الشريحة من المثقفين ممن يؤمنون بقضيتهم ومن الصعب عليهم المساومة على المباديء، و لديه ما يكفيه من أدوات الدفاع عن نفسه. ولأكون صريحا معك أقول وبكل صدق ان الذي دفعني الى كتابة هذه الرسالة المفتوحة لك هو حرصي على مستقبل كاتب ومثقف شاب أكن له كل الحب والاحترام، بالاضافة أيضا الى أمنيتي أن تكون هذه الرسالة حافزا لكتابنا و مثقفينا الآخرين للقيام بواجباتهم اتجاه أناسنا المظلومين في كردستان روجآفا، هؤلاء الذين يتعرضون يوميا لكل أصناف القهر والغبن. ولا تغضب اذا قلت لك بأنني صراحة خائف عليك وخائف من احتمال أن تصيبني بخيبات أمل هي آخر ما انتظرها منك بعد كل هذه السنين الطويلة من الصداقة القوية بيننا.
ولكي لا تكون أنت لوحدك مستهدفا بنقدي هذا، أرى من اللزام علي توضيح بعض النقاط التي أراها مهمة ليتعدى نقدي لك الحالة الفردية و ليكون نقدا لظاهرة. ان الظروف الموضوعية والمادية التي تحيط بالكاتب والمثقف الكردي الذي يعيش واقعا مزريا جراء عدم وجود مؤسسات اعلامية كردستانية حرة بالاضافة الى تركيبة مجتمعية ” باتريارخية ” يجعل من الكاتب و المثقف الكرديين فريسة سهلة لعملية معقدة من الارتباطات لا يستطيع الانفلات منها، والتي هي مزيج فوضوي من االعلاقات العائلية و القبلية و الحزبية و من الولاء الأعمى للقائد الواحد الأوحد. و الا لماذا يتهرب الكتاب والمثقفين الكرد من واجباتهم؟ الا يفترض بالكتاب والمثقفين ـ و أنت من بينهم ـ ان يسطروا بأقلامهم يوميا صفحات وصفحات من المقالات و التحاليل لتكون مرايا يستطيع انساننا المقهور في تلك البقعة من وطننا، روجآفا، ان يرى فيها ما يتعرض له من احتقار و مهانة و تعسف من خلال قيام شرذمة من الناس ، وبكل مهارة و بجميع الأساليب الدنيئة، احتكار لقمة عيشه و قطرة ماء شربه و نقاء الهواء الذي يتنفسه
انك حسب وجهة نظري ، صديقي العزيز، ، عندما تنتقد هوشنك أوسي بشكل مبطن ، ولا تذكر اسمه، فأنت و بشكل غير مباشرتوجه انتقادك ايضا الى تلك القلة القليلة الباقية من كتابنا ومثقفينا الكرد و الذين ما زالو يتشبثون باقلامهم لكي لا يغرقوا في تلك المياه الضحلة التي يسبح فيها الكثرة الكثيرة ممن يتوهمون النجاح المهني تماشيا مع ” نظرية البقاء للأسرع ” ليسخروا أقلامهم في خدمة الأحزاب والمؤسسات الحزبية الكردستانية و الغير كردستانية. و انت قد أصبحت للأسف واحدا منهم منذ مغادرتك أرض روجآفا.
و اسمح لي الآن أن أذكرك بحادثتين تعتبران بالنسبة لي معالم طريق على مسار صداقتنا الطويلة. ألأولى كانت عندما لتقيت بك لأول مرة، و ان لم تخنني الذاكرة كان ذلك في صيف عام 2006، في مقهى الروضة في دمشق، الذي كان يعتبرأيامها ملتقى كل ما هو مثقف سوري وكل من كان يعتبر نفسه حينها شكلا من أشكال المعارضة. كنا مجموعة من الأصدقاء، أكثرهم من الكتاب و المثقفين الكرد في ذلك الوقت، كنا جالسين الى طاولة. توجهت الى طاولتنا و سلمت على الجميع.بعد اجراءات التقديم و التعارف من قبل الأخوة، سألك أحدهم: ” هل ما زلت مصرا على ارسال مقالتك الى جريدة الحياة” فكان جوابك بنعم و على أثرها جرى نقاش بينك و بينهم حول صحة أو عدم صحة ارسال تلك المقالة. ثم أخرجت المقالة من محفظتك و ناولتني اياها و طلبت مني ابداء رأيي بها. كانت المقالة في مجملها عبارة عن هجوم شديد اللهجة على شخص كاك مسعود و مام جلال. بعد قراءتي لها قلت لك بما محتواه بانني أثمن فيك جرأتك وبأننا لا شك محتاجين الى الشباب أمثالك، ثم أردفت وقلت بأنه ليس هناك داع لتلك اللهجة القاسية و خاصة ان المقالة ستنشر في صحيفة عربية ولا يتطلب منا أن نأخذ السوط من يد الأعداء ونقوم بجلد أنفسنا به. و بعد هنيهة، وخارجا عن الموضوع، سألتك فيما اذا كان لديك لابتوب، فضحكت من سؤالي ذاك و علقت عليه بما معناه ” خالو أز و لابتوب “.
في سفرتي التالية الى دمشق جلبت لك معي لابتوب مستعمل و أهديتك ياه. و لما شاهدت علامات المفاجأة على محياك قلت لك ” نحن مختلفان في الرأي و لكن هذا لا يمنع أن نكون أصدقاء ” و فعلا و من تلك اللحظة أصبحنا أصدقاء و ما زلنا.
الحادثة الأخرى عندما كتبت لي مادحا مقالتي و شجبي للمجزرة التي ذهب ضحيتها أولاد بدروعلى يد كوادر ال” ب ك ك ” في القامشلي، و اذا لم تخنني الذاكرة كنت أنا الوحيد من بين كتابنا حينها شجب عملية القتل الجماعي تلك. وقد عشت تلك الكارثة عن قرب حيث كنت موجودا حينها في القامشلي. أتذكرأيضا انني قلت لك بما معناه ” كان حري بك أن تكتب أنت مقالا حول الموضوع بدلا من أن تمدح مقالتي ”
و اليوم تأتي و تنتقد هوشنك أوسي بدلا من أن تمسك بقلمك و توجه نقدك الى الوضع المزري الذي يعيشه اخوتنا في روجآفا تحت وطأة الاجراءات التعسفية المفروضة من قبل الادارة الذاتية هناك. قبل عدة أشهر التقينا، أنا و أنت، صدفة على معبر سيمالكا و أنت رأيت بعينك النساء و الأطفال وبالمئات يعاملون كقطيع من الغنم وهم يتشبثون بدورهم بأمل العبور الى كردستان العراق. أنا لا أطلب منك أن تنحاز الى طرف أو حزب معين من أحزابنا الكردستانية، بل أطلب فقط أن لا تغض النظرعن الحقائق الموجودة على الأرض ومن بينها ظاهرة التسكع لفئة غير قليلة من كتابنا و مثقفينا على أبواب أحزاب و مؤسسات اقليم كردستان العراق و الذين لا هم لهم ولا عمل سوى تأمين أسباب الرفاهية و الراحة لأنفسهم ولعائلاتهم هناك.أم أنك أنت أيضا أصبت بهذه الآفة الغير قابلة للشفاء، آفة الانبهار بالدولار.
عزيزي رستم!
ان الذي تنتقده لدى هوشنك اليوم كنت تتمتع أنت به عندما التقيت بك لأول مرة عام 2006 في دمشق. وأنا ما زلت أتأمل بأنك تحمل في جنبيك نفس قبس التمرد على الواقع المفروض كالذي يحمله هوشنك في جنبيه. أنت محتاج فقط الى أن تتحرر من رفاهيتك و الاستعداد من أجل التضحية بتلك المباهج الرخيصة التي نجري وراءها.
السويد في 6/11/2021
* نشر هذا المقال في صحيفة كوردستان العد( 668) بتاريخ 15- 11- 2021