التداخل الخطابي الفاشل للمعارضة السورية

مروان سليمان*
منذ نشوء المعارضة السورية الحديثة ما بعد أحداث 2011 لم تنتج هذه الشخصيات سوى خطاب سياسي مسطح و فضفاض لم يستطع أن يدخل إلى العمق الإستراتيجي السوري أو حتى المنطق العقلاني أو مراعاة الحس التاريخي للشعب السوري. فمن بدل أن يتجه نحو إضاءة الطريق الذي سار عليه الذين ضحوا بأنفسهم و أهلهم من أجل التغيير المنشود و الوقوف على المشكلات المعقدة التي يعانيها المجتمع السوري و وضع الحلول لهذه الإشكاليات و لكنه ذهب في إتجاه آخر و هو الوقوع في فخ الإنفعالات للفئات الجاهلة و السير على خطى الفكر الإستعلائي النازي الشوفيني البالي 
لم يستطع من خلاله أن يطرح أية مشاكل سياسية أو إقتصادية أو ثقافية بجدية و جرأة و إنما إختارت هذه المعارضة طريق التحليق العالي في فضاء الألفاظ و اللغة الرثة و كأنه يغرد خارج هذا الفضاء الكوني الذي يعيشه العالم الذي فقد تواصله مع الزمان و المكان و حتى مع عالم البشر و أصبح هذا الخطاب هو الذي يتسيد المشهد السوري إعلامياً و ثقافياً و تركوا المجتمع يلاقي مصيره المحتوم و يصبح شغله الشاغل البحث عما يدور معه و حوله و في جميع الحالات هو مغيب تماماً عن القرار و صناعته و إنما يتبع صناع القرار.
و الكارثة الكبيرة أن هذا الخطاب الباهت لاقى صدى  لا بأس به لدى الطبقة المثقفة في المجتمع السوري و أصبح الجميع يتفنن في كيفية إيجاد المبررات بصحة هذا الخطاب حتى لو أدى ذلك إلى تزوير الحقائق و هذا ما جعل هذا الخطاب موازياً لخطاب السلطة بنفس الإتجاه و نفس العقلية و هذا لاقى إرتياحاً عاماً لدى الجماهير و لذلك فقدت هذه المعارضة شروط وجودها و فعاليتها نحو التغيير المنشود(الحرية-الديمقراطية- الحقوق………الخ) و على ما يبدو من هذا الخطاب بأن هؤلاء لم يتمردوا يوما ما على السلطة و البحث عن التغيير لأنه أنتج خطاباً بعيداً عن متطلبات الجماهير و تضحياتهم و بقيت تمارس هذه السياسة و الأيديولوجيا لضمان إنتاج خطاب يحفظ مكانتها لدى السلطة و الإبتعاد عن فتح أفق يعرض فيها نفسه للإرتباك لدى أسيادهم.
كان التداخل الكبير ما بين الخطابين السياسي و الديني المتمثل بالإخوان، و الفوضى العارمة لدى الجماهير أنتجت فراغاً كبيراً و ظهرت على السطح رجالات يدعون السياسة و يمارسون الطقوس الدينية و لكنهم فاشلون بكل ما تحمله الكلمة من معاني و كانت اجتماعاتهم تحت أمرة الدول الأقليمية نتيجتها الإتفاق على الفشل و خيبة الأمل من هكذا معارضة و رجالاتها و لكن بكل أسف لا تزال الجماهير تتصرف بناء على ما تصدر عن إدارة المعارضة و لم يدرك إلى الآن بأنهم كانوا أجزاء عضوية فعالة لدى أجهزة البعث القمعية و لكن تبقى أساس العلاقة بينهما محكومة بالعلاقة النفعية. 
إن ما حصل هو استدراج لثقافة موازية لنفس ثقافة السلطة الديكتاتورية التي مارستها طوال عقود ماضية و الآن يتبناها البعض من الذين كانوا في خانة المثقفين عندما أظهروا أنفسهم بأنهم معارضة للسلطة الحاكمة في سنوات السجن و الرعب و التعذيب والآن بدأوا يستسلمون بكل بساطة و يتبنون نفس الشعارات السلطوية البراقة و التي تطرح نفسها بنفس عقلية القوة المستمدة من السلطة الحاكمة أو الأعداء المتربصين بنا من جميع النواحي.
و هكذا تعثر مشروع إقامة النظام الديمقراطي و الحريات المنشودة في البلاد بسبب التناقض الرهيب ما بين الواقع الذي يعيشه الشعب ، و اللاواقع و الوعود الوهمية التي تطرحها القوى المعارضة و خاصة بسبب التداخل الديني و السياسي و أيضاً التناقضات الداخلية ما بين أطراف المعارضة التي تستغل مواقعها لأغراض سياسية في تحسين مواقعها في الحوارات القادمة مع السلطة أولاً مثل تأمين بعض المناصب و ثانياً لأغراض دينية مثل تفضيل الطائفة و المذهب و العمل تحت أمرة القائد المتسلط أو ما يسمى بالخليفة و المتمثل بالرئيس التركي أردوغان. 
و بهذا فقد المثقف الذي تبنى الفكر المعارض هذه الفرصة التاريخية التي ربما لن تتاح له ثانية قريباً في تقديم خطاب جديد ليشكل بذلك نقطة بداية لقوة ضغط مؤثرة و مستقلة و أصبح الجميع أمام كارثة تكرار هذه العملية ما بين كل فترة من فترات الزمن و أزمة في إيجاد السياسي الذي يرسم و يدير و يفعل.
*السلك التربوي-المانيا
06.03.2021

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…