القضية الكردية بين الواقع و العاطفة

مروان سليمان
منذ إن كنا شباباً و طوال سنين عمرنا و نحن نحلم و نتغنى بذلك الحلم و كنا نرى ذلك الحلم على مسافة قريبة منا و يمكن تحقيقه بفترة قياسية قصيرة و لكننا لم نكن نعلم بأن هذا الحلم هو كابوس يلاحقنا ما دمنا أحياء و حان الوقت الآن لكي نعترف بأننا فشلنا حتى في تحقيق حلمنا هذا الذي يكمن في تأمين حياة آمنة لأطفالنا و إنهاء الخلافات الكردية الكردية.
و منذ بداية القرن الجديد و خاصة بعد الأحداث التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط تحولنا إلى إلعوبة و استمرت الصدمة من إفراغ المنطقة الكردية و احتلال مناطق أخرى من قبل الفاشية التركية و عصاباتها من الذين باعوا أنفسهم و وطنهم في سبيل المال و النفوذ
 و مع ذلك بقيت الضمائر في سبات عميق و عجز اللسان و سكت عن الظلم و أصبحوا متخبطين بالواقع و غير قادرين على عمل أي شئ و أصبحت قضيتنا بين أيدي دول لا تهمها سوى تحقيق مآربها و أهدافها و خاصة نحن نعيش في حصار تام بين أربعة أنظمة وحشية لا يعرفون سوى القتل و الدمار و الخراب. و إنتقلنا من مرحلة الإعتقالات الفردية إلى التهجير الجماعي و تفريغ المنطقة و من قتل الأفراد إلى القتل الجماعي و أزهقت أرواح كثرة و بريئة ليس لها ذنب سوى أنهم صدقوا شعاراتهم البراقة و المخادعة و تحول الحلم إلى كابوس. و لكن لم يقف أحد على تلك الأحداث ليعترف بالفشل و لم تستيقظ المجازر ضمير أحد منهم.
حتى الآن ليست لديهم خطط عمل أو أهداف محددة من أجل تحقيق شعاراتهم التي خدعوا بها الجماهير و إنما كل ما قاموا به و فعلوه هي ردات فعل على مشاهد المجازر و وقع الإنفجارات و قتل الأبرياء و أمهات أتعبت عيونها البكاء.
أصبح الشعب ميؤساً من تحقيق الشعارات التي ينادي بها السياسيون و خاصة بعد إن قدم الأرواح في سبيل تحقيق الهدف المنشود و الحلم الموعود و لكن الوعود و الأحلام تحولت إلى نكسة أخرى يضاف إلى النكسات التي ذاقها الشعب الكردي على مر الأعوام و لم يقف أحد على أسباب هذه النكسة و من المسؤول عنها و لماذا هذا الفشل الكبير في إنجاز المهام.
بما أن الشعب الكردي ينتقل من نكسة إلى أخرى فإنه يتحسر على ماضيه و قدم التضحيات و لم يتوقف عن البكاء و بقيت وحدة الصف الكردي حسرة في قلبه و لكن بقيت الخلافات و استمرت و تزداد الفجوة يوماً بعد يوم، نعم إنها العاطفة القاتلة التي تلازم شعبنا جيلاً بعد جيل عاطفة غير عقلانية و نتأثر بمشاهد الجميع و نبكي حالهم حتى أعدائنا.
و من الملاحظ أن الخطابات أصبحت تعلو على جراحات الوطن و المواطن و المصادر الحقيقية للمشاكل على أرض الواقع و الكل مبسوط بترديد تلك الخطابات و الشعارات التي تدغدغ العواطف و تثير الحساسيات و تزيد الخلافات و تعمقها و من الملاحظ أيضاً أن أصحاب تلك الخطابات بعيدون كل البعد عن القضية القومية الا من أجل التركيز على مصالهم و تخوين الآخرين و معروف لدى الجميع بأنهم لم يخصصوا يوماً في خطاباتهم بضع كلمات لوضع الأصبع على الجرح القومي التي هي قضيتنا القومية .
لم يعي شعبنا بعد و لم يعلم عن أولئك الذين يلبسون في بعض المواسم الثوب القومي و يزينوا أعناقهم بأعلام مزركشة أن تحقيق  مطالب الشعوب لا يتم بالخطابات و لا يمكن أن نستعيد حقوقنا و نحن منقسمين على أنفسنا نستجدي الأعداء و نطالبهم بالمساعدة، كما يجب أن نعي بأن هناك بيننا من يعمل على تفتيت القوى بخلق أوهام مخادعة تخدم أجنداتها و أيديولوجياتها فقط.
هناك أطراف أخرى بقيت بالإنتظار و لم تبادر بفعل أي شئ أو على الأقل العمل على تصحيح و تقويم ما فعلوه لاحقاً بل ظلوا مكتوفي الأيدي ، نعم لا زالوا ينتظرون الأوهام التي قد تتيحقق و قد لا تتحقق و يرددون شعاراتهم و يكتبون بياناتهم و يصارعون طواحين الهواء و يسبحون في بحر الأوهام أكثر مما يتطلبه الواقع و الواقعية.
قضيتنا قضية أمة و يجب على الجميع تبنيها و لا يمكن التخلي عنها مهما حصل و قد قدم شعبنا الكثير من التضحيات من أجلها و لكن في الوقت الحالي يتحكم بها المتاجرون في سوق المزايدات و الدعايات ليغسلوا بها أمراضهم التاريخية و إلهاء شعبنا عن مطالبه الحقيقية و نخسر رويداً رويداً رهان حقوقنا لأنها أصبحت حبيسة الأوهام و أسيرة الجهلاء.
مروان سليمان
السلك التروي- المانيا
30.01.2021

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…