د. محمود عباس
تحدثنا سابقا عن الضغط وعن آثاره المضرة علينا نحن الكورد. فالسلطات الحاكمة أول ما تتهمنا به هو الانفصال! هذا الاتهام كبير على المسالمين المُطالِبين بحقوقهم، بالرغم من إنه لا يوجد أي إثبات عليهم أنهم طالبوا يوما بالانفصال، فحراكنا الكوردي في سوريا منذ نشأته وإلى الآن لم يطلب بذلك، فكل مطالبه هو مطالب مشروعة لمواطنين تم إنكار حقوقهم جورا وظلما.
فالطالب بإعادة الجنسيات للمسحوبين منهم، وكذلك رفع الظلم المجحف، حقا، عن الذين اعتبرتهم مكتومين ظلما وعدوانا، وهي عليْمة أنهم سكنة هذه الأرض أبا عن جد منذ آلاف السنين، أنهم انفصاليون؟ إذا عاينّا مشاريع ومخططات السلطات حيالنا لوجدنا أن القصد هو التخلص منا بما لا يقبل الشك. وما سلب الأرض منا؛ كي نموت جوعا أو نتشتت في الأصقاع إن استطعنا! ليس سوى القضاء علينا من على وجه الأرض. فأي ظلم هذا؟ في الواقع لو رمتنا بالرصاص مباشرة لكان أرحم بنا.
نسأل: هل ما نُعامل به إنساني؟
فإلصاق الانفصالية بنا غاية لا يُقصد من ورائها القضاء على تخريب أو مؤامرة تُحاك ضد أمن البلد وسلامته؛ بل مشروع كامل الأركان لإنهاء وجود شعب بكامله من على أرضه؛ كي تستولي عليها بأريحية تامة، كما فعل الأوربيون بسكان الأميركيتين فأنهوا وجودهم إلا النذر اليسير، تركوهم ليعيشوا اليوم في محميات حفاظا عليهم كجنس بشري لا يجب أن ينقرض. وما تقوم به السلطة في سوريا لمحونا من الوجود دليل على أنها بلا ضمير، وليست لديها ذرة من الإنسانية. ويشهد الراهن على ما نقوله؛ عندما تقوم السلطة ومعها المجملين لصورتها من المزقزقين بغرق سوريا في أنهار من الدماء ومئات الآلاف من الضحايا، وأكثر منها بكثير مشرّدين، ولم يبقِ حجرا على حجر، ومسبّبة على تجزئتها أن تكون صادقة في اتهامنا بالانفصاليين لأمر عجيب؟
وما هذا الوطني الذي يزقزق المزقزقون في تزيين صورته؟
تبين للجميع مدى وطنية هذه السلطة بعد ما آلت إليها سوريا اليوم. ربما لم يكن يدري الكثير منا أن ما قامت به إزاءنا نحن الكورد كمواطنين من الدرجة الثانية، والترويج أننا ندّ لكل عربي … لم يكن من باب الوطنية؛ إنما بغرض الإيقاع بين الشرائح. ولنعلم جميعا أن من شأنها إحداث المشاكل لخلق الكراهية والعداوة بين شرائح النسيج الوطني. عندما انهزمت في حرب الأيام الستة زادت من ضغطها علينا ككورد وكانت الغاية واضحة للتغطية على عدم قابليتها للدفاع عن الوطن، كأننا نحن من كنا أردنا هزيمتها؛ وخير من عبّر عن هذه الهزيمة الشاعر نزار قباني؛ عندما قال: (من شرم الشيخ إلى سعسع …). فالذي يفتت الوطن ويفصل بعضه عن بعض ويجزئه ليس نحن الكورد؛ إنما مغتصب الحكم بوسيلة الانقلاب. ولا داعي سرد المشهد الحالي للقراء الكرام فهم يتابعونه يوميا ويرون ما تفعله بالوطن هذه السلطة المغتصبة منذ عقود. نأمل ألا تنجر شرائح من الشعب السوري وراء مزقزقيها، كما مرّ معنا إن أمثال هذه الزقزقات تثير الغرائز السيئة لدى الناس.
نعود بطرح سؤال من جديد: من يعمل على تجزئة سوريا؟
فالوقائع اليومية تبيّن وطنيتها الممثلة في قتل السوريين والمسببة لاحتلالها من قبل دول عدة فاصلة إيّاها إلى مقاطعات، وكل مقاطعة دولة بحاله، والعجيب في هذا ما زال المتزقزقون مصرّون على ما كانوا عليه منذ البداية، كأن الحاصل غير موجود.
نحتار في معرفة الغرض من وراء هذا الإصرار! ربما كانت هذه وطنية ونحن لا ندري بها؟ قد تكون دفاعا عن الوطن ونحن نجهلها. ما نراه حاليا أن هذا الدمار وهذه الإبادة الجماعية لن تكون وطنية بأي شكل من الأشكال، إلا أن سلطة دمشق، ومثلها اليوم شريحة من المندرجين ذاتهم ضمن فصائل المعارضة، ومصرين على اعتبار أن هذا الكم الهائل من القتلى: أطفالا ورضّعا، نساء ورجالا … يُعدّون أعداء للوطن السوري يجب القضاء عليهم من أجل وحدة ترابها! أي وطنية هذه في ظل القتل والدمار؟
ما مرّ معنا أعلاه يقودنا إلى أنه لم يكن الكورد وحدهم انفصاليون؛ بل مئات الآلاف من القتلى والملايين من مواطنيها المشردين هم أيضا انفصاليون. والمستخلص من هذا القتل والدمار أنه أي كان من يكون طالما يطالب بحقوقه فهو انفصالي؟
ونحن نتساءل إذا كانت الوطنية بهذا الشكل الذي تفعله سطلة دمشق من قتل ودمار، وتفتيت لكل سوريا، عندها بماذا سنسمي الخيانة والعداوة؟
ألا يحق للكورد في هذه البيئة الكارثية المطالبة بالانفصال؟
يتبع…
الولايات المتحدة الأمريكية
11/3/2024