عبدالرحمن کورکی (مهابادي)*
إن إشعال الحروب خارج حدود إيران من أبرز حيل نظام ولاية الفقيه، منذ نشأته حتى الآن؛ للتستر على القمع داخل إيران. إلا أنه نظراً للتطورات التي تشهدها إيران ومنطقة الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة؛ لم تأخذ أي حكومة أو قوة تهديدات هذا النظام القروسطي على محمل الجد!
يتم منذ أشهر وسنوات عديدة اتخاذ إجراءات عسكرية ضد القوات والشخصيات المعروفة لهذا النظام خارج حدود إيران. ورغم أن الفاعلين ليسوا “مجهولين” منذ بداية حرب غزة في 7 أكتوبر 2023، إلا أن نظام ولاية الفقيه لم يُبدي أي رد فعل سوى “الصمت”، وحتى لو قام بأي عمل، فإنه يتم من خلال قواته التي تعمل بالوكابة. ويخفي هذا “المشهد” في طياته العديد من الحقائق!
نقلت وكالات الأنباء العالمية خبراً عن قصف قنصلية الملالي في دمشق قصفاً عنيفاً عصر يوم الإثنين 1 أبريل 2024. وتأتي هذه الحادثة في خضم حرب غزة التي بدأت في 7 أكتوبر من العام الماضي، ويزداد عدد ضحاياها كل يوم. حربٌ ما زالت مستمرة ونهايتها مجهولة.
من هو السبب الرئيسي في الحرب، وما هو منظورها؟ هل هناك هدنة أم سلام؟ وهل سيستمر هذا الوضع، وهل هناك نهاية له؟ مَن هو الرابح والخاسر، وما هو الحل الجذري وكيف التوصل إليه؟ هذه هي الأسئلة التي تتبادر إلى ذهن كل إنسان عادل!
فلسطين أرض الفلسطينيين!
ورغم أن الحرب في فلسطين لها تاريخ طويل، إلا أن الحرب الدائرة الآن هي في الواقع حرب خارج الأراضي الفلسطينية. لأنه منذ أن فرض خميني نفسه بالغوغائية على الشعب الإيراني، اتخذ هذه الحرب ذريعة لسياسة التوسع والفتح بهدف توسيع حدود ولاية الفقيه لتصل إلى البحر المتوسط. والحقيقة هي أن إشعال الحرب ضد العراق، والحفاظ على الديكتاتورية في سوريا، وتشكيل مجموعات تعمل بالوكالة في المنطقة، بما في ذلك لبنان؛ جزءًا من هذا النهج العدواني. ومن ثم، من الواضح وضوح الشمس في رابعة النهار أن نظام ولاية الفقيه الحاكم في إيران يغيِّر معطيات مسرح فلسطين، ويجعل نفسه الطرف الرئيسي في الحرب. بينما المالك الرئيسي لفلسطين هو الشعب الفلسطيني. وبحسب نص القرآن الواضح أيضاً، فإن الأرض ملك لمن يعمل فيها! وهذا يعني أن كل أرض لها أصحابها الأصليين. لكن الهدف من تشكيل القوات الوكيلة هو أيضاً التدخل في شؤون هذه الدول!
سوء التقدير!
بعد الانتفاضة الوطنية الكبرى عام 2022، بادر خامنئي على طراز خميني بوضع إشعال الحروب خارج حدود إيران على جدول أعماله للحيلولة دون اندلاع الانتفاضة ضد نظام ولاية الفقيه الحاكم في البلاد. بيد أن نهج إشعال الحروب خارج الحدود أصبح مستنقعاً هذه المرة. وعلى الرغم من سياسة الاسترضاء مع الدكتاتورية الدينية الحاكمة في إيران، إلا أن خروج نظام ولاية الفقيه منها يبدو مستحيلاً! فلماذا؟
لو كان الشعب الإيراني ومقاومته المنظمة في بداية الطريق أثناء انقضاض نظام ولاية الفقيه على السلطة في البلاد، ولم يصارعوا هذا النظام بشكل عملي حتى الآن، إلا أن الشعب الإيراني ومقاومته الباسلة سرعان ما أدركوا بوعي تام سوء تقدير الولي الفقيه؛ بفضل تغيير الظروف داخل إيران وخارجها، ودعوا المجتمع الدولي إلى التصدي لنهج “رأس أفعى ولاية الفقيه في طهران”! وهذه هي الحقيقة التي يستطيع كل إنسان وتيار حر أن يلعب فيها دوره حتى يأتي اليوم الذي يستأصل فيه المجتمع الدولي هذه “الغدة السرطانية” المسماة بـ “ولاية الفقيه” من جسده!
قال خامنئي في 20 مارس 2024 (بداية العام الإيراني الجديد): “إن القضية الأهم اليوم هي قضية فلسيطن وغزة، والقضية الجوهرية اليوم هي المقاومة في غرب آسيا”. لأن ما يهم خامنئي هو “الحفاظ على نظام ولاية الفقيه وبقائه”، والجدير بالذكر أن خميني كان قد قال: “إن الحفاظ على نظام ولاية الفقيه وبقائه من أهم الواجبات”.
مشهد من مشاهد هزيمة النظام الحاكم في إيران!
إن تسارع أزمات نظام ولاية الفقيه الحاكم في إيران، بما في ذلك أزمة مسرحية انتخابات رئاسة الجمهورية التي قاطعها أكثر من 75 في المائة من الشعب الإيراني، هو مقدمة لتسارع التطورات في العام الإيراني الجديد التي ستزيد من يقظة وجاهزية الشعب والقوى السياسية في المجتمع الإيراني والثورة الديمقراطية.
قال المهادنون الغربيون، قبل ستة أشهر، عندما بدأ خامنئي حرباً غير مسبوقة في المنطقة، خوفاً من الانتفاضة الشعبية وللحيلولة دون اندلاعها: “ليس هناك ما يشير إلى تورط النظام الإيراني في حرب غزة!”. (مسؤول في البيت الأبيض – 9 أكتوبر 2023)، فماذا اضطرّهم إذن إلى استهداف مراكز وقادة قوة القدس الإرهابية في سوريا والعراق واليمن، بالقصف المتكرّر بالصواريخ وبطائراتهم المسيرة، والتأكيد المتواصل على دور هذا النظام في تأجيج الصراعات؟
حقيقة لا مفر منها:
الحقيقة راسخة ولا يمكن تجاهلها. وهي الحقيقة التي قالتها المقاومة الإيرانية فورًا بعد إشعال خامنئي الحرب في غزة: “يجب أن نستهدف رأس الأفعى والفاشية الدينية في طهران”! (7 أكتوبر 2023). إن التهديد الحالي ما زال يتمثل في “عدم سحق رأس الأفعى بالحجارة”. وهي الحقيقة التي تُصبح ضرورتها وشرعيتها أكثر وضوحًا كلّ يوم، وتُدعو الجميع إلى التركيز على “سحق رأس الأفعى في طهران”.
قال خبير باسيجي على شاشة التلفزيون الرسمي لنظام ولاية الفقيه مؤخرًا: “لقد ضربوا قاسم سليماني، وتوعدنا بالانتقام الشديد، وضربوا سيدرضى، وتوعدنا بالانتقام الشديد، وضربوا عاروئي، وضربوا مسؤولي حزب الله والحشد الشعبي وتوعدنا بالانتقام الشديد. قلنا سنضربكم من حيث لا تحتسبون. غير أننا لا ندري أين ومتى سنضربهم من حيث لا يحتسبوا! وعلى حد قول عضو مجلس شورى الملالي (المعمم رسائي)، فإن هذه الجملة أصبحت مُقلقة!
مفترق الطرق المصيري!
استناداً إلى سياسة عدم العودة إلى الماضي، وتغيير الظروف السياسية والاجتماعية، والانتفاضات الشعبية الواسعة النطاق، والنمو المتزايد للمقاومة الوطنية في إيران، واستراتيجية المقاومة لإسقاط الديكتاتورية في إيران، يتم الرد إلى حد كبير الآن على العديد من الأسئلة التي تم ذكرها أعلاه. واتضح لنا أن نظام ولاية الفقيه الحاكم في إيران هو السبب الرئيسي في إشعال الحروب في المنطقة. ومن المؤكد أنه لا يمكن تصور أي وقفٍ لإطلاق النار أو سلام دائم مع هذا النظام الفاشي. وكما قالت المقاومة الإيرانية مرات عديدة، فإن “الخاسر الاستراتيجي في الحرب” هو خامنئي ونظام ولاية الفقيه.
بغض النظر عن رد هذا النظام على الضربات القاتلة التي تلقاها من عدمه فإن “سحق رأس الأفعى” كـ “أفضل استراتيجية” هو أمر في الحسبان، وكان الشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية ولا يزالوا هم حاملي راية هذا النهج، ولا مفر لنظام الملالي من مثل هذا المصير! وهذا العام هو مسرح اختبار هذه الحقيقة. وقد أقسم الإيرانيون وأبناؤهم على إسقاط الدكتاتورية في إيران!
***
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني