أحمد حسن- عفرين
النضال السلمي الدبلوماسي لا يقلُّ أهمية ومشقّة وقيمة من النضال أو الكفاح المسلح، فبعد عقودٍ من الكفاح المُسلّح والثورات والانتفاضات أثبت الكورد فيها جدارتهم وشدّتهم وصلابتهم وإيمانهم المطلق بعدالة قضيتهم، وصلابة إرادتهم، حطّموا المقولة التي أطلقوها على الكورد ظلماً (الكورد يخسرون على الطاولة ما كسبوه في المعركة) إشارة إلى ضعف المفاوض الكردي وضحالة الدبلوماسية الكردي.
على الرغم أن النضال السلمي والمسلح صنوان لا ينفصمان بل متلازمان في كل زمان ومكان إلا أنه نشطت الدبلوماسية الكوردية خاصة بعد قرار مجلس الأمن 688 الذي اعتمد في 5 ابريل 1991 بإنشاء ملاذ آمن لإقليم كوردستان، وبما أن الدبلوماسية تعدُّ ركناً مهماً من أركان حقل العلوم السياسية فكان تبادل التمثيل الدبلوماسي بين دول أوروبا أولاً ومن ثم بقية دول العالم.
حيث الدبلوماسية بمفهومها المختصر هي علم وفن تمثيل الدول والمفاوضات:
– علم: لأنها تقتضي في مَنْ يمارسُها معرفةً تامةً بالعلاقات القانونية والسياسية القائمة بين البلدين أو مختلف الدول ودراية تامة بالقانون الدولي.
– فن: لأن أغلب اهتمامها يتوجّه نحو الإقناع والحنكة والحكمة والمفاوضات بشكل حازم وماهر.
فكان لا بد للكورد أن يعطوا أهمية كبيرة للعمل السلمي الدبلوماسي إلى جانب النضال بكافة أشكاله (السياسية – المسلح – الثقافي – الاقتصادي – العلمي – ………) ومن هنا كان توجُّه الدبلوماسية الكردية إلى المحافل الإقليمية والدولية والتي كانت محطَّ أنظار العالم ومبعث أملٍ وارتياح للشعب الكوردستاني في أجزاء كوردستان الخمسة والشتات خاصة ما حققته هذه الدبلوماسية في المحافل الدولية في بداية العام 2024 ومنها:
1) حضور رئيس حكومة إقليم كوردستان السيد مسرور البارزاني منتدى دافوس الاقتصادي العالمي في سويسرا الذي عقد خلال الفترة 15 إلى 19 كانون الثاني 2024 على رأس وفد حكومي يضم عدداً من رجال الأعمال والمستثمرين في الإقليم. حيث استضافت مدينة دافوس بسويسرا المنتدى الذي تأسس في عام 1971 على يد كلاوس شواب الاقتصادي السويسري الألماني في نسخته الـ54 تحت شعار «إعادة بناء الثقة»، لإتاحة الفرصة أمام قادة العالم لمناقشة إعادة بناء الثقة وترسيخ مبادئ الشفافية والاتساق والمسؤولية.
اجتمع في مؤتمر دافوس 2024 أكثر من 100 حكومة، ونحو ألف من شركاء المنتدى، بجانب قادة المجتمع المدني، والخبراء، وممثلي الشباب، وأصحاب المشاريع الاجتماعية، ووسائل الإعلام. وحضر المنتدى أكثر من 2800 شخص بينهم أكثر من 60 رئيس دولة وحكومة. وتم مناقشة “إعادة بناء الثقة” من قبل قادة السياسة والأعمال العالميين والمشاهير والناشطين الاجتماعيين البارزين.
كان حضور رئيس حكومة إقليم كوردستان مسرور البارزاني في دافوس مميزاً، وكان يرافق سيادته وفد من رجال الأعمال وكبار المستثمرين، والتقى مع القادة والرؤساء، ورؤساء الحكومات والمسؤولين الإقليميين والدوليين، وأوصل آمال وآلام الكورد وعدالة القضية الكوردية إلى العالم لكسب الرأي العام الدولي والإقليمي.
2) حضور رئيس حكومة إقليم كوردستان مسرور البارزاني القمة العالمية للحكومات في دبي التي بدأت في 12 شباط 2024 واستمرت حتى 14 من شباط والتي عقدت تحت شعار (استشراف حكومات المستقبل) بحضور 120 وفدًا حكوميًا وأكثر من 85 منظمة دولية وإقليمية ومؤسسة عالمية، إضافة إلى نخبة من قادة الفكر والخبراء العالميين وأكثر من 4000 مشارك.
خلال كلمة للسيد مسرور البارزاني أكد فيها أن: كوردستان عامل سلام، واستقرار المنطقة لن يتحقّقَ دون احترام حقوق الشعوب في تقرير مصيرها. حيث أجرى العديد من اللقاءات مع المسؤولين الإقليميين والدوليين وصناع القرار لتعريف العالم بالقضية الكردية وشرعية قضيتهم والسماح للشعب الكوردي برسم مستقبله بنفسه.
وضمّت القمة في دورتها 6 محاور عديدة و15 منتدى عالميًا تبحث التوجُّهات والتغيُّرات المستقبلية العالمية الكبرى في أكثر من 110 جلسات حوارية وتفاعلية تحدّث فيها 200 شخصية عالمية من الرؤساء والوزراء والمفكرين وصناع المستقبل إضافة إلى عقد أكثر من 20 اجتماعًا وزاريًا وجلسة تنفيذية بحضور أكثر من 300 وزير.
3) حضور رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان البارزاني مؤتمر ميونيخ للأمن في ألمانيا والذي عقد الفترة من (16-18 شباط 2024) لإيصال رسالة الشعب الكوردي إلى العالم، حيث أجرى سيادته سلسلة من اللقاءات والاجتماعات مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والقادة والرؤساء والوزراء وأعضاء الكونغرس الأمريكي وغيرهم. تأسس مؤتمر ميونيخ للأمن عام 1963 من طرف الباحث الألماني إيوالد فون كلايست، ويشكّل مؤتمر الأمن منصة فريدة من نوعها على مستوى العالم لبحث السياسات الأمنية. يجتمع فيه ممثلو الحكومات – بما في ذلك الحكومات المعادية لبعضها – وقادة وخبراء في الأمن معاً.
ويعدُّ أحد أهم المؤتمرات التي تناقش السياسة الأمنية على مستوى العالم، يلتقي خلاله المئات من صناع القرار من مختلف دول العالم وفي مختلف المجالات الأمنية والسياسية والعسكرية للتباحث حول أوضاع العالم والتحديّات التي تواجهه على مختلف الصعد. وقد تحوّل إلى منتدى للسياسيين والدبلوماسيين والباحثين.
الدبلوماسية الكوردية تسير في السكة الصحيحة وبخطوات متسارعة ومتزنة متبعة مرونة التكتيك وصلابة الاستراتيجية لبلورة عدالة حقوق الشعب الكوردي وإقامة دولة كوردستان التي ستكون عامل استقرار وتوازن في منطقة الشرق الأوسط برمتها كونها إحدى أعقد القضايا التي تحتاج إلى حل سريع وجذري كي تعيش شعوب المنطقة في سلام وأمان.