الاستعراضية السوبرمانية التركية الجديدة

مصطفى إسماعيل

الاستعراضية السوبرمانية التركية الجديدة, هي حلقة أخرى تضاف إلى سلسلة البارانويا السياسية والعسكرية التركية, في دأبها على تكريس أوهامها العثمانية مرة أخرى على ساحة الشرق الأوسط,  تحت هاجس إعادة إنتاج المجد العثماني, والنظر إلى الخارطة السياسية الجديدة في الشرق الأوسط من كوة سلاطين آل عثمان

والواقع أن هنالك عطباً في القراءة السياسية التركية, فلا الجمهورية التركية هي تلكم الإمبراطورية الشاسعة التي كانت, ولا القوميات المحيطة بتركيا أو تتمثل على خارطة دولتها هي نفسها القوميات المغيبة في قدريتها العثمانية الوبال.
القضية تكمن في أن تياراً تركياً عريضاً في المؤسسة العسكرية والأحزاب التركية, زادهم الأساس هي العقيدة السياسية الطورانية ومخلبها المؤسسة العسكرية ذات الأفق الضيق, وهم يعملون وفاقاً لمصلحة العنصر التركي فقط, ويختزلون الجمهورية التركية في مصالح أيديولوجيا القومية التركية وحدها, وهذا ما يقود إلى الفوضى والخسران السياسي والاقتصادي والاجتماعي, فلا هم بقادرين على إخماد الثورة الكردية في شمالي كردستان واستئصال شافة حزب العمال الكردستاني, وتبدو بوابات اوربا بعيدة عن متناول أيدي الأتراك, وبين الفترة والأخرى يتم الانقلاب على حرية التعبير, وفي الآونة الأخيرة فقط تم سحب مظلة الإرهاب على الجرائد الكردية كافة الناطقة بالتركية والأخرى بالكردية, ولا ننس الإشارة إلى الديون الخارجية الهائلة التي تثقل كاهل الدولة.
الجمهورية التركية, هي جمهورية مؤدلجة, مدفعقراطية, طورانيقراطية, توجهها أفاهيم أحادية تختزل تركيا إلى العرق الواحد والفكر الواحد, وهذا ما يحول تركيا إلى زنزانة أيديولوجية واسعة, وكيان مؤدلج كتركيا – كما درجت العادة عند كل الكيانات المشابهة عبر التاريخ – مسكون بهوس اقتحام الحرم الجغرافي للآخر والتهديد والوعيد, بدلا عن مسكونيتها بهوس التحديث السياسي والتنمية السياسية, ولا شك أن التنمية السياسية تعمّق مفهوم المواطنة وتأتي بالمساواة السياسية, ويسهم ذلك في إيجاد عقد اجتماعي جديد ورأب الصدع وإغلاق بوابات العنف ويحول دون تمزيق الوحدة الداخلية, ولكن المشكلة الأساس في الجمهورية التركية الحالية هي أنها امتداد سكوني للدولة القهرية التي كانت ( بطوريها العثماني والأتاتوركي ) في احتكامها لمنطق التصعيد العسكري والعمليات العسكرية لإخضاع المناطق ولصقها بالدولة.
الأساس الأيديولوجي للدولة التركية تمثل في مدعى الاستحقاق التاريخي والاستحواذ القهري لمناطق ألحقت بالجغرافية السياسية التركية بقوة السلاح, ذلكم الأساس أخرج إلى الحيز دولة هشة سياسيا واجتماعيا, ومركبة على خلل بنيوي, ويدفع كل ذلك برأيي الأوساط التركية إلى ذلك الهجوم المتورم بالجملة على شخص السيد الفاضل مسعود البارزاني – رئيس أقليم كردستان وتصريحاته, والتلويح تاليا بالحل العسكري لإخماد الصوت الكردي, الذي هو موجود في المنطقة قبل أن يسمع الجوار اللكنة التركية, فتصريحات الرئيس البارزاني لفضائية العربية لم تك هرطقة في القول, ولم تك منافية للعقل والمنطق, والرجل قال ما يهجس به كل كردي شريف أينما كان, وهو عبر عن الحس العام المشترك الكردي.

هل كانوا ينتظرون منه تحويل كردستان إلى مائدة للجنرالات الأتراك, وتحويل كركوك إلى ولاية تركية أخرى, وهل كانوا يتوقعون منه أن يبيع قيادات ومقاتلي حزب العمال الكردستاني في سوق النخاسة التركي, أو نحرهم على مذبح مصالح الدولة التركية, أو زجهم في معلبات يكتب عليها:  تقدمة مسعود البارزاني.
في تلكم المقابلة يصرّح السيد مسعود البارزاني: ” لا خايف من قوتهم العسكرية ولا من قوتهم الدبلوماسية، لأنهم يتدخلون في شأن لا يعنيهم، في شأن داخلي لدولة أخرى، كركوك مدينة عراقية بهوية كردستانية، تاريخيا وجغرافياً كل الحقائق تثبت وتؤكد أن كركوك جزء من كردستان العراق، وكردستان العراق جزء من العراق.

فإذاً كركوك مدينة عراقية بهوية كردستانية لا يحق لتركيا أن تتدخل في موضوع كركوك، إذا سمحت لنفسها أن تتدخل في موضوع كركوك سوف نتدخل في موضوع ديار بكر وغيرها من المدن الأخرى “.

وهذا القول يكشف عورات تركيا (على الأقل يكشف الخاصرة الرخوة للدولة التركية), ثم أن أهل كركوك أدرى بشعابها, والتركمان من مكونات كركوك, والقيادي التركماني كرخي آلتى بارماق رئيس الكتلة التركمانية في برلمان كردستان يرفض أي تدخل تركي في شؤون كركوك والتركمان, ويضيف إلى رفضه ذاك العبارة التالية:
” عندما كان أبنائنا التركمان يعدمون على يد نظام صدام، لم تكلف تركيا نفسها للاحتجاج ولو بإرسال مذكرة إلى الحكومة العراقية “.

فهل بعد هذا ما يسند المزاعم التركية الواهية المصابة بفقر الشرعية والمنطق وكوليسترول الغرور.

كوباني 
mbismail2@hotmail.com

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…