المكّون الكردي لإعلان دمشق وطريقه إلى المجلس الوطني

افتتاحية جريدة الوحدة (YEKÎTÎ) *

بعد جهد كبير وحوارات طويلة، انعقد المجلس الوطني لإعلان دمشق ليسجل بذلك إنجازاً متقدماً على طريق تحسين وتطوير الأداء النضالي لقوى الإعلان من أجل إنجاح مهمة التغيير الوطني الديمقراطي، ومن تلك القوى الجانب الكردي الذي يحتاج الآن إلى مراجعة مسؤولة لمسيرته داخل الإعلان بهدف استكشاف الثغرات التي تخلّلتها والبحث عن إمكانات تعزيز دوره ومواصلة جهوده لتوسيع دائرة التعريف والاعتراف بالقضية الكردية، التي بدأت تأخذ موقعها الطبيعي بين القضايا الوطنية الأساسية، وباتت تبحث وتناقش خارج الوسط الكردي والمناطق الكردية من قبل لجان الإعلان وأنصاره والمهتمين بقضية الديمقراطية وأنصار حقوق الإنسان …

 

ولكي تكون الصورة أوضح لابد أن تعود تلك المراجعة إلى ما قبل بدايات التفهّم الوطني السوري لعدالة هذه القضية، حيث برزت النزعة الانعزالية في نضال الحركة الكردية في سوريا، تلك النزعة التي وقفت وراءها عوامل عديدة، ذاتية وموضوعية، تعود بعضها إلى الظروف والنتائج التي أحاطت بتشكّل سوريا، كدولة بحدودها الحالية التي رسمت وفق مصالح أصحاب اتفاقية سايكس- بيكو، الذين لم يستشيروا في ذلك أحداً من مكوّنات البلاد القومية، سواء من المواطنين العرب، الذين جزأت التقسيمات الاستعمارية بلادهم إلى 22 دولة، أو المواطنين الكرد، الذين ينتمون إلى أمّة كردية مقسّمة بدورها ,أرضاً وشعباً، بين أربعة دول، وانعكس، هذا وذاك، على التفكير السياسي للطرفين، ولو بمستويات متفاوتة بسبب طغيان المرجعية القومية على مستلزمات الولاء الوطني وشروط الشراكة الوطنية ..وانطلاقاً من ذلك فقد طغىطنية ..وانطلاقاً من ذلك فقد طغي الفكر القومي على حركتهما السياسية، مما تسبّب في تقلّص فرص التلاقي وتأخر العمل المعارض المشترك، وانتعاش السياسة الشوفينية، التي شجّعت بدورها تلك النزعة لتحويل الأنظار نحو الخارج القومي، العربي والكردي على حد سواء، وقد شكّل ذلك أحد الدوافع الأساسية لعلاقات السلطة مع بعض الأحزاب الكردستانية، تلك العلاقات التي أرادت منها ضبط الوضع الداخلي الكردي، وإنكار وجود قضية كردية في الداخل السوري، ونقل الاهتمامات الكردية نحو الخارج الكردستاني، واستثمار تلك العلاقات كورقة ضغط على الدول المعنية، واستخدام تلك الاهتمامات للدلالة على اتهامات التشكيك بالولاء الوطني الكردي، وتأليب الرأي العام العربي على الكرد وقضيتهم القومية .
أما في الجانب الآخر، فان الشعارات القومية كانت على الدوام إحدى الوسائل المطلوبة لإلهاء الرأي العام العربي بقضايا أخرى خارج سوريا وتوجيهه نحو أخطار وهمية، ومنها الخطر الكردي المزعوم، للحيلولة دون بناء وحدة وطنية قادرة على التصدي للإستبداد، تقوم على مبدأ التوازن بين الحقوق والواجبات .
ومن المؤسف أن تلك السياسة، التي ترافقت في المناطق الكردية مع ممارسة مختلف أشكال القمع والتنكيل بحق المناضلين والنشطاء الكرد، وقابلها بين بعض أوساط المعارضة تجاهل تام لعدالة القضية الكردية وللدور الوطني الكردي، أنتجت بين صفوف الحركة الكردية ردود أفعال مختلفة، تجسّدت في إحجامها عن بناء توافقات سياسية مع القوى الديمقراطية في البلاد وانكفأت نحو القضايا القومية الكردستانية..
وجاءت أحداث آذار الدامية عام  2004 ليعيد الجميع حساباته مع الشأن الكردي، سواءً من قبل الحركة الكردية أو السلطة أو المعارضة، نظراً لما خلّفته تلك الأحداث من واقع جديد تطلّب معه البحث عن أسباب الاحتقان الذي فجّر تلك الأحداث التي لم تكن وليدة لمجرد حالة شغب في ملعب لكرة القدم بين فريقين رياضيين، بل أنها كانت تفجيراً لاحتقانات راكمتها سياسة الإقصاء والاضطهاد والحرمان لعشرات السنين، وعقاباً للدور الكردي في الحراك الديمقراطي الذي دشّنه ربيع دمشق، مثلما كانت ترجمة لآمال أنعشتها التطورات الإقليمية، وخاصة في العراق بما فيه جزءه الكردستاني الذي تحرّر من دكتاتورية صدام حسين، والتي قوبلت بقلق شديد ساد الأوساط الشوفينية التي أرادت إيقاف الخط البيان المتصاعد لتلك الآمال عبر افتعال أحداث ملعب القامشلي في 12 آذار لاستسهال عملية إطلاق الرصاص الحي على المواطنين الأبرياء في محيط الملعب وعلى التجمعات والاحتجاجات اللاحقة التي عمّت مختلف المناطق والتجمعات الكردية، التي عبّرت، سواء بطبيعتها الجماهيرية السلمية أو بضحاياها من عشرات الشهداء ومئات الجرحى وآلاف المعتقلين، عن معاني بالغة الدقة يأتي في مقدمتها الإقرار بوجود شعب كردي يحتاج للاعتراف، وقضية كردية تبحث عن حل عادل، وأثبتت، أن الإبقاء على سياسة الإنكار والتجاهل سوف يبقي على حالة الاحتقان المزمنة ويعيق تطوّر المجتمع الكردي ويشطب على الدور الوطني الكردي في صيانة استقلال البلاد وتقدمها، وأن غياب هذا الحل يعني إن المناطق الكردية قد تكون مرشحة لمثل تلك الاضطرابات في أي وقت كان .
ولما كان هذا الدور واضحاً في إعادة الاستقرار للمناطق الكردية المضطربة، وأكّد على حق هذه الحركة في التمثيل الكردي، رغم الإنكار المتعمّد من قبل السلطة لشرعيتها ، ومحاولة خلق البدائل لها، فإن أطراف المعارضة السورية والفعاليات الحقوقية والمجتمعية والثقافية، أدركت أهمية هذا الدور وبادرت غالبيتها لاستثماره كرافعة نضالية لإغناء النضال الديمقراطي العام في البلاد، في حين حاولت قوى أخرى احتواء هذا الدور بأشكال مختلفة.ومن هنا فقد أبرز الوضع الكردي المستجد، إثر تلك الأحداث، أهمية وضرورة حشد وتنظيم طاقات المعارضة الوطنية السورية بكافة ألوانها وانتماءاتها القومية والدينية والسياسية، مما خلق حراكاً سياسياً نشطاً قاد أخيراً إلى ولادة إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، الذي أقرّ في وثيقته الأساسية، وأكّد مؤخراً من خلال البيان الختامي لاجتماع المجلس الوطني على (ضرورة إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في إطار وحدة البلاد)، وبذلك اكتسبت هذه القضية أهمية خاصة وبعداً وطنياً لا سابق له، ولن تقلّل من تلك الأهمية بعض الملاحظات التي كانت لها منطلقات نظرية لا تجد إمكانات ترجمتها في الواقع، وتتجاهل إن هذه الصيغة المقرّرة لا تزال بحاجة للتفاصيل التي يمكن أن تكون أحد فصول البرنامج السياسي الذي ينتظر الصياغة مستقبلا .
والآن، وبعد انتهاء أعمال اجتماع المجلس الوطني، فان إمكانات حشد التأييد للقضية الكردية، باتت أكبر إذا ما استطاع الجانب الكردي تعزيز أواصر الثقة المتبادلة مع بقية الشركاء من قوى الإعلان وشخصياته المستقلة وفعالياته، والقيام بحملة واسعة لإقناع، من لم يتخلّص منهم بعد من عقدة المواقف المسبقة المبنية على الأوهام، بان الموقف من القضية الكردية يعتبر أحد مقاييس مصداقية طرح التغيير الديمقراطي، وانه تتوقف على الالتزام بحلّها وطنياً اتجاهات التحوّل الديمقراطي في البلاد، وان الجانب الكردي يمكن أن يصبح أحد الروافع النضالية لعملية التغيير، إذا ما أتيحت له فرصة التحرر من التشكيك، وان إغناء آليات الحراك الديمقراطي بالمشاركة الكردية الفعالة، سوف يكون من شأنه تفعيل وتعزيز دور الإعلان وتطوير عمله، وتحقيق أهدافه في بناء وطن لا يمكن الحديث عنه دون الحديث عن مواطنين يتمتعون بكل الحقوق ويملؤهم شعور الانتماء له ويلتزمون بواجبات الدفاع عن ترابه والتضحية في سبيل سيادته…
وبالعودة للساحة الكردية، ونظراً لأهمية وحدة الموقف الكردي تجاه السبل الكفيلة بتمتين الوحدة الوطنية العامة، فان تنشيط الجهود المبذولة لبناء مرجعية كردية، والتي تراجعت مؤخراً بسبب ضعف الإرادة المطلوبة، من جهة، وبسبب تصاعد حدة المهاترات من جهة أخرى، يتخذ أهمية كبيرة يتطلب معها الكف عن التعامل مع تلك المرجعية من زاوية الخطاب الحزبي أو إدارة الحوارات الخاصة بها بمنطق تبرئة الذمم والتهرّب من المسؤولية وإلصاقها بالآخرين ,وفي نفس السياق يبقى من الضروري أيضا العمل على توحيد الموقف الكردي من إعلان دمشق، خاصة بعد تأكيد المجلس الوطني على ضرورة إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية من حيث المبدأ، مما يفسح المجال أمام إمكانية البناء عليه بما يلزم من طروحات لا تستمد شرعيتها فقط من عدالتها، بل كذلك من إمكانات تطبيقها، وإحلال ممكنات العمل السياسي محل التمنيات وتجنّب سياسة كل شيء أو لا شيء ….
—–
* الجريدة المركزية لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)– العدد (172) تشرين ثاني 2007 ك

لقراءة مواد العدد أنقر هنا  الوحدة         YEKÎT

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…