Kmk_info@yahoo.com
هذا الشعب الذي كافح من اجل الآخرين، واحتضنت ارض العراق وفلسطين والكنانة وبلدان كثيرة الآلاف من رفات خيرة رجاله المقاتلين دفاعا عن قضايا لا تمت بصلة إلى قضيتهم، لقد كانوا كما قال المفكر التونسي د.
محمد بن نصر( لقد كان الكورد أمميون حينما كان الآخرون قوميون عنصريون ).
من قلب هذه المنظومة الأخلاقية والسلوكية انطلق البارزاني مصطفى وآلاف الرجال والنساء إلى قضيتهم في الحرية والانعتاق منذ أواسط القرن الماضي متجها إلى الشمس في بلاد تحتضن الضياء والثلج والحب ممرغة بالاستلاب وقبح المحتل وكراهية القسوة وإلغاء الآخر، تحكمها مجاميع من المهووسين بالسلطة والعنصرية المقيتة وعملائهم من المتنفذين الغرائز يين من الحيتان البشرية ومرتزقة الحكومات عبر التاريخ.
حمل البارزاني هموم وآلام هذا الشعب متكئاً على تلك الأخلاقيات العالية والسامية في رجاله ونسائه لمقاومة ذلك الخليط من العفونة التي تفرزها سلطات الاحتلال ومفاصلها.
لم يكن البارزاني في طريقه إلى شمس كوردستان يبحث عن دائرة ضوء لذاته أو خصوصية له ولأتباعه بقدر ما كان يبحث عن موضع قدم لشعبه تحت الضوء، فانطلق بكل هذه المنظومة النبيلة من الأخلاقيات والسلوك لإنتاج فلسفة التعامل مع العدو لكسبه لا لتدميره، ولإصلاحه لا لاكتساحه، بصوفية ثورية لا مثيل لها بين ثورات كثير من الشعوب في العالم، قد أسس البارزاني لمدرسة أخلاقية وسلوكية دون التنظير المعقد في إيديولوجيات ونظريات مكتوبة، بل بمجموعة من السلوكيات والتعامل الميداني مع الأحداث والظواهر ومفردات التعاطي اليومي مع تفاصيل حياة الناس و البيشمه ركه وتعاملهم مع بعضهم البعض و مع المافوق إداريا و مع العدو وما تنتجه المعارك من جرحى وقتلى وأسرى.في رسالة تطبيقية في الأخلاق النبيلة والسامية بين البشر مهما كانوا وكيفما يكونوا دونما الخوض في الوعظ أو النصائح النظرية.
لقد كان الرجل إنسانا ميدانيا وتطبيقيا لمبادئ وفلسفة شعب يذهب إلى الشمس لكي يُضاء ويضيء.
ولعل تطوع معظم جرحى العدو بعد شفائهم مع البيشمه ركه في الثورة، ورفض أكثرية الأسرى العودة إلى ذويهم بل والتطوع كثوار مع قوات البيشمه ركه، دليل على عظمة تطبيقات فكر وسلوك البارزاني في قيادته للثورة منذ اندلاع ثورة كوردستان الكبرى في أيلول 1961 م.وتعامل قوات الثورة الكوردية ومفاصلها مع هؤلاء الأسرى الذين تحولوا بفعل تلك الأخلاق السامية إلى ثوار مع رفاقهم أحرار كوردستان.
منذ الساعات الأولى لانطلاقه نحو شمس كوردستان أدرك البارزاني مصطفى إن الصراع والعتمة في العلاقات ليست مع شعوب المنطقة التي تقاسمت الوطن في أبشع عملية تقسيم وذبح لبلد كان له أن يكون واحدا من أجمل وأروع بلدان الشرق الأوسط لولا اقتراف جريمة تجزأ ته بين كل من ما سمي لاحقا بتركيا والعراق وإيران وسوريا.
ومن هنا زحف البارزاني إلى أول انبثاقة لشمس كوردستان في مها باد ليكون الأقرب إلى فرسانها في أول جمهورية كوردستانية، وليضع أساس دولة ديمقراطية متحضرة في عالم يكاد أن لا يُرى لشدة ظلامه في إمبراطورية بائسة متآكلة تخنق الشمس حول مها باد ومملكة تم صنعها في دوائر الخارجية البريطانية وأخرى في باريس لتحاصر شمس كوردستان جنوبا وغربا وتمتص خيراتها، وبقايا إمبراطورية مريضة متهشمة في تخلفها وانكفائها إلى آسيا الصغرى بدولة أطلقوا عليها اسم تركيا على أنقاض ذلك المريض الذي احتضر في مطلع القرن الماضي.
ومنذ الساعات الأولى لمسيرة البارزاني ورفاقه باتجاه الشمس والحرية أدركوا بأنهم ضحايا لنظام سياسي متخلف وشمولي وان الشعوب الأخرى التي تعيش معهم ليسوا بأحسن حال منهم إلا من ارتضى أن يكون جزء من تلك الأنظمة السياسية المتخلفة، وكان ذلك فصلا مبكرا بين الشعوب وأنظمتها السياسية الحاكمة، درءا لزرع بذور الحقد والكراهية بين هذه الشعوب وإبعادها عن أي جروح غائرة في علاقاتها للأجيال القادمة.
فقد كان البارزاني حريصا على علاقات إنسانية راقية ومتينة مع العرب والفرس والترك كشعوب تتعايش مع الكورد، ولا تتحمل أية مسؤولية سياسية أو أخلاقية عما تقترفه تلك الأنظمة ومؤسساتها وأفرادها من جرائم بحق الكورد وكوردستان.
واستطاع هذا القائد الكبير من مد جسور المحبة والوئام مع شعوب كل من العراق وتركيا وإيران وسوريا من العرب والترك والفرس وغيرهم من غير الكورد، من خلال علاقاته مع رجال الفكر وقوى الديمقراطية ورجال الدين من المسلمين والمسيحيين وأعمدة القوم من رجال المجتمع والعشائر.
بما لا يدع مجالا لقطع قنوات وجسور العلاقة والتواصل ويبرئ هذه الشعوب من جرائم وذنوب أنظمتها السياسية، وبما يزيد أصدقاء الكورد وقضيتهم العادلة.
وفي طريقه إلى الشمس لم يدع أي مجال لاعتباره ملكا لحزب أو طبقة أو دين أو عرق دون سواه في كوردستان، فقد كان سلوكه وتطبيقاته الميدانية لفلسفة راقية تتجلى فيها أروع وارفع قيم الأخوة الإنسانية والنزاهة والمصداقية في صغائر الأمور وكبائرها، فقد كانت أروع تجلياته تكمن في بساطته وقربه من الطبقات الأكثر فقرا وبساطة من الفلاحين والموظفين الصغار دونما تخديش لمشاعر طبقات أخرى من المجتمع أو على حسابها.
لم يكن ينحاز إلى طبقة دون سواها رغم ملاصقته الدائمة للطبقة الأكثر اتساعا بين صفوف الشعب وشرائحه، كان دوما مع الفقير حتى تحل مشاكله ومع المحتاج حتى تقضى حوائجه، ودوما مع المظلوم مهما كان وأينما كان حتى تؤخذ حقوقه.
لم يكن عدوا لأحد، حتى للذين كانوا يحملون السلاح ضده، كان يوصي بهم حينما يسقطون جرحى أو أسرى، ويؤكد دوما بأن ساحة المعركة لا تبيح كل شيء حتى وإن كان العدو قاسيا، إذن هو يؤسس لسلوك راق ونبيل للعلاقات الإنسانية وصنع الحياة حتى في الساحة التي لا تفهم إلا لغة الموت والنار، وبذلك كان يحول عدوه من مقاتل ضده إلى مقاتل معه، وكان ذلك له بالمئات ممن اخترقتهم مبادئ هذا النمط من التعامل وطورت سلوكهم وارتفعت به إلى مصافي الثوار.
في طريقه إلى الشمس مع هذا الشعب لم يكن يؤمن ورفاقه بأن الحرب هي من اجل الحرب وأنها الحل الوحيد في الصراع مع النظم المستبدة والعنصرية.
وكثيرا ما كان يوقف الحرب والقتال لا من اجل العدو بل لأجل استراحة الثوار والأهالي وحتى لأفراد العدو المغلوبين على أمرهم كما كان يصفهم دائما.
كان لا يدع شاردة أو واردة تمر دونما تمحيص ودراسة وقرار، حتى في أحلك الضروف كان يراقب الفلاحين والمزارعين ونتاجا تهم الزراعية فيوقف الحرب في كثير من الأوقات كي يمارس هؤلاء الفلاحين أعمالهم في الحصاد والتسويق بعيدا عن إرهاصات الحرب والنار.
ويدفع الحياة باتجاه اشراقاتها المنتجة بعيدة عن آلة الحرب والدمار وإيقاف الحياة وإطفاء أنوارها، كان على طول المسيرة يكرر ويصر بان الحرب واحدة من الخيارات القسرية والحلول المفروضة علينا وليست المختارة.
إن الحرب هي الاستثناء دائما والقاعدة هي السلام، والحوار هو اقصر الطرق للوصول إلى الحلول مهما بلغت الخلافات من تعقيدات وتشابكات.
كان يبحث دوما عن الحوار مع ألد أعدائه وأعداء شعبه، ويستجيب لأي بادرة لوقف القتال أو الإذعان للتفاوض حتى مع شكوكه بتكتيكات العدو، لكنه كان يستبق الخير دوما مع استباقته للموت أيضا.
بما يجعل كل الشعوب التي تعايشت معه تدرك أصالته وعمق حضارته ونقاء سريرته، وتؤمن بشرعية طريقه إلى الشمس، وما بقاء المئات من الأسرى في معارك البيشمه ركه في صفوفها والنضال معها إلا تطبيقات لسلوكيات وأخلاقيات ذلك البارزاني الحكيم الذي ورث عمق ميديا وانطلاقة كاوه إلى شمس الحرية.