في (الآه) المتطرفــــة

 ديـــار ســـليمان

 ممنـوع على الكـوردي و هو يذبـح من الوريـد الى الوريـد أن يتوجـع مثل بقية بني البشـر، لا بل أكـثر من ذلك مطلـوب منه أن يلهـج لسانـه أثنـاء ذلك بالثنـاء على جلاديـه، و أن يتغـزل عنقـه بالسكـين المثلومـة التي يحملهـا هذا الجـلاد، وأن  يرقـص بعد ذلك على دمائـه (مذبوحـآ من الفـرح) لا من الألـم،  تحت طائلـة إتهامـه بالتطـرف.
 فالتعامـل مع القضيـة الكورديـة في سـوريا لم يزل يتـم بالعقليـة الاقصائيـة  لموظـف الاحصـاء الذي زوّد في سـتينات القـرن الماضـي  بالمشـرط بـدلآ من القلـم خـلال مـروره على القـرى و المناطـق الكوردية لكنـه لم يقيـد من مشاهداته في تلك  الزيارة العتيـدة إلا ما جادت به قريحة من أرسلـه، فضاقـت سـجلاته عن تسجيل الحضـور البشـري و اكتفت بالاسـتيلاء على كل ذرة تـراب يقـف عليها ذلك الحضـور، مما أنتـج حالـة فريـدة من نوعهـا في العالـم تشكل معلمـآ وطنيـآ و منجـزآ حضـاريآ سـوريآ بامتيـاز ألا و هي ظاهرة الأجانب و المكتـومين الذين لا يتمتعـون بأية مـيزة (أجنبويــة)، فهم لم يشهـدوا مثـلآ مسؤولآ حكوميـآ يتراقـص أمامهم (إلا مـهددآ و متـوعدآ) كما تفعل فرقـة أميـة الوطنية في مطـار دمشق لكل أجـنبي قادم يحمـل في جيبه حفنة من الدولارات،  في حـين أن الأراضـي التي تم نزعهـا من المواطـنين الكـورد دون مقابـل أو وجـه حـق  تستدعي وصـلات وطنيـة دون إنقطـاع و على قدم واحـدة و ليس وصف الصمـت الكوردي تطرفــآ.
 و تحويـل الكورد الى أغـراب أو أعـراب  في وطنهـم هما وجهـان لعملـة واحـدة هي التطـرف، و الحقيقة أن الدولة السورية تمارس  سياسة إنكارية و ظلمـآ ممنهجـآ يصل الى أقصـى مستـويات الممارسات العنصرية ضد الشـعب الكوردي، ولاشغال الـرأي العام عن سـياساتها هذه تلجـأ الى الأسلوب الهجومي في إتهام الآخرين بما هو فيها عن طـريق استئجار بعض الأقـلام الموتورة التي تتناغم كتاباتها مع بعض الألسنـة الساذجة في الوسط الكوردي التي تطلـق بدعـة وجـود (متطـرفين من الجانبين) بما يسـاوي بين الجـلاد و الضحيـة، و قد بدأ تداول هذه العملة العنصرية رسـميآ بالمرسوم التشريعي  193 لعام 1952 و الذي يتضمن إخضاع انتقال الأراضي في المناطق الكوردية باعتبارها مناطق حـدودية للترخيص القانوني من وزارة الداخلية و التي تمتنـع عن إعطائه للكـورد اذا كانوا هم الطـرف المـشتري، في حـين أن هناك سـرعة في إنجـاز معامـلات إنتقـال هذه الملكية إذا لم يكن المشتري كورديآ، ثم تبـع ذلك سـياسات إستعلائية على كافة الصعـد شكلت حتى اللحظـة صفقة خاسـرة للسلطة بسبب عجـزها عن تسويق محصولها هذا نظـرآ للكسـاد العالمـي الذي أصـاب سوق المنتجات العنصرية، فالربح المتحـقق هو شـكلي و مؤقت لا تلبث أن تذره رياح حقـوق الانسان التي تهـب بقـوة آخذة كل ما يعـترضها الى مزابـل التاريخ.

والرهان في مواجهة تطرف السلطة لا يقتصـر فقـط على الاعتمـاد على التوجه العالمي في مجال الدفاع عن حقوق الانسان، بل لا بد من إستمرارالمقاومة السلمية العقلانية للشعب الكوردي كتلك التي تمت خـلال ثورة آذار المجيـدة لاجبـار السلطة على إعـادة النظر في حساباتها من خلال كبح جمـاح غـول التـطرف الذي أنهك شعبنـا.
إن شـبهة التطـرف كنقيصة يحـاول النظـام إلصـاقها بالكـورد العاجـزين عن مواجهـة أدواتهـا القمعية ينفيها إسـتعراض أفعـال هذه السلـطة و لعل آخرها و ليس أخـيرها مشروع توطـين المزيد من العوائل العربية في المناطق الكوردية وعلى حساب الفلاحين الكورد البسطاء الذين نزعت منهم ملكيتهم لتقديمها  لهؤلاء و أمثالهم على طبـق من ذهب، و كأن الفلاح الكوردي زاهد في هذه الاراضي، مكتـف بنعمـة البقـاء التي يتكـرم بها عليه النظـام.
 ان دولة ذهبت بعيدآ في خـرق أبسط قواعد التعامـل القانوني و الانساني مع مواطنيها من خلال الانتقائية في التطبيق و إزدواجية المعايير غير جديرة بأن تكـون خيمة للجميع ومرجعية يحتكم إليها الأطـراف  طالمـا أنها تساهم في تشريـع الظلـم لتحقيق أهداف تفتقـر الى العدالـة، و باسـتخدام أساليب عفـى عليها الزمـن.

 15.09.2007

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…