رد هادئ على السيد دهام حسن


بقلم: سعيد فرمان

من خلال  قراءتي  لمقالتي السيد دهام حسن (دفاعاً عن الاشتراكية) و (ماركس وبعض القضايا القومية ) المنشوران على بعض المواقع الالكترونية مثل (gemyakurda) و (welatê me) ومواقع أخرى , وأيضاً الحوار الذي أجري معه  من قبل موقع (welatê me) .

تبين لي أن السيد الفاضل يحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بدفاعه عن الاشتراكية المنهارة من خلال التكلم  بإيجابية عن مزاياها وحسناتها , وعن الشيوعية كنظرية مثلى لا يرقى إليها الشك إلا في بعض القضايا التي لا تمس الجوهر.

كما كنت أفعل وغيري من الناس فيما مضى باعتبار أننا كنا مثل السيد  دهام  حسن ماركسيين ولينينيين.؟ نطبل ونزمر لمن  يصادق السوفييت (الأصح  الروس ) ونعادي من يعاديهم .؟

 وقد تريثت في  البداية بخصوص مسألة الرد على ما جاء في تلك المقالات من مغالطات أوقع الكاتب نفسه فيها ,  وكنت أفضل التنحي جانباً وعدم الخوض في هكذا مواضيع لسببين اثنين لا ثالث لهما – الأول هو ان التطرق لمسائل لاتهم الناس في شيء ولا تعنيهم كالاشتراكية التي أصبحت شيئاً من الماضي  ومن مقتنيات الأرشيف العالمي , يعتبر في نظري ضرباً من السفسطائية الكلامية الفارغة  التي لا جدوى من  البحث في ملفاتها الصفراء والمهترئة .؟ – والثاني هو أنني كنت أراهن على احتمال وجود أناس آخرين قد يقومون بهذه المهمة ويتصدون لها .؟ السببين الذين سقتهما لم يعودا مقنعين لأن ما لا يهتم به عامة الشعب ولا تصغي إليه الجماهير قد يؤثر في آخرين من شرائح سياسية وثقافية , كونها  تهتم بهكذا مواضيع وتتابعها , كما أنني لم أرى أو أسمع بأحد قام بمهمة الرد على المقالات المذكورة في أية وسيلة من وسائل الأعلام .
– لذا أراني مضطراً للقيام بمهمة الرد على تحليلات الأستاذ  دهام بشكل موضوعي وبعيداً عن التجريح أو التهجم الشخصي قدر المستطاع , لا  كمدخل لفتح باب سجال عدائي عقيم وغير مجدي , وإنما كمساهمة مني في توضيح وتصويب جملة المغالطات التي أتى عليها في معرض دفاعه عن الاشتراكية .؟  والتي تشكل في نظري  خطراً على عملية البناء الفكري والأيديولوجي الناشئة في المجتمع الكردي بفضل جهود مثقفيه ومفكريه المخلصين…؟ 
– يقسم الأستاذ دهام في مقالته ( دفاعاً عن الاشتراكية ) خصوم الاشتراكية إلى فريقين أساسيين حيث يقول : خصوم الاشتراكية الدائمون تهللوا لسقوط الاتحاد السوفيتي … ويضيف : هذا الفريق هو لسان حال النظام الرأسمالي , وحامل أيديولوجيته ومن الطبيعي أن لا نتوقع منه غير هذا الموقف … ثم يتابع قائلاً: وثمة طائفة من الذين نلتقي بهم يومياً .

هؤلاء لا يتوقفون عن التهجم على الاشتراكية بكثير من المغالاة والتحامل والقسوة .

منطلقين في الغالب من قضاياهم , ومن زوايا ضيقة لها طابع الخصوصية .

فابتلاؤهم
  بنظم شمولية استبدادية , وتعرضهم لمظالم , وغياب نظم اشتراكية كقدوة ومثال …. ويستطرد في الكلام : وحيث أن الغالبية من هؤلاء المتهجمين تفتقر إلى إرث ثقافي كاف , ومنطق فكري واضح , وجهلهم بالماركسية … !
– من الواضح أن الفريق الأول وبتهجمه على الاشتراكية لا يهم الأستاذ دهام  بالقدر الذي يهمه الفريق الثاني , كما لا يهمني أنا أيضاً , ولست هنا بصدد الدفاع عنه , باعتباره ( أي الفريق الأول ) كان ينطلق في معاداته للاشتراكية بسبب الاختلاف معها في الرؤى والتصورات الاقتصادية والإيديولوجية والسياسية بشكل حاد وجذري , والدخول نتيجة لذلك مع الاتحاد الروسي في صراع مستميت لتقسيم العالم , والاستحواذ على المزيد من مناطق النفوذ والهيمنة …؟
– أما الفريق الآخر, أو الطائفة الثانية التي يأخذ على خاطره منها السيد دهام , والتي يلتقي بها يومياً كما يقول هو بذلك.

فهي تنتمي على الأغلب إلى القومية الكردية باعتبار أن الأستاذ دهام هو كردي ويعيش بين أبناء شعبه الكردي ويحتك بهم , لذلك فإن مآخذه تنصب وحسب ما يستشف منها على أبناء جلدته  , وإن كان هنالك آخرين يحاورهم السيد دهام بخصوص الاشتراكية والشيوعية , إلا أن هذا لا يغير في الأمر شيئاً لأن الغالبية العظمى من أبناء المنطقة ومن مختلف القوميات والطوائف أدركت ومن خلال التجربة أن تلك النظرية ( بعد أن حرفت في أساسياتها على يد لينين , وتلامذته فيما بعد) لم تقدم أية حلول لمشاكلهم وقضاياهم العديدة والمتنوعة , لا بل الانكى من ذلك فقد جعلتهم تلك التجربة ( تجربة الاشتراكية المزيفة التي بنيت في الاتحاد الروسي ) , ونتيجة للتعويل المفرط على إمكانياتها التي لم توظف يوماً لخدمة القضايا الإنسانية العادلة .

أقول أن تلك التجربة جعلتهم عرضة لفوضى أيديولوجية وفكرية كان من أهم نتائجها الميل أو الجنوح (المؤقت ) نحو الأفكار الدينية والغيبية , كحالة تعبير عن الشعور بوجود فراغ   على  المستوى الأيديولوجي ( علماً أن تلك الحالة لم تدوم , وهنالك مؤشرات واضحة لعملية ملئ الفراغ بشكل متوافق مع روح العصر) .

ومع ذلك يأتي الأستاذ دهام لينعت هؤلاء الناس بالمغالين في التهجم على الاشتراكية , كونهم ينطلقون في ذلك من قضاياهم التي تحمل طابع الخصوصية والتفرد .

نعم الناس ينطلقون دوماً من مصالحهم ومشاكلهم  وهل هنالك طائفة أو شعب  لم يأخذ مصالحه وقضاياه الخاصة بعين الاعتبار,أم أن المشترك العام  ووفق ما كانت تزينه لنا آلة الدعاية السوفيتية (الروسية ) آنذاك يستدعي من تلك الطائفة المعنية اتخاذ مواقف مؤيدة ومناصرة لها في هذه المرحلة التي تختلف جذرياً عما سبقها من مراحل ,وهل يصفق أحد ما لشيء لا مصلحة له فيها , ألا يحق للناس في منطقتنا أن يعيروا مصالحهم القومية وقضاياهم الإنسانية الاهتمام والرعاية  , ألم يقل لينين الذي لازال هناك من يؤمن بصحة أفكاره وآرائه في حالتها المطلقة : لو أن البديهيات الهندسية كانت تصطدم بمصالح الناس لسعوا بكل تأكيد إلى تغيرها …؟  ثم ألم يكن الاتحاد السوفيتي (الاتحاد الروسي ) ينطلق من مصالحه القومية والوطنية في رسم سياساته العالمية وعلاقاته الدولية , ولم يفرق في ذلك  بين هذا النظام أو ذاك ,لا بل أن المحبب لديه  من النظم  كانت  الاستبدادية والشمولية  المصاغة على شاكلته وطرازه…؟ ويستطرد الأستاذ دهام في الكلام ناصحاً ويقول: قراءة الماركسية في إطارها التاريخي ودراستها كعلم , وألا يحصر الاشتراكية في التجربة السوفيتية … نعم أتفق مع الأستاذ الموقر دهام بشأن قراءة الماركسية كونها شئ مفيد وذو أهمية بالنسبة للشرائح المثقفة والسياسيين , ولكل من يستطيع ذلك , لكن ألا يمكننا أن نتفق حول حقيقة أخرى أيضاً وهي أن شعوب المنطقة بسياسيها ومفكريها لم يتعرفوا على الماركسية والشيوعية كنظرية صالحة للتغير الاجتماعي , وكطريق لحل كل الإشكاليات المتراكمة في هذه المنطقة  إلا عن طريق التجربة السوفيتية (الروسية ) كجانب تطبيقي , والماركسية اللينينية كجانب وإطار نظري لها.

  لقد كان مثقفينا وسياسيينا يحفظون غيباً أسماء القادة الروس وتواريخ ميلادهم .؟ وأسماء المدن الروسية والسياق التاريخي الذي قامت فيه الدولة الروسية , في حين كان يجهل معظم الناس في منطقتنا ماركس وإنجلز ولا يعرفون عنهم  إلا النذر القليل فما بالك بكتاباتهم وآرائهم .


لقد كانت الدولة الروسية تسخر كل إمكانياتها المادية والإعلامية الضخمة لتصدير رؤاها , وأيديولوجيتها التي كانت اللينينية تشكل كل محتواها وجوهرها , وإن سميت لدواعي وأسباب معينة  بالماركسية اللينينية .

وبعد كل هذا يطلب السيد دهام من الناس أن لا يحصروا الاشتراكية في التجربة السوفيتية …! ترى في ماذا يجب أن تحصر النظريات والأفكار, أليس في التطبيق , وهل هنالك مقاسات ومعايير أخرى يعرفها السيد دهام ونجهلها نحن غير التجربة الروسية للحكم من خلالها على الاشتراكية .

هل التجربة الصينية أو الكوبية تفيان بالغرض ,أم أننا ملزمون بإبداء الرأي والموقف الإيجابي حول الاشتراكية من خلال ما كتب عنها في الكتب والمجلدات فقط  , لا يا أستاذي العزيز دهام  كل شئ يحكم عليه من خلال التجربة والتطبيق على أرض الواقع , ومدى تقبل الناس له , (طبعاً في أجواء تسمح بحرية إبداء الرأي  وليس في الفضاء النظري والكلامي أو في ظروف الكبت والقمع) …؟  وفي مقطع آخر يتكلم الأستاذ دهام حسن عن النتائج الكارثية للحروب التي أبادت بعض الشعوب , ونهبت وقسمت آخرين , حيث يقول : تعرض سكان أمريكا الأصليون للإبادة , تم نهب المستعمرات , لم تخل الساحة الأوربية من الحروب طوال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر , الحربان العالميتان في النصف الأول من القرن العشرين , حرب فيتنام , الأمة العربية كلها تقاسمها المستعمرون …..

الرأسمالية الغربية زرعت إسرائيل ورعتها وشردت الفلسطينيين
… هنا يحاول السيد دهام  ربط قضية الحروب بنتائجها التدميرية والكارثية بالدول الرأسمالية  فقط , والتغاضي عن إسهامات  الدولة الروسية الاشتراكية في تلك الحروب .؟ إن مسألة استهداف الحقيقة أو طمسها  في أحد جوانبها , والتركيز على الجانب الذي يخدم اصطفاف أو انتماء معين لشخص  أو لجماعة ما  يعكس إلى حد بعيد حالة الإصرار على البقاء في رحاب المرحلة الماضية بالتزاماتها واستحقاقاتها التي كان يغلب عليها طابع التخندق الحزبي – الستاليني المعروف لدى الكثير من الناس .؟  صحيح أن الحروب المذكورة وغيرها من الحروب العالمية أو الإقليمية كانت تحدث بفعل الصراع بين الشعوب والدول , خاصة الدول الرأسمالية الكبيرة , وهذا هو نصف الحقيقة أو أحد جوانبها التي يركز عليها الأستاذ دهام , والجانب الآخر من المعادلة أو الحقيقة أين هو وفي ماذا يكمن , أ وليس  من الإجحاف أن لا يتم  بيان إسهام روسيا الاشتراكية في حروب عالمية – كونية , وأخرى إقليمية واعتبار ذلك بمثابة العثور على الجانب الآخر من الحقيقة .؟ لقد غزت  روسيا الاشتراكية في نهاية الحرب العالمية الثانية معظم دول أوربا الشرقية واحتلتها  وأوصلت مؤيديها , ومن سار في فلكها إلى كرسي الحكم والسلطة , وأحكمت قبضتها على مقدرات وثروات تلك الشعوب الاقتصادية , كما أنها كانت طرفاً أساسياً في العديد من الصراعات التي كانت دائرة في القارة الأفريقية , والآسيوية  واللاتينية وكانت تمد من كان يواليها بالسلاح وأنواع أخرى من الدعم والإسناد , وأخيراً وقبل أن تندحر رأى العالم كله كيف قامت بغزو أفغانستان , البلد الفقير الذي أصبح ضحية لمصالح القوى الكبرى  .

؟ لقد تضررت البشرية كلها من الحروب , وإن كان هناك تباين في درجة وشدة التضرر, باستثناء الشعب الكردي .! الذي نال حريته وتوحد بفعل تلك الحروب وحصل على مكاسب لم يحصل عليها غيره من الشعوب والأمم , أليست هذه هي الحقيقة .! ولو أنها كانت غير ذلك لذكرها  لنا  أستاذنا المبجل السيد دهام الذي أخذ على عاتقه مهمة كشف الحقيقة كما هي دون أي لبس أو غموض …؟  الواقع هنالك مفارقة غريبة في مجتمعنا الكردي  تتلخص في أن الشيوعي أو الماركسي الكردي قد ألزم نفسه بالخروج من جلده القومي كمعيار لإثبات درجة انتمائه العقائدي .

 في حين أن معيار درجة الانتماء لدى أبناء القوميات الأخرى للشيوعية يكمن في مدى التزامهم بقومياتهم وقضاياهم التاريخية والوطنية .

هذه المفارقة الإشكالية هي التي جعلت ليس فقط السيد دهام حسن وإنما غيره الكثيرين في أن يتغاضوا عن إنتماءاتهم القومية , أو أن يذكروا بعض ما لحق بهذا الشعب من ظلم واضطهاد وذلك عند ذكر الحالات والقضايا  المشابه لها.؟  لقد كان حري بكاتبنا الموقر في أن يأتي على ذكر وضع الشعب الكردي أيضاً في تلك المرحلة  لجهة تعرضه للتقسيم والاضطهاد والإنكار على أيدي الحكومات والأنظمة التي كانت ولازالت  تحكمه , وليس على أيدي الدول الرأسمالية التي يقصدها السيد دهام حسن باعتبارها إحدى القضايا الساخنة في المنطقة أولاً , ولكونها  قضية القومية التي ينتمي إليها كاتبنا ثانياً .؟   – إن الحوار القصير جداً الذي جرى بيني وبين شخصية شيوعية كردية مرموقة قبل عدة سنين يعكس بكل وضوح النظرة الحقيقية لأغلبية الشيوعيين الكرد لانتمائهم  القومي والأثني .

سألته معاتباً : لماذا لم تعلنوا عن موقفكم كتابياً وبشكل رسمي حول الاجتياح العسكري التركي لكردستان العراق , أو لنقل للعراق , أجاب لا أنت مخطئ نحن أعلنا عن إدانتنا لذلك التدخل في صوت الشعب , ألم تقرأ المقال الذي بيننا فيه بكل وضوح ودون أي تردد أن الحزب الشيوعي العراقي أصدر بياناً أدان فيه التدخل التركي في كردستان العراق ..؟ وسألته أيضاً حول الموقف من الحرب الكيماوية التدميرية التي يشنها النظام العراقي ضد الشعب الكردي .

فأجاب وبانفعال شديد هذه المرة : ولماذا لم تهتموا بمجازر صبرا وشاتيلا مثلما تهتمون أنتم الكرد بحلبجة ووضع الكرد في العراق..

؟!؟!؟ هذه كانت أجوبة الرفيق الشيوعي الكردي .

فماذا تريدون أكثر من ذلك أيها الأكراد , ولماذا تتهجمون على الاشتراكية التي أنجبت لنا هكذا مناضلين لا يخافون في قول الحقيقة لومة لائم .؟
 وفي الحوار الذي أجري معه من قبل موقع ( welatê me ) وأيضاً في مقالته المعنونة ب (ماركس وبعض القضايا القومية) يتناول السيد دهام بعض القضايا النظرية حيث يقول في الحوار: لينين كماركسي مخلص للماركسية , كان يرى أن تحقيق الاشتراكية لا يتم إلا عبر النظم الرأسمالية المتطورة تطوراً صناعياً ضخماً .

لكنه بعد الثورة راح يقول أن التاريخ مفتوح لاحتمالات عديدة , وكان يتوقع قيام ثورة اشتراكية في ألمانيا البلد المتطور , وأنها ستكون عوناً للثورة الروسية البلد المتخلف .

وفي المقال يقول :  ولا ننسى أن ماركس وإنجلز كانا يتوقعان , أو فلنقل يتوهمان عن قيام ثورة اشتراكية وشيكة في القسم الأوربي المتطور على أقل تقدير .

إن تقديم لينين في صورة المخلص لماركس ولتعاليمه وإرثه الفكري  مجافية للحقيقة والوقائع .

لقد كان ماركس يؤكد دوماً وحتى مماته  , أن الاشتراكية غير ممكنة إلا في مجتمع ذو قاعدة  صناعية متطورة  , وعلى أساس ذلك كان يبني آماله بإمكانية حدوثها في إحدى الدول الأوربية المتقدمة في المجال الصناعي , وفي الميادين الأخرى الاجتماعية والسياسية , وحتى الحضارية , وكانت ألمانيا في مقدمة اهتماماته  وعلى رأسها , وأكثر من ذلك كان ماركس وإنجلز وبفضل  الدروس المستقاة من كومونة باريس  يقولان فيما بعد أن عمر البرجوازية سيطول أكثر مما كانا يعتقدان في السابق .

بسبب عدم اكتمال الظروف والشروط  الموضوعية والذاتية لانتصار الاشتراكية .

هذه كانت رؤية ماركس وإنجلز بصدد تشخيص البلد المهيأ لبناء وتشييد الاشتراكية .

وأتى بعد ذلك لينين المخلص لماركس حسب ما يعتقده  كثير من الناس , وطرح نفسه كحالة استمرار وتطوير للماركسية , ومن جملة ما أضاف وطور هي فكرته المشهورة  ( ضرب الإمبريالية , واختراقها في سلسلتها الأضعف ) وكان يقصد بالحلقة الأضعف بلده روسيا الذي لم يكن الأضعف في سلسلة الامبريالية قطعاً لجهة السيطرة على الأمور والقسوة في الحكم , وإنما كان الأكثر ضعفاً  وتخلفاً في المجالات الصناعية والاجتماعية والحضارية , وأكثر قمعاً واضطهادا للشعوب والأمم  من الدول الأوربية الأخرى , لذلك كان يسمى بسجن الشعوب الشرقية .؟ ولا يوجد أي دليل كما يدعيه بأن ماركس اهتم في أواخر حياته بالشأن الروسي , أو أشر لاحتمال ترشيحه لها لقيام الثورة الاشتراكية .

لقد كان لينين يتوق للسلطة والحكم لذا فقد لجأ إلى توظيف مقولته تلك واتخذ  منها الغطاء  والمسوغ  للقيام بالاستحواذ على السلطة , ومن ثم الادعاء بقيام النظام الاشتراكي ..؟ ويأتي بعد ذلك ليقول أن كل الاحتمالات مفتوحة ومن الممكن قيام ثورة اشتراكية في ألمانيا البلد المتطور , وأنها ستكون عوناً للثورة الروسية .

أليس واضحاً أن لينين يعود إلى مقولة ماركس بشأن إمكانية قيام ثورة في ألمانيا , لكن بشرط أن تكون عوناًً ودعماً لنظامه وحكمه .

وهذا يثبت لكل من يريد معرفة الحقائق إن النظرة اللينينية إلى العالم ولقضايا ومشاكل الأمم والشعوب كانت تبنى وتصاغ على أساس مصالح الدولة الروسية  , ولم يكن التشدق بالدفاع عن حقوق الشعوب والكادحين في يوم من الأيام إلا ستاراً وشعاراً  طالما لجأ إليه النظام الروسي بقيادة لينين وتلامذته من بعده.
وفي مقال ماركس وبعض القضايا القومية يذهب السيد دهام حسن إلى حد اتهام ماركس وإنجلز بالتوهم نتيجة لتوقعاتهما بإمكانية قيام ثورة في القسم المتطور من أوربا  , في حين لم يذكر خطأ لينين عندما أقدم في القفز على موضوعة ماركس بشأن قيام الاشتراكية في بلد متطور , وأيضاً لم يذكر توهمه  لتنبؤاته لاحقاً  بإمكانية حدوث ثورة في ألمانيا تلك الثورة التي كان ينظر إليها في ضوء المصالح الروسية الوطنية  فقط …..؟
إن الماركسية كعلم  ونظرية فلسفية  تعرضت للكثير من التشويه والتحريف على أيدي شخصيات وقوى معينة في منطقة الاشتراكية المشيدة وفي مناطق أخرى  كانت تدور في فلكها السياسي وأحياناً الأيديولوجي ,  وقد أثر ذلك سلباً عليها .

أولاً في  شكلها التطبيقي ( انهيار ما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي ) , وثانياً في كيانها النظري – الأيديولوجي .
لكن ورغم كل ذلك ستبقى الماركسية ( إرث ماركس وإنجلز ) نظرية علمية مقدرة لها مكانتها وأتباعها , وأيضاً نقادها والمناوئين لها .

17/9/2007

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…