أردوغان والبرلمان والخيار العسكري والسقوط في الإمتحان…!؟.

نـوري بـريـمـو

منذ أيام وقعت حكومة أردوغان ومعها البرلمان التركي الجديد في شِراك فخٍّ أعدّها لهما الجيش التركي…!؟، إذ إستطاع الجيش أن يحشر أردوغان في خانة ذات مساحة تحرّك ضيقة جعلَتهُ يرتبك ويُربك معه البرلمان الذي تقهقرَ في أول إمتحانٍ مصيري إجتازه على عجالة بإيعاز من العسكر عندما وافق بتصويت أكثرية نوابه وبلا أي تردد على مذكرة تقدّمَتْ بها حكومة أردوغان  التي إرتأت الأخذ بخيار إرسال الجيش التركي لغزو إقليم كوردستان العراق الفدرالي بحجة وجود معاقل لحزب العمال الكوردستاني الذي يخوض منذ عقود عديدة مواجهات (عسكرية وسياسية) حقيقية ضد حكام أنقرة دفاعاً عن القضية الكوردية التي تخص الحقوق القومية لأكثر من عشرين مليون إنسان كوردي يعيشون في كوردستان الشمالية تحت وطأة حكم الجندرمة التركية التي طبّقت ولا تزال تطبّق بحقهم شتى صنوف القتل والتنكيل والتهجير بالجملة.
ولما كانت المؤسسة العسكرية الحاكمة في تركيا تدرك سلفاً ويقيناً بأنّ تصويت البرلمان التركي لصالح قرار دفع حجافل قواتها إلى عمق إقليم كوردستان لا يعني بالضرورة حتمية تنفيذه في الأمد القريب…!؟، وبما أنه قد سبق لهذا البرلمان وفشل لمرتين متتاليتَن بعد أنْ صوّت بدون جدوى على دعوى إرسال الجيش إلى هناك عام 2003م، فقد كان الأجدى بالمؤسسة الطورانية أنْ تتخلى عن عنجهيتها وأن تتصرّف بعقلانية ولو لمرة واحدة في تاريخها، وكان يُفترَض بها أنْ ترأف بحال هذه الهيئة التشريعية المنتخَبة لتوها بشكل ديموقراطي مباشر من قبل غالبية المواطنين الترك والكورد وغيرهم، وأنْ لا تُدحرجها إلى دوامة تنفيذ الأوامر العسكرية على أي صعيد كان، وأن لا تدفع بها صوب مجبورية حشر أنفها في إستصدار قرارات صعبة كالحرب والسلم لا بإرادة من برلمانييها وإنما تحت سطوة عصى الجنرالات…!؟، وذلك لكي لا يفقد هذا البرلمان مصداقيته الشعبية وهيبته الدستورية.
لكنْ بشكل عام ولنفرض جدلاً بأنّ جنرالات تركيا لا يكترثون بمشورة أية جهة ويريدون أن يفعلوا ما يحلو لهم وما يشاؤوه ولو جاء ذلك على حساب المؤسسات الديموقراطية للدولة وحقوق عبادها…!؟، أَلَيس من واجب البرلمان في هكذا حالة جانحة أن يتحلى بالحكمة والإحتكام إلى جادة الصواب الديموقراطي لدى تناوله للقضية الكوردية العالقة والتي تُعتبَر من الملفات الساخنة الحابكة بفعل عسكرة حلولها من قبل الطاقم العسكري الحاكم…؟!، ثم من ذا الذي بإستطاعته غير البرلمان أنْ يردَع الجيش ويمنعه من تجييش مختلف الصغائر والكبائر كما يجري في تركيا التي يجيّش جيشها القضية الكوردية والقبرصية وغيرهما رغم أنف القيادات السياسية التركية والكوردية واليونانية ورغم التدخلات الدولية لحلحلة هذه الملفات التي ستجد حلولاً عادلة لا محال…!؟.
وبناءً عليه فقد كان المطلوب من البرلمان التركي أنْ يحترم خيار الجانب الكوردي الذي أكد ويؤكد إلتزامه بالخيار الديموقراطي اللاعنفي…، وبالتالي كان المفروض عليه أنْ يتمهّل قليلاً وأن يتحاشى توريط نفسه في إتخاذ مثل هكذا قرار عنفي قد تكون له تداعيات خطيرة قد تنعكس بالضد من مصالح تركيا المحتاجة حالياً للحوار والمصالحة والإلتقاء حول القواسم المشتركة التي تجمع الكورد والترك على طاولة مستديرة جامعة بعيداً عن منطقي القوة والجهالة…!؟، في حين لا يليق بمقام أي برلمان أنْ يعطي الحق لنفسه ويشرّع أية تشريعات تجيز للمؤسسة العسكرية إستخدام العنف ضد الجيران وضد المواطنين الذين أدلوا بأصواتهم وإنتخبوا أعضاء ذلك البرلمان…!؟، في الوقت الذي تؤكد فيه كافة القراءات السياسية والتحليلات الخبرية بأنه لا بديل عن الأساليب السلمية…، لأنّ أية عملية عسكرية مهما تعاظم شأنها لن تنهي المشكلة مع حزب العمال الكوردستاني الذي يحظى بتأييد جماهيري لا يُستهان به في كوردستان تركيا…، وللعلم فإنّ أية عملية عسكرية تركية قد يشنها الجيش التركي ضد كردستان العراق أو كوردستان تركيا ـ سواءً أطال أمدها أو قصُرَ ـ قد يكون لها إنعكاساً مباشراً على التوازنات السياسية والمجتمعية داخل تركيا التي قد تشهد شوارعها مظاهرات سلمية قد تتطوّر إلى حالة عصيان مدني في المحافظات الكوردية وإستنبول وأنقرة على أقل تقدير…!؟، ما قد ينعكس ذلك على مجمل العملية الديموقراطية وبشكل مباشر على المشروع الإصلاحي لحزب أردوغان الذي قد يصبح الخاسر الأكبر في هذا الصراع المحتدم تحت تأثير عوامل عديدة لها أجندتها التي قد تتحرّك في الوقت المناسب لتعصف رياحها بكل جهة تُعرقل مسيرتها…!؟، وبهذه المناسبة فقد يعضّ أردوغان أصابع الندم على قراره الحالي بعد فوات الأوان…!؟، وقد يذهب مشروعه الإصلاحي في أدراج هذه الرياح أوغيرها.
===================

* مجلة الصوت الأخر: أسبوعية سياسية ثقافية ـ تصدر في هولير عاصمة إقليم كوردستان ـ  العدد 167 ـ الأربعاء 24ـ 10ـ 2007م.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…