كانت بداية عملية لتحريك الشارع السوري الراكد .
منذ عدة عقود .
وقد بدا ذلك واضحا في السنة التالية عندما شاركت في احياء نفس المناسبة عشرة احزاب كردية واربعة عشر حزب ومنظمة سورية في دمشق.
هذا الاسلوب النضالي الجديد الغير مالوف في الحياة السياسية السورية منذ ان سيطر حزب البعث على السلطة في عام 1963 لا بل والمحظورة حسب القوانين السورية ، فحزب البعث قائد للدولة والمجتمع حسب الدستور ، وهو امل الامة العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية ، لذا فان اية فعالية في وجه سياسات البعث يدخل مباشرة في خانة اعداء الامة.
لقد استهدف النظام البعثي من افتعاله حادثة الملعب الرياضي في قامشلو باطلاق النار على جماهير فريق جهاد والتي ذهب ضحيته عدد من الشهداء وعشرات الجرحى لترعيب الشارع الكردي، ومن ثم الاجهاز على بعض القوى الكردية الفاعلة ، لكن حسابات النظام لم تكن دقيقة ،لانه لم ياخذ بالحسبان الظروف الدولية والاقليمية من جهة، ومن جهة اخرى تاثير النضالات و الفعاليات التي ذكرناها على نفسية الانسان الكردي ، الانتفاضة التي تلت يوم الحدث والتي جاءت اثر البيان الذي اصدرته الاحزاب الكردية والتي طالبت الجماهير بالنزول الى الشارع لاستنكار الجريمة ،وتكريما للشهداء والمطالبة بحل القضية الكردية حتى يقطع الطريق امام مثل هذه الجرائم، ووضع حد للشوفينية، ومحاسبة الذين تسببوا في الجريمة .
اسقطت مشروع النظام ، كما انها فاقت تصوراتنا نحن في الحركة الكردية ، فالجماهير التي نزلت الى الشارع وقدمت شهداء جدد وعشرات الجرحى ومن ثم شملت المناطق الكردية الاخرى بما فيها المدن السورية التي تحتضن جاليات كردية كبيرة مثل دمشق وحلب ايضا ورافقت الانتفاضة فراغ للسلطة السورية في المنطقة الكردية على مدار عدة ايام ،وكشفت الانتفاضة حقيقة القضية الكردية في سوريا ليس فقط للشعب السوري ، بل ايضا لشعوب الجوار وللقوى الدولية .طالما ان النظام عمل دائما على اخفاءها وتجاهلها لا بل وتشويهها .
كثر الحديث في اوساط الجالية الكردية في اوروبا، ولدى بعض المثقفين داخل الوطن وعند بعض الاقلام الكردية والتي مارست السياسة وعملت مع الفصائل الكردية بل وشغلت مناصب رفيعة، التهجم على جميع الفصائل الكردية دون تمييز متهمين القيادات الكردية بشتى الاتهامات لعدم دفعها للجماهير الكردية للاستمرار على الانتفاضة الى ان تنتقل الى باقي المناطق السورية وتجبر القيادة السورية الى الاعتراف بالقضية الكردية.
وبعض هذه الاقلام مستمرة في موقفها هذا رغم مرور ثلاث سنوات على ذكرى الانتفاضة .
بشكل عام يمكن تصنيف هذه الاراء والاقلام الى ثلاثة افئات : فئة تحمست بالانتفاضة والمشاركة الجماهيرية الواسعة ، فئة واعية لكنها بعيدة عن الوطن وغير مدركة للظروف الداخلية السورية ،والانعكاس السلبي للانتفاضة الكردية على نفسية الانسان العربي الذي طالما شحن من قبل حزب البعث والتيارات القوموية العربية الاخرى بالفكر القومي التشددي، ورفضه حتى الاعتراف بالخصوصية الكردية ، خاصة بعد حرب العراق وانهاء النظام البعثي واقرار الفدرالية للكرد ، اما الفئة الثالثة تتمثل في بعض الرموز السياسية الكردية الذين تسببوا في انشقاقات الحركة الكردية ،وخلق العداء الكردي- الكردي وسقطوا تاريخيا.
هؤلاء لم ترق لهم النجاحات التي حققها بعض الفصائل الكردية والتي لاقت اعجاب واحترام الشارع الكردي .
القضية الكردية بشكل عام وفي سوريا بشكل خاص حلها مرتبط بالعامل الدولي اكثر من العامل الذاتي ، هذا لا يعني اهمال دور العامل الذاتي لا بل من الضروري تقويته وتهيئته .
التجربة التاريخية اثبتت محورية العامل الدولي بشان القضية الكردية، ونعني بهذا الموقف الامريكي والموقف الاوروبي.
الموقف الاوروبي لم يبادر الى اي عمل ايجابي تجاه المسالة، ولا اود الدخول في بعض التفاصيل عنها اثناء الاحداث وقد يعود الموقف الاوربي السلبي الى سياسة الاحتواء الذي كانا يمارسه الاتحاد مع سوريا خاصة بعد سقوط العراق بيد الولايات المتحدة الامريكية و حلفائها ،و بقاء معظم القوى الاوربية المؤثرة دون حصة من كعكة العراق لهذا لم يصدر منهم اي موقف و على مدار اكثر من شهرين.
اما الموقف الامريكي و رغم ادانته و تحذيره للنظام السوري، الا انه بقي محدودا و يعود ذلك بتصوري الى عدة عوامل: قرب الانتخابات الرئاسية الامريكية، اتساع دائرة النشاطات الارهابية في العراق، كما يجب ان لا ننسى ان النظام السوري لا يزال يحظى بمظلة اسرائيلية و هذا موضوع مستقل بعينه لسنا بصدد الحديث عنه.
كمايجب الاخذ بعين الاعتبار ان الحركة الكردية لم تحدد توقيت الانتفاضة ، بل النظام السوري هو الذي اختار الظرف و التوقيت لخدمة مصالحه عندما افتعل حادثة الملعب، لذا جاءت الانتفاضة كردة فعل.
و هذ لا يعني بان الحركة الكردية لم ترتكب اخطاء، و ان موقفها كان بالمستوى المطلوب.
مثلما اعطت الانتفاضة زخما للقضية الكردية في سوريا، فانها ايضا كشفت عن بعض الحقائق منها: ان النهج المهادن في الحركة الكردية لم يتمكن حتى من تعريف الشعب السوري بجوهر القضية الكردية وعدالتها، كما اثبتت ان التوجهات و اساليب النضال الجديدة من مظاهرات و اعتصامات، و ما الى ذلك من فعاليات جماهيرية كان لها دور حاسم في كسر جدار الخوف و في استنهاض الشارع.
الانتفاضة كشفت عن رسائل مهمة للحركة الكردية، فقد نادت الجماهير بكردستان سوريا، و قد نادت بتوحيد صفوف الحركة الكردية، كما كشفت عن و حدة الشعب الكردي حول قضيته المتمثلة في الارض و الانسان و استعداده لتقديم الغالي على طريق نيل حريته و حقوقه ،و ان يعيش بكرامة في وطنه، هذا و نحن في الحركة الكردية و في الذكرى الثالثة للانتفاضة، اليس حري بنا ان نحدد قضيتنا بشفافية كقضية ارض وشعب ؟!، ونوحد خطابنا السياسي اخذين المتغيرات الدولية والاقليمية والكردستانية بعين الاعتبار لنضع حدا لتشتت حركتنا الوطنية .
4/3/2006