ابن الجزيرة (م .
قاسم)
كانت الساعة الخامسة صباحا من يوم السبت أول أيام عيد الأضحى المبارك بحسب توقيت العراق هو الموعد المقرر لإعدام الرئيس العراقي المخلوع (السابق) وقد أعلن عن خبر إعدامه قبل أن عرض صورته عند الإعدام..وفيما بعد عرضت صورته وهو محاط بعدد من المنقبين (المقنعين) يضعون لفحة سوداء حول عنقه لئلا تتأثر بحبل المشنقة، وفيما بعد عرضت صورته بعد الإعدام ملفوفا برداء أبيض لا تظهر منه سوى رأسه والموت يغطي ملامحه..!
وأما من جهة الإعلام فهي جميعا مشغولة بالحدث (العربية وغير العربية ) ويبدو أن أكثر المحتفين بشنقه من العراقيين هم الشيعة وإن كان كل من تأذى منه سرّ بهذه الخطوة حتى تلك الأنظمة والحكومات التي تعاديه ومنها إيران والكويت وغيرهما..
وإنني أورد بعض التعليقات من فضائيات مختلفة معروضة في الشريط الإخباري فيها:
الجزيرة: بريطانيا تخشى أن تتأذى فواتها بإعدام صدام- بريطانيا تقول إن صدام دفع ثمن جرائمه بحق العراقيين.
بوش إعدام صدام نقطة تحول مهمة في التاريخ- حداد لمدة ثلاثة أيام في ليبيا ونعتبره أسير حرب- المالكي يدعو البعثيين إلى المشاركة في العملية السياسية- -الفاتيكان تأسف وتخشى من العنف المتصاعد-
العربية: إسرائيل وإيران تحبان بإعدام صدام- عملية الإعدام تمت في مركز الاستخبارات القرب من الكاظمية
مشادة بسيطة بين صدام – رغد صدام تلقت الخبر برباطة جأش بحسب احد محامي الدفاع- حركة حماس تعتبر إعدام صدام عملية اغتيال سياسي- ألقذافي يعتبر الحكم باطلا ويدعو إلى عرض القضية على محكمة دولية-روسيا تأسف على إعدام صدام رغم الدعوات الدولية للرأفة به.الفاتيكان الإعدام مأساوي ومثير ويخشى من الآثار-إغلاق تام لمدة أربعة أيام حول مدينة تكريت
وفي المساء استلم رئيس عشيرة البيجات (البوناصر) وهي عشيرة آل صدام جثته من السلطات ودفن في قرية العوجة حوالي الخامسة فجرا- وهو الموعد الذي شنق فيه- قبل يوم.
وفي خبر عن الجزيرة فإن حوالي 500 شخص كان قد حضروا مراسم الدفن.
وقد صرح رئيس العشيرة بأن إجراءات التسليم والدفن كانت سلسة، وتمت بهدوء واحترام.
وفي قراءة التعليقات يبدو لنا كثيرا من معطيات القصور والخبث السياسي كل بحسب مستواه وتكوينه ووعيه.
ولكن الأهم هو الآتي دوما (المستقبل)..!
وإذا تجاوزنا التعليقات ..فإن حدث الشنق بحد ذاته مدعاة للتأمل والوقوف عنده..!
رئيس حكم حوالي 35 عاما ،العراق بيد من حديد ونار، قتل الآلاف وربما الملايين من أبناء شعبه تحت عناوين مختلفة تجمعها خيانة الوطن (ويعني بالوطن السلطة أو النظام السياسي) ومما يؤسف أن هذا العنوان واحد لدى أنظمة البلدان العربية (والشرق أوسطية) عموما.
وقام بحروب منذ بداية حكمه وحتى نهايته منها:
حروبه مع مواطنيه الكورد في الشمال، والشيعة في الجنوب، كان آخرها في الشمال..
انسحابه من كردستان العراق بقصد إرباك العملية السلمية والإدارية فيه بعد حماية الكورد تحت بند الحظر الجوي (المنطقة الآمنة) من قوات فرنسية وبريطانية وأمريكية مالبثت أن بقيت أمريكية فقط (لحسابات فيما بينها).
ومنها :حرب إيران التي دامت 8 أعوام تحت عنوان بوابة العرب الشرقية، وقد تورطت دول عربية في الانسياق مع هذا الشعار- أو انساقت مع الصوت القابع في أعماق نفوسهم منذ صيحة الثأر للجمل في مأساة حروب الزير سالم- فدعمته بالمال والسلاح وربما بمساعدات أخرى..
فضلا عن مساعدة أمريكا له- وربما للطرف الآخر في بعض الحالات لأهداف التوازن في القوى بينه وبين إيران- ومنها: حرب الكويت وهي الأخطر سياسيا ،حيث انعكست نتائجها سلبا على مجمل أوضاع المنطقة وخاصة على العلاقة فيما بين الدول العربية،كما اتخذته أمريكا- ويبدو أنها دفعته إليها- ذريعة لشن حرب عليه بعون من تحالف مجموعة دول (31ربما) ومن بينها سوريا، وكانت النتيجة خيمة صفوان حيث سلم نفسه لمشيئة الأمريكان نهائيا-وإن كانت سيرة حياته ،بحسب بعض التقارير تشير إلى عمالته لأمريكا منذ شبابه الأول-
وما تبقى من حكمه، قضاه في استعراضات كأنه يمثّل مسلسلا تلفزيونيا أو فيلما سينمائيا- ولو فعل ذلك لحفظ نفسه وجنب أمته والمنطقة كثيرا من المشكلات، فضلا عن تناسب وسامته لإغراء نسائي دون الوقوع في إجبار نساء البعض على ..- من تغيير ألبسة..
وسلوك مستعبد للشعب..
وتفنن فيه..! فقد كان الفقراء والأغنياء والمسؤولون يتقاطرون على تقبيل يده وكأنه قديس- وهي وظيفة أساسها سيكولوجي أو مقصود لمصلحة الأمريكيين(تحويل المواطنين إلى رعايا مغلوبين على أمرهم في كل عناصر تكوين كيانهم- إن كان له كيان قد بقي-.
وفي سياسته – دوما- يتصرف كبلطجي مباشر ..
ولم ينخلع لحظة عن الأسلوب العشائري في التفكير والسلوك، وعلى رأس ذلك اختصار السلطة في نفسه وفي عائلته وأفراد عشيرته.- وليس وحيدا في هذا فصيغة الحكم في المنطقة العربية كلها هي هكذا-
ولن نستفيض كثيرا في وصف تاريخه فالفضائيات تتكفل بها صوتا وصورة ، ولكننا نشير إلى أن هذا التاريخ في مجمله إشكالي من مختلف النواحي الإنسانية والحقوقية والأخلاقية والفكرية والإعتقادية والسلوكية … الخ.
وتاريخه دموي في مختلف مراحله:تأسيسا حيث بدأه –مع رفاقه البعثيين- انقلابا داست الدبابات خلاله أجساد الناس..!وانقلابا على رفيقه وابن بلدته تكريت أحمد حسن البكر حيث يقال أنه قتله ليحل محله ،أو محاولة تثبيت الحكم بوسائل فيها قهر وفيها طفولية وتمثيلية وغير ذلك من الأمور الغريبة التي تتلخص في اختزال الشعب في ذاته وفي عائلته وعشيرته وبعض المتمسحين به أو المنتفعين منه كطارق عزيز مثلا .طه ياسين و غيرهما..
ولكن الذي يستوقف المرء هذا الأسلوب العربي في التفكير تجاهه وتجاه غيره مثله..
من الطواغيت حينما يربطونها بالدين وبالقيم الاجتماعية وبأمور عجيبة تعبر عن مدى الخلل في أسلوب التفكير وفي مدى سيطرة العاطفة الساذجة على مركز التفكير لديهم فتديره حيث تدور.
ولعل الأسوأ هو التضحية بالأهم في سبيل قليل الأهمية أو القليل بالكثير..يمكنهم أن يراعوا مشاعر حفنة من الصداميين مقابل تجاهل مشاعر الملايين من أبناء الأمة.
بل والاستعداد للاستمرار في الفتنة عقودا طويلة لقاء إرضاء شعور نفسي قد لا يكون صحيحا تماما كما فعل أسلافهم في حرب داحس والغبراء وفي الزير سالم..وهم يحولون الجهالة إلى بطولات يتغنون بها.
في التراث الشعبي الكردي حكاية طريفة تعبر عن هذه الحالة إذ احترقت دار أحدهم وعندما اخبروه بذلك قال لا يهم المهم إن البراغيث أيضا احترقت ولم يبق لها فرصة أن تتفاخر بالقفز فوق رؤوسنا..!
بدلا من القول ((أنا لا أدافع عن صدام فهو قد آذاني واجبرني على الهروب ..ولكن المرحلة غير مناسبة،أو الأسلوب فيه استفزاز أو..أو..الخ) بدلا من ذلك لماذا لا يقولون : لقد انتهت مرحلة حكم طاغية بكل ما فيه من سلبيات و-وإن وجدت –إيجابيات،ولنتداعى إلى حوار فيه منطق وفيه علم وفيه موضوعية لنطوي صفحة ونفتح صفحة جديدة لمصلحة أجيالنا القادمة..؟ولكن ..هل العقل (الذهنية) العربي والنفسية (السيكولوجية ) العربية مستعدتان لهذا..؟!
بحسب ما سمعت من الفضائيات وما قرأت في المواقع الإنترنيتية..لا أمل..!
ولكن يفعل الله ما يريد.