التقرير السياسي الشهري لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا- يكيتي-

   يبدو أن المسعى التركي في مختلف المجالات يبقى حثيثا و متواصلا يتصف بدبلوماسية نشطة تنبذ الخطاب النافر أو الشعبوي الصاخب , لينصب في آخر المطاف في خدمة سياسة و مصالح إستراتيجية أجندة تركية محورها الاقتصاد و تحقيق المرتبة التاسعة على الصعيد العالمي في المدى المنظور , حيث أنها أي تركيا اليوم تتبوأ المركز السادسة عشر في سلم الدول المتمتعة باقتصاد غني و متطور , فالشركات التركية لا تنتشر في المجالين السوري و العراقي فحسب بل و كذلك في السعودية و مصر و دول الخليج ولبنان و الأردن , ناهيك عن إيران و بلدان شرق أوروبا وآسيا الوسطى و شمال إفريقيا وغيرها , ترافقاً مع جهود و مبادرات سياسية , و لعب أدوار , تارةً مباشرة تظهر على السطح الإعلامي , وأخرى خفية , سواء في الملفين العراقي و اللبناني أو الساحة  الفلسطينية و محور المفاوضات على المسار السوري – الإسرائيلي , و أيضا في الملف النووي الإيراني والأعمال القتالية في أفغانستان إلى جانب قوات الناتو .
 حيث يبقى التموضع التركي مندرجاً في إطار المنظومة الأمنية للغرب و حاضنته الأمريكية , فكانت موافقة تركيا مؤخراً في قمة حلف الناتو على خطة نشر منظومة الدرع الصاروخي على أراضيها , دليلا قوياً ورسالةً واضحة للجميع , مفادها بأن لتركيا المعاصرة هواجسها وتحسباتها الأمنية كما كانت لها تلك الهواجس على مدى عقودِ خلت .

 ما يهمنا في هذا السياق هو أن بلدنا سوريا تجمعها وتركيا حدوداً مباشرة بطول /822/كم و عشرات الاتفاقيات الثنائية , و أنها دولة مؤسسات و انتخاباتِ حرة , و قانون أحزاب وتنوع إعلامي كثيف – رغم كل التحفظات – وإصلاحات دستورية باتجاه تحقيق شروط الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي , ناهيك كونها أغنى بلد في الموارد المائية على صعيد الشرق الأوسط , مما تثير هذه العوامل مجتمعةً حفيظة و قلق إسرائيل المحتلة لأجزاء من الأراضي السورية و الطامعة إلى قضم المزيد من أراضي و حقوق الشعب الفلسطيني .
 إن تصعيد التوتر في العلاقات الدولية و المناخات السياسية في الشرق الأوسط و من بينها تسميم العلاقات اللبنانية السورية و دفع الملف الإيراني النووي باتجاه الحرب و اللعب على الوتر الطائفي وتهديد السلم الأهلي هنا وهناك , لا يتناسب مع المصالح الحيوية لدول و شعوب المنطقة برمتها ومنها الشعب الكردي التواق إلى السلم و الحرية و المساواة , و هنا تجدر الإشارة إلى الدور الايجابي الملحوظ للحضور السياسي الكردي في العراق الذي لطالما كان حريصاً على التآلف الوطني العراقي و نبذ العداوات بسبب الدين أو القومية , و الاحتكام  إلى مبدأ و لغة الحوار , مما يساهم في نزع فتيل التوترات و إدخال الطمأنينة في قلوب و عقول العراقيين .
    أما الريبة و المخاوف التي يشهدها جوارنا اللبناني جراء سيل الخطب و التصريحات المتعلقة بما سيصدره قاضي التحقيق بيلمار من قرارِ ظني يخص جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري و تبعاته , فيبدو أن استمرار التفاهم السوري السعودي يشكل عنصراً ايجابياً يشكل ضمانة لإبعاد شبح اقتتال لبناني داخلي و حربِ أهلية تهدد السلم الاجتماعي و تجلب المآسي .
   على الصعيد الوطني السوري لا تزال حملة السلطات بملاحقة و توقيف الآلاف من الجناة و المطلوبين للقضاء من مهربين و مجرمين و تجار و مروجي المخدرات و مسيئي الآداب العامة ……الخ تحظى بارتياح غالبية المواطنين في مختلف المدن و المحافظات , إلا أن ثمة تحفظات من الأهمية بمكان الوقوف عندها و خصوصاً توخي الحرص على حياة الأبرياء , و وجوب حماية حرمة المنازل و الممتلكات الشخصية , و ضرورة الإحالة إلى القضاء في اقرب وقت ممكن , فهذه أمور تشكل ألف باء كرامة الإنسان و حقوق المواطن التي لطالما نصت عليها كافة الدساتير و الشرائع .
    و تبقى الضرورة الملحة تكمن في وجوب البحث عن أسباب و مصادر الجريمة بأنواعها و مجالاتها و درجاتها , حيث أن اتساع الفقر و حجم البطالة و الفساد الإداري و قمع الرأي الأخر و الاستبداد عموما يبقى يولد الأزمات و ينخر في جسم الدولة و المجتمع .
    و في الشأن الكردي المحلي مؤخراً , شكلت مناسبة إحياء أربعينية رئيس حزبنا الفقيد إسماعيل عمر في قرية قره قوي حدثاً ملفتاً للإهتمام , و مثار حديث و إشادة من لدن الكثيرين ليس من أبناء محافظة الحسكة – الجزيرة – فحسب , بل و من أنحاء البلاد , و ذلك لما شكله الحضور المتميز لقيادات و مسؤولي الأحزاب و التنظيمات العربية و الكردية و الشيوعية و المنظمة الآثورية الديمقراطية والعديد من النخب الثقافية و المجتمعية و الفعاليات الدينية و محبي حقوق الإنسان , وكذلك فحوى الكلمات المعبرة التي ألقيت , و الوجه الحضاري الذي اتسم به الحفل , كما كان عليه الحال حفل الأربعينية التي أقامتها منظمات الحزب في كل من أوروبا و إقليم كردستان العراق و حازتا على ود واحترام الآلاف , حيث بدا جلياً مصداقية سياسة الحزب و توجهاته التي ستبقى مستمرة و متواصلة .
 
4/12/2010  
 اللجنة السياسية

لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا- يكيتي-

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نحن أبناء قبائل الملية وحرصا منا على وحدة الصف وتمسكا بقيم وتضحيات أجدادنا التاريخية التي دأبت على توحيد الكرد، فإننا ندين ونستنكر بشدة زج اسم عشيرة الملية في البيان الصادر والمعنون ب بيان الكتل السياسية والعشائرية والمدنية الكردية برفض وثيقة مؤتمر القامشلي والذي نشر بتاريخ ٢٨-٠٤-۲۰۲٥- والذي يرفض وثيقة مؤتمر وحدة الموقف والصف الكردي المنعقد في قامشلو بتاريخ ٢٦ نیسان…

بيمان حسين ما حدث في 8 ديسمبر من عام 2024، على قدر جماله وروعته، كان شيئا غير متوقع على الإطلاق. فحلم الانعتاق والتحرر من نير النظام القمعي كان حلما تطلب تحقيقه مهرا غاليا من التضحيات اللامتناهية. في أعرافنا وثقافاتنا، نربط الأشياء غير المفهومة بالقدرة الإلهية، ولكن في هذا الموضوع بالتحديد، هناك رغبات وقدرات أخرى غير إلهية كان لها التأثير الأكبر…

المهندسِ باسل قس نصر الله في زمنٍ مضى، كانتْ سوريّٞةَ تصنعُ رجالاً لا تصنعُهمُ ٱلظروفُ، بلْ يصنعونَ ٱلظروفَ ذاتَها. فارسُ ٱلخوريِّ كانَ واحداً منْ هؤلاءِ: معلماً، ومشرِّعاً، ورجلَ دولةٍ يعرفُ أنَّ الوطنَ ليسَ شعاراً يُرفعُ عندَ ٱلحاجةِ، بلْ عقدَ شرفٍ يُمارسُ كلَّ يومٍ. فارسُ ٱلخوريِّ لمْ يُعرفْ بطائفتِه ولا بمذهبِه، بلْ بسوريّتِه المطلقةِ. وقفَ في وجهِ الانتدابِ الفرنسيِّ،…

جلسة حوارية منظمة من قبل منصة ديفاكتو الحوارية حول مفهوم الإعلان الدستوري في سوريا في فندق الشيراتون . حاضر فيها الاستاذ أحمد سليمان نائب سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا والأستاذ معن الطلاع مدير قسم البحوث العلمية في مركز عمران للدراسات و بتيسير من الأستاذ خورشيد دلي بمشاركة عدد من المثقفين و المهتمين بالشأن السياسي السوري. تمحورت الجلسة حول…