خالص مسور
إن من يتأمل جيداً في حيثيات الماركسية واللينينة في مسوحاتها القومية، فسوف يدرك وبعد مزيد من التمعن والتفكير بأن الماركسية- اللينينية تعتبر القومية وسيلة ومرحلة أولى أو الخندق الأمامي لمحاربة الاقطاع الرجعي والبرجوازية الرجعية أي بعد دخولها المرحلة الثانية من تطورها الإقتصادي، ولذلك كان ماركس يبني سياسته الأممية على تشجيع الحركات القومية على التمرد في وجه البرجوازية والاقطاع، لأنه في حساباته كان يرى أن الناس منقسمون إلى أمم متفاوتة، ولكل أمة عمالها كما أن لها برجوازيوها وإقطاعيوها في آن، ولهذا ستكون القومية العمالية في كل بلد وسيلة للقضاء على الإقطاعية والبرجوازية ثم الصعود بعدها بقوة وعنفوان نحو مرحلة الأممية البروليتارية فحسب.
فالعامل في عرف ماركس وقبل استلام البروليتاريا الحكم في بلادها يحمل قدراً لا بأس به من الذهنية القومية فهو يدافع عن وطنه ويسعى لتحريره من نير البرجوازية والإقطاع، ويتصدى لجيوش القوميات الأخرى إن فكرت بالإعتداء على بلده، أي نحن هنا أمام تاريخية القومية وظرفيتها، هذه القومية التي ستلغى حتماً بعد انتصار بروليتاريا كل أمة على برجوازيتها وفي بلدها، وعندها ستتحول البروليتاريا إلى أمة بذاتها أي بروليتاريا وطنية ستتخلى تلقائياً عن النزعة القومية وتضعها جانباً.
فالقومية تم تشبيهها دوماً بالأم التي تربي صغارها حتى البلوغ، فالتربية القومية هي وسيلة والبلوغ(الأممية) هو الغاية وهو الهدف الثاني والنهائي.
ومن هنا فإن ماركس كان يشجع القوميات ويقف معها ويساندها دون أن تكون القومية هدفه الأول ولا الأخير، بل وسيلة لإيصال البروليتاريا إلى سدة الحكم، وهكذا كانت مصالح البروليتاريا على الدوام لها الأولوية في الحراك العمالي القومي وهي حتى لدى الشعوب المستعبدة المسار والهدف في آن واحد، أي أن القومية في نظر ماركس ولينين هي مرحلة في طريق النضال العمالي لاغير، وستضمحل القوميات بعد انتصار العمال على برجوازيات بلادهم لامحالة.
ولهذا كان ماركس يوصي الشعوب بالعمل دوماً من أجل مصالح البروليتاريا أولاً وأخيراً وبصورة مستقلة عن القوميين البرجوازيين الذين وضعوا أنفسهم في خدمة الإمبرالية والإستعمار العالمي، وفي مثل هذه البلدان سوف لن يكون للعمال وطن، أي أنهم لن يدافعوا عن وطن ليس لهم فيها رزق ونصيب، ولهذا فكان ماركس يركز على الدوام على أنه لايمكن للثورة العالمية إلاأن تكون أممية.
فقد ورد في البيان الشيوعي الذي كتبه ماركس وانكلز مايلي: (أن النضالات القومية التي يخوضها البرولتاريون في مختلف الدول، حيث يبرز الشيوعيون ويضعون في المقدمة المصالح المشتركة للبروليتاريا بأسرها وبصورة مستقلة عن كل قومية).
وهنا نرى ان المسألة القومية تدخل بشكل تلقائي في خدمة نضالات البروليتاريا في كل أمة بمفردها، فالقومية لدى ماركس ولينين وسيلة لاهدفاً بحد ذاتها، حيث أن البروليتاريا بعد الإستقلال وتسلمها السلطة ستعمل وفق الخط المؤدي إلى اضمحلال القومية، وفي هذا السبيل قال ماركس وبوضوح تام: (….وبمقدار ما يزول التناحر الطبقي في كل أمة، يزول في نفس الوقت العداء والحقد بين الأمم).
ويجدر بنا أن نشير إلى أن المسألة القومية برزت لأول مرة في المؤتمر الثاني لحزب عمال روسيا الإشتراكي الديموقراطي الذي انعقد عام 1903م في كل من بروكسل ولندن وحينها انقسم الجزب إلى أنصار لينين البلشفيك وأنصار مارتوف المنشفيك، وفيه اقترح بعض الماركسيين ضرورة تبني مبدأ الإتحادية القومية، لكن سرعان ما عارضهم لينين وطرح مقولة تبني تنظيم مركزي موحد لجميع عمال الدولة السوفيتية، وكان ذلك بنظر البعض حينها كافياً لاتهام لينين بمعاداة المسألة القومية.
بينما أول مناقشة حادة خاضها لينين في المسألة القومية كان أثناء جداله مع الإشتراكيين الديموقراطيين الأرمن، ومن خلاله أقر لينين مبدأين اساسيين لحل مشكلة القوميات، الأول: رفض فيه مطلب الإستقلال القومي الثقافي الذاتي لأنه مطلب ضيق اقترحه البونديون اليهود لأنه يجسد مصالحهم بالذات، بل أكد لينين على مطلب الحرية السياسية والمساواة التامة في الحقوق لجميع الأثنيات والشعوب.
الثاني: أكد فيه على مطلب حق تقرير المصير لكل قومية من القوميات التي تدخل في تركيب الدولة أي حق الشعوب في الإنفصال السياسي وتشكيل دولتها المستقلة ثم الإنضمام الطوعي إلى الدولة الديموقراطية فيما بعد، ومن الضروري أن يطالب بتعديل بيان المؤتمر من مطلب جمهورية اتحادية، إلى جمهورية ديموقراطية لأنها ليس من مهمة البروليتاريا الدعوة إلى الإستقلال القومي الذاتي.(1)
ولهذا أيضاً، انتقد لينين كاوتسكي الألماني ووسمه بالمرتد لوقوفه إلى جانب برجوازية بلده في الحرب العالمية الأولى في عام 1918م تحديداً ولوصفه المناشفة بالديموقراطيين، أي أن لينين كان سيقبل الدفاع عن ألمانيا باسم القومية الألمانية في حال وجود الحكم بأيدي الطبقة العمالية، أو في حال تمرد العمال ولوباسم النضال القومي آنذاك ضد البرجوازية الألمانية ولكن كان الأمر خلاف ذلك في ألمانيا حيث البرجوازية كانت متحكمة في رقاب الطبقات الدنيا من الشعب وتستغل العمال أبشع استغلال ولهذا اعترض لينين على الماركسيين الألمان وقوفهم في الحرب إلى جانب برجوازيات بلادهم في الحرب العالمية الأولى.
وبناء على هذا نرى أن تأييد القوميات العمالية تنبني على حالة ظرفية تاريخية لدى ماركس ولينين، وستكون القومية هي إحدى محطات التاريخ التي يمكن الوصول منها إلى الهدف النهائي ألا وهو حكم البروليتاريا.
حيث كان ماركس يعتبر المسألة القومية مسألة فرعية عن شجرة النضال البروليتاري في الطريق إلى الشيوعية، وقبيل ثورة اكتوبر كان لينين يرى أن الحركات القومية في الشرق ستعزز مكانة الأممية وخاصة في روسيا القيصرية التي تضطهد القوميات غير الروسية، وهو ما أدى به إلى الدعوة إلى حق تقرير المصير للشعوب وحتى الإنفصال – كما رأينا- إن أرادت، لكن – وكما قلنا- كان لينين يفضل في نفس الوقت الإتحادت الفيدرالية على أن تكون طوعية وليست قسرية أو اجبارية، فكان يرى في نداءات الإعتراف الكامل وغير المشروط بحق تقرير المصير القومي للشعوب جعجعة فارغة، أي لم يكن لينين يؤيد على الدوام حق الإنفصال للشعوب بدون شروط، فلم يؤيد مثلاً حق الإنفصال لشعب باع نفسه للإمبريالية ضد مصالح بروليتاريا بلادها، مستنداً في ذلك إلى مقولة ماركس القائلة: ( إن الإضطهاد القومي لايستدعي دوماً من وجهة النظر الديموقراطية والبروليتاريا، تطلعاً مشروعاً للإستقلال.)
لكن لم يطبق لينين مقولة تحرير الشعوب حتى البروليتارية منها على الصعيد العملي في جمهوريته السوفيتية، ماعدا حالة استثنائية واحدة هي حالة فنلندا التي منحها الإستقلال التام، ثم حالة أخرى شبيهة هي حالة تأييده لانفصال النرويج عن السويد عام 1905م، هذا رغم التململ الواضح للشعوب وحتى للبروليتاريا السوفيتية التي كانت تئن تحت وطأة الحكم السوفيتي الثقيل وخاصة في عهد ستالين الذي اتصف بالقسوة والجبروت طيلة فترة حكمه للبلاد، وبالضد من لينين كان روزا لزكسمبورغ تعارض حقوق القوميات وتهمل مسألة تأييد الحزب الديموقراطي الروسي لمسألة القوميات، ودورها في إلحاق الهزيمة أو إضعاف شوفينة البرجوازية الوطنية الجاثمة على صدور العمال، ولذا فقد انتقدها لينين بشدة حول هذه النقطة، وكانت الظروف قد فرضت نفسها على ماركس ولينين ليغيرا آرائهما بصدد القومية وحركات الشعوب التحررية كما في مسالة ايرلندة مثلا.(2)
حيث أن ماركس وفي كل أطروحاته القومية كان يؤيد حركات الشعوب القومية لأنه كان يراها في خدمة البروليتاريا ضد برجوازيات بلدها والبلدان التي تستعمرها، ماعدا المسألة الإيرلندية فإنه لم يؤيد الحركة الإيرلندية التحررية، لأنه كان يرى في وحدة إيرلندة مع إنكلترة قوة للبروليتاريا الإنكليزية، ولكنه وبعد أن وجد كرهاً متزايداً لدى الطبقة العاملة الإنكليزية للعمال الإيرلنديين وأن العمال الإنكليز يقفون إلى جانب حكومتهم البرجوازية، غير ماركس عندها رأيه في المسألة الإيرلندية وطالب بتحرير إيرلندة قائلاً: (اعتقدت أنه سيكون من الممكن الإطاحة بالنظام الإيرلندي عبر صعود الطبقة العاملة الإنكليزية.
نعم مزيد من الدراسة أقنعتني بالعكس: أن الطبقة العاملة الإنكليزية لن تفعل شيئاً حاسماً هنا بإنكلترا، كما أنها لن تقطع بشكل حاد سياسة الطبقات السائدة حول القضية الإيرلندية، وليس فقط أنها لن تقوم بفعل مشترك مع الإيرلنديين، لكنها أيضاً لن تأخذ المبادرة من أجل الإتحاد الإجباري في 1801م وتعويضه بكونفيدرالية متساوية وحرة).
المرجع السابق.
نرى ماركس هنا وهو يقول (اعتقدت ) أي أنه أخطأ وغير رأيه بصدد المسألة الإيرلندية بزاوية 180 درجة.
وبناء على هذا أطلق ماركس قولته الشهيرة: (كل أمة تضطهد أخرى، تسبك السلاسل الخاصة بها) وهو كلام جميل بالفعل وينم عن قوة المحاكمة العقلية لدى هذا المفكر الكبيرماركس.
هذا المفكر الذي اهتدى لينين بآرائه واتخذه نبراساً وشرعة ومنهاجاً له بعد ذلك حول المسائل القومية لشعوب الشرق والمستعمرات.
والخلاصة أن ماركس كان يرى في الحركة العمالية القومية – إن جاز التعبير- بوادر إيجابية للقضاء على البرجوازية أينما كانت، وكما أوردنا آنفاً، وحسب رأيه فكل النضالات القومية للعمال في بلدانهم مكلفة بالقضاء على البرجوازية المعادية والمستغلة لكدح وشقاء العمال، وبعد انتصارها ستصبح الطبقة البعاملة أمة بذاتها ولذاتها وستتحد مع غيرها من الأمم البروليتارية مستقلة عن كل قومية.
بهذا الشكل كانت مرحلة القومية لدى ماركس وسيلة للقضاء على الإقطاع والبرجوازية لاغير، ولهذا كان لابد للمرور بمرحلة القومية لدى شعوب الشرق للوصول بعدها إلى الأممية الحقة، أي لاجدال بعد هذا في أن تأمين مصالح البروليتاريا ستكون لها الأولوية دوماً على المصالح القومية.
…………………………………………………………….
(1) – كتاب الماركسية من الأمة إلى الأممية- ص- 21
فالقومية تم تشبيهها دوماً بالأم التي تربي صغارها حتى البلوغ، فالتربية القومية هي وسيلة والبلوغ(الأممية) هو الغاية وهو الهدف الثاني والنهائي.
ومن هنا فإن ماركس كان يشجع القوميات ويقف معها ويساندها دون أن تكون القومية هدفه الأول ولا الأخير، بل وسيلة لإيصال البروليتاريا إلى سدة الحكم، وهكذا كانت مصالح البروليتاريا على الدوام لها الأولوية في الحراك العمالي القومي وهي حتى لدى الشعوب المستعبدة المسار والهدف في آن واحد، أي أن القومية في نظر ماركس ولينين هي مرحلة في طريق النضال العمالي لاغير، وستضمحل القوميات بعد انتصار العمال على برجوازيات بلادهم لامحالة.
ولهذا كان ماركس يوصي الشعوب بالعمل دوماً من أجل مصالح البروليتاريا أولاً وأخيراً وبصورة مستقلة عن القوميين البرجوازيين الذين وضعوا أنفسهم في خدمة الإمبرالية والإستعمار العالمي، وفي مثل هذه البلدان سوف لن يكون للعمال وطن، أي أنهم لن يدافعوا عن وطن ليس لهم فيها رزق ونصيب، ولهذا فكان ماركس يركز على الدوام على أنه لايمكن للثورة العالمية إلاأن تكون أممية.
فقد ورد في البيان الشيوعي الذي كتبه ماركس وانكلز مايلي: (أن النضالات القومية التي يخوضها البرولتاريون في مختلف الدول، حيث يبرز الشيوعيون ويضعون في المقدمة المصالح المشتركة للبروليتاريا بأسرها وبصورة مستقلة عن كل قومية).
وهنا نرى ان المسألة القومية تدخل بشكل تلقائي في خدمة نضالات البروليتاريا في كل أمة بمفردها، فالقومية لدى ماركس ولينين وسيلة لاهدفاً بحد ذاتها، حيث أن البروليتاريا بعد الإستقلال وتسلمها السلطة ستعمل وفق الخط المؤدي إلى اضمحلال القومية، وفي هذا السبيل قال ماركس وبوضوح تام: (….وبمقدار ما يزول التناحر الطبقي في كل أمة، يزول في نفس الوقت العداء والحقد بين الأمم).
ويجدر بنا أن نشير إلى أن المسألة القومية برزت لأول مرة في المؤتمر الثاني لحزب عمال روسيا الإشتراكي الديموقراطي الذي انعقد عام 1903م في كل من بروكسل ولندن وحينها انقسم الجزب إلى أنصار لينين البلشفيك وأنصار مارتوف المنشفيك، وفيه اقترح بعض الماركسيين ضرورة تبني مبدأ الإتحادية القومية، لكن سرعان ما عارضهم لينين وطرح مقولة تبني تنظيم مركزي موحد لجميع عمال الدولة السوفيتية، وكان ذلك بنظر البعض حينها كافياً لاتهام لينين بمعاداة المسألة القومية.
بينما أول مناقشة حادة خاضها لينين في المسألة القومية كان أثناء جداله مع الإشتراكيين الديموقراطيين الأرمن، ومن خلاله أقر لينين مبدأين اساسيين لحل مشكلة القوميات، الأول: رفض فيه مطلب الإستقلال القومي الثقافي الذاتي لأنه مطلب ضيق اقترحه البونديون اليهود لأنه يجسد مصالحهم بالذات، بل أكد لينين على مطلب الحرية السياسية والمساواة التامة في الحقوق لجميع الأثنيات والشعوب.
الثاني: أكد فيه على مطلب حق تقرير المصير لكل قومية من القوميات التي تدخل في تركيب الدولة أي حق الشعوب في الإنفصال السياسي وتشكيل دولتها المستقلة ثم الإنضمام الطوعي إلى الدولة الديموقراطية فيما بعد، ومن الضروري أن يطالب بتعديل بيان المؤتمر من مطلب جمهورية اتحادية، إلى جمهورية ديموقراطية لأنها ليس من مهمة البروليتاريا الدعوة إلى الإستقلال القومي الذاتي.(1)
ولهذا أيضاً، انتقد لينين كاوتسكي الألماني ووسمه بالمرتد لوقوفه إلى جانب برجوازية بلده في الحرب العالمية الأولى في عام 1918م تحديداً ولوصفه المناشفة بالديموقراطيين، أي أن لينين كان سيقبل الدفاع عن ألمانيا باسم القومية الألمانية في حال وجود الحكم بأيدي الطبقة العمالية، أو في حال تمرد العمال ولوباسم النضال القومي آنذاك ضد البرجوازية الألمانية ولكن كان الأمر خلاف ذلك في ألمانيا حيث البرجوازية كانت متحكمة في رقاب الطبقات الدنيا من الشعب وتستغل العمال أبشع استغلال ولهذا اعترض لينين على الماركسيين الألمان وقوفهم في الحرب إلى جانب برجوازيات بلادهم في الحرب العالمية الأولى.
وبناء على هذا نرى أن تأييد القوميات العمالية تنبني على حالة ظرفية تاريخية لدى ماركس ولينين، وستكون القومية هي إحدى محطات التاريخ التي يمكن الوصول منها إلى الهدف النهائي ألا وهو حكم البروليتاريا.
حيث كان ماركس يعتبر المسألة القومية مسألة فرعية عن شجرة النضال البروليتاري في الطريق إلى الشيوعية، وقبيل ثورة اكتوبر كان لينين يرى أن الحركات القومية في الشرق ستعزز مكانة الأممية وخاصة في روسيا القيصرية التي تضطهد القوميات غير الروسية، وهو ما أدى به إلى الدعوة إلى حق تقرير المصير للشعوب وحتى الإنفصال – كما رأينا- إن أرادت، لكن – وكما قلنا- كان لينين يفضل في نفس الوقت الإتحادت الفيدرالية على أن تكون طوعية وليست قسرية أو اجبارية، فكان يرى في نداءات الإعتراف الكامل وغير المشروط بحق تقرير المصير القومي للشعوب جعجعة فارغة، أي لم يكن لينين يؤيد على الدوام حق الإنفصال للشعوب بدون شروط، فلم يؤيد مثلاً حق الإنفصال لشعب باع نفسه للإمبريالية ضد مصالح بروليتاريا بلادها، مستنداً في ذلك إلى مقولة ماركس القائلة: ( إن الإضطهاد القومي لايستدعي دوماً من وجهة النظر الديموقراطية والبروليتاريا، تطلعاً مشروعاً للإستقلال.)
لكن لم يطبق لينين مقولة تحرير الشعوب حتى البروليتارية منها على الصعيد العملي في جمهوريته السوفيتية، ماعدا حالة استثنائية واحدة هي حالة فنلندا التي منحها الإستقلال التام، ثم حالة أخرى شبيهة هي حالة تأييده لانفصال النرويج عن السويد عام 1905م، هذا رغم التململ الواضح للشعوب وحتى للبروليتاريا السوفيتية التي كانت تئن تحت وطأة الحكم السوفيتي الثقيل وخاصة في عهد ستالين الذي اتصف بالقسوة والجبروت طيلة فترة حكمه للبلاد، وبالضد من لينين كان روزا لزكسمبورغ تعارض حقوق القوميات وتهمل مسألة تأييد الحزب الديموقراطي الروسي لمسألة القوميات، ودورها في إلحاق الهزيمة أو إضعاف شوفينة البرجوازية الوطنية الجاثمة على صدور العمال، ولذا فقد انتقدها لينين بشدة حول هذه النقطة، وكانت الظروف قد فرضت نفسها على ماركس ولينين ليغيرا آرائهما بصدد القومية وحركات الشعوب التحررية كما في مسالة ايرلندة مثلا.(2)
حيث أن ماركس وفي كل أطروحاته القومية كان يؤيد حركات الشعوب القومية لأنه كان يراها في خدمة البروليتاريا ضد برجوازيات بلدها والبلدان التي تستعمرها، ماعدا المسألة الإيرلندية فإنه لم يؤيد الحركة الإيرلندية التحررية، لأنه كان يرى في وحدة إيرلندة مع إنكلترة قوة للبروليتاريا الإنكليزية، ولكنه وبعد أن وجد كرهاً متزايداً لدى الطبقة العاملة الإنكليزية للعمال الإيرلنديين وأن العمال الإنكليز يقفون إلى جانب حكومتهم البرجوازية، غير ماركس عندها رأيه في المسألة الإيرلندية وطالب بتحرير إيرلندة قائلاً: (اعتقدت أنه سيكون من الممكن الإطاحة بالنظام الإيرلندي عبر صعود الطبقة العاملة الإنكليزية.
نعم مزيد من الدراسة أقنعتني بالعكس: أن الطبقة العاملة الإنكليزية لن تفعل شيئاً حاسماً هنا بإنكلترا، كما أنها لن تقطع بشكل حاد سياسة الطبقات السائدة حول القضية الإيرلندية، وليس فقط أنها لن تقوم بفعل مشترك مع الإيرلنديين، لكنها أيضاً لن تأخذ المبادرة من أجل الإتحاد الإجباري في 1801م وتعويضه بكونفيدرالية متساوية وحرة).
المرجع السابق.
نرى ماركس هنا وهو يقول (اعتقدت ) أي أنه أخطأ وغير رأيه بصدد المسألة الإيرلندية بزاوية 180 درجة.
وبناء على هذا أطلق ماركس قولته الشهيرة: (كل أمة تضطهد أخرى، تسبك السلاسل الخاصة بها) وهو كلام جميل بالفعل وينم عن قوة المحاكمة العقلية لدى هذا المفكر الكبيرماركس.
هذا المفكر الذي اهتدى لينين بآرائه واتخذه نبراساً وشرعة ومنهاجاً له بعد ذلك حول المسائل القومية لشعوب الشرق والمستعمرات.
والخلاصة أن ماركس كان يرى في الحركة العمالية القومية – إن جاز التعبير- بوادر إيجابية للقضاء على البرجوازية أينما كانت، وكما أوردنا آنفاً، وحسب رأيه فكل النضالات القومية للعمال في بلدانهم مكلفة بالقضاء على البرجوازية المعادية والمستغلة لكدح وشقاء العمال، وبعد انتصارها ستصبح الطبقة البعاملة أمة بذاتها ولذاتها وستتحد مع غيرها من الأمم البروليتارية مستقلة عن كل قومية.
بهذا الشكل كانت مرحلة القومية لدى ماركس وسيلة للقضاء على الإقطاع والبرجوازية لاغير، ولهذا كان لابد للمرور بمرحلة القومية لدى شعوب الشرق للوصول بعدها إلى الأممية الحقة، أي لاجدال بعد هذا في أن تأمين مصالح البروليتاريا ستكون لها الأولوية دوماً على المصالح القومية.
…………………………………………………………….
(1) – كتاب الماركسية من الأمة إلى الأممية- ص- 21
(2) – البيان الشيوعي الذي أصدره ماركس وانجلس عام 1848م.