واقع المعاناة و إصرار المواجهة في الحركة الكوردية في سوريا

  صوت الكورد *

قد يبدو للوهلة الأولى لكل متابع للشأن الكردي أن ما نشهده من مرارة الواقع الكردي وحركته وتراجعاتها, وحالة الجماهير , وهي تتلمس واقعها المتردي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا, تحت وطأة البطالة والفقر والهجرة والمعاناة اليومية , أن هذا الواقع أصبح من لوازم الحركة وأعبائها, وضرورات التصدي لها , والتماس المخارج , ومن المقدمات النضالية المفروضة والملزمة للحركة ,  على الرغم مما نجد من ثمرة صراع مرير لم تعد معالجته من مستلزمات جهد مكافئ لما ينبغي بذله بعد جهود مضنية ومحاولات مريرة باتجاه مواجهة هذا الواقع وتبعاته , وسعي دائب وحثيث للم الشمل , وجمع الكلمة , وأن تلمس الحلول بات يدخل في كثير من المتاهات والأنفاق لتزداد مرارة الواقع وقتامته
ولكن هذه التوجسات – وعلى الرغم من نكد العنت والمعاناة فيها – تظل دون طموح الساعين المخلصين بدأب لتلمس أي انفراج وطرق أي باب مهما كان موصدا بإحكام , لكون إرادة التغيير, ومنحى التوجه بصرامة وإصرار إلى معالجة الواقع المرير, ومحاولة السيطرة عليه, ودراسة مختلف جوانبه, والبحث عن مداخله ومخارجه , وفتح مغاليقه  مهما كانت المشقة دون ولوجه, بل مجرد التوجه نحوه بحس رفيع , وسلوك الخطوات الأولى في دربه الشاق والمعسر , لكون المعالجة باتت ملحة ومصيرية , تمس أشد الضرورات وأكثرها أهمية وإلحاحا في الوقت الذي تزداد تعقيدات التشرذم وأدواؤها, وعقابيل الانقسام, وبقاء الأطر التقليدية السابقة ضمن أطر أوسع ” المجلس السياسي ” لتحتاج إلى تفعيل حقيقي يقود إلى مرجعية جامعة تؤازرها وتعضد قدرتها على الانفتاح والتغيير قوة وطنية مساندة ومشاركة في القرار الجماعي المنظم , من المثقفين والكتاب والناشطين في المجتمع والحقوقيين , من خلال ممارسة فعلية مدنية تحرك الراكد , وتبعث الحياة في الهمود المتراكم , وقد عبرت هذه القوة الكامنة الحقبقبة عن نفسها في أكثر من مناسبة , وفي الآونة الأخيرة , في حديث متواصل عن الوحدات المتجانسة , مدركة حجم الترهل القائم بتعقيداته ومقدماته وعوامله الدافعة إلى تلمس مواقع الأقدام , والبحث عن مخرج مرض , يرتقي بالعملية إلى مستوى الحدث المتحرك , والباعث لمن يحلحل راكده, ويثير مستنيمه , ويحمله من هجعته ليدفع به إلى رفض واقع الترنح والترهل , وقد ألمحنا إلى ذلك قبلا,ولا نزال نلح على ضرورة الضرورات,وهي معالجة واقع التقارب حول الأهداف والطموحات المشتركة وأبعادها,وما تفرزه من عوامل التقارب بين الوحدات والتجمعات المتشابهة والمنبثقة من رحم واحدة , فهي الأولى- لو صدقت النوايا وتمخضت إرادة التغيير – أن تتلمس بخطوات عملية موثقة وصادقة ومدروسة بعناية , لترتقي فوق التصفية والتهميش والمهاترة والتشويش وتضليل الحقائق , وممارسة الوصولية التي قادت إلى الكثير من الأخطاء والوقائع المريرة والمردية واندفع الجميع إلى دفع فاتورة الأخطاء القاتلة  , مما أبرزت الجانب الذاتي , وأفرغت المضمون من محتواه , وقادت إلى الكثير من اللأواء والتعنت وركوب الرأس والوقوع في مطب الأنانية الحزبية والفئوية وآثارها المدمرة , والتي قادت إلى كثير من التشتت , والبعد عن المصداقية , وفرز عقلية المناورة والالتواء , وأساليب في التحوط والنظر بعين الخصومة واعتبار المكسب الحزبي فوق أي تصور, يمكن – بمزيد من الوعي والمسؤولية والانضباط – أن يخفف من أسباب انعدام الثقة التي فشت وشاعت نتائجها,والتي ينبغي أن تكون الحرص على إعادتها في مقدمة أي عمل مبرور وناجع باتجاه لم الشمل وجمع الكلمة , كقوة ملهمة ودافعة لأية قدرة فاعلة تثمر عملا نحو رأب الصدع وصنع التغيير , وهو ما ينبغي الإصرار عليه لتجاوز محنة الواقع ومرارته , ولا يمكن تصور ذلك دون البحث عمن يمكنهم أن يتولوا هذه المهمة النبيلة ,ليبذلوا إلى ذلك السبيل في عمل متكامل جماعي ومنظم ومن خلال قوة وطنية محايدة ومؤثرة , وقادرة على تحريك الساحة بصبر وأناة وروية , ودراسة متقنة وواعية لأبعاد وحجم الواقع المترهل ومرارته ومقدمات تشرذم أطراف الحركة , وما عانته هذه الأطراف القائمة من تجارب وحدوية حملت الكثير من التأزم والمرارة والتشتت والكثير من آثار الانتهازية والأخطاء الفردية والجماعية , مما يدعو إلى اليقظة والحذر والأناة في الطرح والصبر على الفجوة المحدثة والاتهامات والأخطاء المتبادلة , ما يجعل المهمة عسيرة , ولكنها ليست مستحيلة مع نقاء الإرادات وصدق التوجه والاستعداد الميداني لتجاوز تلك الأخطاء والعثرات والعقبات المترافقة , وهو ما ألح عليه الكتاب والمثقفون والوطنيون الذين يجهدون في سبيل توحيد الحركة وأطرافها المتجانسة في كتاباتهم وتحركاتهم ومناقشات معقودة لهذا الغرض , لجمع الأطراف التي تحمل برامج ومناهج متشابهة , والتي خرجتها مدرسة واحدة على اختلاف في الاجتهادات والآراء والتوجهات .
ومن أجل أن تكون خطواتنا جادة وموثقة وعملية ومثمرة , كان لا بد من توجه محكم وإرادة خيرة وتصميم على المتابعة , وحيادية من أي جماعة وطنية تجد في نفسها القدرة على التصدي لهذه المهمة النبيلة , بما تحمل من مرارة وأسى وتعقيد لا يمكن أن يجد سبيلا إلى اليأس من مخرج وسط هذه الحالة المرفوعة بقوة للمعالجة والمداواة , لرفع سوية عمل نضالي يحمل تاريخا طويلا من المعاناة والتجربة, وخوض سبل التصدي لمسألة وطنية ومعاناة شعب ينبغي احترام وجوده وامتداده وحقه في حياة حرة ومواطنة حقة وسعيدة , وتعايش متكافئ ورغيد ومزدهر بين مكونات الشعب السوري العريق , مما يستلزم حركة موحدة الأطراف والأهداف والتوجهات والبرامج لتتمكن من النهوض ومعالجة الواقع المأساوي والمرير.

* الجريدة المركزية للبارتي الديمقراطي الكوردي – سوريا / العدد (352) آب 2010

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…