أما العلمانيون فيرون أن الملوك قديما كانوا يحكمون بالحق الإلهي، كما كانوا يزعمون، هكذا كانت طبيعة الدولة الدينية، لكن عندما أصبحت الشعوب في أي بلد مصدرا للسلطات، سميت الدولة بالدولة المدنية، وقد يكون في الحالتين الحكم استبداديا، وكثيرا ما يكون الداعون للحكم باسم الدين في الدولة الإسلامية، أو باسم الشعب في الدولة المدنية غير صادقين …، بعض العلمانيين يحاولون أن يميزوا بين المعنى في (الحكم) حكم النبي وحكم الملك، فالنبي كان يحكم بين الناس، أما الملك فهو يحكم الناس، وثمة آيات صريحة في بيان هذا المنحى، منحى حكم الناس، أو الحكم بين الناس، وبالتالي الفارق في وظيفة النبي والملك بيّن، ويرون بذلك أن دعوى الحكم بنظرية الحق الإلهي قد انتهت، وحلت مكانها نظرية، أن الشعوب هي مصدر السلطات، وهي تختار الحاكم، والعلمانيون عندما يتحدثون عن النبي محمد (ص) يخلعون عليه لقب الرسول وليس الملك، وبأن سلطة محمد كانت مقتصرة على الدعوة الإسلامية، وهدي الناس، ولم يشر القرآن إلى وظيفة أخرى للنبي محمد (ص) كالحكم، أما الخلفاء فجاء حكمهم باختيار الناس، فالخلافة بهذا مدنية، لكن الإسلاميين يعترضون على هذه النقطة بحجج وجيهة، فيؤكدون أن محمدا أقام دولة إسلامية، فقد قاد النبي دولة وأسس جيشا، وقام في عهده المكلفون بجباية الضرائب، وتحصيل الزكاة، وهذا دليلهم بأن ذلك لا يتم إلا في أعراف الدول، ومن هنا فهم يصرون من أن الإسلام الأول في عهد الرسول الكريم كان دينا ودولة، الإسلاميون يرون أن العلمانية والقانون الوضعي من آثار المستعمر الأجنبي، بيد أن العلمانيين ينفون هذه التهمة، فالقانون الوضعي، قد وجد في بعض الدول حتى قبل وجود الاستعمار الحديث، لكن النقطة الموجعة والمفحمة التي ينادي بها العلمانيون تتمثل في جانبين، أولا بأي نظام إسلامي سياسي ستهتدون في الحكم، بأي نموذج ديني، في الدول الإسلامية ستقتدون؟.
هل يكون الاقتداء بمثال النظام في السعودية أو في إيران أو في السودان؟.
هاتوا نموذجا واحدا يمكن أن تتبنوه في إدارة الحكم، حتى نجادلكم فيه، ثم يدلل كيف أن المنادين بالدولة الدينية لا يخرجون ببرنامجهم السياسي، ويشيرون كيف أن الإسلام السياسي بهذه الارتكابات الدموية وهو خارج السلطة، فكيف تكون الحال معه لو استلم السلطة، وتحت إمرته الجيش وقوات الأمن، وهذا ما يبعث على الذعر في نفوس الناس، وسيلان الدماء في بعض الأمصار، وربما أدت طبيعة الحكم إلى انقسام البلاد، ولذلك فالعلمانيون يركزون على الحكومة المدنية، التي تتميز بهوية المواطنة، وتركز عليها كأساس ومقياس الانتماء دون شيء آخر، ويطالبون بفصل الدين عن الدولة .
ثم متى كانوا يؤمنون بالديمقراطية؟.
ألم يقولوا عنها أنها صنيع الاستعمار؟.
ألم ننقل عن لسانهم قبل قليل ما قالوه: من أن الدولة ينبغي أن تكون من دين الأكثرية، ألا يعني ذلك أنهم يطالبون بدولة دينية إسلامية؟.
فماذا يكون ردّ فعلهم لو فاز بالانتخابات مناضل قبطي، هل يقبلون به حاكما على جمهورية مصر، لسان حالهم يقول لا بالطبع لأنهم يترنمون دائما بمقولة من أن (الإسلام دين ودولة)، ومن أن الدين الإسلامي هو الحل لكل القضايا المختلف عليها، وبالتالي فهو (الإكسير) الناجع لكل أدواء المجتمع، فهل يمكن الذهاب معهم في ذلك؟.